جلست على السطح في سكون .. لم أكن اقوى على الكلام و لا على الحركة .. كانت مشاعري متداخلة .. شعرت بالذنب لأنني تركته كان يجب ان اقاوم امي أكثر أن أبقى بجانبه .. شعرت بالكره إتجاه أمي لأنها أبعدتني عنه .. ما كان يجب أن تفعل ذلك .. كان من المفروض أن تثق بي أكثر .. شعرت بعظام صدري تنطبق و قلبي يعتصر ألما .. ماذا لو فقدته ؟ ما الذي سأفعله .. بكيت هناك لوحدي لساعات صرخت و أفرغت شحنة المكبوتات في داخلي .. و لكن رغم كل هذا كانت كمية الألم لا تحتمل و لا توصف .. .. بعدما إرتحت قليلا حملت بقايا روحي المجهدة و نزلت .. تأملته من خلف الزجاج .. ينام في سكون .. لقد كان طوال الوقت ساكنا هكذا و لكن سكونه هذا مخيف .. سكونه هذا مؤلم .. لما فعلت هذا يا كرم ! كيف وصل بك الحال الى هذه النقطة ..
" عليك أن ترتاحي "
إلتفت لوسيم الذي كان يقف بجانبي .. رؤيته و هو هكذا زادتني وجعا .. و كأنه يحمل هموم الدنيا على عاتقه .. أي أخ هذا الذي وهبك الله يا كرم ! و لكنك لم تقدر النعمة .. و هبك الله اناس يحبونك و يهتمون لأمرك و لكن تركت الجانب المظلم من نفسك يلتهمك حيا فأعمى عينيك عن كل النعم التي بين يديك .. لو فقط أدركت ذلك قبل أن تنغمس في ظلمات نفسك لربما إستطعت منع نفسك من السقوط في الظلمة التي تقبع بها الآن ..
إبتعدت لأنني لم أقوى على منظرهما هكذا .. كلاهما يوجع قلبي ألمهما .. ذهبت الى غرفتي بالمشفى و بقيت هناك ................
إستيقظت من غفوتي على صوت الباب يفتح .. لا أعلم كم من الوقت نمت .. ظننت أنه وسيم و لكن ما إلتفت دهشت لرؤية أمي تقف هناك .. كنت اشعر بغضب لا يوصف إتجاهها .. و لكنني أحتاجها في هذه اللحظات أكثر من أي وقت مضى .. إمتلأت عيناي بالدموع ما إن رأيتها .. أسرعت الي و إحتضنتني .. كانت تبكي هي أيضا ..
" لقد خفت عليك كثيرا .. كيف لك أن تفعلي هذا بي ؟"
قالت وسط دموعها .. و لكنني لم أقوى على الآجابة .. بقيت في حضنها أبكي مدة طويلة .. و بقيت هي في صمت تستشعر بعض من الألم الذي أشعر به .. لم تسألني شيء و لم تقل شيء .. كانت دموعي كافية بأن تحكي لها حجم المعاناة التي أمر بها ..
بعد مدة إلتقطت أنفاسي و تمالكت نفسي بعض الشيء و حكيت لها كل شيء .. إستمعت الي في صمت دون أن تقول شيء ..
" أمي .. ما كان يجب أن تأخذيني معك بالقوة .. كان يجب أن تستمعي الي .. كان يجب أن تثقي بي .. لقد كنت الشخص الوحيد الذي يثق فيه كرم و لكنني خذلته و عدته أنني لن أبتعد و لكنك أبعدتني عنه غصبا .. أنت السبب في الحالة التي هو فيها الآن .. أنت السبب "
إستمعت الى كلماتي القاسية وسط سيل من الدموع .. أظن انها أدركت خطأها .. إقتربت مني و أمسكت يدي و هي تقول
" أنا آسفة يا بنتي .. و لكن لم أدرك انني سأعيش لأرى هذا اليوم ! ... "
" ما الذي تعنينه ؟؟"
" انا شاكرة لكرم كثيرا .. لقد إستطاع أن يفعل ما لم أفعله أنا طوال 19 سنة .. إستطاع لمس روحك و تحريك مشاعرك .. لم أظن أنني سأعيش لهذا اليوم الذي أراك فيه تبكين بحرقة لأجل شخص آخر .. لم أظن أنني سأراك واقعة رأسا على عقب في حب شخص لهذه الدرجة ....... "
لم أسمع ما قالته بعد هذه الجملة ! ماذا ! واقعة في الحب .. !؟ هل أنا حقا واقعة في حبه ! هل هذا هو شعور الحب !! كيف وقعت في حبه ! لقد سبب لي الألم أكثر من اي شخص آخر ! و لكن جعلني أختبر مشاعر لم أظن في حياتي أنني سألمسها ! هل أحارب ظلمته عاندت أمي و كل شيء لأبقى معه لأنني واقعة في حبه ! أحقا هذا تفسير الأمر ..
" صوفيا ! "
" آه ! ماذا !!"
" ما الذي حدث لك .. انا أتحدث منذ ساعة و لكنك غائبة عن الواقع !"
" آسفة .. شردت قليلا "
" صوفيا .. انا يجب ان اذهب .. تعلمين انه لا يمكنني ترك عملي .. و لكن لا يمكنني تركك هنا وحدك .. يجب ان تأتي معي "
" إنسي الأمر ! أنا لن أتحرك من هنا حتى يستيقظ كرم .. إذهبي وحدك "
" و لكن ..."
" قلت لن أذهب ! لا تجادليني في الأمر "
" حسنا .. "
إحتضنتني أمي وودعتني .. خرجت معها الى باب المشفى ... ثم عدت الى غرفة كرم .. جلست قليلا أمام الزجاج .." لا أريدها بجانب إبني .. أبعدها عنه .. هي من تسبب في حالته هذه !!"
" أبي ما الذي تقوله ... إهدا ... "
إلتفت الى مصدر الصوت لأجد وسيم يقف مع والده .. كانت صوتهما عاليا ! و لكن لم أفهم بالضبط ما الذي كان يدور بينهما ..._____________________________________
أنت تقرأ
دعني اساعدك ...
Romansإننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة، حينما نعيش للآخرين، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين نضاعف إحساسنا بحياتنا، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية.