الجزء التاسع

764 39 1
                                    

أيقظ شعورك بالمحبة إن غفا...لولا الشعور الناس كانوا كالدمى


إيليا أبو ماضي, الأعمال الشعرية الكاملة


كان من الصعب علي أن أصدق ان كرم هو من يمتلك هذه البناية .. سألته كيف ذلك و لكنه تهرب من الإجابة .. في البداية رفضت السكن هناك و لكنه أصر علي بذلك و لم أشأ رفض هديته لذلك قررت أن أمضي الصيف هناك فقط ثم أبحث عن شقة أخرى أو أعود الى المقهى .. كان من الصعب علي ان أودع الخالة جيهان فقد إعتدت العيش معها .. ساعدني كرم في نقل حاجياتي الى الشقة الجديدة .. كان مسرورا للغاية و هذا أشعرني بالسعادة .. لا زلت لا أفهم لما تهمني سعادته لهذه الدرجة و لكنه أصبح جزءا كبيرا من حياتي ..

كانت الشقة جميلة جدا و مريحة و أحببت العيش فيها كثيرا .. و بما أن السنة الدراسية إنتهت .. أصبح لدي الكثير من وقت الفراغ .. ترجتني أمي حتى أمضي عطلة الصيف في مدينتي و لكنني رفضت .. لا أريد الذهاب هناك و لا أريد الأبتعاد عن حياتي هنا ...

............

كانت الايام تمر بروتنية بين العمل و إمضاء الوقت مع كرم و لكنني كنت سعيدة .. شعرت و كأنني في المكان الصحيح مع الأشخاص المناسبين .. أليس من الغريب أني شعرت طول عمري بالغربة بين أهلي .. و الأن اشعر بالانتماء لأناس غريبين و مدينة غريبة .. كنت أتغير شيئا فشيئا .. و لكن ما زال أمر كرم يحيرني .. فأنا رغم انني أمضي كل وقتي معه إلا أنني لا زلت أجهل حياته .. ما يريحني ان نوبات الكآبة التي يعاني منها زالت .. شعرت به يتغير أيضا .. مضت الآن قرابة السبعة أشهر منذ عرفته .. أستطيع ملاحظة التغيير .. و لكن يبدو انه كان من الواجب أن أخوض معنى التعاسة كما خضت معنى السعادة لاول مرة .. كان لا بد أن أحسب حساب هذا يوم هدمت الجدار المحيط بقلبي .. كان لا بد أن أعلم أنني من الآن فصاعدا سأخوض كل أنواع المشاعر ..

............

إستيقظت اليوم كعادتي .. أخذت حماما طويلا .. ثم أعددت الفطور و ذهبت حتى أوقظ كرم ليفطر معي .. فلقد إعتدنا على ذلك .. كان يبدو متعبا بعض الشيء .. جلسنا لبعض الوقت في صمت .. لم أرد إزعاجه .. لذا عدت الى شقتي و جلست أقرأ كتابا بما أن اليوم يوم عطلتي في المقهى .. لا أعلم كم مر من الوقت حين سمعت أحدا يطرق على باب شقة كرم .. أخذني فضولي .. فهذه أول مرة يأتيه زائر .. طليت لأرى من هو .. كان رجلا غريب في الخمسينيات من عمره .. يرتدي بدلة سوداء و يبدو رجلا ذو وقار .. وقف هناك طويلا و هو يقرع الباب و لكن كرم لم يفتحه .. شعرت بالقلق عليه .. كان يبدو التعب على وجهه صباح اليوم .. عدت الى شقتي أحضرت مفتاح شقته .. فأنا أحتفظ بنسخة إحتياطية .. حتى لا أزعجه و أدخل في أي وقت .. إقتربت من ذلك الرجل في خوف
" صباح الخير سيدي .. "
إبتسم و أجاب
" صباح الخير بنيتي .. "
" أتبحث عن كرم ؟"
إعترت وجهه نظرة غريبة .. كان متفاجئا بعض الشيء ..
" آه .. أجل .. أتعرفينه .. ؟! "
" أجل بالطبع .. نحن أصدقاء .. "
إتسعت عيناه في دهشة
" ماذا !؟ أصدقاء .. ؟ "
لم أفهم حقا ردة فعله ..
" نعم .. أتحتاجه ؟! "
" أجل .. أنا بحاجة الى الحديث معه .. و لكنه لا يأبى فتح الباب كعادته .. "
لقد قال كعادته يبدو أن هذا الرجل معتاد على المجيء و ليست أول مرة ..
طرقت الباب بكل قوتي و لكن دون جدوى ..
" كرم إفتح الباب هذه انا صوفيا .. "
صرخت عدة مرات دون أي رد .. زاد قلقي عليه
" لا تتعبي نفسك هو لن يفتح .. "
"أانت بحاجة ماسة لرأيته ؟؟! "
أخفض رأسه و كان يبدو الحزن في وجهه .. أردت أن أساعده و أن ازيل قلقي .. لذلك وضعت المفتاح و أدرته ..
" ألن ينزعج من ذلك ؟"
أجبت ساخرة
" هو منزعج طوال الوقت .. لذا لن يشكل هذا فرقا .."
ابتسم الرجل و في عينيه نظرة إمتنان .. فتحت الباب و دخلت .. قابلني كرم يجلس على الأريكة .. كان طوال الوقت يجلس هنا و لم يتحمل حتى عناء فتح الباب .. ظل ذلك الرجل يقف على العتبة ..
" ماذا ؟ أفقدت سمعك .. نحن نطرق الباب منذ ساعة "
وقف و إقترب نحوي .. كان الشرر يتطاير من عينيه .. أمسكني من ذراعي و دفعني بكل قوته حتى سقطت على الارض و إصطدمت بالطاولة .. جرحت ذراعي و لم أشعر حتى من شدة دهشتي .. لم أصدق ما الذي قام به و لم أستوعبه .. وقفت و أنا أتأمل الوحش الذي تحول اليه في لحظات .. تقدمت نحوه مجددا .. أمسك بذراعي مجدادا بقوة.. لدرجة أن دموعي نزلت من شدة الألم .. جرني الى الباب و هو يصرخ
" أخرجي .. انا لا أريد رأيتك .. لا تتدخلي في حياتي مجددا .. أخرجي .. "
كان ذلك الرجل يحاول فك ذراعي من بين يديه و لكنه لم يأبى تركي .. دفعني مرة أخرى و أغلق الباب بقوة .. بقيت في مكاني مصدومة .. أمسك ذراعي في ألم .. أول مرة ارى هذا الجانب الوحشي منه .. وقف ذلك الرجل في حيرة من أمره يحاول مساعدتي ..
ساعدني على الوقوف و أخذتي الى شقتي .. كان يعتذر بشدة لأن ما حدث كان بسببه .. و لكنني كنت شاردة أفكر في ما الذي قام به كرم .. اول مرة يتصرف معي بهذه الطريقة ..
" أنا حقا آسف .. لم يكن ليحدث هذا لولا وجودي ."
" لا عليك .. أنه دائما متقلب المزاج هكذا .. "
" أعلم .. و يسوء مزاجه أكثر عندما يراني "
قلت في فضول
" و لكن من أنت .. ؟ "
سكت قليلا ثم أجاب
" أنا والده .. "
تسمرت في مكاني من شدة الدهشة ..
" يبدو من ملامح وجهك انك لم تكوني على علم بوجودي .. "
" آه .. أخبرني مرة أن والده هو من إشترى له الشقة .. ثم أخبرني ان كل البناية له .. هو لا يتحدث كثيرا عن حياته .. "
" أجل .. البناية له .. إهديته اياها لما أتم الثامنة عشر من عمره "
" آه جيد .. و لكن أنا لم أرك سابقا هنا ؟"
نظر الي نظرة إستغراب ثم قال
" كيف لا تعلمين كل هذا و تملكين مفتاح شقته ؟؟"
" آه .. صداقتنا غريبة بعض الشيء .. "
كان يتفحصني في تعجب .. ثم قام من مكانه و إستأذن
" يجب أن أذهب الآن سأعود لأراه عندما يتحسن مزاجه "
" حسنا الى اللقاء .. "
ذهب و تركني غارقة في بحر أفكاري .. لم أفهم شيئا من الذي حدث .. لما لا يريد رأية والده و لما تصرف معي بهذه الطريقة .. كل يوم يزداد غموضه و يزداد فضولي نحوه

______________________________________

دعني اساعدك ... حيث تعيش القصص. اكتشف الآن