اليوم ميعاد الرحلة
استيقظت باكرا جدا، ارتدت ملابسها وحملت حقيبتها الكبيرة (إحدى عشر يوم كاملة بالطبع تحتاج إلى الكثير من الملابس) .. ركبت (أوبر) وكانت فخورة بنفسها لانها وصلت لمكان التجمع أبكر عشرون دقيقة عن ميعاد التحرك.
لكن المكان كان خاليا .. لا حافلة، لا مشرفون، حتى اصدقائها ليسوا هنا .. هل أُلغيت الرحلة؟!
التقطت هاتفها لتتصل بصديقتها، وهي متوقعة انها ستكون نائمة وتخبرها انها نست اخبارها بإلغاء الرحلة .. ولكن صديقتها ردت عليها وقالت لها أنهم في الطريق .. أنهم؟! .. من هم؟ .. ثم تذكرت، ليس الكل معتمدا على نفسه مثلها، بالتأكيد والدها أو أخيها سيوصلها لهنا..
اتصلت أيضا ب إحدى مشرفات الرحلة لتتأكد، ردت عليها وقالت أنهم مع الحافلة وقادمون إليهم ..
حسنا .. لا أحد يحترم مواعيده في هذا الزمان..أخرجت أحد الكتب من حقيبة يدها لتشغل نفسها حتى يصل الجميع.. هذا شيء آخر تختلف فيه عن أقرانها.. هي محبة للقراءة .. تعشق ملمَس الكتب -وبالأخص القديمة منها- .. رائحة الكتب عندها أكثر إغراء من أغلى العطور..
هي لا تقرأ الروايات فقط -التي أصبحت الموضة في هذا الزمان- ، بل هي تقرأ في كل شيء تقريبا .. التاريخ وعلم النفس والسياسة والشعر وأي كتاب يقع تحت يديها..
هذا كوّن لديها ثقافة موسوعية قلّما تجدها عند شخص في سنّها .. ولهذا أيضا تشعر بالهوة الواسعة بينها وبين جيلها .. جيلها لا يهتم سوى ب "التيك توك" ولاعبي الكرة وممثلين السينما، والمثقفين فيه يقرأون الروايات وكتب التنمية البشرية..
كثيرا ما قال لها الناس أن عقلها أكبر من سنّها بكثير .. كانت تبتسم بينما تفكر في نفسها، هل هذه نعمة أم نقمة؟بدأ الآخرون في التوافد.. يبدو ان "انهم" التي قالتها صديقتها لم تكن تقصد بها أباها أو أخاها، بل كانت تقصد صديقها "البوي فريند" كما تحب أن تقول .. (سليم) كان زميلهم في الدفعة، وصار صديق (علا) صديقتها منذ حوالي شهرين.
الآن فهمت لماذا كانت فريدة تعد الأيام حتى يأتي يوم الرحلة.. بدا واضحا أنها وسليم سيمرحان كثيرا في هذه الرحلة .. سيمرحان أكثر مما يصح ..أقبلت الحافلة بالمشرفين.. أدخلوا الحقائب الكثيرة في جوف السيارة، وبدأ المشرفون في توزيعهم علئ المقاعد .. انتظرت اسمها بينما تمتلئ الحافلة، وانتابها الخوف، هل يمكن أن يكون اسمها سقط سهوا؟ .. صعد الجميع إلى الحافلة عداها .. ماذا ستفعل؟ ..
قبل أن تتجه للمشرفة التي حجزت معها، سمعت إسمها يُنادى .. أخيرا .. كانت في ذيل القائمة، ولكنها موجودة على الأقل..
صعدت للحافلة، وخيل لها للوهلة الأولى أن لا مكان لها.. ثم بنظرة مدققة وجدت المقعد الوحيد الخالي.. في نهاية الحافلة خمس مقاعد متراصين سويا، أربعة منهم مشغولون -اثنان في كل ناحية- .. مقعدها في المنتصف في نهاية الحافلة.. حسنا.. انها بضع ساعات في الطريق تتحملها وستتحسن الاحوال بعد الوصول..في طريقها لمقعدها مرت على كل الحافلة .. لفت نظرها أن كل مقعدين بجانب بعضهما دائما مختلطين.. شابا وفتاة .. كل المقاعد .. حتى علا كانت تجلس بجوار سليم، ولم تحفظ لها مقعدا بجوارها..
هنا فهمت ما فاتها عند التسجيل.. ما لم يقولوه عند الإعلان عن الرحلة انها رحلة ثنائيات (كابلز) .. الجميع فهموا هذا ما عداها .. الآن هي الساذجة الوحيدة في الرحلة.. بالتأكيد ستكون محل سخريتهم وتندرهم طوال الاحدى عشر أيام.. ربما من الافضل لها ان ترحل وتترك لهم الرحلة بما فيها..ولكن الحافلة تحركت .. وتحركت معها افكارها .. إن نزلت الآن ستكون الموصومة في الكلية بأنها البنت ال "سينجل" التي لم تجد لها رفيقا ولذلك غادرت الرحلة قبل ان تبدأ.. مغادرتها الآن ستكون اعلانا لحماقتها.. على الأقل يمكنها أن تتظاهر انها كانت تعلم بأنها رحلة (كابلز) ولكنها لا تبالي ..
إن غادرت الآن ستسمح لهم بالانتصار.. إن ترك كل من هم مثلها مكانه في كل مرة يتعرضون للإحراج من كاسري الاخلاق والقيم، فسيتمادى الانحلال وينتشر أكثر فأكثر..
لا تعرف ما سيكون رد فعل والدتها إن كانت في هذا الموقف مكانها، ولكنها ستبقى .. ستحتفظ بمكانها ولو كانت الوحيدة المحافظة في هذه الرحلة .. ومن يدري، ربما يغارون منها ويتعلمون من التزامها وقوتها .. ربما تكون هي السبب لتغيير حافلة الثنائيات ويعودون حافلة آحاد .. من يدري؟!ثم ما اسوأ ما يمكن ان يحدث هناك؟ .. سيتركونها؟ .. حسنا، يكفيها كتاب من كتبها مع قهوة أمام البحر.. هذا أقصى ما تتمناه..
قررت إذا البقاء.. ولتثبت على رجاحة عقلها حتى إن جُن العالم بأكمله..
بالطبع ستقرأ الفاتحة في سرها لأنهم لم يقرأوها جماعة عند التحرك .. لن ترقص معهم على الاغاني السوقية التي تصرخ بها سماعات الحافلة .. ستحاول عدم النظر لكل الفتيات الذين يسندون رؤوسهم للنوم على أكتاف جيرانهم الشباب -بما فيهم علا وسليم- .. ستضع سماعات الاذن بموسيقى (باخ) التي تعشقها وتحاول أن تنعزل عن الجو المحيط حتى يصلوا ..
كم أمامهم؟ .. خمس أو ست ساعات؟ .. حسنا ستتحملهم وهناك في دهب سيكون كل شيء على ما يرام...ولكنها كانت واهمة...
أنت تقرأ
أنثى وسمكة +١٨ {نصف مليون مشاهدة}
Romanceفتاة وحيدة وشاب أجنبي يستكشفان سويا الطريق لعالم الرغبة والمتعة