لا تحكموا عليَّ يا قراء... فالذي مررت به ليس بالأمر الهيّن، وما عرفته عن الحياة لا يُروى بسهولة. الكاتبة التي تخطُّ بقلمي تعرفني أكثر مما أعرف نفسي، وكأنها تسرق من داخلي كل سرٍّ أخفيته حتى عن نفسي. ينادونني... سانتينو بوربون.
كنتُ يومًا ما سيدًا في...
في مكان ما تحديدا ترانسيلفانيا يقبع أليخاندرو في ذلك القصر الذي إذا دخلته تراه يعج بالرسومات .
كانت الأضواء الخافتة تنعكس على الجدران الرخامية الباردة، حيث خيّم الصمت الثقيل داخل قصر أليخاندرو. لم يكن المكان سوى متحفٍ مظلم من الذكريات، تسكنه الأشباح التي لا يراها أحد سوى الرجل الذي يجلس وسطه، ممسكًا بصور ميريا كمن يمسك بحبل نجاة وسط بحرٍ هائج.
هنا، على الطاولة الطويلة، تناثرت الصور؛ بعضها كان يحمل آثار دموع جفّت منذ زمن، وبعضها كان مطويًا بعناية، كأن طيّه يخفي عنه ألم الحب الذي صار لعنة. جدران القصر لم تكن تحتاج إلى لوحات فنية، فقد غطّتها صورها، في كل زاوية، في كل ممر، في كل غرفة. ميريا تبتسم، ميريا تبكي، ميريا تحدّق بعيدًا، وكأنها لم تكن تعلم أن هناك عينين تراقبانها حتى في غيابها.
تذكر كيف كان في ذلك الجحيم الأبيض، كان مجرد تجربة أخرى، ملفًا جديدًا بين آلاف الملفات. لم يكن مجرد سجين، بل كان رقمًا في سلسلةٍ طويلة من الذين طُمسوا، أرقامًا تخضع لاختباراتٍ تُبدّل البشر إلى أشباه وحوش، أو تمحوهم تمامًا. كل حقنة، كل قطرة دم، كانت تأخذ جزءًا منه، تحوّله إلى شيء لا يعرفه. كان عقله متاهة من الهلاوس، جسده خريطة ندوب، لكن قلبه... قلبه ظل ينبض باسمٍ واحد، كأنه مقاومة أخيرة ضد المحو: ميريا.
تذكر تلك الليلة جيدًا، كيف اخترق الظلام بجسده النحيل وروحه المحطمة، كيف تسلل بين الحراس كظلٍّ شاحب، وكيف مزّق القيود التي قُيّد بها كما لو كانت خيوط عنكبوت. لم يكن هروبه مجرد بحث عن حرية، بل بحثًا عن جحيمه الشخصي .....عن ميريا، عن الألم الذي اعتاد عليه حتى صار جزءًا منه.
والآن، وهو يقف وسط هذا القصر المهجور، وسط صوره التي تحيط به كأنها تقرأ أفكاره، لم يكن يعلم إن كان قد خرج حقًا من ذلك السجن أم قد أصبح قابعًا في رأسه إلى الأبد.
اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.