الفصل الثامن والعشرون ٢

2.1K 80 28
                                    


ادعوا لخالتي إيمان ولجدتي سعاد بالرحمة والمغفرة🩵

——————-
نكون انتهينا...
نكون؟
انتهينا؟

ألم تُنبهه أكثر من مرة بهروبها المفاجئ والذي يُبعثره كليًا؟
كيف "نكون" كفعل مستمر وهما لم يبدئا حياتهما كزوجين طبيعيين ولو مرة واحدة!!
كم مرة يجب عليه أن يُكفّر عن سيئاته تجاهها و ينفضا غبار عثراتهم حتى يستعيدا حياتهما...
أليس .. هذا... أقل... الأماني؟
أم أنه رجلٌ خُلق ليُنفذ أحلام غيره لا ليتمنى!

صدى حروفها لا يزال يطن في أذنيه، يلتوي له صدره بآخر نظراته المنكسرة التي كانت ترشقه بها وهو يرتدي ملابسه، لأنه في ظنها هو ذاهب ليرى زوجته الثانية... زوجته التي فضلها عليها

ولا تعرف أنه أطلقَ قدميه في طريق الخلاص من الكوارث التي حلّت عليهم... فالعودة منه لعنة والتقدم فيه ألم تتمزق له الأحشاء

أوقفَ السيارة وقبل أن ينزل منها أرسلَ رسالة مقتضبة لسالم

-عِد العتاد وتعالي القاهرة وحدك... وحدك يا سالم.

ثم ترجلَّ من سيارته وبيده كومة من الأوراق ثم صعدَ إلى الشقة المنشودة ورنَّ الجرس ولم تمر ثوانٍ معدودة حتى أطلَّ وجه ياسمين التي لم تكـن تُشبه في اسمها من عبق أو جمال بل كانت على النقيض؛ ياسمينة لم تجد من يرويها فذبلت...

لكنها ترّفعت عن ذلك وابتسمت ابتسامة رقيقة وقالت بصوتٍ مبحوح مبطون بالحزن

-في الوقت المحدد تمامًا...
اقترب منها أكثر، ثم رد بصوتٍ خفيض

-بل تأخرت... تأخرت كثيرًا
ودخل وأقفل الباب خلفه....

هناك لحظات فارقة في حياتنا تُشكل بقيتها، تجبرنا على الانصياع.. التقبل... الهزيمة في أوج النصر... ربما في ظاهرها قاتمة، مُزعجة لكنها نجاة من هلاك...
فأيهما ستختار...
ساعة هناء وأبد الدهر هالكًا مذمومًا
أم لحظة وجع من شدته تكاد تقتلع فيها قلبك من موضعه.

نُقطة ومن بادئ السطر...

-إذًا كانت هذه هي الحقيقة التي أخفيتموها جميعًا عني؟... أن خالي عضوًا في المافيا كما أن زواجي منك لم يكن سوى انتقامًا لعمك الذي قتله والدي....والدي!!!
تقاطرت الدموع على خديها في صدمة ووجع، ما تشعر به قليل على فكرة سرده أو طرحه في مُجرد سطور، رفعت عينيها إليه محفوفتين بالدماء، وهدرت من بين أسنانها

-لم تخبرني بكل هذا الآن؟

تقبّل غضبها المتوقع وردَّ بهدوء
-أقل حقوقك أن تعرفي ما يُحاك خلفك

سخرت وهي على شفا حفرة من الانهيار، قلبها ينشطر إلى نصفين في جملتها التالية

-يا لطيب قلبك!! هل تراني حمقاء لهذه الدرجة حتى لا أصدق أنها ربما لعبة أخرى منك؟ لقد خنت ثقتي مرة ولا أستبعد أن تفعلها ثانية فأنت لا تقل حقارة عنهم

بصقت الكلام في وجهه دفعة واحدة، لتشتد قبضته وقد بدأ الغضب يتسرب إليه دفعةً واحدة وعلى غير عادته تغاضى عن الوصف الذي وصفته إياه لأن الموقف لا يحتمل
- تظن أن الفتاة الساذجة التي ارتضيت بك قبلاً  ستقبل أن تكون بيدقًا في لعبة أخرى؟ هل انتهيت مني لهذا أردت أن تسحب نفسك من اللعبة وضميرك مرتاح.. لن أنولها لك... ستعيش دائمًا تعيسًا بذنبي
مسحَ على وجهه بنفاذ صبر واقترب منها ممسكًا ذراعها لتتنبه هي على نفضتها من مكانها ووقوفها أمامه كالطير الجريح
-ياسمين اهدأي الأمر لا يحتمل عتابًا أو لومًا وإن كان لكِ كل الحق في ذلك لكن دعينا نفكر بعقلانية ونترك خلافتنا على جنب هذه المرة فقط... فأنا لدي أشياء تهمك بخصوص والدتك

كانت سترد عليه ردًا عنيفًا لولا أخر كلماته التي استرعت انتباهها وجعلت غضبها ينطفئ وينهض من رماده الصدمة والترقب

بشفاه مُرتجة خرج منها صوتًا محشرجًا همست
-والدتي أنا؟ لقد ماتت!! أقسم يا سلطان لوكانت هذه لعبة من ألاعيبك سأ....
-أقسم لكِ أنني لا أكذب هذه المرة

قاطعها بجملته الرزينة التي حملت قسمًا صدقته،  فالثقة تنضح بجلسته الثابتة وأعينه التي تقدم وعدًا تخاف أن تنخدع به
-لن أصدقك إلا عندما أرى بنفسي

زار شفتيه بسمة خافتة وهو يقول بجدية بعدما تحقق مراده دون أن يُهدر وقتًا في اقناعها

-وهو كذلك سأخبرك بالوقت والمكان حالما أتأكد

ذيّلَ آخر حديثه باستقامة تحت أنظارها المرتقبة والتي تحمل الكثير والكثير من العتاب خلفهما، وقبل أن يستدير راحلاً ألقى عليها نظرة تحمل الكثير من الأسف والكثير والكثير من الندم ولو لم تكن تتوهم لقالت أن أخر ما حفَّ عينيه كان الشفقة....


-أنا آسف حقًا لو لم تكن الظروف التي شكّلت حياتنا لما حدثَ كل هذا....

تعرف ما سيقول بعد ذلك هي ليست غبية لأن تدرك الفشل الحتمي لهذه العلاقة منذ أن بدأت.. لم ينظر لها كما ينظر لرابحة قط... لم يعبأ بها.. تركها مُعلّقة كياسمينة فقدت راويها حتى ذبلت

هي لا تكرهه ولا تحبه أيضًا!

لطالما كان وجع كرامتها أكبر من هذا الهراء الذي يُسمى حب....

ردت عينيه وفي عينيها لمعة خفيفة من الدموع

-لكل شخص أقدار يا سلطان ونحن قدرنا كان مؤقتًا مرهونٌ بانتقام قديم حققته أنت بنجاح.. لذا لا تأسف .. لا تأسف أبدًا على ما خلّفه هذا الانتقام لكل حربٍ ضحايا وقد قدّرَ لي أن أكون أنا الضحية.. وإن لم أسامحك الآن فالزمن كفيل أن يجعلني أنسى وأسامح

أسبلَ أهدابه بحرج، كلماتها تُصيبه في الصميم لكن ما بيده حيلة، لقد أخطأ ولن يكرر الخطأ ثانية...
قبل أن يفتح الباب موشكًا على الخروج قال بعد تنهيدة طويلة اختزلَ فيها كل الامتنان والاعتذارات الغير منطوقة

-أنتِ طالق....
استقبلت الخبر بابتسامة خافتة متألمة يؤازرها الوجع الذي ينضح من مُقلتيها وفي لحظة شفقة منه أنزل الدموع لتحتضن طرفي شفتيها في مواساةٍ خاصة

أغلقت الباب خلفه  ولحظة من الجمود اعترتها، ظلت مُحدقة في الفراغ ثوانٍ معدودة وصدرها يعلو ويهبط برتم غير منتظم... ثانية.. اثنتان  ثم ضجت حوائط المنزل ببكائها

شهقات متتالية وقلب يعتصره الألم وأعين قد غشاها الحسرة قبل أن تمنعها الدموع من الرؤية...  ارتمت على أقرب كرسي وهي تصرخ بملئ صوتها كالطير الجريح الذي أوشك على فقدان أنفاسه
-تبًا للانتقام....تبًا للحرب... تبًا للضحية...
لم أنا؟

صحيح؟ لم هي؟!!
**********
وهو لم يكن أقل منها لكنه عرف كيف يكبح دواخله في وجه جامد وكلمات مقتضبة حدثَ بها سالم على الهاتف ليقابله حالما يصل للقاهرة
-أين أنت؟
أجابه سالم من الطرف الأخر
-في الطريق لقد كان وقتًا قياسيًا جمعت فيه ما تريد حتى أنني تركت بناتي وزوجتي لأجلك و.. سلطان!

ما الهوى إلا لسلطانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن