الجزء 34

558 33 1
                                    

       


إن كانت الذكريات الحزينة هي آخر ما تملك
فلا تنساها وتذكرها ..


أفراح محمود

     
       مر أسبوع يحمل اسوء ايام حياتي .. كان الالم في بعض الاحيان لا يحتمل و لكنني بلعته .. لم يكن الامر سهلا على اي احد فينا .. كل منا في معاناته يسبح .. لم نكن نناقش احزاننا اذا إلتقينا .. بل إكتفينا بالصمت .. لم تذهب رنا للعمل طوال فترة تواجد والدها في المشفى لذا كنت اشعر بالوحدة اكثر و لكنني حاولت تخطي الامر بكل إستطاعتي .

.............

      إستيقظت صباح اليوم أشعر ببعض الطاقة .. قمت بتنظيف الشقة و أعددت الإفطار و جلست في الشرفة  أتناوله بينما أتأمل الناس في الشارع .. جلست لبعض الوقت حتى سمعت هاتفي يرن .. اسرعت الى الغرفة لأجد رنا تتصل .. أخبرتني ان والدها افاق اخيرا من غيبوبته .. كانت سعيدة جدا .. أسرعت لأرتدي ملابسي و ذهبت الى المشفى .. وجدت أمير هناك يجلس معها خارج غرفة والدها .. كانت تبدو متوترة .. بعد فترة خرجت والدتها من الغرفة .. وقفت رنا و أمسكت يدها و سألتها  عن ما الذي أخبرها إياه ..  كانت تنظر إليها نظرة رجاء و توسل .. لم أفهم ما الذي كان يحصل بعد حتى أجابتها انه وافق على رؤيتهما معا .. عندها علمت انها كانت تترجا والدها ان يوافق على رؤيتها هي و أمير .. قفزت رنا في سعادة و إحتضنت أمها و هي تبكي .. كانت تبدو متوترة جدا فهذه اول مرة تراه بعد سنوات من الفراق ..

     دخلا و بقيت في إنتظارهما خارجا .. كنت أدعي من أعماق قلبي ان يتم الأمر عل ما يرام .. لم أنتظر طويلا ثم خرجا كان وجه رنا يدل على انها بكت كثيرا .. أسرعت لها و إحتضنتها .. أمسكت بي بقوة و بكت أكثر .. أخذها الامر طويلا حتى هدأت كليا .. أخبرتني انها لم تشعر بمثل هذا الإرتياح لسنين .. كان صعبا مواجهته و لكن بعد ان تم الامر شعرت و كأن جبلا إنزاح عن كاهلها .. كما ان والدها قابلها بصدر رحب و لم يبعدها هذه المرة كما إعتاد أن يفعل .. يبدو انه أخيرا سيفرج على قصة حبهما ..

..............

     مرت الأيام .. أسبوع أسبوعان ثلاث .. لين تزورنا من حين للآخر و لكنها مشغولة بتخرجها و كل أمور الجامعة .. حتى وسيم كنت ألتقي به في بعض الأحيان .. و رنا كانت تتفتح كزهرة طال إنغلاقها .. تقبل والداها أخيرا أمير .. لم يوافقا عليه كليا و لكن على الأقل لا يقاطعان رؤيتهما لبعض الآن .. كان دخول والدها في تلك الغيبوبة كفيل ليجعلهما يعيدان حساباتهما .. كان تشع سعادة .. لم أراها في حياتي بهذا الشكل .. كانت تبث في المنزل طاقة جعلتني حتى انا أتخطى تلك الكآبة التي كنت أشعر بها ..

   
     اليوم يوم تخرج لين .. كان يوما حافلا .. حضرت حفل التخرج مع رنا ، أمير ، وسيم و الخالة جيهان .. كان من أجمل الأيام في حياتي .. ضحكنا كثيرا و إستمتعنا بوقتنا .. كانت لين سعيدة جدا بتخرجها .. كنا نحتاج لمثل هذه السعادة لننسى تلك الأيام التي مرت بنا ..  بعد إنتهاء الإحتفال .. إتجهنا كلنا الى مطعم في الجوار حتى نكمل إحتفالنا و نتناول الغداء .. في وسط حديثنا .. قامت لين من مكانها و قاطعت حديثنا
 
     " أحمم .. رجاءا إنتبهوا لي هناك شيئا أود الإعلان عنه اليوم "

     إلتفتنا اليها كلنا في تساؤل عن ماهية الأمر الذي تود أن تخبرنا به
 
     إبتسمت و هي تترنح في مكانها ثم أشارت الى وسيم .. إبتسم هو أيضا دون ان يقول شيء .. و بقينا نحن نتبادل نظرات الحيرة

     " أريد فقط أن أخبركم أنني و وسيم نتواعد منذ مدة الآن ! "

    
        فتحنا أفواهنا في دهشة للحظات .. لم أصدق الأمر للحظات بقيت فقط هكذا أحدق بها .. و حين إستوعبت الأمر صرخت ملء صوتي .. قفزت من مكاني و آحتضنتها طويلا .. كانت هي تضحك لردة فعلي .. كنت لا زلت تحت تأثير الصدمة .. و لكن سعادتي كانت لا توصف .. نزلت دموعي لا شعوريا .. إحتضنتني حتى هي .. هذا أجمل خبر سمعته منذ مدة .. تمنيت حقا من كل قلبي أن يجمعهما القدر و لم يخب دعائي .. لم أستطع تصديق الأمر مئة بالمئة و لكن كلما رأية كمية الإنسجام بينهما أتعجب كيف أنني لم ألحظ الأمر قبل اليوم .. يبدوان حقا كثنائي .. هنؤهما الآخرون و لكن رنا أصرت أن نحتفل بهذا الخبر

     " انحتفل بهذا الخبر  مساءا في المقهى ! ما رأيكم "
   أجبتها في حماس
  " تبدو فكرة جيدة .. سوف أقوم مع الخالة بتحضير كل شيء "

        كانت سعادتي حتى أكبر من سعادتهما ببعضهما .. أريد حقا أن أراهما يعيشان معا في سعادة .. كان الأخبار الجيدة تتوالى في هذه الآونة الأخيرة رنا و أمير أخيرا نالا موافقة أهلها و لين ووسيم يتواعدان و يبدوان سعيدين جدا مع بعض .

       
        في طريق العودة الى المنزل قررنا أن نتمشى بعض الشيء انا و رنا و لين .. كان الجو مشمس و حرارة الصيف التي بدأت ملامحه تلوح في الأفق .. مشينا على شاطىء البحر بعض الوقت .. كان يعج بالأطفال مع عائلاتهم .. كانت أتأملهم حين أمسكت لين يدي .. إلتفت إليها .. نظرت الى عيني مباشرة  ثم سألتني

     " أانت بخير !!"
   فاجأني سؤالها بعض الشيء
   " طبعا .. لما قد لا أكون بخير "
  " حقا أتعنين ذلك !!! "
  " أجل  .. أنا حقا سعيدة .. رؤيتكما أنت و رنا تحصلان على ما رغبتما به تجعلني حقا سعيدة "
      سكتت قليلا
  " و لكن ماذا عنك !!"
" ماذا عني !!"
  " ما الذي ترغبين في الحصول عليه ؟!"
  " هممم .. انا حقا لا اعلم .. فقط سأنتظر "
   " ماذا عن كرم !!"
  " ماذا عنه ؟!"
  " ألا تريدين التحدث معه ؟؟"
" و ما الذي سأقوله له بعد كل هذه السنين ؟!"
  
   تدخلت رنا
   " لا يهم ما الذي ستقولينه .. فقط تحدثي معه "
تنهدت
  " لا أريد أن أجهد نفسي .. اريد فقط ان ارتاح .. سأسعد اليوم لسعادتكما و هذا يكفيني .. "

    " و لكن سعادتنا ناقصة .. نحن ندرك انك لم و لن تكوني حقا سعيدة الا بوجوده بجانبك .. أدرك ذلك لأنني لا أستطيع تخيل حياتي بدون أمير .. لا أتخيل كيف سأمضي ليلة وحيدة بعيدة عنه .. فكيف عنك انت التي أمضيت سنينا تتجرعين ألم بعده !"
    " ستعتادين الألم .. صديقيني ستعتادينه .. كرم سيبقى في قلبي و لكن لن أبحث عنه .. سأكتفي بهذا القدر من قصتنا .. "
   
      لأول مرة تحدثت عنه دون أن تفيض عيناي بالدموع .. تحدثت عنه بكل شجاعة دون أن أخاف من الجروح التي ستفتح .. تعلمت فقط ان أتقبل الأمر كما هو .. ان أتعايش مع ألمي مع شعوري بالوحدة مع شعوري بالإشتياق فقط هكذا .

______________________________________

دعني اساعدك ... حيث تعيش القصص. اكتشف الآن