ده أخر فصل قبل رمضان بإذن الله❤️
الفصل الثالث عشر
الفصل ده معظمه فلاش باك... قراءة ممتعة
فلاش باك
يُقسم أنه الوحيد في الكون الذي يشعر بتلك السعادة المطلقة، دمه يُهلل في شرايينه من القلب حاملاً البهجة لأعضائه.... لا يستطيع وصف إلى أي مدى وصلَ شعوره فلقد فاق عنان السماء!
تذكر اليوم الذي أتت فيه ليُعلمها القتال وهو رفض وكيف كانت علاقتهما ذلك اليوم من شد وجذب، ابتهجَ لا شعوريًا لترتسم أجمل ابتسامة على شفتيه راضيةً عن التدرج الذي مرت به علاقته مع صاحبة قرصي الشمس خاصته!
في بادئ الأمر لم يحتك برابحة أبدًا وكل ما كان يصل له في حديثٍ عابر عبارة عن شكوى فحواها الأساسي هي، فتلقائيًا نبتَ داخله نفورًا وغضبًا من الفتاة الجريئة صاحبة الكوارث، وابتعدَ عن أي حديثٍ يذكرها في مجلس
حتى قررت هي اقتحام عالمه، والنقر على بابه لينتبه "ها قد أتتك مُسببة الكوارث..."
يوم أتته الصومعة الخاصة لم يدرِ بنفسه إلا وهو يجرحها ويُلقي عليها ما لا تُطيق فتاة، أخرجَ غضبه المكتوم منها دُفعة واحدة غير آبهًا بما قد تشعر...
ولأن الأقدار إذا أرادت أن تجمع بين روحين تشابكت خيوطها فقد تكررت اللقاءات بينهم بشكل متواتر فلا يكاد يخوض معها حديثًا حادًا حتى يُلاحقه آخر...
حتى جاءت اللحظة الذي استمعَ لحديثها مع جدتها، أدركَ حينها أن النبرة المنكسرة التي كانت تتحدث بها ليست لصانعة مشاكل أبدًا بل لفتاة تحتاج من يمد لها يده ليجعلها تستقيم، وقد كان! لكنه لم يحسب حسابًا أنها ستتشبث به بقوة حتى يختل توازنه وتسحبه إلى بئر حبها العميق
تلك الجميلة التي سلبت قلبه غير واعيًا، وأودعت له نبضًا جديدًا عليه، خُلق من بين حجرات قلبها ليتردد صداه داخل جدران قلبه...نبذه في الأول لكن في النهاية وقع صريعًا!
وأصبحَ السلطان هاويًا
كان الحماس يتقد في كل خلايا جسده ليُقرر أن يبدأ صباحه بها ويُخبرها موافقته لتعليمها القتال، توجه نحو غرفتها التي ستهجرها خلال أيامٍ قليلة وتنتقل لخيمته لمدة أسبوع إلى أن ينتقلا لغرفته، دلفَ من الباب يطوي الأرض تحته على أمل يتجدد لقاءهما مثل البارحة ليندفع نحو الباب حالما استمعَ لصوت شجار قادم من الداخل، وقفَ على أعتاب الغرفة ورفعَ يده ليطرق لكن قبضته لم تصل للباب فقد أعادها إلى جانبه قابضًا عليها أكثر بينما أسنانه كانت في معركة طاحنة فيما بينها إزاء الانفعال الناشب بجسده
-أو تعلمين! هذا صحيح سلطان كان تحديًا كبيرًا بالنسبة لي وكسبته بشرف حتى أنني إذا زدت من دلالي قليلاً أصبحَ خاتمًا في اصبعي.. انتظري وسترين
وحينها ستعُدي انتصاراتي خلفي
انتابته الصدمة من قولها الصريح دون أي تلعثم أو نية في الرجوع، وهذا جعلَ عروقه تنفر ويتفاقم الغضب داخله أكثر، فكل ثانية تفكيـر تُزيد من شعوره
هل كان مُجرد بيدقًا في لُعبة نسائية قذرة من ذوي الكيد!، أتراه بهذا الرخص لتقول الكلام كأنها تبصقه! بل وتتفاخر أيضًا؟!
تبًا لها سيريها من هو الخاتم في الاصبع ومن سينتصر في الأخير
اقتحمَ الغرفة فجأة ليراها تضرب خنساء، لم يهتم بما يحدث أكثر من الأسئلة التي تدور في مخيلته وتدفعه للهاوية الآن
أبعدهما عن بعضهما ونطقَ كلمة وئيدة بينما يحدج رابحة بشرار يتقد من عيني
-اخرجي
-لقد تهجمت علي وضربـ.....
حاولت خنساء الشرح بنبرة باكية لتستميله لكنه صرخ بنفس أمره السابق
-قلت اخرجي
أطاعته خنساء فورًا وخرجت من الغرفة تجر أذيال خيبتها
كانت عيناه لا زالتا مصوبتين على رابحة، يرمقها بشرٍ سافر يخفي بين طياته وجعًا وخذلانًا
ابتلعت رابحة ريقها من منظره فقد كان كأسد غاضب...غاضب بشدة !
-لم كل هذا الغضب ألم أتركك البارحة في حالٍ سعيد؟ ما الذي حدث؟!
كانت أول من قطع الصمت والنظرات بينهما فهي لم تحتمل كل هذا النفور من عينيه، كانت تقترب مع كل كلمة حتى وقفت قبالته لا يفصلهما سوى يدها التي تعبث بياقة عبائته في دلالٍ واستمالة
أزاحَ يدها عنه في عنف وهتفَ بكل ما يعتمل داخلة من اهتياج
-لماذا؟!!!
-لماذا ماذا؟
سألت على سؤاله ليقبض على عضدها بقسوة ويجيب من بين أسنانه
-لماذا أنتِ وضيعة لهذا الحد، لماذا صدقت أكاذيبك اللعينة التي كنتِ تلقينها على مسامعي على الدوام... لماذا كنتِ تحومين حولي وأنتِ لم تريدنني من الأساس؟ أم أن اللعبة الممنوعة أعجبتك؟
بهت وجهها واصفر من الصراخ الذي تبع حديثه بالأخير، والآن أدركت أن سبب اشتعاله هو سماعه لها بينما تتحدث مع خنساء
فتحت فمها للحديث لكنه أغلق بزعيقه الغاشم، وأخذَ يهزها بين حينٍ وآخر
-كل هذا الحب الذي رأيته في عينيكِ واعترافك الصريح كان في النهاية تحدي بينك وبين نفسك!... لقد خدعت فيكِ حقًا وأنا الذي ظننتك مختلفة عما يقولون .. أثبتِ لي العكس تمامًا
تهدج صوته في جملته الأخيرة، كان كمن تعرض لسُمٍ غادر يُحرق الأحشاء ويُفتت الروح وكل هذا من شخصٍ ائتمنه على حياته!
-نعم لقد تحديت نفسي لأفوز بك وإن عاد بي الزمن سأفعلها ألف مرة، أنت لم تكن سهل المنال ولستَ هينًا ليكون وصولي إليك مجرد حدث عابر...
قطعت حديثها وتقدمت منه، تنظر لعينيه بثقة تامة وقوة لم تفارقها يومًا بينما كل ما قابلها في خاصته هو الذهول وشظايا انفعال حارقة
أكملت، وقد خفضت صوتها عن النبرة العالية السابقة
-ليس عيبًا أن تصل إلى ما تريده بالتحدي يا سلطان، على الأقل ستجد دافعًا يُسليّك حين تتذوق مرارة السعي ...
كلماتها الأخير كانت كرسالة مُبطنة لما لاقته حتى تصل إليه، وبالرغم من كل هذا لم يُرضه حديثها بل ازداد غضبًا
ارتكزَ سبابتها على جبهتها ودفعها حتى لا يصطدم بعينيها فيضعف ثم تشدق بنبرة هادئة لا تعكس براكينه الداخلية
-أنت تهذين وتقولين أي شيء حتى تغطي على فعلتك الحقيرة، لكن اسمعي جيدًا كل ما تفعلينه لا يدخل عقلي ولو بنطفة جدي حجة أخرى
تنهدت في نفاذ صبر واقتربت منه ممتعضة، فلقد تعكر صفو حياتها للتو بسبب جملة بلهاء منها بعدما كانت تتذوق السعادة ....إنها لم تشبع حتى!!!
حاوطت وجهه بين راحتي كفيها وأخذت تتشرب ملامحه بنظراته الهائمة الصادقة، اقتربت منه أكثر وطبعت قبلة على ذقنه ثم أسندت رأسها على صدره وأردفت في دلال عاتب
-انسى كأنني لم أقل شيئًا فنحن مازلنا في أول زواجنا وليس كلامًا لا معنى له ما سيحدث الصدع بيننا
ارتفعَ حاجبيه في دهشة وازدردَ ريقه من قربها المهلك، حسنًا سيُلاعبها على نفس حبالها ولنرى أيهما سيكسب!
كانت قد اطمأنت لفرض تأثيرها عليه إلى أن بادر بقوله وهو يربت على رأسها
-أدرك ما تفعلينه يا رابحة ... تعلمين أنني لن أذهب أكثر من هذا في غضبي طالما تدللتي ... وتعلمين أيضًا أنني أحبك لهذا لن تذرفي أي دمعة حتى لو كنت أنا سببها، ما تفعلينه هو أنكِ تفرضين سيطرتك بنظرة، أو كلمة وربنا ابتسامة تسلب العقل لا أنام بعدها وأظل ساهدًا في الليل أتذكرها
بدت مرتاحة على صدره وهو يُلقي على مسامعها إمارات حُبه لها، بل الأمر فاق الارتياح لقد كانت سعيدة بشدة، فسلطان يخصّها بهذا الكلام وحدها!!
وبدوره ابتسمَ ابتسامة جانبية لمعرفة مدى تأثيره و سحبَ رأسها من على صدره ودفن شمسيها في بئره الأسود العميق مُتبعًا ذلك بقوله
-لكني رجل لا تمتلكني امرأة حتى لو كانت من أعشق
امتقع وجها فكانت كمن حلّق عاليًا ونزل على أرضٍ صلبة، وهو العكس! أصابه الانتشاء لرؤية نظراتها فأوضح بعد ذلك في تشفّي
-ما قلته لم أحاسبك عليه بعد... انتظريني وحاولي أن تتلاشيني تلك الأيام حتى الزفاف لأن ما أجهزه لن يعجبك
زفرت بضيق وذكرى صباحًا تجثم على صدرها دون حائل لمرور الهواء، لقد اختارت أغبى الكلمات لتُشكلها في جملة رخيصة لم تستطع أن تمتص بها غضب زوجها، لقد أخذها على حين غرة دون ترتيب للحديث الذي كان سيحد من الكارثة فبالتأكيد لم يكن ليخرج من غرفتها غاضبًا بهذا الشكل!
انتفخت أوداجها حنقًا من نفسها واقتربت من المرآة ترسم كحل عينيها البديع، ليمنحها جمالاً فوق جمالها وإبرازًا لقرصي الشمس كما يصفهما سلطان، وعند هذا الخاطر هتف لنفسها بتذمر
-الرجل لا ينفك عن قول قرصي شمس ورابحتي وأنا ألقمه حديثًا كالصخر في جنباته ... اللعنة عليكِ يا خنساء والله سأريكِ انتظريني فقط...
مرَ إدراكها لاذعـًا عندما تذكرت نفس جملة سلطان لها، لوت شفتيها وبنبرة غلبَ عليها البكاء المصطنع
-سأنتظره هو الآخر والكل سينتظر بعضه ... ستكون ليلة مليئة بالانتظار والضرب المبرح
ملّست على ذراعها مكان قبضته وبلحظة غيظ دعت عليه في سرها لتدارك نفسها وتتراجع مستغفره، وضعت وشاحها الأسود على رأسها المماثل لعبائتها ذات النقوش البسيطة وبالطبع لم تنسَ خلخالها الفضي الرنان، فبكحل عينيها وهذا الخلخال تريد صنع تحديًا مع سلطان.. همست من بين أسنانها بينما تغلق باب حجرتها وتتجه للأسفل
-أنت من سينتظرني يا ابن ثريا وسترى من هي رابحــة الهاشمي
******
ملست أشعة الشمس على وجهها فأفرجت عن حدقتيها المكلومتين بكسل يُدنسه تعب الروح التي أوشكت على الاحتراق
نظرت بجانبها لتجد مكانه خاليًا وكم امتنت له تلك اللحظة حتى لا يرى ضعفها المُهين، انزلقت دمعاتها دون أن تشعر وعلى غير العادة رافقتها ابتسامة تشي بالانتصار والراحة ... فالبارحة كانت المرة الأولى التي تتمنع عن سالم وتُخبره بكل قوة "لا أريد"
ورجلاً كسالم كرامته فوق كل شيء لن يطلب منها ثانيةً، حتى نظرة الشغف التي كبلت مُقلتيه أزاحها عنوة وحلَّ محلها الازدراء....
لديه قدرة عظيمة على التماثل للوح رخام جاف رغم أنه يشتعل من الداخل، يظهر بمظهر اللامُبالي وحروبًا شعواء لا تهدأ بعقله!
أغمضت عينيها بضيق منفضةً الذكرى القاسية من عقلها، وقامت من الفراش تدلف نحو المرحاض تتأوه من وجع ظهرها المُشير لولادة قريبة
ما كادت تخرج من المرحاض وهي تجفف وجهها بالمنشفة حتى فاجأتها عالية باندفاعها نحوها وحاولت تطويق خصرها إلا أنها لم تستطع بسبب تكور بطنها فدفنت وجهها بها وهي ترتجف!!!
لف الرعب تقاسيم وجه بدور و بذعر أحاطت ابنتها وربتت على شعرها بهدوء تبث لها الآمان وندمًا حارقًا يُشعل المرارة في جوفها بسبب تقصيرها معها
نطقت بقلق بينما تسحب عالية معها نحو الفراش لتضمها لصدرها ما إن جلست عليه
-اهدأي يا حبيبتي... اهدأي أنا هنا.. أمك هنا
كانت تلك الشرارة التي فجرّت بكاء الصغيرة، تغرق وجهها في عُنق أمها وشهقاتها الناعمة تُغرق الغرفة من حولهما، بدورها بدور اضطربت أوصالها ولم تعرف كيف تُسكت الصغيرة الباكية والتي يبدو أن أمرها جلل
أخذت تقبلها من جبهتها عدة مرات متتالية هامسةً لها بكل تهويدات الحب الأموية، تخلل أصابعها في شعرها وتفرك فورتها برقة بالغة؛ لتخلق جوًا من الدفئ لطفلتها التي تفتقد للأمان والحنـان ... فأب ناسيًا وجودها وأم تهرع خلف زوجها تسترضيه حتى لا يتزوج عليها...
كم هي مُثيرة للشفقة
زفرت بضيق والرعب يرسم ثقله على صدرها خوفًا من المستقبل، انفلتت دمعاتها ماحيةً شرودها لتفيق على همهمة طفلتها البائسة
-هل تحبين ابنتك الجديدة أكثر مني؟ .. هل أصبحتِ لا تريدينني؟ هل سأكون بلا أم كما أنا بلا أب
التاعت وانتفضَ جسدها بحدة، فالأفكار التي تغذت على طفولة ابنتها وتركت لها وابلاً من الظنون ليس بهينة أبدًا!!... إنها كفيلة بطرد أي رحمة أو مودة قد تجمع بين الأم وابنتها.
ضمتها أكثر ورفعتها لصدرها حتى بات مستوى وجهها داخل عنقها، ربتت عليها بحنو وعيناها تغمرها بكامل حنان
-لم تقولين هذا يا عالية تعرفين أنني أحبك ولن أحب أحدًا أكثر منكِ، أنتِ ابنتي الأولى وأول فرحتي
ازداد صوت نحيب الصغيرة وهزت رأسها نفيًا بعصبية وأردفت من بين بكائها الغزير
-لقد تركتني أنام وأدخل المرحاض وحدي، نسيتني وأنتِ تعرفين أنني لن آتي لغرفتك طالما أبي موجود
-حسبي الله فيك يا سالم... الله ينتقم منك
كزت على أسنانها هامسةً، وحديث ابنتها يلسعها بسياط الندم والحرمان، لقد ربىّ لها سالم حالة من الرعب بوجوده، فطفلتها لا تقرب الغرفة إذا كان متواجدًا.
مسحت وجه عالية من الدموع وقبلتها من جبهتها وسائر وجها في آسف بالغ
-أعتذر منك يا حبيبة قلبي أنا لا أنساكِ أبدًا فأنتِ روحي وقطعة مني أعدك ألا أتركك ثانيةً وقبل أن تنادين ستجديني بجانبك
أنهت حديثها بترقب مانحةً نفسها نظرة لوجه ابنتها الأحمر جرّاء البكاء والذي استكان من كلامها الهادئ تاركًا شهقات طفولية طفيفة تزجرها لما ارتكبته عظيمًا في حقها
سحبتها في عناقٍ دافئ، وحاوطتها لتحميها من فم الزمان الغادر، ابتهالاً لعدالة من أبٍ لا يُقيّم الأمور سوى بنظرة ذكورية بحتة، أمسكت أصابعها الصغيرة ووضعتها على بطنها المكورة وأردفت بنبـــرة حنون تسلب بها حزن الطفلة الباكية
-هذه أختك حبيبتك، لن تأخذني منك ولن تأخذيني منها... ستكونان سندًا لبعضكما وستعيشان في كنفٍ واحد، أنتِ الكبرى التي يجب عليها أن تحمي أختها الصغيرة وتعلّمها العادات الطيبة، وتأخذ بالها منها إذا لم أكن موجودة...
رمقتها عالية في سكون بعينيين تُشبهان عيني جروٍ صغير
- تخبرني كل يوم أنها تحبك وتسألك هل تحبيها أيضًا؟
قالتها بدور بمرح وهي ترمق صغيرتها التي رمشت بأهدابها المُعلق بها كريستالات دموعها، وكأنما استوعبت للتو اقتربت من بطنها هاتفة للصغيرة بالداخل
-أنا أيضًا أحبك وأحب أمي، سأحميكِ من ضرب أبي لأنه لا يحب الفتيات لا تقلقي
انبثقت الدموع من أعينا ترثي آلم ابنتها المسكوب على رقعة كبيرة من لوح طفولتها. أودعتها بدور قبلاً عديدة وهي تراها تضمها بقوة أكثر كأنها تحتمي منها من براثن العالم، تعقد معها صفقة روحية بأنها قبلت أن تكون الأخت الكبرى الحامية والمتصدي الأول للأب المتجبر
لا تريد لابنتيها أن يكونا مثل علاقتها بأختها رابحة... لا تريد لعالية الأنانية التي تحلت بها عندما كانت صغيرة!
لا تريد صدعًا قد يرشق مخالبة في الحبل الرابط بينهما فيقطعه ويرتد ابنتيها على أحجارٍ قاسيةٍ لا حجرٍ دافئ يتلقفهما
ازدردت ريقها في توجس وتحدثت من بين رماد روحها بما يمكن أن يصلح تلك العلاقة الخربة
-والدك يا حبيبتي لا يقصد أن يضايقك هو يحبك لكنه لا يستطيع التعبير ... لقد أخبرني بذلك
جُملتها الأخيرة قيلت بتردد دليلاً على اختلاقها للأمر، قاربت عالية بين حاجبيها وهي تجيب في حدة طفولية
-لم يفعل أنا أعرف
رفعت بدور حاجبها مشوشةً على أمر كذبها وقالت مستفهمة
-كيف تعرفين يا لولو؟؟
-أحسست بذلك عندما قلتها يا أمي
رغم أن الآمران مختلقان تمامًا إلا أن الصغيرة ما هو أقرب لشعورها النقي...
من قال أن الأطفال لا يشعرون بمحبة وكره الطرف الذي أمامهم؟!، فالمُضغة النقية التي تقبع بين جنبات صدروهم أقوى من إدراك كرهٍ دون سبب أو حبٍ خالص....
استنشقت عبيرها العبق وقبلتها مرة أخرى قبلة حانية وأردفت بما يُشبه المرح
-هيا لننزل للأسفل حتى نحتفل مع خالتك رابحة بالتأكيد لا أحد فرحٌ بقدرها هذه الأيام.... هيا يا حبيبتي
*******
يستعمرني داخل وطن قلبه
فيغمرني بنبضاتٍ تُحييني..
يُلهبني بعشقٍ دنا من روحي فأسعدها
و يجذبني بقوة الأمل نحوه ليغرقني
وما لي سواه يُغنيني
اتكأت بمرفقها على الطاولة الزينة الخشبية ترمق -زوجها الراقد بالفراش شاردًا- بكثيرٍ من التساؤلات التي لا تتوانى عن الطنين بعقلها وتذكيرها بمقامها في قلبــه
لقد عادت لنقطة الصفر بعد تلك الليلة التي ذهبَ فيها عدي لجده وعاد يطلبها بأن تدثره بحضنها، يومًا علمت أن شيئًا تغير... شعرت أن النهاية قريبة
وكشخصية قلوقة مثل نهاد احتاجت أن يطمئنها أحدهم ويخبرها أنه مازال يحبها، فالمشاوير التي انهالت على عُدي مع جده مضمونها هو التجهيز لعرس سلطان ورابحة أثارت داخلها العديد من الشكوك... منذ متى وعدي قريب من جده؟!!... ومنذ متى والآخر يصطحبه؟! ألا يكفيه سالم!!
نقرت على الطاولة عدة مرات بنغمة متواترة وعندما لم تجد منه ردًا طرقت بقبضتها مرة واحدة حتى استجاب قائلاً باندهاش
-ماذا يا نهاد لم تطرقين كأنكِ تدقين على دف
"سأدق عنقك لا الدف"
ابتسمت ابتسامة سمجة وأجابت
-لا شيء فقط ألفت انتباهك لي لأنه أصبحَ لا يتضمني في شيء
قامَ من رقدته واقتربَ منها محاوطًا كتفيها بذراعيه بينما هي جالسة تناظره في المرآة، أحنى جذعه ولثمَ رقبتها بغتة لتحمر وجنتيها بينما تسمعه يقول في كسل
-اعذريني يا حبيبتي فجدي لا يتركني إلا للنوم، العمل هنا كثير خاصةً أن سلطان مشغول في زواجه وسالم أيضًا يحذو حذوه والحمل يقع على عاتقي
التفتت إليه ببعض العصبية ووجنتيها تحمل انفعالاً من الدم الأحمر المتدفق إليها
-لا والله!! منذ متى يا عدي وأنت قريب من جدك لدرجة أن تحمل أعمالاً ليست لك، أصدقني القول هل ستتزوج عليّ أنت الأخر؟؟
رمقته بشك ليضحك ضحكة جلجلت في أرجاء الغرفة وتردد صداها في قلبها وهي تنظر له في المرآة بانشداه، فلأيامٍ لم تره يضحك بهذا الشغف!
بدا كساحر يُلقي بسحره حتى ينومها فتغدو آسيرته!... وما عليه إلا أن يضحك لتكون طوع يده!
نظرَ إليها بدوره عبر المرآة وهتفَ ببقايا ضحك تزور كلماته بين حينٍ وآخر
-لا تقلقي يا عيوني لست متفرغًا لأتزوج عليكِ فالليل الذي يتبقى بعد العمل لا يكفيكِ أنتِ وبالتأكيد لن يُكفي أخرى
ارتدَ الكرسي للوراء بعد استقامتها العنيفة، تقدمت نحوه والشرر يندلع من عينيها يوحي بعاصفة قادمة، ابتلعَ ريقه وابتسمَ بتوتر عندما لمحَ غضبها الواضح
-أقصد أنني لا أرى سواكِ يا حبيبتي ولا يملأ عيني غيرك، لا تأخذي على كلامي فأنا أهذي من فرط التعب
وجدها مازالت تتقدم أكثر ولا يزال الانفعال مرابضًا على وجهها، وعلى حين غرة وجدَ عينيها تمتلأن بالدموع بينما تهمهم
-أنت لم تعد تحبني صحيح!.. لم تحبني من الأساس كنت فقط الركن الذي التجأت إليه حينما تركت قبيلتك
امتقعَ وجهه إثر ذكر الأمر المنغص لحياته واقتربَ منها أكثر حتى باتت أنفاسه تضرب وجهها بقسوة من شدة تنفسه
-لم تذكرين الأمر الآن يا نهاد لقد انتهينا منه قبلاً وها أنا رجعت لعائلتي وأنتِ معي
انسكبت دموعها بتواتر وردت محتجة
********
-حسنًا يا جدي أنا جاهز لتنفيذ الشرط
نبرة التصميم التي اعتلت صوته مرورًا بملامحه الجامدة، وعضلات وجهه المشدودة أخبراه أن الأمر عند حفيده جلل فهو لن يتنازل عن كلمة قالها إلا إذا اختلَ الطرف الآخر مثلما حدث معه
الأمر بالنسبة إليه جاء مصلحة كما يقولون لكنه لم يستطع كبح فضوله عن السبب فسألَ بحنكة
-أراك قد غيّرت رأيك يا سلطان فيما تحدثنا فيه قبلاً، هل لي بسؤالٍ عن السبب
اختلجت عضلات فكه فأصبحَ حادَ يُرى خطه، ولم يخرج من فمه سوى كلماتٍ معدودة كأن الأمر ليس بأهمية أن يُنفق عليه حروفًا كثيرةً
-لنقل أن الأمر لم يكــن بذات الأهمية
ربتَ كامل على كتفه في مؤازرة ورمقه بنظرة عميقة اخترقت روحه كما اخترقته كلماته
-لا يا سلطان قلبك بذات الأهمية وأكثر ولولا معرفتي أنك لا تريدني أن أتدخل لكنت أخذت حقك بما يقتضيه قلبك
لو تعلم يا جدي أن الحريق الناشب بين أضلعي لا يُطفئه ثأرًا، وما يقتضيه سوى أنني أعود في اللحظة التي أحببتها فيها وأمنع نفسي من ذلك الحب السام
آثرها في نفسه وقالَ بلهجة ظهرت بها العصبية بعض الشيء
-و هل أنا لست رجلاً لأتصرف في أموري ويحلها جدي بدلاً مني، أنا الآن أفعل الصواب وسأنفذ ما وعدتك به قبلاً... وسأتزوج من ابنة عبد العزيـــز وأنتقم لموت عمي
اضجعَ على الوراء وجسده كله حافل بالإشارات العصبية المتحفزة لأي لمسة، علمَ كامل من امتقاع وجه حفيده وعصبيته الزائدة أنه واقع لأخره في حب ابنة عمه، فما حركه تجاه هذا الزواج الذي رفضه هو استفزاز سببه الأول والأخير رابحـــة
وسلطان ازدادت قتامة عيناه وباتَ كحجره الأسود كبحر تتلاطم فيه الأمواج العاتية مُفتتة الصخور التي تقابلها دون نيــة في الهدوء!
نطقَ أخيرًا بنبرة خالية من المشاعـــر
-سأتزوجها اليـــوم وقبل زفافي على رابحــة
-الليلة!!
نطقها كامل متفاجئًا ليومئ سلطان برأسه إيجابًا ويقول بهدوء
-نعم، لا داعي للتأجيل... فصاحبنا الآخر وصلَ اليوم عندنا ... والآن هو مرتاح في خيمته
زوي كامل بين حاجبيه وهتفَ منفعلاً
-هل جننت يا سلطان؟؟؟ تأتي بمأمون وعبد العزيز هنا؟! تريد وضع الزيت بجانب النار لتحرقنا كلنا
ثورة جده تلك أكدت أنه على صواب، فاللعب على أعصاب عبد العزيز ومأمون كليهما سيكون أمرًا ممتعًا بالنسبة له
-لا تقلق يا جدي لقد عملت حسابًا لكل شيء وأنا اليوم سأزور الاثنين لأنني أريد أن أنتهي من هذا الموضوع وبقية الأعمال قبل زواجي، وزواج سالم
حكَ ذقنه بأصابعه في تفكير ليقول بنبرة بدت عليها الضيق
-لا أعرف ما الذي ورطَ به سالم نفسه
-ليس هناك ورط أو شيء .. هو رجل ومن حقه أن يتزوج ليُنجب وريثه الذي سيكون سنده ورفيقه عندما يكبر
لمحَ نظرات جده إليه في رسالة مُبطنة ليُماثل سالم في فعلته، لكن سلطان استقبلها استقبالاً باردًا
سخرَ من نفسه فالبارحة فقط كان يزجر سالم لأنه تزوج من أجل الولد، بينما هو يتزوج من أجل الثأر!!
ثأره لعمه وثأره لنفسه... وتبقى رابحة في المنتصف لا تجد من يثأر لها كرامتها!
********
تجمعَ الفتيات بالأسفل في مجلس النساء الواسع، فاليوم هي الليلة الأولى من بين خمس ليالٍ قبل الزفاف، تجتمع النسوة ليزينوا المجلس ويقوموا بتحضير الطعام في النهار ... وبالليل تبدأ حفلات الرقص والغناء، فالعروس تجلس على مخدعها والبقية يرقصون حولها بينما ترتدي زي تقليدي للزفاف البدوي
وفي الليلة الخامسة تأتي سيدة تقوم برسم الحناء للعروس في أماكن متفرقة من جسدها لكن بما لا يكشف عورتها المغلظة
جلست بدور بجانب رابحة ونهاد التي كانت حمراء الوجنتين والأعين من البكاء وهذا دفعَ رابحة تسألها بنبرة بدت جافة
-ما بكِ أنتِ أيضًا سيدة نهاد لم كنتِ تبكين
ردت نهاد في حنق وقد عاودت الدموع نغز عينيها
-لقد تشاجرت أنا وعدي ويبدو والله أعلم أنني أغضبته "لم تنتظر أن يسألاها عن السبب فاندفعت تحكي" كل هذا بسبب ظنوني الغبية وشكي في حبه، لقد أخبرني أنه لو بقيت هكذا سيتراجع عن حبي حقًا
بدأت تبكي مرة أخرى وتعض على شفتيها ندمًا لما فعلته بالأعلى، ربتت عليها رابحة وضمتها لصدرها قائلة
-هذا الغبي كيف له أن يحدث رقيقة مثلك بهذه اللهجة الشديدة، لا تقلق عدي طيب وسيصالحك حالما يأتي... وأنتِ أيضًا لا تفتعلي معه شجارًا دون شجار لم لن يحبك وهو متزوج منك وعاش معك ثلاث سنوات؟؟ والأكثر من كل هذا أنه وقفَ أمام والدته من أجلك!!
ازدادت تشبثًا بوشاح رابحة وهمهمت دون رضـــا
-أصبح يغيب كثيرًا عني ولا يأتي سوى متأخرًا إما أكون نمت أو وقتما لا يتبقى من الليل شيئًا لنتسامر فيه، أشعر أن هناك مكيدةً خلف ظهري وسيتزوج علي مثلما فعل سالم فهو وباء في العائلة
لم تحسب وزر ما قالته إلا عندما لمحت تجهم وجه بدور وتجمده وهلة قبل أن تنزل عينيها في الأسفل متهربة من نظرات الشفقة الموجعة لكرامتها، شدت رابحة شعر نهاد للتأوه الأخيرة وتمد يدها تربت على قدم بدور
-أنا أسفة يا بدور لم أقصد ما قلته والله، سالم هو الخسران صدقيني فهو لن يجد امرأة مطيعة لا تجادله في شيء وتعشق التراب الذي يسير عليه مثلك..
زادت الطين بلة فوقع الكلمات على بدور جعلَ ملامحها تشتد تجهمًا وكرامتها تتبعثر نهائيًا، فالحديث صحيحٌ مائة بالمائة هي فقط من أدركت ذلك متأخرًا
-هل أتيتِ تكحلينها فعميتها نهائيًا؟؟؟
كزت رابحة على أسنانها بينما تقرص وجنتي نهاد القابعة على صدرها وتنظر لأختها في آسفٍ بالغ، تحدثت بدور أخيرًا في استسلام بدا من وهن روحها
-لا عليكِ يا نهاد فما تقولينه صحيح وسالم لا يستحقني فعلاً
هزت رابحة رأسها في مساندة
-خير ما قلت يا حبيبتي سيندم أشد الندم
-نعم أريده أن يندم على تركي هكذا
تبادلت الأختين النظرات إحداهما قوية كالشمس تحرق لا تتفاهم والأخرى منكسرة تعترف بوهنها مطالبة بالترميم
وجدت نهاد أن الوضع يتأزم أكثر بالحديث عن مشكلة بدور فهتفت صائحة باحتجاج
-حلا مشكلتي أولاً وبعدها لننتقم جميعًا من سالم
تأففت رابحة ورمقتها بغيظ وقالت
-أنتِ... هل هذه فترة دورتك الشهرية؟؟
أومأت نهاد لتبعدها رابحة بحدة عنها وترمقها بحنق بينما تهتف
-تخلصي من هرموناتك أولاً وبعدها تحدثي مع زوجك كامرأة عاقلة وليست طفلة باكية تشكو من قلة معاملة والدها لها
تحدثت نهاد بزهو وهي تبعد خصلة علقت على جبهتها للخلف
-أولاً لست طفلة أنا امرأة ناضجة وأعرف جيدًا كيف أتعامل مع زوجي حبيبي ثانيًا هو من فشل في احتوائي هذا خطأه ليس إلا، لذا وعليه سأظل مخاصمة له حتى يصالحني لدي طرقي الخاصة
نظرت رابحة لبدور التي هتفت بصدمة مصطنعة
-أنتِ معتوهة للغاية
لم تلتفت لهما نهاد وأكملت في حماس
-استمعي يا بدور ونفذي ما أقوله ولنضرب عصفورين بحجر واحد، البكاء يأتي بنتيجة وهمية أمام الرجال اسمعي مني، ابكي أمام سالم ولمّا يسألك عن السبب تدللي ولا تريحيه في إجابة محددة سيجن ويحتضنك ... وكلما تزيدين في البكاء زادك احتضانًا واحتواءً
ظلت بدور تستمع لها بصمت وتركز فيما تقول والأخرى حماسها لم يخفت بل بدت كخبيرة تدلي بسيل معلوماتها القيمة، أنهت نهاد حديثها بسلام وران السكوت حتى صدحت ضحكة بدور مجلجلة في الأرجاء جعلت من رابحة ونهاد ينظران إليها بتعجب وسرعان ما شاركاها الضحك
-سالم؟؟!!... واحتضان؟؟... يا إلهي لا أستطيع التنفس
بدت كمن انزلق في بحر الضحك ولا تستطيع الخروج منه، حسنًا في ظل ظروفٍ أخرى كانت لتصدق ما تقوله لكن تلك الأيام وتشاجرها الدائم مع سالم لن يجعلوها تفعل الخطة المحكمة من وجع نظر نهاد
-يا حبيبتي لدي خططًا أقوى من البكاء ولن تهدري بها دمعة واحدة من عينك... الشغف فقط
ثم مصممت شفتيها وهي تتهكم
-قولي عصفور وجحش ...عصفور وبقرة ليس عصفورين أبدًا
ضربتها رابحة على رأسها لتقول
- اصمتي قليلاً ولا تسخري من زوجك أمامنا، لا أخفيكِ سرًا لقد اخترعت له ألقابًا عديدة لكني اسرتها في نفسي وانتِ ايضًا وليس أمام الناس
أنت تقرأ
ما الهوى إلا لسلطان
Romansaأودعت إليك حبًا مُزخرفًا بالورود كلما أوشكت أوراقه على الذبول سقيتها من فيض مشاعري بينما مننت عليّ بنظرة بئس القلب الذي أحبك