الجزء الثامن

780 47 5
                                    

إن أجمل هدية هي تلك التي تأتي دون مناسبة، لأنها بذلك تكون اصدق و تكون جزءًا من ذات المعطي


ياسر حارب, بيكاسو وستاربكس

تقربنا انا و كرم من بعضنا كثيرا .. أصبحنا نقضي معضم الوقت مع بعض في شقته أو في المقهى .. و رغم أنني لا زلت أجهل قصته و الأسباب التي دفعته حتى يكون هذا الشخص .. و لكنني تعودت على الوضع لم يعد غموضه يزعجني .. كما أن نوبات الكآبة التي كانت تصيبه خفت شيئا فشئ .. و مرت الأيام و الأسابيع و الشهور .. و الغريب أنني لم أشعر أبدا بالحاجة الى الإبتعاد عنه .. لم أمل صحبته .. على العكس كنت أتوق لملاقاته و تمضية الوقت معه .. كنا في اغلب الأحيان لا نتكلم .. فقط نجلس مع بعض .. أنا أدرس و هو يفكر أو يقرأ كتابا .. و لكن وجوده يشعرني بالسعادة .. أعلم أنه من الغريب قول هذا .. و لكن أجل .. لأول مرة أعرف معنى أن تكون سعيدا لوجود شخص ما بجانبك .. و كان شعورا جميلا جدا .. و أكثر شيء يشعرني بالراحة معه هو انني لا أحتاج ان أتصنع شخصية أخرى لا تشبهني حتى أخفي حقيقتي .. بل أكون على طبيعتي و على سجيتي .

..............

اليوم عيد ميلاد كرم .. أردت أن أهدي له هدية .. لذلك إشتريت له هاتف .. حتى أتمكن من التواصل معه و حضرت له كعكة صغيرة و ذهبت الى شقته .. كان سعيدا للغاية لأنني تذكرته .. لا يعلم أنني إنتظرت هذا اليوم بفارغ الصبر حتى أرى تلك الفرحة في عينيه .. غنيت له و أكلنا الكعكة معا .. ثم أهديته الهدية كان متفاجئا بعض الشيء ..
"لقد أحضرت لك هاتفا حتى أتواصل معك في أي مكان و أي وقت "
إبتسم ثم قال في سخرية
"ألا تظنين أنه يمكنني شراء هاتف بمالي لو أردت ذاك "
"أعلم أنك تستطيع و لكن أعلم ايضا أنك لن تشتريه .. لذلك أردت وضعك أمام الأمر الواقع .. "

في الحقيقة لا أعلم من أين له المال فهو لا يعمل و لكنه يسكن في هذه الشقة الفاخرة .. لطالما حيرني هذا الأمر و لكن لم أشأ ان اسأله . أردته أن يخبرني عن حياته لوحده و لكنه متكتم جدا ..
" ألن تنتقلي من المقهى ؟؟"
فاجأني سؤاله بعض الشيء ..
"لا لما قد أرحل .. فانا أعمل هناك .."
"أقصد ألا يزعجك ذلك .. "
"في بعض الأحيان أجل .. و لكن أوفر الكثير من المال لعيشي هناك .. و لهذا انا لا أمانع .."
"آه .. حسنا "
تحدثنا لساعات الى ان حان وقت عودتي للعمل .. أحب الوقت الذي أقضيه معه .. يشعرني بالراحة و الأمان .. رغم انه غامض جدا الا انه متفهم .. يستمع الى مشاكلي يساعدني في حلها .. يشاركني أفكاره و آراءه حول كل شيء .. غيرني كثيرا .. غير في نفسي اشياء كثيرة ... و بدأ شيئا فشيء يهدم ذلك السجن الذي حبست فيه مشاعري و ذاتي .. لقد كان محقا لقد ساعدنا بعضنا .. رغم إختلافنا الشديد الا اننا متشابهان كل منا يعاني بطريقته .. هو ساعدني على فتح أبواب قلبي .. و انا ساعدته على تخطي مشاكله النفسية و كآبته ..

....................

استيقضت اليوم باكرا .. فانا على مشارف إمتحانات نهاية السنة و كان يجب ان أدرس ... درست في بداية الأمر في غرفتي و لكن الحرارة كانت مرتفعة و لم يكن هناك مكيف .. لذلك جمعت كتبي و نزلت الى المقهى .. كان يعج بالناس بما أنها نهاية الأسبوع .. لم أستطع التركيز كثيرا بسبب الفوضى و لكن أفضل من الحرارة في غرفتي ..
"صبااح الخير .."
رفعت رأسي لأجد كرم يقف عند الطاولة
"صبااح النور "
سحب الكرسي و جلس بجانبي
"كيف تدرسين في هذه الفوضى ؟"
"لا أملك خيارا آخر .. لم أستطع تحمل الحرارة في غرفتي .. "
"يمكنك أن تأتي الى شقتي و تدرسي هناك .. "
ضحكت و قلت في سخرية
" مستحيل .. اعلم أنني لن أدرس حينها .. "
" يا لك من متذاكية .. تعالي معي اريد ان اريك شيئا "
" انا حقا لا أستطيع .. يجب ان أدرس "
" لن يأخذ الأمر أكثر من دقائق .. أرجوك "
"حسنا .. و لكن يجب ان لا أتأخر "
خرجت معه و إتجهنا الى البناية التي يسكن فيها .. لم أعلم ما الذي يريدني ان اراه بالضبط و لكنني سايرته
"دعيني أغلق عينيك .."
تفاجأت كثيرا لما يريد ان أغمض عيناي
"ماذا ؟. "
"هيا .. إنها مفاجأة "
"حسنا "
أغلق عيناي و تبعته ... كان قلبي يخفق بسرعة لأنني حقا لا أحب المفاجآت ... سمعته يقوم بفتح باب .. ثم قال
"إفتحي عينيك الآن ... "
لقد كنا نقف عند شقة مشابه لشقته و لكنها ليست هي .. خرجت الى الرواق حتى ارى أي شقة هذه كانت مجاورة لشقته .. لم أفهم شيء
" ماذا ؟ هل غيرت شقتك ؟؟"
إنفجر ضاحكا .. ثم أمسك يدي و سحبني الى الداخل .و هو يقول
"لا يا ذكية .. هذه شقتك انت .. "
وقفت مصدومة و لم أستوعب ما قاله بالضبط .. ظننت أنه يمزح
"ماذا ؟؟"
أكمل كلامه و هو يبتسم
" أجل .. من اليوم فصاعدا هذا هو بيتك .. سأساعدك في نقل حاجياتك الى هنا .. "
إنعقد لساني من شدة الدهشة
" و لكن .. ما .. لا أستطيع أن أقبل هذا .. و لا يمكنني ان أدفع اجار شقة كهذه ... "
" و من قال شيئا عن دفع الأجار .. انها هدية مني اليك .. أحسن من عيشك في المقهى "
" أنا حقا لا يمكنني قبول هذا .. كيف لك ان تتحمل نفقة إيجار شقتين ؟؟ "
" و من قال انني أدفع أجار الشقتين ؟؟ "
" ماذاا ؟ ما الذي تعنيه .. "
أجاب و هو يبتسم
" البناية لي .. لا أحتاج لدفع إجار شيء أملكه "
تسمرت في مكاني .. لم أستوعب كلامه جيدا .. جلت بعيناي في المكان محاولة فهم الأمر .. اذا لهذا لا يعمل .. لهذا يعيش في شقة فاخرة .. يبدو أنه يخفي خلفه قصة أعظم مما قد أتخيله .. فكيف لشاب ثري مكفي أن يصل الى هذه الحالة .. آلاف الأسئلة كانت تجول في خاطري .. يبدو أنني و رغم الوقت الذي أمضيته معه مازلت أجهل الكثير عنه ..

______________________________________

دعني اساعدك ... حيث تعيش القصص. اكتشف الآن