-سلطان..
نطقت بدلال وهي تتقدم ناحيته بخطى واثقة لا تخلو من الإغراء لكنه لم يجبها فهو مازال غاضبًا.. وبشدة
عادت تنطق اسمه بخفوت وقد توقفت أمامه مباشرة بينما هو يضع رأسه في حاسوبه متظاهرًا بغرقه في العمل وغير مبالي بتلك التي ستتحول لمهرج فقط للفت انتباهه، لم يُجيبها في المرتين فلجأت للحل الأخير والسريع فطالما هو غاضب فبجملتها
أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تلتصق به وتزيح الحاسوب من على قدمه وتحتل مكانه بكل جراءة، بل وتعتدل حتى تشعر بالراحة أيضًا.. يا إلهي ما كل تلك البجاحة وهي مخطئة!!
-ما الذي تظنين نفسك تفعلينه يا رابحة وتعطلين عملي
أردفَ بحزم وهو يُطالع عينيها مُخفيًا كل الارتباك والتخبط الذي يشعر به بمجرد أن جلست على قدمه وتقربت منه بهذا الشكل الحميمي، فهو الآن قاب قوسين وأدنى من إكمال هذا الزواج!!
ابتلعت ريقها بتوجس لكنها خاطبته بشجاعة وهي تفرد طوق قميصه بأصابعها مُبتعدة بإبريقي عسلها عنه
-أنا أيضًا أعمل ألا تري
ولأول مرة منذ أتت يُعطيها اهتمام وتتأهب حواسه لما سيسمعه ليقول وملامحه مازالت تحمل الغضب
-وما الذي تعملينه يا ترى غير إزعاجي وتنغيص عيشتي يا مدام رابحة؟
مالت بجذعها العلوي عليه لتداعب ذقنه بأصابعها المطلية بلون أحمر زاهٍ وابتسامة مغوية
-لم أصبح مدامًا بعد يا أبو السلاطين .. لكن إذا أردت فلا مانع لدي سأكون أكثر من مرحبة
وزيّلت حديثها بغمزة من عينيها بدلال أنثوي بحت، وللحقيقة أشعره هذا الفستان الكريمي الملتصق بجسدها ويبرز تفاصيلها الأنثوية بكل دقة ولم يبخل في أن يعرض أمام عينه ما يثيره بأنه غبي، بقماشته السخية وقصره الذي لا يتعدى منتصف فخذيها، أما طوقه الواسع كان رواية أخرى فقد أظهرَ عنقها كله مع مقدمة صدرها، وكأن الفستان يخبره " ها أنا لم أحرمك من شيء"
ابتلع ريقه ببطء حتى لا تعرف بتأثره لكنها علمت بمجرد أن تحركت تفاحة أدم خاصته لتمتد أصابعها وتلمسها بنفس الابتسامة التي أخذت تتسع بانتصار، شعرَ هو بذلك من ابتسامتها المتسعة فأفلت يدها من على جسده ودفعها برفق لتقوم مطلقًا الحزم إلى صوته
-اذهبي من هنا يا رابحة أنا لدي عمل ولا أريدك أن تشغليني أكثر من هذا
لم تتأثر بدفعه لها، لتتعلق تلك المرة برقبته وترابض في حجره بعناد شهي، لتقول بينما تمط شفتيها المطليتين بلون نبيذي غامق لائم شفتيها المكتنزتين
-لقد أنهيت أعمالك البارحة لقد أخبرني فراس أنكم في إجازة... ثم أنت غير قادر على إبعادي لأنني سأتبعك إلى أقاصٍ الأرض.. لن تتحرر مني أبدًا يا أبو السلاطين
رفعَ حاجبه مندهشًا ليتمتم باستنكار
-هل ستتبعينني كل هذا.. أريد أنا أتنفس يا امرأة
-وأنا كيف أتنفس وأنت بعيد عني... سأذهب معك إلى أي مكانٍ تتواجد فيه، فأنت بالنسبة لي الأرض وأقصاها وما بعدك انتهائي..
احتلت رجفة لذيذة أوردته وتراقصت بشقاوة حتى وصلت لقلبه الذي طربَ وارتفعَ وجيبه سعادةً، كل هذا حدثَ في جزءٍ من الثانية بعد كلماتها الدافئة وتحديقه بأعين مصدقة في عينيها، بدا على ملامحها أنها تتحدث بقلبها وأن الحروف انطلقت من شفاهها لكن المعنى ظهرَ في عينيها فتردد صداها داخله..
لكنه لن يكون سلطان إن لم ينغص الأمر ويفرق جمع السعادة، فالكلمات الحانقة التي انطلقت من فمه نحوها لم تناسب الموقف أبدًا
-من الواضح أنكِ ستفعلين بما أنكِ تستمعين لكلامي جيدًا ولا تطلقي لسانك السليط تجاه كل من تقابلي كما نبهت عليك عشرين ألف مرة قبلاً... كفى لن أنخدع بنبرتك هذه
ضحكت بصوتٍ عالٍ ضحكة أنثوية مُجلجلة وهي ترى الموضوع تطرق إلى سبب حنقه منها أخيرًا، وهي تعرف أنه لن يترك الموضوع يمر حتى لو تدللت وحاولت مصالحته وهي ليست حاقدة عليه بل هي تعشق إثارة غضبه وإخراج حنقه فما أمتع من مشاهدته غاضبًا بأعين حادة وحمائيه رجولية تنبهر ما إن تراها، هي تحب هذا الشق منه وليس الأخر ذو اللسان اللاذع والكلمات المُسيئة، وهو بدوره كان يعرف مأربها لذا كان يُسّهل عملية غضبه حتى تغويه وتصالحه... منفعة متبادلة بين عشاق أرهقهما العشق بين أروقة الانتقام
-أنت كنت شاهدًا يا سلطاني ... خنساء من بدأت برميها للكلام فأنا لم أستطع الصمت وهي تُلقي في وجهي
-وأنتِ لم تستطيعي الصمت كعادتك، لسانك يسبق تفكيرك ويدك تسبق كل شيء
غمغمت بخفوت وهي تطرق برأسها أرضًا عندما سمعت نبرته الحادة
-هذه المرة لم أضربها
اتسعت عيناه بصدمة ليهمس بذهول
-هل كنتِ تريدين ضربها أيضًا؟ هل أنكِ لم تضربيها هذا يعتبر انجازًا ومن المفترض أن أهنئك عليه؟
رفعت رأسها عندما لاحظت أن الغضب سيظهر عليه وبالفعل، عندما أبصرت ملامحه وجدت الجمود فيها وكأنه يستنكر ما تفعله، لتقول هي بجدية لتخلص نفسها من الشرك الذي وقعت فيه بقدمها
-سلطان أنت لا تعرف خنساء ولن تعرفها أبدًا... هي لا تظهر لكم ما تبطنه لي وأنا أكثر واحدة أعرفها لذا لا تتدخل ودعني أتعامل معها كما يجب فهذه ليس لها رادع سوى لساني والنعال الذي في المرة القادمة سيحط على وجهها ... لا تندمج معنا فهيبتك أكبر من الاندساس في مشاكل نساء فارغي العقول
استطاعت احتواءه بنبرتها الرزينة الجدية وبالنظر داخل عينه كأنها تؤكد على تفاخرها به وأنها لن تتراجع أمام خنساء أبدًا، كان هذا بمثابة إنذار في علاقتهما تُخبره فيه بلطف ألا يتعدَ حدوده الزوجية في التدخل في أمر نسائي لأنها لن تسكت عن كرامتها ولن تنتظره عندما يأتي فتبكي وتشتكي له.... ليست رابحة من تفعلها وسلطان لن يقبل بامرأة أقل من هذا
هدأ قليلاً بعدما قالته وقد لقى رضا في نفسه تجاهه، تنهدَ عاليًا رامقًا إياها بقلة حيلة ليترجم ما يشعر به من تخبط، حب، قلق، خوف..
-ما الذي أفعله معك
أجابته بجراءة مُسبلة أهدابها
-قبلني...
شددت على النون لتمطها وتبدأ وصلة إغراء أخرى وهي إغراء الحروف من الشفاه التي لا تفلتها إلا بعد عناء
ولم يدعها تصل للياء، فاقتنصَ شفتيها لأول مرة في فرصة جامحة لا تعوض، كعطش ارتوى عطشه، وراهب لم يسبق له الزواج
تلك أول قبلة لهما بعد مناوشات لم تنتهِ مثل كل مرة بغيابه أو استيائها بل بشيءٍ أروع لم يكن يعرف بلذاذته حتى الآن، المشاعر التي يشعر بها تتخطي كل شيء حوله، فامتلاك العالم بأسره والتحليق في سماءٍ عالية كان قليلاً مقارنة بشعوره الآن، يا إلهي ... هي شهية... جميلة... فرسة جامحة مستمتع بترويضها في تلك القبلة التي استمرت فترة إلى أن قطعها ليأخذا نفسيهما، ولأول مرة يرى رابحة خجلة!!... تنظر في الأرض ووجنتيها حمراوتين وشفاهها ملطخة بالنبيذ الفاخر الذي تذوقه للتو وبالتأكيد طالت شفتاه أثره
يدرس ملامحها الخجلة جيدًا و يرى العشق يتمثل في عينيها وهو ليس بضريرٍ ليلبي الطلب
أنت تقرأ
ما الهوى إلا لسلطان
Romanceأودعت إليك حبًا مُزخرفًا بالورود كلما أوشكت أوراقه على الذبول سقيتها من فيض مشاعري بينما مننت عليّ بنظرة بئس القلب الذي أحبك