المرء إن لم تحبل به الكآبة ويتمخض به اليأس، وتضعه المحبة في مهد الأحلام، تظل حياته كصفحة خالية بيضاء في كتاب الكيان.
جبران خليل جبران, The Broken Wings
أكثر ما أعجبني في هذه المدينة انها ساحلية .. نسيم البحر العليل يشرح النفس للحياة .. و يبعث فيك طاقة غريبة .. طاقة تدفعك الى العمل .. إستأجرت شقة صغيرة بغرفة و حمام و مطبخ صغير .. كانت أمي ترسل المال لي دائما .. و لكنني لم أشأ إزعاجها .. لذلك قررت أن أشتغل في وقت فراغي حتى أعيل نفسي .. توظفت كنادلة في مقهى صغير بجانب شقتي .. كان مكانا جميلا جدا و صاحبة المكان إمرأة طيبة و حنونة .. أدرس من الثامنة صباحا حتى الثانية مساءا .. أعود الى الشقة لأرتاح قليلا ثم أذهب الى المقهى أشتغل حتى الحادية عشر ليلا .. لا أجد الوقت حتى لأتنفس .. آخذ معي كتبي حتى أذاكر هناك .. و أتناول عشائي هناك مع صاحبة المكان .. فهي وحيدة كحالتي .. لم أجد الوقت لعقد صداقات و لا لتمضية الوقت مع أحد .. أقسم وقتي بين الدراسة و العمل .. حتى أنني نسيت صراعي النفسي .. شعرت و كأن لي هدف في الحياة ..كل ذلك العمل لم يبقي لي اي وقت للتفكير في الاشياء السلبية .. مضيت الأيام و انا على تلك الحالة .. أصبحت على معرفة بوطيدة تقريبا بكل من يأتون الى المقهى يوميا .. سيكون من الغريب قول هذا و لكنني شعرت بالإنتماء الى ذلك المكان رغم أنني غريبة و لكني أحببت كل يوم من حياتي هنا ..
................
بعد أسبوعين من اليوم إمتحانات الفصل الأول ... انا لم أتعود على الدراسة بعد و ليست لدي أدنى فكرة عن طريقة الأسئلة .. لذلك كنت متخوفة كثيرا .. أمضيت اليوم كله في مكتبة الكلية أذاكر و أخذت بعض الكتب حتى أدرس خلال العمل .. لم أمر بالشقة فقد تأخرت كثيرا .. لما وصلت كان المقهى يعج بالناس ... إرتديت المئزر و باشرت العمل ... مر الوقت بسرعة .. كانت الساعة تقارب العاشرة ليلا ...
" صوفيا .. لقد تأخر الوقت و المحل فارغ .. يمكنك الذهاب الآن "
أنا حقا لا أريد العودة الى شقتي .. كما أنني أريد أن أدرس و لقد إعتدت الدراسة هنا و أعلم أنني سأنام فور وصولي الى المنزل ..
" سأبقى هنا .. ربما سأمضي الليلة هنا .. "
" آه .. حسنا و لكن لا تنسي إغلاق المكان حين تدق الساعة الحادية عشر .. فأنا متعبة و سأخلد الى النوم "
" حسنا خالة جيهان .. ليلة سعيدة "
" ليلة سعيدة عزيزتي "
صعدت خالة جيهان ( صاحبة المحل) الى غرفتها و بقيت أنا وحدي .. صنعت كوبا من القهوة .. فردت كتبي على الطاولة و باشرت الدراسة .. بعد مرور نصف ساعة من الوقت .. شعرت بباب المقهى يفتح .. التفت في فزع .. دخل فتى طويل القامة يرتدي سترة سوداء و يغطي رأسه بقبعتها ... لم تكن ملامحه واضحة .. رعبت لمظهره و أول ما جاء في بالي هو لص أو قاتل مجنون .. لم أستطع حتى التحرك من شدة الخوف ... جلس على طرف الكرسي و أسند رأسه على الطاولة .. كان مظهره مخيفا جدا .. تمالكت أعصالي ، بلعت ريقي ، أخذت نفسا عميقا .. ثم نهظت من مكاني و سرت باتجاهه
" عفوا سيدي ؟ المكان مغلق "
رفع رأسه ببطء نحوي و نزع القبعة .. بانت ملامح وجهه .. شاب في العشرينات .. وجهه شاحب جدا و الهالات السوداء تحت عينيه تدل على الإرهاق .. زاد هذا التوتر في نفسي .. قال بصوت متقطع
" أيمكنني الحصول على فنجان قهوة و قطعة حلوى"
فاجأني طلبه .. ربما هذه خدعة و ربما يخطط لشيء
" أنا آسفة و لكن المكان مغلق .. يجب عليك الرحيل"
" أرجوك .. لم أتناول شيء منذ الصباح .. لا تخافي سوف أدفع لك "
لم أرتح له مطلقا .. أردت أن أنادي الخالة جيهان و لكن أدرك انها تغط في نوم عميق .. حدقت فيه لبرهة .. ثم قررت ان أعطيه ما طلبه حتى يرحل عن المكان .. حضرت له فنجان قهوة و أحضرت بعض الحلوى و قدمتها له .. لم يقل شيء أكلها في صمت .. ثم ترك المال على الطاولة و رحل .. سارعت لإغلاق الباب خلفه و غيرت اللافتة من مفتوح الى مغلق .. كان قلبي يخفق بسرعة من شدة الرعب ... غريب حقا ما حدث للتو .. فأنا أعمل هنا لأشهر و لم أرى هذا الشخص ابدا .. و تصرفاته كانت غريبة جدا .. شربت كأسا من الماء دفعة واحدة حتى أزيل بعض التوتر الذي أصابني ... ثم جلست في حيرة من أمري أحاول جاهدة ان أنسى ما حدث و أن أدرس .
______________________________________Rate and comment if u like 😚😚
أنت تقرأ
دعني اساعدك ...
Romanceإننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة، حينما نعيش للآخرين، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين نضاعف إحساسنا بحياتنا، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية.