تركتَ وراءك بصمة لا تمحوها الأيام،
تسكن كل زاوية من البيت، تتسلل بين الجدران، وتخفق مع كل نبضة في القلب.
أغرق في صمت الغياب، وأحمل ألم الفراق كجرح لا يلتئم،
وأتساءل بصوت خافت:
لماذا لم يكن لنا وداع يليق بحبنا؟ لماذا بقيت الكلمات عالقة، عاجزة عن البوح، كذكرى تأبى الرحيل؟ميريا
...كأن اسمه كتب في الأرصفة، يرافقني في كل خطوة أخطوها، محفور في ذاكرتي كالنقش على الحجر. كأنه صوته نشيد وطني يتردد في الأفق كل صباح أسمعه، يعيد لي دفء المكان ويملأني بالحنين. كأن رائحته تفوح في الهواء كلما اشتد بي الشوق، فتغمرني كما تغمر الأرض بنسمات الربيع الأولى.
كأنه نجمة تتلألأ في سماء ليلي المظلم، تنير لي الدرب حين تضيع خيوط الأمل. إنه الموطن الذي أواني عندما كنت لاجئة في عواصف حياتي، أضعت فيه نفسي ووجدت فيه كل شيء. بين ذراعيه، اختبأت من كل الرياح التي حاولت أن تقتلعني. هو الوطن الذي عدت إليه، حيث لا خوف ولا ضياع.
كان حضوره سلاماً، وكلماته ملاذاً، وحبه أماناً. كأنني لم أكن أعرف الحياة قبل أن ألتقيه، وكأنني لا أستطيع أن أتنفس دون أن يملأ هو كل مساحات الهواء من حولي.
كتبت له من أعماق روحي، كما يكتب المحب اسمه على جدران قلبه، لأن الحب لا ينتهي، بل يظل يسكننا حتى بعد الغياب.
سيريا
....
بعد مرور بضع أيام
تجلس ميريا بجانب سانتينو على مقعد خشبي وسط حديقة صغيرة، تراقب بسعادة طيور الحمام التي تحلق حولهما، لتتفاجأ بصوت سانتينو يهمس لها بحماس:"ميريا، ماذا لو قمنا بعمل شيء جنوني؟"
تضحك بخجل وتقول: "سانتينو، ماذا تخطط الآن؟"
يمسك بيدها بحماس ويقفز من على المقعد، يجذبها برفق ويقول: "تعالي، سأريكِ مهارتي في الرقص هنا بين الزهور!"
تجاهد ميريا كتم ضحكتها، وتقول: "سانتينووو! الجميع يروننا!"
ينظر إليها بابتسامة مفعمة بالثقة ويقول: "وما دخلي أنا بالناس؟ أنا أراكِ أنتِ فقط الآن."
يبدأ بالرقص حولها بحركات كوميدية، يرفع يديه عالياً كأنه يؤدي رقصة إسبانية، ويضحك بصوت عالٍ كلما اختلطت خطواته، بينما تظل ميريا تضحك على جنونه، وتقول: "توقف، ستتسبب في طردنا من المكان!"
يرد عليها بسخرية: "إذا طردونا، سأرقص معكِ في الشارع أمام الجميع!" ويغمز لها بمكر.
تشعر بالحرج والخجل لكن لا تستطيع منع نفسها من الاستمتاع بوقتهما، فتجاريه بحذر في حركاته، بينما يقترب منها بحركاته السريعة، ويهمس لها بصوت منخفض: "أحببتِ هذا الجنون، أليس كذلك؟"
تغمض عينيها بخجل وتقول: "ربما... لكن لا تكررها كثيراً أمام الناس!"
يلف ذراعيه حولها فجأة، ويقول بضحكة: "لكِ مني وعد، سأجعلكِ تضحكين كل يوم حتى تقولين لي، 'توقف يا مجنون'!"
في طريق عودتهما من الحديقة، لم تستطع ميريا مقاومة بائع الزهور العجوز الذي يعرض باقة من زهور الزنبق البيضاء، تلك الزهور التي تحمل معاني النقاء والأمل. طلبت من سانتينو أن يشتري لها باقة، نظر إليها بابتسامة ودافئة قائلاً: "زهور الزنبق، بالطبع... ولكن، ألا يكفيكِ قلبي الذي ملأته حباً لكِ؟"
أنت تقرأ
وتين آل بوربون 🖤
Romanceفي زوايا إيطاليا الغارقة بين عراقة الحجارة وصمت الأزمنة، بدأت قصتهما. سانتينو، الرجل الذي حمل على كتفيه أوزار الماضي وندوب المافيا، يسير في الحياة كما لو كانت معركة لا تنتهي. وميريا، المرأة التي وُلِدت بروح متمردة وقلب مرهف، تبحث عن معنى الحب وسط ال...