الجزء السادس

892 45 4
                                    

وهى رغم كل ذلك الحياة, ونحن مطالبون أن نحياها كما هي

عبد الوهاب مطاوع, هتاف المعذبين


إتجهت مباشرة الى غرفتي .. إستغربت الخالة جيهان عودتي حاولت التحدث معي و لكنني لم أكن في المزاج .. أغلقت الباب و إستلقيت على السرير أحدق في السقف .. أفكر ، أتساءل كيف لرجل أن يكون أسير مزاجه .. و انا إمرأة لا تحركني العواصف .. أتساءل إن كان الخطأ في أم فيه .. أتساءل لما أنا مهتمة به الى هذه الدرجة ..لما يثير في نفسي شيئا غريبا لا أفهم ماهيته .. فكرت كثيرا الى أن غفوت .. إستيقظت على صوت الخالة جيهان تناديني .. قمت من مكاني بجسد مثقل و فتحت الباب
"صوفيا .. هناك شاب إسمه كرم يبحث عنك "
يا له من مزاجي لا يستطيع التحكم في نفسه .. يذهب و يعود على هواه .. لا يهتم أبدا إن كان يزعجني ذلك أو لا .. و لكن كالعادة لم أستطع تجاهله .. لم أستطع رده
"أخبريه أنني سأكون هناك في لحظات .. "

نزلت الى الأسفل لأجده يجلس في مكانه المعتاد .. يحدق في كوب القهوة بصمت ..
" ما الذي تريده ؟؟"
قلت بنبرة يشوبها بعض الغضب
" إجلسي معي .. "
أجاب بتردد
" ماذا ؟؟ أجلس معك ! أأنت مجنون ! لقد صرخت في وجهي لتوك و أخبرتني أن ابقى بعيدة عنك !"
أخفض رأسه و لم يقل شيء .. سحبت الكرسي و جلست ..
" لما جلست !"
" أتتلاعب معي ... لقد طلبت مني للتو الجلوس !!!"
" و لكنك رفضت "
" غيرت رأيي"
" حسنا "
ساد الصمت كالعادة .. ظللت أحدق في وجهه و حركاته .. يبدو مضطربا جدا .. يحرك يديه بإستمرار .. و لا يرفع عينيه أبدا ..
" ماذا ؟؟"
فاجأني سؤاله و أربكني .. فقد شردت في تفاصيله .. و لم أفهم ما الذي يقصده .. فأعدت طرح نفس السؤال
" ماذا ؟؟؟؟ "
" لماذا تحدقين في ؟"
لم أدرك أنه لاحظ ذلك
"أريد أن أفهمك .."
" لما أنت بحاجة ماسة لفهمي ؟؟"
" كيف تتوقع مني أن أبقى معك و انا لا أفهمك ؟ "
"لا أريدك ان تفهمي "
" لما لا ؟"
" حتى تبقي هكذا .. حتى يبقيك فضولك معي .. أدرك أنك إن فهمتني ستبتعدين "
" ربما لا .. ربما سأمل الغموض و أبتعد "
" لست بهذه البساطة .."
" ما الذي تعنيه ؟"
" تدركين أن الغموض هو الشيء الوحيد الذي يجذبنا "
أفهم جيدا ما الذي يقوله .. و لا يمكنني إنكاره .. أعلم أن فضولي هو ما يدفعني الى التقرب له .. و لكن أذهلني كيف إستطاع فك رموزي بهذه السهوله .. رغم أنني لم أتحدث معه مطلقا ..
" حسنا .. ما هو المطلوب مني ؟؟"
سكت قليلا .. ثم أجاب بتردد
" لنساعد بعضنا .. "
فاجأني إقتراحه بعض الشيء .. أنا لا أعاني حتى الى مساعدة .. أرفض أن أعترف بذلك .. أقنعت نفسي أنني على ما يرام .. أنني لا أحتاج الحب و السعادة البكاء و التعاسة حتى أشعر بالحياة ..
" يمكنني أن أحاول مساعدتك .. و لكنني انا لا أحتاج لأي مساعدة أنا على ما يرام "
" أجل .انت تعانين .. و كثيرا .. أنت تنامين في الوقت . تأكلين و تدرسين .. و لا تبكي نفسك كل ليلة حتى النوم .. و لكن هذا لا يجعلك على ما يرام .. كل منا يعاني على طريقته .. فقط إعترفي بذلك .. و دعينا نساعد بعضنا "

شعرت بغصة غريبة في حلقي .. اصابتني كلماته في الصميم .. لم أشعر بهذا الشعور من قبل ..
"حسنا .."
وافقت و لا أعلم لماذا .. هذا الشخص يدفعني الى خارج منطقة راحتي و أنا لا أمانع ذلك .. لأول مرة أتماشى مع شخص عكس ذاتي ..

"حسنا .. سأذهب الآن .. الى اللقاء "
" و لكن لحظة .. كيف سنلتقي .. أحتاج رقم هاتفك حتى أتواصل معك .. "
إبتسم نصف إبتسامة
" لا أملك هاتف .. "
" إذا كيف سنلتقي ؟؟"
" كما نلتقي كل مرة .."
قال هذه الكلمات و رحل كعادته .. و تركني أتخبط مع ذاتي .. يدفعني الى الغوص في اعماق اعماق نفسي و ذلك يخيفني كثيرا .. يخيفني ما سأجده هناك .. أخذت نفسا عميقا و أسندت رأسي على الطاولة أفكر في كل الذي حدث معي و ما الذي سيحدث يا ترى ...

______________________________________

💓💓

دعني اساعدك ... حيث تعيش القصص. اكتشف الآن