كل شئ زائل ونحن الذين نعطيه قيمته وأهميته .. ثم نتألم ونتعذب من أجل هذه الأهمية المزعومة
مصطفى محمود, الأحلام
خرجت من المقهى مع ذلك الشاب المدعو وسيم .. كلما تأملته أدركت كم هو وسيم حقا .. كنت بحاجة لبعض الوقت حنى ارتاح من تفكيري المتواصل بكرم و لا أعلم كيف جاءت هذه الفرصة .. حدث الامر بسرعة و هذه أول مرة أمضي الوقت مع شخص آخر غير كرم و الخالة جهان .. على أية حال دخلنا صالة الألعاب كانت مملوءة بالأطفال بما انه فصل الصيف .. شعرت بالخجل لوهلة و لكن إندفاع وسيم و لا مبالاته جعلتني أسترخي بعض الشيء .. كان عفويا للغاية في تصرفاته يتحدث كثيرا و يضحك أكثر .. و كأنه طفل صغير .. لعبت معه و صغرت معه .. نسيت نفسي لساعات .. و نسيت ما كان يشغل تفكيري حضيت ببعض المرح برفقته .. و بعد مدة من الوقت خرجنا من صالة الألعاب ..
" أخبريني .. أتشعرين بتحسن ؟ هل زال الحزن ؟"
إبتسمت و أومأت برأسي
" أجل .. شكراا جزيلا .. "
" لا شكر .. و لكن الآن أنت مدينة لي "
تفاجأت من كلامه بعض الشيء .. ما الذي يعنيه ؟
" كيف ذلك ؟"
" لقد قدمت لك خدمة و أزلت حزنك و الآن حان وقتك لتردي الخدمة .. "
" و ما الذي يمكنني فعله ؟"
إبتسم و هو يقول
" إدفعي لي ثمن الغداء "
إنفجرت ضاحكة .. لقد أخافني لوهلة ظننته سيطلب شيئا ضخما
" حسناا .. "
" و لكن بشرط .. "
" ماذا ؟؟"
" يجب ان تجلسي معي على الغداء .. أريد ان اتعرف عليك .. "
" و لما تود التعرف علي ؟؟"
"هكذا .. اريد صديقة أمضي معها الوقت "
تنهدت و قلت
" و من قال انني صديقة جيدا ؟"
" سنقرر إن كنت صديقة جيدة أو سيئة بعد الغداء ."
إبتسمت لطبيعته و عوفيته و جاريته في الأمر ..إتجهنا الى مطعم في الجوار و طلبنا الطعام .. ثم جلسنا نتجاذب أطراف الحديث ..
" حسنا أظن انه يجب أن نتعرف على بعضنا أكثر حتى نصبح أصدقاء .. "
قال و هو ينظر الي ..
في الحقيقة تشعرني ثقته و ثباته بعدم الراحة .. فهو لا يتحاشى النظر الى عيناي لما يتكلم .. و لا يتلعثم أو يخجل .. واثق جدا من نفسه .. و هذا جعلني أفقد ثقتي بنفسي بعض الشيء ..
تلعثمت و أجبته بصوت غير واضح
" آه .. لنلعب لعبة الأسئلة .. "
ضحك و قال
" لا داعي لذلك سوف أخبرك كل شيء دون أن تسألي .. اولا انا إسمي وسيم .. عمري 24 سنة .. أعيش في الضواحي .. تخرجت السنة الماضية و أنا الآن أعمل كمساعد لمدير في شركة كبيرة .. أبي توفي لما كنت في الرابعة و أمي في الحقيقة لا أعلم عنها شيء .. فقد تطلقت هي و أبي لما كنت في الثانية من عمري .. ثم تكفل صديق ابي برعايتي .. و الآن انا مساعده المخلص .. هو صاحب الشركة التي أعمل بها"
سكت قليلا ثم أكمل كلامه
" أظنني أخبرتك كل شيء .. و الآن حان دورك "
كنت أحدق به في تعجب .. كان صريحا للغاية و هو يتحدث عن حياته .. لم يخفي شيء و لم ينزعج أبدا و خو يكشف كل تلك تفاصيل .. أنا لا أجيد التحدث بهذه الثقة و بهذه العفوية و الصراحة ..
" لا أعلم كيف أتحدث عن حياتي .. "
" أخبريني مصلما أخبرتك فقط .. "
" أمم حسناا .. إسمي صوفيا .. عمري 19 سنة .. انا من الجنوب و أتيت هنا لأدرس صيدلة .. توفي والدي و انا في 14 من عمري .. عشت مع أمي و الآن هي تزوجت رجلا آخر و أنا رحلت الى هنا .. "
كان يستمع لي بعناية .. و انا لا اعلم كيف واتتني تلك الثقة و تلك الصراحة حتى أخبره كل هذا .. حتى كرم الذي أعرفه لأكثر من نصف سنة لا يعرف كل هذه التفاصيل ...
" هل لديك أصدقاء ؟؟ "
" لا .. لدي فقط صديق واحد .. و .. أيمكن ان أعتبر الخالة جيهان صاحبة المقهى الذي أعمل فيه صديقة ؟؟ "
" أمم أجل أظن ذلك .. و من هو الصديق الآخر .. "
لم أرد التكلم عن كرم .. كلما تذكرته تذكرت الالم الذي تسبب لي به بعدما كسر ذراعي .. كنت أشعر بالغضب الشديد إتجاهه
" إنه صديق فقط .. تعرفت عليه هنا .. ليس بالأمر المهم .. "
" آه .. حسنا .. "
" ماذا عنك ؟؟ "
" لدي بعض الشباب من الجامعة أتسكع معهم .. لا شيء أكثر .. "
" آه .. جيد "
" و الآن أتقبلين صداقتي ؟؟ "
حدقت فيه لوهلة .. لا أعلم لما يريد مصادقتي بشدة .. و لكن شيء ما فيه جذبني .. كان بإختصار العكس النقيض لكرم .. لما أمضي الوقت مع كرم أشعر انني على تماس بمشاعري .. بأحاسيسي و بالظلمة داخلي .. اما عندما أمضيت اليوم الوقت مع وسيم شعرت أنني على تماس بالحياة .. كان شخصا بسيطا يسهل فهمه .. حياته خالية من التعقيدات .. مرح واثق و عفوي للغاية .. لا أعلم كيف يذجبني كرم و بعد فترة أنجذب الى عكسه النقيض .. لا أعلم حقا هذه الدوامة التي أخوضها الآن و لكنني أشعر بالضياع و لا يمكنني تفسير ما يدور بداخلي ..
إبتسمت و أجبته
" أجل طبعا .. "
........تبادلنا انا و وسيم أرقام هواتفنا و إفترقنا .. إتجهت الى المقهى و بقيت هناك حتى الليل ثم حملت نفسي و عدت الى شقتي .. مشيت بخطوات مثقلة بإتجاه الباب حتى أفتحه .. وقفت هناك مدة من الزمن ثم التفت الى باب شقة كرم .. طان الظلام يخيم على المكان كالعادة .. بقيت على تلك الحال لدقائق ثم ضعفت .. إتجهت دون تفكير الى بابه أخذت نفسا عميقا ثم طرقته .. طرقته و طرقته لكن دون جدوى .. ناديت على إسمه و لكنه لم يأبى فتح الباب .. شعرت بصدري ينطبق .. لم أستطع تحمل أفعاله .. طنت أشعر بحزن ممزوج بعضب و بعض الضعف .. جلست هناك على حافة الباب مدة من الوقت عله يفتح الباب و لكن أعلم كم هو عنيد و أعلم انه لن يفتح الباب .. بعدما فقدت الأمل عدت الى شقتي و أنا أحمل بعض الخيبة في قلبي .. لا زلت أجهل سبب تصرفاته و هذا يزعجني حقا .. أريد مساعدته و لكنه يأبى ذلك .
_____________________________________
❤❤
أنت تقرأ
دعني اساعدك ...
Romanceإننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة، حينما نعيش للآخرين، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين نضاعف إحساسنا بحياتنا، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية.