أقسى أنواع الألم تلمسه في ثلاث
رحيل الأحبة وحقد الأقارب وخذلان الأصدقاءعبد الله النعيمي, قمر الرياض
أسرعت لين الى الخارج و هي تبكي ، يبدو أنها سمعت كل كلامنا .. حاولت أن أتبعها و لكن لم أستطع .. لقد تعقدت الامور أكثر الآن .. لم أرد أن نصل الى هذه النقطة .. كنت أحاول أن أصلح الأمور و لكنني أفسدتها بدل ذلك .. غادر وسيم دون أن يضيف كلمة أخرى .. وقفت عاجزة .. لا أعلم ما الذي يجب علي فعله .. جلست في المقهى شاردة .. و لم تتوقف دموعي للحظة .. كنت دائما أظن أنني أنا الوحيدة التي تألمت و التي عانت و التي فقدت و تغيرت .. و لكن يبدو ان كلا منا تجرع نصيبه من الألم .. ووسيم تجرعه منذ اللحظة التي ظهرت مشاعره إتجاهي .. لم يشعرني يوما أنني أؤلمه أو أنني لا أهتم كفاية به .. رضي بكمية الإهتمام التي تلقاها مني بصدر رحب وواصل معاملتي بتلك الطريقة .. لا أستطيع حتى تخيل كمية الألم التي كان يعانيها .. حتى و إن أفنيت حياتي كلها لأجله لن أوفيه حقه .. و لكنني كنت أنانية كفاية حتى أفتح جروحه بعد أربعة سنوات .. حقا أنا غبية .. و في هذه اللحظات أكره نفسي .. أمقتها حقا .. لأنه بالنظر للأمور الآن لم أبالي أبدا لأحد سوى نفسي ... حتى كرم لم أتوقف لحظة لأسأل إن كان وجودي يؤلمه و لكنني فرضت نفسي و لم أبالي لرغبته في رحيلي .. بقيت لأنني اردت البقاء .. حتى ارضي رغبتي فقط .. يبدو أن خوفي الزائد من مشاعري خلق مني شخصا أنانيا لا يبالي سوى لنفسه .
مر الكثير من الوقت .. لم أتحرك من مكاني لساعات و لين لم تعد بعد .. حل الظلام و ما زالت في الخارج .. كنت أشعر بالقلق إتجاهها .. ووسط كل تلك الفوضى من الأفكار سمعت رنين هاتفي .. كانت رنا تتصل .. أجبت بسرعة علها تحمل أخبارا عن لين .. و لكن عندما رفعت سماعة الهاتف .. جاءني صوت بكاءها من الجهة الأخرى .. حاولت أن أفهم ما كانت تقوله وسط بكائها و لكن لم أسمع شيء ثم أخذ أمير الهاتف من يدها و أخبرني أنهما في الطريق الى المشفى لأن والد رنا أصيب بذبحة قلبية و هو في العناية المشددة الآن .. يبدو أن اليوم لن يمر بخير .. حملت حقيبتي و أسرعت الى الخارج حتى ألحق بهما .. رنا حساسة جدا فيما يخص والدها .. كانت علاقتهما مميزة جدا لما كانت صغيرة لطالما تلقت دعمه في كل الأمور .. كانت مقربة اليه أكثر من والدتها .. و لكن كسرت ظهرها الأحداث الأخيرة .. إبتعادها عن عائلتها كان أصعب خطوة .. قامت بالإبتعاد ظنا منها انها سوف ترغمهما على القبول بأمير هكذا .. و لكن والدها شعر بالإهانة لأن أميرته الصغيرة إختارت رجلا آخرا غيره .. لذا رفض رؤيتها منذ ذلك الحين .
أسرعت الى داخل المشفى .. وجدت رنا هناك مع أمير ووالدتها .. كانت في حالة يرثى لها .. حاولت تهدأتها و لكن دون جدوى .. و ظلت تكرر جملة واحدة
" لا يمكن أن يغادر والدي هكذا .. لا يمكن أن يذهب و هو يشعر بالأسى إتجاهي "
قسمت قلبي حالتها .. و أمير حسنا أشعر بالأسى دائما إتجاهه لأن تأنيب الضمير يقتله .. يشعر أنه فرق الفتاة عن أهلها و لكنه لا يستطيع التخلي عنها ببساطة .. فقط قصة حب مأساوية أخرى .. متى ستطرق السعادة أبوابنا يا ترى !
بعد لحظات وصلت لين .. إرتحت قليلا لأنها كانت بخير .. و لكن أي خير ! كانت تبدو في حالة أسوء .. وجهها شاحب حد الموت .. وعيناها متورمتان من كثرة البكاء .. هذه أول مرة أرى لين على هذه الحالة .. كانت دائما تلك الروح المرحة التي تبث فيك سعادة خفية .. لم تتحدث معي أبدا .. لم تنظر الى عيناي حتى .. بقيت قليلا مع رنا ثم همت بالمغادرة .. تبعتها
" أين ستذهبين الآن ؟؟"
سألتها .. أداترت نفسها ببطء نحوي .. ثم قالت بصوت مضطرب
" لا أعلم "
"ألن تذهبي الى المقهى "
أخذت نفسا عميقا و قالت
" اريد أن أبقى وحدي "
تأملتها قليلا .. كان قلبي يؤلمني لأجلها .. هي آخر شخص أردت أن أجرحه و لكن ..
" حسنا .. خذي مفاتيح الشقة .. أمضي الليلة هناك .. رنا ستبقى هنا و أنا سأتجه الى المقهى "أخذت المفاتيح دون أن تقول شيء .. كنت أحاول أن أمسك نفسي .. كنت على شفى الإنهيار .. تمالكت نفسي و عدت الى المقهى .. إستلقيت على السرير ثم إنفجرت .. بكيت بصوت .. صرخت عاليا .. أطلقت العنان لما حبسته في صدري .. بكيت و بكيت و بكيت .. مضت ساعات الليل و كأنها عذاب و كأنها عمر بأكمله .. كنت أدعو فقط أن أرى خيوط الصباح الأولى .. أن ينتهي الليل لأن ظلمته خنقتني ..
بت أنا أناجي السقف في مأساتي .. و باتت رنا تناجي جدران المشفى حتى تستعيد والدها .. و باتت لين تناجي اللحاف الذي تدثرت به كلها أن تتخطى إنكسار قلبها الأول .. و أمضينا أسوء ليلة في تاريخ صداقتنا .. كل منها تصارع ألمها لوحدها .............
سمعت دقات على باب الغرفة .. كانت الساعة الثالثة صباحا .. خرجت لأجد الخالة جيهان تقف خلفه .. يبدو أنها لم تستطع النوم هي أيضا .. دفعت الباب و دخلت .. وضعت صندوقا صغيرا على الطاولة كانت تحمله و جلست .. جلست بجانبها في صمت الى أن باشرت بالحديث
" كنت أظن أنك مع الوقت ستنسين و ستتخطين الماضي .. و لكن يا بنيتي يبدو أنك عالقة و لا يمكنك المضي أبدا .. و يبدو أنا الماضي سيطاردك مهما هربت و إبتعدت عنه .. يبدو أنه عليك الآن مواجهته و التوقف عن الركض .. أنت تعبت يا بنتي خذي نفسا الآن و قرري ما الذي ستفعلينه بشأن ذلك "
كنت أستمع اليها و لكنني لم أفهم ما الذي كانت تعنيها بكلامها ذلك .. إلا أن مدت يدها نحو ذلك الصندوق و قدمته لي ..
" هذا لك .. أظن أنه حان الوقت لتري ما بالداخل .. أرادت أمك أن يبقى هذا سر بيني و بينها حتى نساعدك على نسيان الأمر بسرعة .. و لكنني أدرك كم أخطأنا الآن .. ما كان يجب أن نقرر عنك أبدا .. أنا آسفة جدا يا بنتي "
أكملت جملتها بإعتذار ثم خرجت من الغرفة .. شعرت بإنقباض في صدري و أنا أمسك بذلك الصندوق .. كنت أدرك أنه ما وراءه سوى خيبة أخرى .. صدمة أخرى و وجع قلب آخر .. فتحت الصندوق بيداي الراجفتان .. كان مكدسا بالرسائل الورقية .. حملت رسالة و قلبتها كان بها عنوان المقهى ثم أسفلها ... " الرسالة 25 من كرم الى صوفيا " .........
أنت تقرأ
دعني اساعدك ...
Romanceإننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة، حينما نعيش للآخرين، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين نضاعف إحساسنا بحياتنا، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية.