-مُعاب أنا دون شففة، ومبتلي بلا غفران...
يهتف متضرعًا في السقف، لكن روحه تتخطى ذلك الحد، روحه تهفو للسماء إلى رب القلوب والمستضعفين
رب بدور الذي قهرها
ورب ابنته الذي عاقها
ورب كل مظلوم كان هو سببًا في ظلمها
دمعة فلتت من مُقلتيه ترويان أرض وجنتيه القاحلتين، هذا الرجل لم يبكي إلا للشدائد حتى يوم وفاة جدته ما بكى رغم حبه القوي لها
لم عليه أن يعتل هكذا!!، في أكبر مواضع قوته وفي منتصف فخره...
الحادثة التي أصابته نتاجها كان مؤلمًا، قاهرًا لرجل في هيبة سالم الذي لا يتضرع من هذه الحياة سوى ولد من صلبه...
والآن هو غير ... قادر... على ... الإنجاب...
مسحَ دمعته واستقامَ من رقدته التي ظلَّ عليها الساعتين الماضيتين، لقد انعزلَ في غرفته المظلمة وصرخَ في الجميع أن يتركوه وحده... مع علته!!
صوت خطوات قادمة تجاه غرفته جعلت جسده يتحفز للصراخ مرة أخرى، لكن الهدوء الذي عمَّ فجأة صرفَ انتباهه عمن غيّرَ رأيه عن مقابلته، أو هكذا ظن
فالثانية التالية كان الباب يُفتح ويدلف شخص منه، هذا استدعى عصبيته
-من الذي دخل دون إذني.. اخرج لا أريد أن أرى أحدًا
بهدوء كان صوت المفتاح يُنبهه للمرة الثانية للقادم
من يملك مفتاح هذه الغرفة وله الأحقية بالدخول؟
من سواها؟
بدور!
ابتلعَ ريقه الغاص في حلقه، أشاحَ بعينيه بعيدًا عنها لكنها عادت تخذله وتتوق إليها، فتمتمَ بالصبر بينما يراها تتقدم نحوه، بملامح جامدة وخطًا واثقة وظهرًا مستقيمً، ترى هل كان سيلاحظ لو كان الأمر غير الأمر؟
-كيف حالك يا سالم؟
هكذا؟ بكل هذا الفتور تسأله وهي تجلس مقابلة له على الفراش؟!
لا نظرة حنين
ولا حديث ينبض بالحب كما كان؟
أجاب هو من فرط تشائمه
-لم جئتِ يا بدور قلت أنني لا أطيق رؤية أحد
لم تعطه ردًا يُثلج صدره بل صمتت وصمت معها كل الحديث، ليتجرع هو هذا السكوت مغمغمًا بينما يطرق برأسه لأسفل
-جئتِ لتشمتي...
وقطعت حديثه قائلة بقوة
-بل جئت لأطلب الطلاق سالم.... أنا أيضًا أريد رجلاً صحيحًا لأنجب منه
أنت تقرأ
ما الهوى إلا لسلطان
عاطفيةألا تفهمين قليلاً أن هناك بعض الأشياء لا أستطيع أن أبوح بها لأنها ليست ملكي وحدي؟... ألا ترين كم أحاول إسعادك وألا نعود لنقطة الصفر مرة أخرى؟... ألا تفهمين؟ ألا ترين؟ -لا أثق... تسربت الحروف من بين شفتيها في صرخة مُلتاعة والدموع تترك حدقتيها لتؤازر...
