بعتذر عن الغيبة الطويلة دي لكن كان عندي ظروف سيئة منها تعب خالتي وكنت بسافر
فأتمنى يكون ليّا رصيد من الأعذار💜قراءة ممتعة.
"ربما ... كنا"
الأمر كان أشبه برياح عاتية لها صرير مرعب
ففجأة انقلب كل شيء
حتى مشاعري
من الحب الهادئ
إلى الكره الصاخب
ولا زلت
مجبورة
غير راضية
******
الأمر أشبه بدوسة فرامل أوقفت السيارة فجأة فانحنى الجميع للأمام قبل أن يرتدوا للخلف بقوة
الزغاريد التي انطلقت من فم النسوة، والفرحة العارمة التي شقت سكون الليل وقطعت الوضع الحميمي الذي كان فيه سالم مع زوجته كل هذا تحوّل لأدمع ظنت أنها تختبئ داخل المُقل قبل أن تلمع على الأهداب مُنبئة بالسقوط
بداية من معرفة بدور بموت الطفل الذي بين يديها واخبار سالم الذي اقتحمَ الجمع الواقف دون إظهار شجاعة أو نية لدخول الغرفة التي مات فيها ولده
والصدمة لم تكن من نصيب بدور التي وجدت رابحة تقف بدورها بجانبها تحتضنا وتؤازرها، ولا دلال التي كانت تُمسك بالفتاة الناجية من الولادة وتردد "إنا لله وإنا إليه راجعون"
حتى الجد الذي تراص بجانبه في الخارج سلطان وفراس وأولاده الاثنين لم يكن بقدر صدمة الواقف على أعتاب الباب قدماه لا تحمله
رباه...
نظرات سالم تُحدق في اللفافة الصغيرة القابعة بين ذراعي بدور التي ترفض التخلّي عنها. اقتربَ منها بخطوات وئيدة، قدم تتقدم والأخرى تتأخر استجابة لقلبه المُلتاع وأعينه الغائرة بالدموع
وفي ذلك الوقت أشار الجد للجميع بالخروج وتركهم وحدهم، ربما كانت فكرة جيدة لكنها بالنسبة لرابحة سيئة للغاية... فهي تريد أن تبرح سالم ضربًا وأن تشمت به كثيرًا لكن في الكفة الأخرى كانت ستشهد انهيار أختها...
وقبل أن تخرج سارت بمحازاته وأردفت من بين أسنانها دون أن يسمعها أحد
-تبًا لك ... أنت تستحق هذا
كانت أخر من يغلق الباب، برأس مرفوعة وشماته واضحة
-ما الذي قلته لسالم؟
واجهها سلطان بوجه يبدو عليه الترقب والسخط معًا، فاصطنعت ابتسامة لا تُناسب الموقف وأردفت
-كنت أواسيه
حكَّ سلطان جبينه بإرهاق ثم تمتمَ بفطنة تعرف آلاعيب زوجته جيدًا
-الرجل به ما يكفي يا رابحة لقد مات ابنه الذي انتظره سنوات للتو... لا تزيدي الأمر سوءً
تشنجت ابتسامتها حتى ظهرَ على وجهها تعبيرًا حادًا
-ألم يزد الأمر سوءً على أختي عندما تزوج عليها أخرى من أجل هذا الولد!!!... ألم يكن الأمر سيئًا بما يكفي طوال فترة حمل أختي وهي مُترقبة ألا تُنجب الولد!!.... طيلة فترة زواجهم كانت الأيام كالجحيم بسبب كلماته الحقيرة مثله عن مدى رغبته بإنجاب الولد... وكأن الأمر على عاتق أختي وحدها...
توقفت تلتقط أنفاسها السريعة بينما سلطان يُشاهد صراعها المنفعل وللحق لقد انتابته شفقة على بدور أيضًا بعد حديثها...
وبحركة مفاجئة طوّق كتفيها بذراعه ضاغطًا برفق ثم قادها لغرفتهما بعدما لمحَ الدموع تتأرجح بين جفنيها مُهددة بالنزول
-أنا أعلم أن بدور ظُلمت هي الأخرى لكن الموضوع معقد كلاهما فقد ابنًا للتو... هذا ليس وقت إلقاء اللوم على أية حال
وكأنها تنبهت للتو على شعور الفقد المؤلم...
الشعور الذي لطالما لازمها ولتستغرب إذا عاشت غيره
-هيا أنتِ بحاجة للراحة رغم أنني أتحرق شوقًا لتكملة ما بدأناه لكن لا بأس المرات عديدة
كانا قد وصلا للغرفة فوضعت كفها على أصابع سلطان التي تحتضن ذراعها وتقربها منه كثيرًا ثم تنهدت وهي تتحرك لتكون بمواجهته بينما كفها الأيمن يُملس وجنته بلطف وتغمغم بابتسامة حقيقية تلك المرة رغم آلمها
-أفضل شيء أنك لن تفعل مثله... لن تذهب وتتزوج عليّ .... ضمنت زوجًا مخلصًا مثلك... أنا أحبك سلطان
وحرف النون الذي خرجَ من بين شفتيها رقيقًا جعله يُغمض عينيه انتشاءً وهربًا من جرتي العسل التي توخزه بسهام الثقة
وهو لا يستحق
انحنى على جبينها مقبلاً إياه وحروفه مُضطربة تؤازر اضطرابه الداخلي
-أنا أيضًا أحبك
*******
جو مليء بالفوضوية والتوتر... وربما البكاء في وقتٍ تالي
بدور التي ترقد متخشبة على السرير وبحضنها الطفل وسالم الذي توقفَ قربها لا يشعر بالعالم حوله وعينيه معلقتان على اللفافة الصغيرة
أهكذا هو شعور القهر المشوب بالغضب؟!
إلى أي مدى قد بلغَ من الحسرة لفقدانه ابنه الذي انتظره سنوات وليس هكذا فقط بل تزوجَ من أجل أن يحظى به
وجهه أسود يلتحف بالصمت اجبارًا لكن داخله يشتعل ولا يقدر على إخماد النيران، كان على وشك الحصول على نجمته العالية وفجأة وجدَ نفسه في أسافل الأرض دون أي إنذار مُسبق
-هل تريد رؤيته؟
كان أول من كسر الصمت هو بدور، ذات الوجه الجامد المُثبت على نقطة وهمية قد لا تكون تراها من الأساس
-لن أعطيه لك... أنت لا تستحقه ... حيًا أو ميتًا
-يكفي
خرجَ منه رجاء ضعيف أشبه بالآنات لكنها لم تهدأ وهي تواصل
-كل هذا بسببك، طمعك وجشعك ... أنت وحدك فقط
انهارَ أرضًا بجوار السرير فقدميه قررت ان تتخلى عنه كما تفعل بدور الأن وتجلده بسياط الندم المُبرح...
-ببساطة أنت رجل ورث السيء أكثر من الجيد فلم تتوقع أن الأفضل هو ما سيحدث؟!
-كفى
دفن وجهه بالسرير وصوت بكاءه بدأ يتعالى في الغرفة حتى أنه استدعى دمعة انزلقت على خد بدور، ضمت ابنها لصدرها أكثر ثم أضافت بنبرتها الخالية من المشاعر
-أكاد أصدق أنك حزين حقًا... بإمكانك أن تحظى بغيره مع زوجتك الجديدة لم أنت مستاء؟!
-كفى ... كفى... أرجوك لا أحتمل أكثر.... أنا أيضًا والده
هدرَ بعنف وهو يتحامل على جسده ويستقيم لكن نظراته بقت زائغة من الدموع التي تغشيها وبروحٍ خاوية تعبت من تلاطمات الحياة
-وأنا أيضًا والدته .... التي ستطلقها
رفعَ وجهه من الفراش وحدجها بملامح مصدومة، لكنها تجاهلته وأضافت ودمعها ينزلق على وجنتيها
-لم يعد يربطني بك أي شيء يا سالم، لقد جاء الولد ومات وأنت تزوجت ويمكن أن تنجب ولدًا آخر ستنشغل به ويكون لك كل دُنياك وستفرح.... وأنا أقضي عمري مكلومة لأنني خسرت زوجًا وابنًا....
-أنا لن أطلقك
نطقها سالم بحزم وقد بدأ يستعيد ثباته، عاجلته هي بصرخة توحي بفقدان أعصابها
-أنا لن أعيش معك بعد الآن ليس وأنا أكرهك.... يكفي ما عانيته من قبل بكلامك المتلاعب وزواجك عليّ لتقهرني ..... ودعني أعلمك شيئًا أنت لست أبًا صالحًا لذا لا أأمن فتياتي معك ربما تكره ابنتك المولودة لأنها عاشت هي ومات الولد
هدرت بشراسة استفحلت في وجهها فجعلته أحمرًا ورغم وهن جسدها من إعياء الولادة استطاعت أن تودعه شعورًا بالقوة التي أمسكت خيطها وها هو أول من يذوق نبذها
لن ينكر أن لكلماتها القاسية صدى موجع في صدره، جعله يشعر بالدونية والندم، ربما لو كانت الأمور بخير لأصبح الاعتذار سهلاً فقط كلمة "أنا أسف" وقبلة على الجبين وعباءة فرعونية منقوشة كما تحب
لكن لو وضعَ روحه مقابل أن تغفر له ستأخذ روحه ولن تسامحه أيضًا
-اسمعيني يا بدور أنا مقدّر حالتك جيدًا وأعلم أن الأمر لم يكن سهلاً عليك رغم الله العالم بحالي الآن، لا أود أن أكون جاحدًا أكثر وأتحدث في مشروعية زواجي من أخرى لكني سأخبرك جملة واحدة أنا لن أطلقك إلى أن أموت ستكونين على اسمي
-إذا أتمنى أن تموت وأرتاح منك
ودون ساب إنذار كانت الحروف تنساب من بين شفتيها بما تمناه قلبها في تلك اللحظة...
ران الصمت هي تستوعب ما تفوهت به لكنها ليست نادمة
وهو متسع العينين فاغرًا فاهه يتأكد ما أنها حقًا أخبرته للتو أنها تتمنى موته!!
بدور حبيبته التي تربت أمام عينيه وتزوج ليغرقها بكل الحب أخبرته للتو براحتها في موته!!
يعلم أنه أخطأ عندما ضغطَ عليها لكــن هل وصلَ به الأمر في الكره لتكون أمنيته موته!!!
نظرت إليه بتشفٍ بالغ وقد حركت ابنتها في حضنها قبل أن تبتسم بشماته وتتشدق بسخرية
-هل آلمك هذا؟ لقد كنت السبب في موتي بالفعل ألف مرة وأنت تتحدث عن الزواج وتضغط عليّ بكلامك... ألا تشعر الآن كيف هي مؤلمة وبشدة!
لم يرد وبقى ينظر لعينيها التي تغيرت نظرتهما الحنونة لأخرى صارمة، وملامحها الرائقة قد اتسخت بدموع قهرها منه
بقى يُحدق بها، يحاول أن يبحث عن بدور القديمة فلا يجدها لقد رحلت وتركت له نسخة جديدة لا يعرفها بل هو قلق من أنها ستتعبه كثيرًا
راقبته وهو يقترب منها وينحني على ابنتها القابعة في حضنها يُقبلها من جبينها ويحملها ليؤذن بأذنها اليمنى ويُقيم في اليسرى ثم أعادها لحضنها
-نعم أنا أشعر الآن مثلما كنتِ تشعرين... أصبحنا متعادلين الآن .... لنكف عن أذية بعضنا
جاء ليُقبلها من جبينها لكنها أبعدت رأسها، أغمض عينيه بقوة وجسده يشتد من وطأة نفورها منه
-كوني بخير
قالها ثم خرجَ من الغرفة ... رحلَ بعدما بعثرها أشلاء وأحرقَ روحها والآن يُطالب بإنهاء الحرب بعدما تذوق جرعة صغيرة من ألمها
فليحلم الطائر الشريد بالعودة لعشه... لأنه لن يجده بعد الآن ينتظره
**********
لم عليها أن تعاني دائمًا في مشاعرها وحياتها وأهلها!
لقد استكفت من والدتها ليأتي ذلك البغيض المُلّقب زيفًا برجل ويسلب منها آخر ذرة من مشاعر الثقة التي تعطيها لأحد...
أما بالنسبة لجدها فنظرته الأخيرة الجامدة لها لا تنفك عن البراح من مُخيلتها
ليتها تعيش حياة هادئة
وعلى ذكر الهدوء كانت في غرفتها تُنظم ملابسها في الخزانة حتى سمعت صوت ضحكات عالية من الشرفة فتأففت بضيق وهي تعرف المصدر جيدًا ...
المصدر الذي يرفع ضغطها عندما تراه
وهو نفس المصدر الذي امتلكَ الشقة المقابلة لشقتها هي وأخيها...
اللعنة على المصدر وألف لعنة على ضحكاته
-لا تقلقي أنا أكل جيدًا.. اشتقت إليك أنا أيضًا....
بدون نية في السماع كانت كلماته تصل إليها عبر باب الشرفة وصوته العالي نسبيًا، امتعضت في نفسها قائلة
"هذا الغريب لديه حبيبة؟ بالتأكيد ستكون أشد غرابة منه"
أكملت ما تفعله حتى سمعت جُملة أخرى لم تكن تود أن تسمعها
-حسنًا حبيبتي بإمكانك الصمود لشهرٍ واحد فقط وستجدينني أمامك وحينها أشبعيني قبلات وأنا سأتقبلها بصدر رحب
شهقت وهي تستمع لكلماته الوقحة، هي مغتاظة منه وقد وجدت سببًا لتنفجر
ودون سابق إنذار كانت تلقي ما بيدها وتخرج للشرفة لتجده يُنهي المكالمة وعلى شفتيه ابتسامة قتلتها هي بقولها التالي:
-أخفض صوتك قليلاً فهناك فتيات تعيش بجانبك ولا تريد سماع كلامك الوقح
نظرَ لها رافعًا حاجبه مستغربًا هجومها الفظ ثم اختار الهدوء ليسود نبرته
-هل تريدين شيئًا يا أنسة؟
استشاطت غضبًا من بروده ثم ألقمته ما جاءت لأجله
-حولك جيران إن أردت التحدث في أشياءك العائلية تحدث بها بالداخل ليس أمام الملأ وتلك الأشياء القذرة التي قلتها
تجهمت ملامحه من وقاحتها التي لم تخجل منها، فدس الهاتف بجيبه وتقدم حتى أصبحَ يقف أمامها لا يفصل بينهما إلا حاجزي الشرفة ومسافة صغيرة بين الشرفتين
-وهل ضربتك على يدك حتى تسمعي ما أقول أنا أتحدث في شرفة منزلي إذا أردتِ ألا تسمعي شيئًا أغلقي الزجاج جيدًا وصدقيني سيفي بالغرض... "توقف هنيه ثم أضاف بهدوء كأنه لم ينفعل" ثم أين حجابك
تلقائيًا كان تضع يدها على رأسها لتتفاجأ بخصلات شعرها العاطلة من وشاحها، أصدرت همهمة خفيفة لم تلبث ثوانٍ لكنها عادت لحنقها المعتاد منه ... كأنها تخصه هو وحده
-لا أعلم لم تحدثينني بكل تلك الحدة رغم أنني لو سمعت نفس الشيء منك على الهاتف لم أكن لأفعل ما فعلتيه... أولاً لأنني لا أتدخل بما لا يخصني وثانيًا أنت من طلبتي أن نُحد من التعامل بيننا طالما لم يجمعنا عمل لذا أقترح عليكِ بعض الهدنة علّكِ تهدئين قليلاً
داهمها بمخملية صوته وعيناه تطوفان على ملامح وجهها تتشربه ربما أو ربما أخرى تتفحص تعبيراتها الحادة بداية من أنفها المتعالي مرورًا ببؤرتيها الفضيتين الثاقبة
لو كانت النظرات تقتل لكان هو ذاب من أشعة عينيها
ارتسمت على شفتيها ابتسامة ساخرة قبل أن تتشدق بغيظ
-لا أريد هدنتك ولا رؤيتك من الأساس .. راعي فقط شعور الأخرين عندما تتحدث بصوت عالٍ يثقب أذانهم
وفورًا كانت تدخل لغرفتها بعدما ألقت عليه مهاترات لم يفهم منها شيئًا سوى إحراجها بعدما ذكرّها بالاتفاق الذي بينهما
أما هي فأغلقت زجاج الشرفة بإحكام وشهقت بجزع عندما وددت حقيبتها مبعثرة أرضًا، وسرعان لفّها الإدراك لدقائق قبل ذاك الوقت وهي تخرج إلى الشرفة مندفعة نحو المصدر المزعج وأثناء ذلك أوقعت حقيبتها
احتضن كفيها وجهها وأصدرت صوتًا مقهورًا منه وبعض الدماء تنفر إلى وجنتيها من إحراجها ومن ردوده الهادئة حتى الإهانة لم يردها بإهانة بل قلب الطاولة لصالحه
تخصرت وهي تطلق تنهيدة عالية لم تُهدّئ غضبها بل فاقمته
لا تعرف لم تقف له على الهفوة وتنزعج من رؤيته
ربما لأنها حقًا لا تطيقه
أو
لأنه يعرف سرّها الذي ارتكبته في لحظة حماقة تحت غفلة من مشاعرها
وإن كان يظن أنه يُمسك يدها التي تؤلمها ستبترها قبل أن يبتزها به
أصبحت لا تثق في جنس الرجال بتاتًا ولا حتى أخيها الذي يشاركها الشقة
وعلى ذكر أخيها كانت هناك طرقات على باب غرفها خمنت أنها له، فتحت الباب بحذر لتجده يقف بابتسامة يُخبرها أن تأتي لتأكل فرمقته بفتور قبل أن تمتم
-شكرًا لست جائعة
-لم تأكلي شيئًا في الصباح وقد سافرنا طريقًا طويلاً ...تعالي لنأكل سويًا جهزت ما يكفي لكلينا
أصرَّ تميم بصوت راجي لتُخاطبه بنفس النبرة الحانقة
-أخبرتك أنني لا أريد حينما أجوع سأكل ... وعن إذنك لأنني أريد الراحة
قالتها ثم أغلقت الباب في وجهه وهي منفعلة من إلحاحه كما لو أنه لم يُدمر حياتها قبلاً
أم أن الوجبة هي اعتذار؟!
كعادة الرجال دائمًا يتجاهلون المشكلة الأساسية، ويتغاضون عن ثقافة الاعتذار...
فكلمة أنا أسف قد تتبدل بوجبة طعام مع ابتسامة وكأن شيئًا لم يحدث
لا يا حبيبي
لقد حدث كثيرًا حتى أنني لم أعد قادرة على بثكم المزيد من الأعذار والحب
ربما إن أراد أن تعود المياه لمجاريها عليه أن يبذل جهدًا أكبر
هتفت من بين أسنانها بقهر
-اللعنة عليكم أيها الرجال... اللعنة
أما هو فقد مكثَ دقيقة أمام الباب المُغلق في وجهه يستوعب ما حدث وكيف أنها رفضت مشاركته الطعام، وقد أحسّ بنفورها منه منذ أن كانا في السيارة
فما زال أمامه طريقًا طويلاً حتى تعود الحياة رائقة كما كانت قبل أعوام طويلة
*******
يقف بين جده ووالده أمام المقبرة يحمل صغيره الميت والذي يتوجب عليه أن يدفنه الآن
وفي الخلف كانت بدور تستند على يد أختها التي تدعم ظهرها ووالدتها التي تربت عليها وتلمس على شعرها بينما تبكي لحال ابنتها
صوت نشيج بدور الباكي أدمى القلوب خاصةً الكلمات الشجية التي رثت بها ابنها الذي لم تشبع منه وقد فقدته لحظة ما رأته
توقفت غير قادرة على الحركة أكثر وفجأة ارتمت أرضًا وبدأ صوتها يعلو بالنحيب وقد بدأت تفقد صوابها وتكبش الرمال بكفيها ثم تلقيه على رأسها، ولم تتوقف عند هذا الحد بل كانت تلطم وجهها وتخمش صدرها وهي تصرخ عاليًا
امتزجَ ماء بكاءها بالتراب المغطي لوجهها فأضحى أسودًا، احتضنتها رابحة وهي تشاركها البكاء بحرقة وتضغط على جسدها بينما تهدئها
دلفت فاطمة قرب حفيدتها الجزعة ثم جذبتها لأحضانها وهي تجلس بجانبها هامسة في أذنها بكلمات مُهدئة تتصبر بها وبالفعل بدأت تذكر الله وجسدها يسكن بين يديها لا يُسمع فقط سوى نشيج بكائها
أما في الناحية الأخرى كان يحتضن ابنه لصدره لا يريد إفلاته، لقد حثه والده وجده وأبناء عمومته أن يدفن ولده وهو كأنه لا يسمع كلما تحدثَ أحدهما قرّبه إلى صدره وهزَّ رأسه نافيًا
استنشق رائحته الطفولية التي بدأت في التلاشي مع الموت الذي أسكن جسده للأبد.
نظرَ إليه وهو في لفافته البيضاء التي احتضنت جسده وانحنى مقبلاً إياه قبله طويلة غرقَ بها بتخيلاته التي لم تنفك يومًا عن الذبول في عقله
لقد تمنى ولدًا ليكون عزوته وسنده في الحياة، يربيه على أمور الرجال ليسير معه في الطرقات متفاخرًا به
لكن
كل هذا
قد تلاشى!
فابنه القابع بين يديه
مات!
وهو الآن يجب عليه دفنه
-هيا يا سالم لا تطل الأمر وادفنه... حرام عليك بني
هتفَ والده برجاء ليجد الصمت منه كما عهدَ في المرات السابقة، لكن لم يدم طويلاً إذ خرجَ صوت سالم محشرجًا من غصة استحكمت حلقه
-لقد انتظرته طويلاً لكنه رحلَ سريعًا
-وحدَ الله يا سالم هذا قضاء الله النافذ أتعترض على قضاءه؟
هزَّ رأسه نفيًا والأدمع تتسرب خارج مقلتيه
-لا إله إلا الله... أنا ... فقط.... انتظرته ... لا أريد تركه
بدأ بالانتحاب وهو يضمه أكثر إلى عنقه ويتلمس فيه النبض، يكاد قلبه ينشطر من حزنه على ابنه الذي تمناه دائمًا
وجدَ سلطان أن الأمر سيطول وبدور لن تحتمل أكثر فاقتربَ منه مربتًا على كتفه وأردفَ بصوت قوي
-لا تجزع يا سالم فجميعنا لله وإليه راجعون .... بإذن الله سيعوضك الله خيرًا فاصبر واحتسب عند الله.... هيّا يا سالم زوجتك منهارة ولا يصح أن تزيد انهيارها أكثر
نظرَ سالم خلفه فوجدَ بدور بحالتها المزرية فرق قلبه وتأنى ثم نظرَ لولده نظرة أخيرة
مريرة
مُتلهفة
حزينة
والآن قد أودعه في التراب وأودعَ قلبه معه
........صمت مهيب يعمّ المجلس الذي عُقد في غير ميعاده وفجأة دون أن يعرف أي رجل من القبيلة إلا الجد بالطبع لانه صاحب رأي انعقاد المجلس....
والذي عرقل تفكير الجميع هو وجود رابحة بجانب جدها والنظرات المتبادلة بينهم كأن هناك شيء
الجميع كان يشعر بالريبة إلاه
كان القلب مُحتل عواطفه وشعورًا غائمًا يُنذر بعواصف البعد يعبث داخله
يخاف البُعد وهو السبب فيه
يخاف ألا يراها مرة أخرى فينكسر
قد تظن أنك في الحب سلطانًا؛ تملك مقاليده، وتعرف خباياه ولكن يتضح أنك مُرّجحًا في إحدى كفتي ميزان تميل ناحية الفراق
فتصبح السلطان هاويًا، ويبتعد الهوى باحثًا عن سلطانه
-هل أتحدث يا جدي
رمقها كامل بنظرة عابثة قبل أن يومئ برأسه فتنظر في عيني زوجها وتتحدث بقوة معهودة
-أريد الطلاق يا جدي ... لأنني أريد أن أنجب وزوجي يمنعني من ذلك...
أنت تقرأ
ما الهوى إلا لسلطان
Romantikأودعت إليك حبًا مُزخرفًا بالورود كلما أوشكت أوراقه على الذبول سقيتها من فيض مشاعري بينما مننت عليّ بنظرة بئس القلب الذي أحبك