الجزء 32

579 29 10
                                    

أيُها الوجَعْ المُمْتد فيِنا أما آن لكَ أن تستكِين , ألا ترى أن مآقينَا تكدست وجعاً رجاءً إغِفو عنا بُرهةَ وقتٍ حتى ينسابْ الدمعُ المالِحُ منها بِمجارِي الجُرح النازِف فينا فَيُغرِقنا أو قد يُحيِنا !

ساميه جلابي

          365 رسالة .. 365 رسالة مكدسة في ذلك الصندوق الصغير .. 365 رسالة كتبها كرم بيديه الي .. و لكنها لم تصل أبدا .. كتب كل يوم لمدة سنة كاملة و لكنه لم يتلقى إجابة مني أبدا .. آخر رسالة كانت قبل اكثر من 3 سنوات ..

   " الرسالة 1 من كرم الى صوفيا ..
 
         لقد مر أسبوعان تماما منذ آخر مرة رأيتك فيها .. كنت أظن أنني سأقطع كل السبل اليك و لكنني فشلت .. لم أستطع إبعادك عن تفكيري و لو للحظة .. أتساءل إن كنت بخير ، أتمنى انك كذلك .. جزء مني لا يريدك أن تقرئي هذه الرسالة ..  و لكن جزء مني يريد ذلك و بشدة .. لأنني لا أريد أن أقطع وصالي بك .. لا أريد أن تنسيني أو تتخطي وجودي في حياتك .. أعلم أنني أناني و أنا أتأسف لذلك و لكنني لا يمكن أن أتحمل فكرة أن نتخطى بعضنا هكذا و بسهولة .

      أريد أن أخبرك عن حياتي هنا ! سافرت الى فرنسا و أنا الآن في مركز إعادة التأهيل .. سأبقى هنا لسنة كاملة حتى أتعالج من مشاكل الإدمان و نوبات القلق و الكآبة .. يبدو أنني إخترت الحياة مجددا و كل ذلك بفضلك .. لقد أخذوا هاتفي و كل حاجياتي لذا لم أجد طريقة اخرى للتواصل معك سوى عبر الرسائل الخطية..  و تبين أنني جيد في ذلك أكثر من الكلام. 
    سأنهي كلامي اليوم عند هذا الحد .. و أنا لا أتوقع منك شيئا سوى أن تكوني سعيدة..  لن أكون أنانيا أكثر و أنتظر منك جوابا فلا تقلقي. 

                              كرم.        " 
   
       أعدت الرسالة الى مكانها و أخذت نفسا عميقا ..لأربعة سنوات بت كل ليلة أبكي نفسي حتى انام .. ألعنه كل ليلة لأنه تركني وحدي مع هذه الآلام.   أشتاقه أتألم أبكي ألعن حظي ثم أستسلم للأمر الواقع و أحاول تخطي كل شيء .. أتخيل كيف كان الوضع لو تلقيت رسائله في وقتها .. كيف سيكون الحال ! أظن أنني لم أكن لأتجاهلها .. كنت سأجيب و أبقي وصالي به .. لأنني طوال هته السنوات كنت أتوق له .. أتوق لأن اسمع منه .. كانت هته الرسائل ستكون أنيسي في كل تلك الأوقات التي فقدت فيها الأمل و شعرت بالإحباط و حاوطتني مشاعر الفقد و الإشتياق ..  لم تكن لي الطاقة لأقرأ أكثر .. أنا منهكة ، متعبة .. جفت دموعي .. الآن اريد فقط أن أنام .. أن انام سنة سنتين او الى الأبد لربما يزول بعضا من هذا الوجع .. و لكنني لم أستطع .. قلبي يؤلمني .. يؤلمني و بشدة . حملت الصندوق و أخذت رسالة أخرى

      " الرسالة 174 من كرم الى صوفيا

           مرحبا صوفيا..  صوفيا..  صوفيا..  أأخبرتك كم أنني أحب إسمك من قبل ؟! حسنا أنا أحبه كثيرا .. اريد أن أردده بين شفتاي كل يوم .. أنا أشتاق اليك بشدة صوفيا .. حاوت أن أبتعد عن الكتابة لك و لكنني لم أستطع .. كنت أتوق كل يوم الى تلك اللحظات التي أسرقها حتى أختلي مع ورقتي وقلمي لأسرد عليك تفاصيل يومي .. أشعر و كأنني أختلي بك .. أتخيلك أمامي و أكتب .. أتذكر كم كان سكوني يزعجك .. و اليوم سكونك يخيفني يا صوفيا .. كذبت حين أخبرتك أنني لن أنتظر جوابك .. انا اتوق له كل يوم .. أنتظر ساعي البريد كطفل ينتظر بائع المثلجات .. آخذ رسائلي على عجل و أبحث فيها بشغف عن أي شيء منك .. و لكن دون جدوى .. أعود خائبا كل مرة .. يا ترى هل تخطيتني ؟ هل نسيتي كرم ! حقا لا أعلم
   
         اليوم أخبرني طبيبي أن أعراض نوبات الكآبة المفاجأة بدأت تختفي .. و لكنني ما زلت أشعر بضيق في صدري و ألم كبير.. و لكن هذه المرة مرضي هو أنت .. هو إشتياقي لك .. أريد أن أراك اريد أن أحتضنك ولو لمرة .

                             كرم "

    ضغطت على الورقة بأطرافي أناملي و أنا أقرؤها..  مع كل كلمة قرأتها ضاق نفسي أكثر .. ظللت أردد وسط دموعي انني أشتاق لك ايضا .. انا اشتاق لك بجنون .. اريد أن اراك و أحتضنك أيضا .. أتمنى حقا لو أنني قرأت رسائلك في وقتها .. أتمنى فقط لو يعود الزمن الى الوراء .. اتمنى ذلك بشدة. 

...................

         إعتكفت في غرفتي يومين .. إعتزلت الكلام و الأكل .. فقط إنفردت برسائلي و قرأتها بشغف تارة بوهن تارة و بدموع غزيرة في كل مرة .. أردت أن أنفرد بألمي ان أعيشه و أتعايش معه .. قرأت الرسائل مئات المرات .. أعدتها و أعدتها دون ملل .. كنت ألمس مشاعر كرم في كل مرة أجد نفسي وسط كلماته .. انا فقط احبه و بشدة .. لم أنسه للحظة .. كانت لدي الفرصة للإحتفاظ به لنفسي لو انني فقط قرأت رساؤله في وقتها .. و لكن يبدو ان قدرنا مشؤوم فقط هكذا .. لم تكن لي الطاقة للوم امي و الخالة جيهان لما فعلاه .. فكل منا يقوم بفعل ما يراه صحيح بغض النظر عن الطرف الآخر .. و هذه أكبر أخطائنا .

  
  .....................

       " الرسالة 365 من كرم الى صوفيا

      
       اليوم يا صوفيا سأخرج من المركز .. لقد أتممت سنة كاملة بدون مخدرات و هذا يشملك ايضا.  لا يمكنني القول أن نوبات القلق و الكآبة شفيت تماما و لكن على الأقل تحسنت قليلا .. اليوم سأغادر لأبدأ حياتي من جديد .. ليس لدي هدف محدد و لكنني سأعمل على نفسي  .. على أن أكون إنسانا أفضل .

       أتى وسيم لإصطحابي .. جاء البارحة و سنغادر اليوم معا .. تحدثنا كثيرا ليلة امس .. لقد مر الكثير من الوقت منذ آخر مرة أمضيت فيها وقتا معه..  أخبرني انه ظل يراقبك مدة من الزمن .. أخبرني كم كنت منكسرة .. آسف يا عزيزتي  .. أتأسف لكل دمعة نزلت من عينيك بسببي .. أخبرني وسيم ايضا أنه يحبك .. حسنا انا أدركت ذلك منذ اول مرة رأيتكما معا .. لذلك كنت أشتاط غضبا في كل مرة اجدك معه .. لم أتحمل فكرة أن يأخذك مني .. كنت لي .. انت لي و ملكي لوحدي .. يبدو انني مجنون بك .. و لكن في لحظة ما ، رأيت أن وسيم هو الخيار الأمثل لك .. وسيم لن يجرحك و لن يؤلمك و سيحتويك على عكسي انا.  لذلك قررت الإبتعاد .. اردت أن أعطيكما فرصة ربما ستنجح الأمور بينكما..  و لكن لم أستطع الإستسلام بتلك البساطة .. لم أستطع ان اتخلى عن حبك .. لذلك واصلت الكتابة لك كل يوم لمدة سنة .. و لكن لم اجد اجابة لذا سأتوقف اليوم.  هذه آخر رسالة اكتبها لك .. اتمنى حقا ان تتقاطع سبلنا في المستقبل  .. لا اريد ان اقول وداعا و لكن سأقول الى اللقاء .
                                   كرم.        "

        
      

    

دعني اساعدك ... حيث تعيش القصص. اكتشف الآن