الجزء 22

616 32 2
                                    

   

إذا أردت أن تصمد للحياة فلا تأخذها على أنها مأساة


توفيق الحكيم

     لم أستطع كبح دموعي طوال الوقت من المقهى الى المستشفى .. كانت دموع فرح .. لم أصدق الخبر  ..
وصلنا الى المستشفى .. أسرعت الى غرفته مثل المجنونة .. و لكن ما إن إقتربت الى باب الغرفة .. شعرت بقواي تخور .. و كأنني إستنفذت تلك الطاقة التي واتتني لما سمعت بخبر إستيقاظه .. كنت خائفة .. خائفة من ردة فعله لما يراني .. أسندت ظهري على باب الغرفة و أخذت نفسا عميقا ..
أمسكني وسيم من يدي و همس
" ستكونين بخير .. "
حاولت تمالك نفسي .. و فتحت الباب ببطء .. أول ما رأيته كان والده يجلس بجانبه .. إقتربت ناحية سريره حتى ظهر جزء من وجهه .. كان والده يمسك يده و يحدثه .. و كان هو يحدق فيه بشرود .. وجهه شاحب جدا .. إقتربت دون أن أقول شيء .. كنت متوترة سعيدة خائفة و كل المشاعر إختلطت علي ..
" كرم ! أنظر من جاء لرؤيتك "   قال وسيم
  حاول بجهد أن يلتفت ناحية الصوت .. كنت هناك  مسمرة في مكاني أحدق به ..  نظر إلي نظرة فارغة لم أفهم معناها .. لم أستطع الكلام .. بقينا للحظات هكذا نحدق في بعضنا بصمت ..
  " ابي لنتركمها لوحدهما بعض الوقت "
وقف والده ملبيا طلب وسيم .. لم ينظر حتى الي كان يظهر الإنزعاج على وجهه .. خرجوا  و تركانا لوحدنا .. إقتربت منه و جلست في الكرسي المجاور له .. لم يقل شيء أبدا .. إكتفى فقط بالتحديق .. و حتى انا خانتني الكلمات مثل كل مرة أكون فيها معه ..  جلسنا هكذا في صمت مهيب .. في البداية كان الأمر مربكا بعض الشيء .. تنهدت و انا أدقق في تفاصيل وجهه المتعب .. انا حقا أحبه .. أحب كل شيء يتعلق به .. خلال الايام الماضية التي أمضيتها مع الخالة جيهان .. أخبرتها بكل شيء .. حكيت لها قصتنا الغريبة ..  قالت أنها علاقة سامة و غير صحية .. و أنه يجب علي الإبتعاد عنك .. تقريبا كانت ردة فعلها كرد فعل الجميع من حولنا .. و لكن إن كان هذا السم هو ما يشعرنا بالحياة فلما لا ؟! .. لقد كرهت الحياة التي عشتها قبل أن أتعرف عليك .. كنت جسدا بدون روح .. شعرت بفراغ كبير طوال 19 سنة الماضية من حياتي .. لا أعلم لما يصعب عليهم فهم الأمر .. تنهدت و انا أفكر في كل الأمور .. أدار كرم فجأة وجهه و أبعد عيناه عن وجهي .. فجأة سمعت الباب يفتحت .. إلتفت اليه لأجد والده يدخل
" عليك المغادرة الآن .. لا بد أن إبني لا يرغب في رؤيتك " 
   القيت نظرة أخيرة هلى كرم ثم حملت نفسي و خرجت من الغرفة .. هكذا كان لقاؤنا .. لقاء إنتظرته طويلا .. و دعيت من أجله كثيرا .. لقاء تخلله صمت رهيب ..  إتجهت الى حمام المستشفى .. جلست هناك .. لم أكن بحاجة للراحة .. و لكن نفسي كانت مثقلة .. كانت متعبة و لم  تكن لي القدرة على حملها .. جلست هناك و بكيت لوقت طويل .. كنت سعيدة و حزينة في نفس الوقت .. لم أستطع تفسير مشاعري في تلك اللحظة .. كنت فقط منهكة من كل شيء ..

   خرجت من الحمام لأجد وسيم ينتظرني هناك و في يده كوبين من القهوة .. قدم لي واحداو سار أمامي دون أن يقول شيء .. تبعته نحو وجهته في صمت ..
  صعدنا نحو سطح المشفى .. كان الشمس على وشك الإشراق .. جلسنا هناك نرتشف قهوتنا ..
  " غريب أمركما حقا !" قال و هو يضع كأسه جانبا
إبتسمت و أجبته " أعلم "
" كيف لكما أن تختارا الصمت بعد كل ما حدث "
" لنقل أن الصمت يعبر في حالتنا أكثر من الكلام "
" و لكن ... "
" وسيم أيمكنك إرجاعي للمنزل رجاءا "
قاطعته لأنه لم تكن لي الرغبة في الكلام .. أردت أن أشحن الطاقة التي سلبت مني خلال الساعة الماضية ..
إبتسم ثم قال " لنشاهد شروق الشمس أولا "
" حسنا "
  

______________________________________

❤❤

دعني اساعدك ... حيث تعيش القصص. اكتشف الآن