الجزء 16

814 36 8
                                    

سحبت نفسي ببطء حتى لا أوقظه .. كانت التاسعة صباحا .. نام كل هذا الوقت و لم يستيقظ ابدا .. أما أنا فلم يغمض لي جفن .. ذهبت الى شقتي غيرت ملابسي ثم عدت حتى أحضر الفطور .. لم تمضي ثواني حتى جاء الى المطبخ ..
" صباح الخير .. "
" صباح الخيرات .. كيف أصبحت ؟؟"
" لم أنم هكذا منذ سنوات .. و لم أشعر بمثل هذه الراحة .. شكرا لبقائك معي "
أسعدتني كلماته كثيرا .. سررت لأنني ساعدته بطريقة ما ..

جهزت طاولة الفطور و جلسنا لنفطر .. تأملته بينما كان يأكل .. شيء ما تغير فيه .. هالته تغيرت .. كان أكثر نشاطا وجهه لا يبدو شاحبا كالعادة و يأكل طعامه بنهم على غير عادته .. يبدو إنسان طبيعيا لأول مرة .. إبتسمت و فرحت من أعماق قلبي ..
" صوفيا ..!"
يبدو انه لاحظ شرودي فيه و إبتسامتي الغريبة بدون سبب فناداني
" ماذا .؟"
" عديني بشيء .. "
" ما هو ؟؟"
" عديني أنك لن تتركيني مهما حصل .. و أنك ستبقين بجانبي دوما "
شعرت بقشعريرة تسري في جسدي .. لا أعلم ما الذي سيحدث في المستقبل .. كيف سأعده بشيء لا أعرف إن كان بمقدوري ان أوفي به رغم أنني اود ذلك .. أريد أن أكون بجانبه طوال الوقت .. بلعت ريقي و أومت برأسي موافقة
" لا عديني .. "
" حسنا أعدك "
إبتسم و أكمل طعامه ..
" كرم .. "
" ماذا ؟؟"
" لما لا تتحدث مع وسيم ؟؟ "
سكت قيلا ثم أجابني
" لا اريد أي شيء يذكرني بالماضي "
" و لكن ما زلت تقبع في الظلام .. إبتعادك عنهم لم يساعدك في شيء .. ربما إذا إقتربت منهم و حاولت إصلاح ما بينكما ستتغير حالتك الى الأحسن و يصبح بمقدورك تخطي ماضيك ... "
" لا أعلم .. ربما .. سأحاول .. و لكن فقط إن ساعدتني في ذلك .. "
كم أسعدني كلامه .. يبدو أنه أخيرا مستعد لبعض التغيير
" من دواعي سروري .. سأساعدك بالطبع "
" صوفيا انت الضوء في حياتي .. أعلم أنني لم أكن دائما جيد معك و لكنك الوحيدة التي إستطعت الوصول الى هذه النقطة في حياتي "
تبعثرت مشاعري مع كلماته .. قلبي يخفق بسرعة و أشعر بحرارة غريبة تسري في جسدي .. لم أعلم حتى كيف أجيب .. إبتسمت بسذاجة و أخفضت رأسي في خجل دون أن أقول شيء

أكملنا الفطور و ذهبت أنا الى العمل .. صدمت الخالة جيهان لما رأتني على تلك الحالة .. حاولت بقدر المستطاع أن أتجنب أسئلتها .. و لكنها كانت مصرة على ان تفهم .. أخبرتها أنني تعرضت لمحاولة سرقة ليلة البارحة و لكنني أدرك جيدا أنها لا تصدقني ..
مضى يوما عاديا لا جديد فيه .. و في المساء عدت الى شقتي منهكة .. غيرت ملابسي و غطيت في نوم عميق من شدة التعب النفسي و الجسدي الذي تعرضت لهما .. كما أنني لم أنم البارحة .

..................

إستيقظت صباحا على صوت هاتفي يرن .. كان وسيم أخبرني أنه يريد رؤيتي .. جهزت نفسي و حضرت الفطور لي و لكرم أفطرنا مع بعض ثم ذهبت أنا للعمل ..
على الساعة العاشرة جاء وسيم .. جلست لأتحدث معه بعض الوقت .. وسيم شخص مثالي بمعنى الكلمة فيه كل المواصفات التي قد تتمناها فتاة في فارس أحلامها و كنت أستمتع بصحبته كثيرا
" إذن ما الذي حدث مع كرم ؟؟"
"لقد تحسنت حالته بعض الشيء .. كما أنني أقنعته بضرورة إصلاح العلاقات بينكم و قال أنه سيحاول "
"حقا .. هذا خبر مفرح حقا .. شكرا لك صوفيا على مساعدتك "
"لا عليك .. أنتما صديقاي "
مر بعض الوقت و كنت منغمصة في الحديث مع وسيم .. ثم فجأة شعرت بشخص يمسك بكتفي .. ظننت أنها الخالة جيهان أو كرم و لكن لما إلتفت لم أصدق عيناي .. فتحت فمي مدهوشة .. لقد كانت أمي .. قفزت من مكاني و إحتضنتها بكل ما أتيت من قوة .. لقد مر الكثير من الوقت على آخر مرة رأيتها فيها .. حتى أنني بكيت .. دهشت أمي من تلك الكدمات التي كانت تملؤ وجهي و لكنها دهشت أكثر لما رأت دموعي .. كان لقاءا جميلا جدا و لكن زيارتها دون إعلامي كانت غريبة بعض الشيء ..
جلست أحادثها في شغف غير مصدقة أنها أمامي .. عرفتها على وسيم و لكن لا أعلم لما لم تسعد كثيرا بمعرفته .. و بعد لحظات إعتذر وسيم و غادر المقهى ..
"أمي .. كيف جئت الى هنا ؟؟"
قال و علامات القلق بادية على وجهها
"ما هذه الكدمات و ما هذه الجبيرة على ذراعك ؟؟"
"آه هذه .. الجبيرة لأنني وقعت في الحمام و الأخرى تعرضت لمحاولة سرقة ليلة أمس "
" و من هذا الشاب ؟؟"
" أخبرتك أمي إنه صديقي وسيم "
كانت من نظراتها تشكك في كلامي و كنت أحاول جاهدة أن أبدو صادقة
" أمي لم تخبريني لما جئتي ؟"
تنهدت و سكتت قليلا ثم قالت
" جئت لآخذك معي .."
فاجأتني كلماتها بعض الشيء ..
"ماذا ؟؟"
" لقد إتصلت بي جيهان البارحة و أخبرتني عن ما رأته .. أخبرتني انك تغيرت هذه الفترة و أصبحت تصرفاتك غريبة .. أخبرتني عن أصدقائك الغرباء الجدد .. أخبرتني عن إنتقالك لشقة فاخرة .. إيجارها يفوق راتبك بخمس مرات .. ! لما لم تخبريني بكل هذا ؟؟من أين لك هذا المال و ما الذي يحدث معك "
كانت تصرخ في وجهي و عيناه مليئتان بالدموع .. و لكن لم أعرف كيف أفسر لها الأمر .. خفضت رأسي و لجأت للسكوت
" أجيبيني ! ما الذي يحدث لك .. لقد رأيت دموعك للتو و هذا ما أرعبني أكثر .. كيف وصلت الى هذه الحالة .. ؟؟؟ "
لم أستطع الكلام و غلبتني دموعي .. لا أعرف كيف حولني ذلك الموقف الى هذه الإنسانة ذات المشاعر المرهفة ..
نهظت من مكانها و هي تقول
" إنزعي مئزر العمل و سلميني هاتفك حالا "
صدمت لقرارها .. ما الذي تحاول فعله ؟
" ماذا ؟؟"
صرخت في وجهي معيدة ما قالته .. فما كان مني سوى ان أطيع أوامرها .. ما إن سلمتها هاتفي حتى أمسكت يدي و سحبتني الى الخارج كانت سيارة أجرة تنتظر هناك فتحت الباب و دفعتني الى الداخل .. جاءت الخالة جيهان مسرعة حاملة حقيبتي أعطتها لأمي وودعتها و هي تقول لي
" أنا حقا آسفة صوفيا و لكن هذا لصالحك "
فتحت أمي حقيبتي و تأكدت من وجود كل أوراقي الشخصية فيها .. ثم ركبت بجانبي و أمرت السائق أن يتجه الى المطار .. صرخت طوال الطريق مترجية إياها أن تعيدني الى المقهى و لكنها رفضت ذلك .. لم أكن أريد الذهاب .. تذكرت وعدي لكرم بأن لا أبتعد عنه أبدا و بكيت .. بكيت كثيرا و لكنها كانت مصممة ..
" أمي انا أرجوك .. دعيني أعود .. أمي يجب أن أعود "
" إنسي العودة الى هذه المدينة .. "
"و لكن أمي ماذا عن دراستي .. "
" سنبحث لك عن دراسة أخرى في مدينتنا "
صدمني كلامها
" ماذا ؟؟ لا يمكنك ذلك .. هذه حياتي و انا حرة في خياراتي .. سأعود فور وصولنا للمطار "
" آن حاولت الهرب .. أقسم أنني سأخبر الشرطة عنك "
لم أفهم ما الذي قصدته بإخبار الشرطة عني .. فأنا بالغة و يمكنني أن أختار المكان الذي أعيش فيه ..
" ماذا ؟ ستخبرين الشرطة أن إبنتك البالغة لا تطيعك أوامرك ؟؟"
" لا ... سأخبرهم أن يحققوا في أمرك .. و من أين لك كل هذه الأموال .. هل تقومين بعمل غير قانوني ؟؟ أنا متأكدة من ذلك لقد فقدت عقلك تماما و يبدو أنك تورطتي مع عصابة مخدرات .. فهذا المفسر الوحيد لحالتك مع الكدمات التي تملؤ وجهك "
لم أصدق ما قالته في تلك اللحظة .. أصبت بصدمة قوية .. لدرجة أنني فقدت قدرتي على الكلام .. دخلت في حالة جمود من شدة الصدمة .. كيف لها أن تشك في بهذه الطريقة .. أنا حقا لا أصدق الأمر .

______________________________________

❤❤

دعني اساعدك ... حيث تعيش القصص. اكتشف الآن