"حسنا "
أسندت رأسي على الكرسي و انا أراقب الشمس حمراء موهجة تبعث خيوطها في السماء مبددة كحلة الليل .. تسارعت الأحداث في سنة واحدة .. إنقلبت حياتي رأسا على عقب في سنة واحدة .. تغيرت انا تغيرا جذريا في سنة واحدة ! أتتذكر سبب صداقتنا أول مرة ! أردنا أن نساعد بعضنا ! اردنا أن نتخطى الحرب القائمة داخلنا .. و لكن يا ترى هل نجحنا في ذلك ! ام اننا خلقنا معركة أخرى كنا في غنى عنها ! أنت ما زلت رغم كل ما مررنا به غريب عني و هذه الغربة ترهبني .. أهابك كثيرا و أهاب تعلقي الغريب بك .. أنا الآن ضائعة .. ضائعة بين أفكاري و مشاعري .. أحتاج أن أتحدث معك أن أفهمك أكثر .. أحتاجك كي تنتشلني من الخراب الذي أعيش فيه داخلي .. و لكن أيضا أحتاج أن أبتعد عنك أن أعطي لنفسي فرصة حتى أفهم ما الذي أخوضه وسط كل هذه الفوضى ...............
اليوم مرت خمسة أيام منذ إستيقاظ كرم .. لم أعد لرؤيته أبدا .. لم تكن لي الجرأة كي أقف أمامه و أتحدث اليه .. و لكن وسيم كان يزورني كل يوم ليخبرني عن حالته .. ترجاني مرات عدة أن أذهب لزيارته و لكن كنت خائفة .. لا أعلم لما او مما و لكن صعبت علي مواجهته و انا اعلم انني سبب في كل ما حصل له ! كنت احتاج لوقت حتى اكتسب الشجاعة اللازمة للوقوف امامه !" سآتي بعد دقائق .. هناك أمر اود التحدث فيه معك "
" حسنا "
أغلقت الخط و انا أتساءل ما هذا الموضوع المهم الذي يريد وسيم التحدث عنه الي في هذا الوقت المتأخر .. كانت الساعة تقارب الحادية عشر ليلا .. حضرت كوبي شاي و جلست أنتظره .. و بعد مدة وصل الى المقهى ..
" مرحبا "
" أهلا .. كيف حالك "
" بخير ! و أنت ؟!"
" لا أعلم حقا إن كنت بخير أو لا .. لقد خرج كرم اليوم من المشفى "
رشفت رشفة من كوب الشاي أمامي حتى لا أظهر كمية التوتر التي خالجتني لما سمعت ما قاله ..
" لقد أخذه والدي الى البيت ! "
دهشت لما سمعته !
" ماذا ! الى بيتكم ! و لكن كيف !!"
" صراحة لا أعلم ! و لكن كرم لم يتفوه بكلمة منذ إستيقاظه ! و لم يبد أي إعتراض حين أخذه أبي الى البيت .. أشعر و كأنه فاقد لوعيه ! لا اعلم حقا لما هو على تلك الحالة ! و لكن الأطباء أكدوا لنا أنه بخير تماما .. و أن الحالة التي يمر بها ما هي الا نتيجة الصدمة التي تلقاها .. و لكن لست مرتاح بتاتا لحاله ! "
آلمني قلبي كثيرا ! شعرت بالوجع يعتصر معدتي .. كان من المفروض أن أساعدك و لكن منذ دخلت حياتك زادت الأمور سوء .
" ارجوك صوفيا .. تعالي معي و تحدثي اليه .. ارجوك انت الوحيدة التي بإستطاعتها ذلك "
" و لكن .. "
" بدون أي أعذار .. اليس صديقك المقرب ! كيف لك أن تتركيه و هو على هذه الحالة "
" هل سيوافق والدك ! "
" لا حاجة لأن يعرف أصلا أنك سترينه ! فقط ثقي بي و تعالي معي "
" حسنا "
تناسيت كل تلك المشاعر التي كانت تسكنني و كل تلك الرهبة من مقابلته لأنني أدركت أن تركي له سيزيد الأمر سوءا .. تجشعت و حظرت نفسي حتى أحادثه و احاول على الاقل الاعتذار منه .
كانت المسافة الى بيتهم طويلة بعض الشيء .. و لكنني لم أشعر بها لان كل تفكيري كان في اللحظة التي سأراه فيها !
دخلنا الى البيت خلسة حتى لا ينتبه والدهما .. وصلنا الى غرفة كرم كان الباب مغلقا و الاضواء مطفأة كعادة كرم .. دائما ما يحب أن يقبع في الظلام .. فتحت الباب و دخلت .. لم يرد وسيم الدخول معي تمنى لي حظا موفقا و أغلق الباب من خلفي و ذهب .. كان كرم ينام على جنبه مقابلا الجدار لذا لم أرى سوى خلفه .. رؤيته هكذا ذكرتني باليوم الذي وجدته في غرفة شقته .. شعرت بنوبة توتر تعتريني و لكني تمالكت نفسي ... إقتربت ببطء ثم ناديته .. كنت خائفة من أن لا يستجيب لندائي و أن يعاد ما حدث في ذلك اليوم المشؤوم
" كرم ! .. كرم ! "
التفت ناحيتي بتخاذل و بقي يحدق في لوهلة
أخذت نفسا ثم سالته
" كيف حالك ! "
لم يقل شيء عدل جلسته و أشعل الضوء
كنت أحاول قدر المستطاع أن ابدو طبيعية و أن لا أفقد السيطرة على نفسي .. إبتسمت و جلست على حافة السرير
" تبدو أحسن من المرة السابقة "
" إذهبي '! "
كنت أتوقع هذا منه لذا لم أحزن و لم أتوتر بل سعدت لأنه تحدث معي
" أخبرني اولا عن حالك "
" قلت إذهبي .. لا أريد رؤيتك أبدا "
" اعلم .. و لكن يجب أن أطمئن على حالك اولا "
صرخ بصوت عالي
" غادري .. قلت لك إذهبي لا أريد رؤيتك .. "
كان يصرخ بهستيرية .. رمى كل الوسادات التي كانت هلى سريره إتجاهي .. اما أنا فكنت مسمرة في مكاني و دموعي تنهمر بغزارة .. أردته أن يصرخ في وجهي أن يحطم كل شيء أمامه أن يعاتبني و يلومني .. أردته أن يفرغ ما بي داخله .. فهذا أفضل من أن يكتم كل ذلك .. دخل وسيم مسرعا و خلفه والده .. أثار والده ضجة كبيرة و طردني من بيته .. ظل وسيم يعتذر طوال الطريق لتصرفهما معي و لكنني حقا لا الومهما !......................
فكرت طوال تلك الليلة في طريقة أساعد بها كرم .. لقد تعهدت أن أساعده لذا لن أخلف بوعدي و سوف أبقى بجانبه مهما كلفني الأمر .. كان هذا القرار الذي خرجت به بعد طول تفكير .في المساء طلبت من وسيم أن يقلني لبيتهم مجددا .. تفاجأ كثيرا لطلبي و لكنه سعد لأنني لم أستسلم .. أخذني كما الليلة السابقة و تسللنا للداخل
لما دخلت لغرفة كرم لم يصرخ هذه المرة فقط أدار ظهره للناحية الأخرى و بقي صامتا .. سألته عن حاله و لكنه لم يجب .. إلتزم الصمت كعادته ..
" أتريد أن اقرأ لك كتابا "
" اريدك ان ترحلي "
لم أعر إجابته اهتماما و جلست على الأريكة بجانب سريره ..
" كيف وافقت على المجيء الى هنا ! لقد تفاجأت كثيرا حين أخبرني وسيم بالأمر .. هذه خطوة جيدة حتى تتخط كل ما سبق و تبدأ حياة جديدة "
" لا أريد أن أسمع صوتك "
" حسنا .. لن أتحدث سأصمت "
بقيت هكذا أتفقده بعيناني .. لم أتحدث و لم يتحدث .. مرت ساعات و يبدو أنني غفوت على الأريكة و لم أفق حتى قاربت الشمس على الشروق .. كانت الغرفة تقبع في الظلام ما عدا خيوط الشمس القليلة التي تسللت من ستار النافذة .. يبدو أن أحدهم رمى لحافا على جسمي لما نمت .. أبعدته و قمت من مكاني لأتفقد كرم و لكنني لم أجده .. خفت أن اخرج من الغرفة فيراني والده لذا أرسلت رسالة نصية لوسيم أخبره فيها أن يساعدني على الخروج من المنزل و يقلني للمقهى ......................
مرت أيام و أنا كل ليلة أذهب الى منزل كرم أبقى معه قليلا أتحدث تارة ، و أقرأ له كتابا تارة أخرى .. و في مرات ألوذ للصمت لأنني أشعر بغصة من ردة فعله الباردة إتجاهي .. هو حتى لا ينظر الى عيناي .. لما أدخل الغرفة يدير وجهه و يبقى على تلك الحال حتى أخرج .. و لكن على الأقل لم يعد يطلب مني الرحيل و تركه و شانه .
______________________________________
❤❤
أنت تقرأ
دعني اساعدك ...
Romanceإننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة، حينما نعيش للآخرين، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين نضاعف إحساسنا بحياتنا، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية.