48

35 4 2
                                    

بكيت اليوم حتى كِدتُ أن أفقد بصري ، بكيت حتى شعرت بثقل قلبي و روحي يريدون نزع روحي ،كيف أمكنهم ذلك..
...

مقبرة هادئة في طرف مدينة روما، أشجارٌ يابسة تتمايل مع هبوب الرياح، والمطر ينسكب بخفةٍ على وجنتي ميريا، وهي تخطو خطواتٍ بطيئة نحو القبر، تحمل بيدها وردًا أبيض، وعيناها تلمعان بدموعٍ لم تجف.

بصوتٍ مرتجف وهي تركع أمام القبر، تضع الزهور وتلمس الحجر كأنها تلامس وجنات أمها:
"أمي... إنها أنا، ميريا...
اشتقت إليكِ كثيرًا، أكثر مما تَسَع الكلمات...
أشعر أحيانًا أن روحي معلقةٌ بين السماء والأرض، لأنكِ لستِ هنا تحتضنينني كما كنتِ تفعلين حين أبكي."

صمتت للحظة، ثم مسحت القبر بأصابعها المرتعشة وهي تهمس:
"كنتِ دائمًا تخافين عليّ...
تقولين لي لا أثق بسهولة، لا أهب قلبي لأحد...
لكني وهبته، أمي، وهبته لرجلٍ اسمه سانتينو."

تنهدت وهي تخرج من عينيها دمعةٌ ثقيلة:
"ربما لو كنتِ هنا، لصحتِ في وجهي: (يا ميريا، لا تثقي برجلٍ تحيطه الظلال)...
لكنني وثقت، بل أحببت، أحببته كما لم أفعل من قبل...
أحببته حتى صار اسمه نبضًا في صدري، قبل أن أنطق باسمي."

مالت برأسها نحو القبر و هي تهمس بحرقة:
"كنا نحلم، أنا وهو...
نحلم ببيتٍ صغيرٍ بعيدٍ عن الدماء والرصاص...
نحلم بضحكاتنا، بأطفالٍ يشبهوننا، بحياةٍ يسكنها السلام...
لكن الماضي لم يتركه، ولا تركني...
هو الآن، يا أمي، يرقد على سريرٍ أبيض بين الحياة والموت...
وأنا؟ أنا أحتضر كل يوم، في غيابه..."

وضعت يدها على صدرها، شهقت ثم واصلت بصوتٍ مخنوق:
"يبكونني في الخفاء، ويقولون: انسِهِ، ذلك مستحيل...
لكنهم لا يعلمون أني حين أحببت، أحببت بكل جوارحي...
كيف يُنسى من سكن القلب؟ من صار فيه وطنًا؟"

نهضت  ببطء، و هي تمد يدها على شاهد القبر
أدارت ظهرها بتثاقل، ثم خطت مبتعدةً ،إلتفتت مجددًا تنظر إلى القبر نظرةً أخيرة وقد تجمعت الدموع في عينيها:
"سامحيني لأني لم أكن بالقوة التي تمنّيتها لي،
لكن الوجع يا أمي... الوجع أكبر من قلبي."

غادرت ببطء، وثوبها يتمايل مع الريح، كأن السماء تشاركها بكاءها، وكأن الأرض تئنّ من حزنها...
.....

غيابك ليس مجرد فراغ، بل هو لصّ يسلب من حياتي كل لون، تاركًا إياها غارقة في السواد. حين تغيب الشمس، يأتي القمر ليضيء سماء الليل، وحين يغيب الليل، يشرق الصباح ليبعث الحياة من جديد. ولكن عندما تغيب أنتٓ، تختفي سعادتي، تذبل فرحتي، وتضيع راحتي في متاهات الوحدة. في غيابك، أفقد ذاتي، كأنني أعيش جسدًا بلا روح، وروحًا تبحث عن ضوء لا يصل أبدًا.
....
الله العالم كم من مرة ذكرتكٓ في صلاتي

بعد مرور شهرين كاملين
جلس مارسيلو بجانب ابنته ميريا، واضعًا يده على كتفها بخفة، محاولاً أن يهدئ من ارتجاف جسدها. كانت عيناها محمرتين من كثرة البكاء، نظراتها شاردة في الفراغ .

وتين آل بوربون 🖤(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن