يكره الإنسان نفسه لأنه لا يعرفها، ولا يهمّه أن يعرفها. فبينه وبينها قطيعة روحيّة فجّة، سببها أنه يُعمِل نفسه ولا يَعمَل معها
ياسر حارب, بيكاسو وستاربكس
ودعت وسيم و دخلت البناية .. كنت متعبة بعض الشيء .. مشيت ببطىء حتى وصلت الى رواق شقتي .. رفعتي رأسي و رأيت كرم يقف هناك .. كان يبدو مخيفا وسطا الظلام .. لم أكن في المزاج المناسب لأي مناقشة معه .. لذا مشيت بصمت .. و لكن كان من نظرته ظاهر أنه لن يسكت و أنه سيتسبب بالمشاكل ..
صرخ بأعلى صوته حتى شعرت برجة في جسمي
" أين كنت ؟؟"
وضعت المفتاح و أدرته دون أن أنطق بحرف .. شعرت به يقترب نحوي .. و مع كل خطوة تسارعت نبضات قلبي .. بلعت ريقي و انا أدعو الله أن تمر هذه الليلة على خير .. شعرت به يمسك ذراعي بقوة و يسحبني .. من شدة الالم لم أشعر بأي شيء حولي .. كل ما فكرت به هو كيف أخلص نفسي من قبضته .. و كلما قاومته زاد إحكامه علي .. رعبت في تلك اللحظة .. نظرة عيناه كانت مخيفة .. الشرر يتطاير منهما .. أمسك ذراعي الثانية و ثبتني على الجدار و هو يصرخ
" قلت لك أين كنت .. "
أجبت و أنا أتأوه ألما ..
" هذا ليس من شأنك .. "
لم أشعر به الا و هو يرفع يده عن ذراعي و يصفعني بها بكل ما أوتي من قوة .. حتى أنني فقدت الشعور في تلك اللحظة بالزمان و المكان .. فقدت الشعور بذلك الجزء من وجهي .. سكنت للحظات من شدة الصدمة.. الدهشة و الخوف .. لقد تجرأ على ضربي .. كيف يعقل هذا .. شعرت أنني أقف بين ذراعي وحش ثائر و قد ينقض علي في أي لحظة ..
قاومت بكل ما أتيت من قوة صرخت و حاولت دفعه و لكنني كنت ضعيفة بين يديه .. أمسكني من كتفي و دفعني على الجدار مجددا .. سحبني و دفعني عدة مرات .. و كأنه يتعمد إيذائي .. كان يصرخ و لكن من شدة خوفي لم أفهم كلمة مما قاله .. ثم فجأة شقت تلك الأجواء المحتدة صرخة أخرى .. جاءت من نهاية الرواق
" كرررررم ... "
التفتنا معا الى مصدر الصوت كان وسيم يتقدم بسرعة نحونا .. في تلك اللحظة لم أفهم شيء و كأنني غبت عن الوعي .. هل نادى وسيم كرم لتوه ؟؟ ما الذي يحدث .. يبدو انني أهلوس .. أغمضت عيناي بقوة علي أعود للواقع عن فتحهما .. و لكن شعرت بيدا كرم تفلتانني .. فتحت عيناي لأجد كرم يقف بعيدا بضعة سنتيمترات ممسك بخده و في الجهة الأخرى وسيم يقف ممسكا قبضة يده .. هل ضربه ؟؟ يبدو أن وسيم ضرب كرم حتى يبعده عني .. كانت أنفاسي تتقطع بالكاد أستطيع سحب الهواء .. لم أفهم ما الذي يحدث .. كان يصرخان في وجهي بعضهما بينما انا في الوسط كالصنم
" هل جننت ؟؟ تستقوي على فتاة ؟ هل فقدت عقلك ؟؟"
" وسيم هذا ليس من شأنك .. لا تتدخل في أموري .. "
" ما الذي تعنيه أيها الأحمق .. الا يكفيك انك أفسدت حياتك .. كما انا صوفيا صديقتي أيضا الآن .. و يحق لي التدخل في أمورها "
" قلت لك هذا ليس من شأنك .. هل أرسلك والدي لتراقبني ؟؟ أم لتراقب صوفيا ! ياا له من مغفل و يا لك من غبي .. "
" لقد قبلت بهذه المهمة لأجلك .. أنت المغفل هنا .. تدرك أنني طوال السنتين أحاول مساعدتك و لكنك تحب إفساد حياتك .. "في خضم هذا النقاش المحتد بينهما .. كنت أنا الغبية .. لم أفهم شيء مما كانا يقولانه .. و لم يكن بمقدرتي الفهم .. كنت في حالة صدمة .. في حالة لم أستطع تفسيرها .. شعرت بالعجز و بالضعف .. وقعت على الأرض و لم أشعر الا بدموعي تنساب على خدي .. غطيت وجهي بيداي و بكيت بصوت .. كنت في حالة بكاء هستيرية .. و كانت تلك أول مرة أبكي فيها منذ سنوات .. لم أستطع مقاومة كل تلك المشاعر التي إختلجتني في تلك اللحظة .. و لم أجد سبيلا لإطلاقها الا عبر البكاء .. عم الصمت المكان و لم يبقى الا صوت بكائي يدوي .. شعرت بهما يقتربان نحوي .. كل منهما يحاول فهم الحالة التي أنا فيها .. شعرت بوسيم يمسك بذراعي و لكنني دفعته قبل أن يقترب أكثر ..
" صوفيا .. "
التفت الى كرم الذي لم يستطع الإقتراب أكثر و لم يكن بمقدوره الا أن ينادي بإسمي .. لم أشعر هكذا من قبل .. أدخالاني في دوامة مشاعر أفقدتني توازني .. نهظت من مكاني بصعوبة .. للحظة شعرت بكره لا يوصف إتجاههما .. رمقتهما بنظرة أعلم أنها شلتهما عن الحركة .. و قلت بصوت خافت تعب
" إبتعدا عني .. "
و مشيت ببطىء نحو شقتي .. دخلت و وقعت خلف الباب أبكي بحرقة .. كنت أضعف من أن أتحمل هذا .. كان جسدي يؤلمني و قلبي يؤلمني و كل شيء يؤلمني .. بكيت و بكيت لا أدري كم من الوقت .. بكيت حتى تورمت عيناي .. ثم قمت من مكاني و إتجهت نحو الحمام .. نزعت ملابسي .. و تأملت حالتي في المرآة .. كان جزء من وجهي متورم تماما من الصفعة التي تلقيتها ... كتفاي مملوءان بالكدمات .. مسحت دموعي و ملأت الحوض بالمياه .. و غمست جسدي داخلها .. أغمضت عيناي و أعدت شريط ما حدث أمامي .. آلاف الأسئلة داهمت عقلي .. هل يعرفان بعضهما ؟؟ لما صعد وسيم الى البناية ؟؟ لما تصرف معي كرم بتلك العدوانية ؟؟ أحقا كنت مجرد مهمة لوسيم ؟؟ أنا لا أعلم حقا .. و لم أجد إجابة لأي من هذه الأسئلة ..______________________________________
آراؤكم و توقعاتكم ❤❤
أنت تقرأ
دعني اساعدك ...
Romanceإننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة، حينما نعيش للآخرين، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين نضاعف إحساسنا بحياتنا، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية.