جلست صباح اليوم على احدى طاولات المقهى ارتشف فنجان القهوة .. أفكر في ما الذي اقحمت نفسي فيه .. يا ترى هل سأكمل مشواري مع هذا الفتى .. هل سأتقبل وجوده في حياتي .. أم سأرحل كعادتي .. أفكاري مبعثرة .. لا أستطيع جمع شتات نفسي .. لا أعلم كيف أحدث شاب مثله ثورة في داخلي .
إنتظرت كرم لأيام و أيام و لكنه لم يأتي أبدا .. إختفى كعادته .. إنتظرته طوال الوقت بدون فائدة ..
أشعر بضيق في صدري كلما تناصف الليل و انا على باب المقهى انتظر قدومه و لا أجده .. لم أستطع تفسير ذلك الشعور الغريب .. اردت ان اتحدث معه .. ان أراه .. و لكن دون جدوى .. أردت أن أجده بأي طريقة ..عند عودتي في المساء من الجامعة .. إعتذرت للخالة جيهان لأنني أردت الذهاب و البحث عنه .. لم أكن أعلم اين أبدأ عملية البحث .. تذكرت انه قال انه يعيش في بناية مجاورة للمقهى و لكن لا أدري من أي جهة .. دخلت البناية الأولى التي تقع على الجهة الشمالية من المقهى ... رأيت سيدة تجلس هناك في بهو البناية .. سألتها عنه .. أعطيتها كل مواصفته و لكنها قالت بأنها لا تعرفه .. خرجت و انا أشعر ببعض خيبة الأمل .. إتجهت الى البناية الثانية و انا أتمنى في داخلي ان أجده هناك .. كانت بناية كبيرة بعض الشيء فخمة من الداخل .. و كان بها مكتب إستقبال .. إقتربت من الرجل لأتحدث معه
" مساء الخير سيدي .."
"مساء الخير آنستي .. كيف يمكنني خدمتك ؟"
" .. انا أبحث عن شاب يدعى كرم .. أظن انه يقطن في هذه البناية .. "
" آه تبحثين عن السيد كرم ؟"
أسعدني ذلك يبدو أنه حقا يسكن هنا حقاا ..
" أجل .. "
" دعيني أتصل على شقته حتى أخبره بقدومك .. "
" حسنا .. أخبره ان صوفيا تبحث عنك .."
جلست انتظر إنتهاء عامل الإستقبال من المكالمة على أمل أن أرى كرم بعدها .. مرت بضع لحظات حتى عاد
" آسف حقا آنستي و لكنه لا يرد على الهاتف ؟؟"
" أمتأكد أنه هناك ؟؟"
" أجل بالطبع .. فهو لا يخرج الا نادراا .. و في الحقيقة انت أول شخص يسأل عليه ! "
لا يمكنني العودة الآن بعدما وجدته .. لا أعلم لما أنا بحاجة ماسة لرأيته ..
" أيمكنني الصعود الى شقته حتى أراه !!"
" أنا حقا آسف و لكن لا يمكنني ذلك .. هو لا يدع أحدا يعتب باب شقته حتى الخادمة "
"أرجوك .. أنا بحاجة ماسة لرأيته "
" و لكن انا حقا لا أستطيع .. "
" دعني أصعد و أعدك لن أخبره انك من سمحت لي بذلك ... "
" و لكن .. "
" أرجوووك .. "
" سوف أقع في مشاكل اذا فعلت ذلك .. و لكن حسنا بما أنك اول زائرة ... "
"حسناا .. شكراا .. لن أنسى معروفك ابدا "
سررت كثيرا لأنه قرر مساعدتي ..
" شقته في الطابق السادس .. رقم 24"
" حسنا شكراا ..."
إتجهت الى المصعد على أمل ان يفتح لي الباب و أراه .. لا أعلم ماهية ذلك الشعور الغريب الذي يعتريني .. انا حتى أستغرب من حقيقة انني أشعر بشيء .. كنت أدعو الله في نفسي أن أجده هناك .. حتى أطمئن عليه و أريح نفسيوقفت على عتبة الباب .. أخذت نفسا عميقا ثم طرقته .. إنتظرت الرد و لكن لا شيء ... عاودت الطرق مرة ثانية و ثالثة دون جدوى .. ثم ناديت إسمه ..
" كرم .. كرم هل انت بالداخل .. انا صوفيا .."
شعرت بعد كلامي بحركة غريبة داخل البيت .. ثم فتح الباب .. ظهر من خلفه شبحه .. كان في حالة مزرية .. صدمتني رأيته هكذاا .. تسمرت على عتبة الباب احدق به .. كان ينظره بعينان يشوبهما الخوف و الحزن و كل الألم .. ارخى يده على مقبض الباب و إبتعد الى الداخل دون أن يقول شيء .. تبعته في خوف و أغلقت الباب خلفي .. كانت الشقة فخمة جداا .. و لكن في فوضى عارمة .. فوضى لا أعلم كيف يستطيع انسان تحمل العيش فيها .. وقف في وسط البيت ثم التفت الي .. كانت عيناه تتعلقان بوجهي و كأنه يستنجد بي دون أن يقول شيء .. شعرت برعشة تسري في جسمي .. إقترب حتى صارت بيننا بضعة إنشات .. و انا كالصنم في مكاني .. ثم رفع يديه و إحتضننني بقوة .. شعرت بعظامي تنضغط من قوته .. شعرت انه يحاول بث ألمه و حزنه بهذه الطريقة .. و كأنه بحاجة أن يشعرني بمدى الألم الذي يشعر به .. لم أقاومه و لم أبعده .. بقيت في مكاني أستشعر ضعفه في قوة إمساكه بي .. ثم لم أشعر الا بحرارة دموعه تنساب على كتفي .. لم أصدق الأمر .. أبعدت نفسي عنه حتى أرى هول المنظر .. كان يبكي .. يبكي بشدة .. و فجأة جثا على ركبتيه ووضع يديه على عينيه يحاول إخفاء صوت شهقته .. رميت حقيبتي على الأرض و جلست أحاول التخفيف عنه .. و انا أقول بصوت يرتجف
" كرم .. كرم ارجوك ما بك .. أخبرني "
و لكنه لم يجب ..بقينا على تلك الحالة طويلا الى أن هدأ قليلا .. و لكنه أبى أن يتكلم .. أسند رأسه على الحائط محدقا في السقف دون أن يقول شيء .. ووبقيت انا بجانبه قرابة الساعة .. هو هائم في أفكاره و أنا هائمة أفكر في حاله .. و فجأة نهض من مكانه و إتجه نحو غرفة دخل اليها و أغلق الباب خلفه .. تركني في حيرة من أمري .. خفت أن يقوم بإيذاء نفسه .. تبعته و طرقت الباب
" كرم .. ما الذي تحاول فعله .. إفتح الباب "
جاءني صوته خافتا متقطعا
" أريد ان انام .. أرجوك لا تذهبي إبقي معي .. "
لم أفهم ما الذي يريده .. لما يود مني أن ابقى في شقته و هو نائم في غرفته .. أنه حقا غريب .. جلست على الأريكة أفكر .. فأنا لا يمكنني تركه و سوف أمل اذا بقيت هكذا وحدي .. لذلك قررت أن انظف شقته .. كانت في حالة يرثى لها .. ملابسه مرمية في كل جهة .. بقايا الطعام في كل مكان .. جمعت كل تلك النفايات و رميتها .. ثم جمعت الاواني من كل ارجاء البيت ووضعتها في المطبخ حتى أغسلها لاحقا .. جمعت ملابسه ووضعتها في الغسالة .. و فتحت النوافذ و ابعدت كل الستائر حتى يدخل بعض الهواء العليل .. لقد بدى المكان رائعا جدا ... و أحسسني ذلك بالسعادة .. آخر شيء إتجهت الى المطبخ حتى أكمل تنظيفه .. أدرت بعض الموسيقى في هاتفي و بدأت في جلي الأواني ..
" شكراا .. "
أفزعني صوته .. فأنا لم أنتبه أنه إستيقظ ..
" آه .. نوما هنيئا .. "
" لم أنم ! "
" ماذا ؟ إذن ما الذي كنت تفعله .. "
" كنت أتسطح فقط .. لا أستطيع النوم .. لم أنم لأيام .. "
كانت في صوته نبرة حزن و تعب ..
" ما بك ؟؟"
أجاب و هو يخرج قارورة الماء من الثلاجة .
" لا شي ء.. "
" و لكن .. "
قاطعني مغيراا الموضوع
" شكرا لما فعلته بالبيت .. انا ممتن حقا .. "
و قفت أحدق به في صمت .. لا أعلم لما يتجنب الحديث عن حالته .. إبتسمت و قلت
" أتريد أن أحضر لك شيئا قبل أن أذهب ؟"
" لنتعشى سوياا .."
" حسنا .. ما الذي تريد أكله ؟"
" أي شيء .. سأساعدك في تحضير اي شيء .. "
"حسنا "
كنت أشعر بسعادة خفية .. بقدر ما أخافه بقدر ما يشعرني وجوده براحة غريبة .. حضرنا بعض المعكرونة .. لا أصدق اننا ضحكنا و تحدثنا .. تحدثنا عن أشياء سخيفة و لكنها أزالت ذلك الجليد بيننا .. كنا للحظات كأي شخصين عاديين .. نطبخ مع بعض نمزح و نضحك و نتكلم .. مر الوقت بسرعة .. أكلنا مع بعض ثم ودعته و عدت الى المقهى .. طوال الطريق فكرت في ما الذي حدث لي مع هذا الشخص .. كيف تركته يدخل حياتي و يغير شيئا بداخلي لا زلت أجهل ما هو .. فكرت حتى وصلت الى المقهى و إنتهى تفكيري بإبتسامة شعرت أنها نبعت من داخلي .. أغمضت عيناي و تمنيت أن يستمر هذا الشعور الى الأبد .. ثم فتحت الباب و دخلت ....______________________________________
رمضاان كريم 😘😍😍
أنت تقرأ
دعني اساعدك ...
Romanceإننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة، حينما نعيش للآخرين، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين نضاعف إحساسنا بحياتنا، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية.