ادعوا لخالتي إيمان بالرحمة والمغفرة
يقف أمام المشفى بسيارته، يكاد يفتح عينيه في هذا الوقت المبكر من الصباح، نعم هو معتاد على السفر صباحًا لكن الخامسة!! يبدو أنه فعل المستحيل ليستيقظ قبل المعاد بنصف ساعة وقام بضبط العديد من المنبهات من الثالثة والنصف... كم يكره الاستيقاظ مبكرًا أيًا كان السبب...
لكن هذه المرة لا يستطيع أن يفعل...
ليس والأمر يخصها ويسيطر عليها كما لو أنها المعنية...
نظر بجانبه لكومة السواد الذي لا يظهر منها سوى عينيها المشغولتين بمتابعة الطريق...
لقد كانت السماء معتمة، بلا نجوم وقمرها محاق، لكنه لم يأبه لأنه وجدَ قمره المضيء في عينيها
يرى أنه من المجحف في هذه اللحظة أن ينعت هذا الجمال بالعينين ويصمت، ربما جوهرتين لا تقدران بثمن، ألماستين ذواتا قيود وهمية تسحبه إليها وتحاصره بأشعتها...
أرجعَ ظهره للخلف، مغلق الجفنين متمتمًا
--يا رب الصبرر
وسرعان ما التفتت إليه تزيل اللثام التي صنعته بطرف طرحتها وتحدثه بحدة ظهرت في ملامحها قبل نبرتها
-عذرًا لقد عطلناك عن أعمالك سيد برهان المرة القادمة سنتحدث لسكرتيرتك أولاً
ابتسمَ برهان فاتحًا جفنيه لكن ظلَّ على وضعيته الكسولة مراقبًا لها باستمتاع
-للأسف لن تكون متاحة لأن لا إنسان طبيعي يستيقظ في هذا الوقت
زفرت بضيق ثم نظرت أمامها مرة أخرى وهي تتثائب
-نعم معك حق لكن هذا هو الوقت الوحيد الذي نستطيع فيه إنقاذ الفتاة، ألا تحب أن تعمل خيرًا؟
فركَ عينيه باصبعين وأجاب بحنق
-نعم أحب لكن في التاسعة، العاشرة.. لكن الخامسة صباحًا؟!! الخير الوحيد الذي كان يجب عليكِ فعله هو تركي أنام ولـ...
-ها هم
قطعت حديثه بإشارة من يدها ثم عاطت تغطي نصف وجهها مرة أخرى، اندهشَ من تغيرها المفاجئ لكن سرعان ما نظر في المكان الذي أشارت ناحيته ليجد عدة رجال ضخام يرتدون ملابس بدوية ومعهم بنادق يركبون سيارة بيضاء نصف نقل ثم ينطلقون في طريقهم...
-هيا انزل... هل فعلت ما أخبرتك به البارحة؟
وجدها تفتح الباب لكن أغلقه إلكترونيًا من ناحيته قبل أن تنزل، ليتحدث بجدية قبل أن تحوّل صراخ ملامحها لحروف
-نعم فعلت لكن انتظري هنا ما الذي تنوين فعله؟! وكيف علمتِ أنهم سيتركون المشفى في هذا الوقت؟
تنهدت بنون وقالت كأنها تُهدهد طفل صغير حتى لا ينتبه لاختفاء أمه
-أنوي أن أساعد الفتاة المسكينة التي يمكن أن تموت لو لم تعمل العملية، ربابة وجواد في انتظارنا وبما أنه زوجها سيوقع على وثيقة إتمام العملية لكن لن تكون في المشفى بل في عيادة خاصة ثم بعد تطلب أنت الرجال الذين اتفقت معهم البارحة سينقلوهم لمكان آمن يعرف جواد عنوانه.... هذا ما سيحدث ببساطة
ضيّق عينه بشك من الحماس الذي تسرد به ما سيحدث، وبكل هذه البساطة، هدم طاقتها الشغوفة عندما هتف بدوره ساخرًا
-وانتِ تضمنين أن المشفى ستعطيكِ الفتاة هكذا؟
أومأت بنون مؤكده
-نعم جواد قام بالتوقيع البارحة في سرية تامة
رفع برهان حاجبه وقالَ مستفسرًا
-يمكن أن تخبرهم الطبيبة وحينها ستقعين في مأزق كبير
هزت رأسها نفيًا ومقلتيها تلتمعان بشعور الخلاص الحارق
-لا تقلق لقد كانت الطبيبة مؤيدة للأمر بشدة، وهي من أخبرت جواد أنها ستقوم بالعملية في عيادتها الخاصة
اقتربَ بوجهه منها أكثر لتواجهه هي بتساؤل لكن جهلها لم يدم كثيرًا لقوله الحانق
-متى أخبركِ جواد بكل هذا؟ على ما أظن عندما وقفنا معًا لم يتجاوز الأمر خمس دقائق
حركت عينيها بملل لتُجيبه بسلاسة
-لقد حادثته البارحة في الهاتف، عندما كنت تدفع حساب المشفى أخذت رقمه... وطوال هذه المدة كنا نحاول أن نجد طريقة لتهريب ربابة
هذه اللهجة الغير مبالية يود أن يمحيها من شفتيها، اقتربَ أكثر منها لتعود هي تلقائيًا للخلف، لكن اختفت السخرية ليحل محلها الجمود، شيئًا ما في ملامحه تغير وهي لم تعرف ما هو.. أو لم تصدق أنه هو!
-اممم لم تخبريني أنكِ تحادثينه رغم أننا معًا في العمل
تأففت هي بضيق وحركت لسانها داخل فمها بعجالة قبل أن تهتف بانفعال
-هل هذا وقته؟ في النهاية لقد عرفت والآن هيا الأمر لا يحتمل تأخيرًا أكثر من ذلك
حدجها صامتًا، ترغي وتزبد وتطالبه لينزل القفل ويتحركا قبل أن تأتي دورية الحراسة الثانية لكنه ليس هنا، كان شاردًا في لمعة عينيها، وجزءًا منه أراد أن يعلمها درسًا
-برهان أنا لا أمزح يجب علينا النزول الآن وإلا فقدنا فرصة الهرب لم يتبق سوى نصف ساعة على مجيئ الدورية الثانية للحراسة
رمقها بجمود ثم أعاد وجهه للأمام وأغمض عينيه وعادَ بظهره ليكن في وضعية نوم مريحة، سكتت قليلاً لكن الوقت بدأ يداهما فعادت لتحادثه بصوت أعلى لكنه هامس
-برهااان ما الذي تظن أنك تفعله!! الآن لم انت جالس بهذه الوضعية؟!! إن لم ترد مساعدتي فدعني أنزل أنهي الأمر بنفسي
أنت تقرأ
ما الهوى إلا لسلطان
Romansaأودعت إليك حبًا مُزخرفًا بالورود كلما أوشكت أوراقه على الذبول سقيتها من فيض مشاعري بينما مننت عليّ بنظرة بئس القلب الذي أحبك