للكآبة أيد حريرية الملامس قوية الأعصاب تقبض على القلوب وتؤلمها بالوحدة فالوحدة حليفة الكآبة كما أنها أليفة كل حرمة روحية
المجموعة الكاملة لمؤلفات جبران
فتحت عيناي لأجد لين تستلقي بجانبي .. إبتسمت و هي تهمس
" كنت تبدين مسالمة جدا و انت نائمة .. لم أشأ إيفاقك "
أزحت اللحاف و رفعت نفسي بعض الشيء ..
" كم الساعة الآن "
" إنها العاشرة صباحا .. لننزل الى المقهى و نفطر معا "كنت متعبة جدا .. علامات الإرهاق واضحة على وجهي لأنني لم أأكل شيئا ليومين متواصلين و نومي كان متقطعا .. حاولت بصعوبة الوقوف على رجلي .. ساعدتني لين .. حاولت أن أستند عليها و مشيت بضع خطوات نحو الحمام .. رأيتها ترفع يدها نحو وجهها .. إلتفت نحوها لأجد عيناها تفيضان بالدموع .. هذه اول مرة أرى فيها لين تبكي .. بلعت غصتي و دخلت الى الحمام لم أشأ ان أسألها أو اناقش سبب بكائها .. أسندت ظهري على الباب أسمع صوت بكائها و هي تحاول كتمه .. لا أعلم و لكنني كنت أحاول التهرب من رؤية دموعها .. لا اريد ان ارى شخصا آخر يتألم بسببي .
خرجت بعدما خفت صوتها .. حاولت فقط تجاهل الامر قدر المستطاع .. نزلت معها الى المقهى و جلسنا كل منا تنتظر من الاخرى بداية الكلام ..
سحبت كرسيها الى الامام اكثر و أمسكت يدي .. ثم قالت
" انا حقا آسفة "
تفاجأت لإنها هي من تعتذر .. قاطعت كلامها
" لا .. انا من يجب ان تتأسف .. آسفة لانني أخفيت عنكم الأمر .. و آسفة اكثر لانني تجاهلت مشاعرك "" أعتقد انني و رنا كنا أنانيتين بعض الشيء معك .. لم نتوقف للحظة طوال هته السنوات لنسألك عن الكثير من الأشخاص .. كنت دائما شخصا هادئا .. ظننت ان هذه طبيعتك ، لم ادرك أن تجاربك الأليمة هي من صنعت منك هذا الشخص .. و لكن انا أشعر ببعض الأسى أيضا .. كان يجب ان تفتحي قلبك لنا .. أن تخبرينا عن كل ما يقلقك و يجرحك و ما يجعلك غير مرتاحة .. اليس كذلك !! "
" انا .. انا فقط لا احب خوض الماضي حتى لا يغزوني ألمه مجددا .. أنا حقا آسفة لما تسببت به لك .. أأخبرتك الخالة جيهان بكل القصة ؟!"
" لم تكن الخالة جيهان .. بل وسيم .. هو من أخبرني بكل شيء "
دهشت لأنها تحدثت مع وسيم بالفعل ..
" كان يبحث عني ليعتذر .. اردت تفسيرا حتى أقبل إعتذاره لذا أخبرني كل شيء .. كان صعبا عليه ان يعترف لي انه كان واقعا في حبك كل ذلك الوقت. لم يرد ان يجرح مشاعري "
قاطعتها قائلة
" انا حتى لم اعلم بذلك حتى ذلك اليوم .. كما ان مشاعره تغيرت إتجاهي بعد مرور كل هذه السنوات .. ربما هو يكرهني الآن بسب الالم الذي تسببت به "" لا أظن ذلك .. في الحقيقة هو يريد التحدث معك .. إنه ينتظر في الخارج .. يجب ان تتحدثا .. انتما تندينان لبعضكما بهذا بعد كل تلك السنين "
نهضت لين من مكانها و خرجت من المقهى تاركة إياي غارقة وسط افكاري .. دخل وسيم لوحده بعد فترة .. سحب كرسيه و جلس مقابلا لي ..
" تبدين في حالة يرثى لها ! "
قال بسخرية محاولا تلطيف الجو بعض الشيء .. إبتسمت تجاوبا معه
" أنا حقا آسف "
أخذت نفسا عميقا .. ثم أجبته
" لقد تعبت من تلقي الإعتذارات و الإعتذار بدوري .. كلنا أخطأنا في حق بعضنا .. كل منا أراد أن يفعل الشيء الصحيح في نظره و لكننا لم نسبب سوى الالم لبعضنا .. لذا لنتخطى مرحلة الإعتذار .. أنا لا أكن أية ضغينة إتجاهك يا وسيم .. على العكس .. انت صديقي الذي وجدته دائما بجانبي في أحلك ايامي .. أعلم انني في مرحلة ما لم أراعي مشارعك و تجاهلتها .. و لكن حتى انت تجاهلت مشاعرك الخاصة و لم تفصح عنها .. و لكن الآن اريد فقط ان نتخطى الماضي .. ان نمضي في سبل جديدة .. علنا نجد السعادة "إبتسم فقط ثم قال
" صوفيا انا لم أتجاهل مشاعري لانني اردت تجاهلها .. انا تجاهلتها لانني عرفت حقيقة مشاعرك من اليوم الاول .. و انا لا اندم لانني تجاهلت الامر .. انت تنتمين لأخي كرم .. لم أشأ ان اضع نفسي بينكما .. "
يؤلمني الامر كلما اسمع إسمه .. يؤلمني و بشدة
" بالحديث عن كرم .. أكنت تعلم بشأن الرسائل !! "
" همممم .. حسنا لقد كنت اعلم .. و لكنني ظننت انك من تجاهلتها عمدا .. حتى أخبرتنا الخالة جيهان انها لم تصلك ابدا !! "
بلعت غصتي و سكتت .. اردت ان أسأله عن كرم عن حاله و لكنني لم أشأ ان ابدو مثيرة للشفقة اكثر مما ابدو عليه الآن .. اردت فقط ان اغلق هذا الجزء من حياتي و ابدأ جزءا جديدا .. اردت ان أصفي أموري مع وسيم و أحاول نسيان كرم و امضي .. فقط هكذا .." أجل .. "
فقط هذه الكلمة و سكتت لم اشأ ان اخوض غمار هذا الحديث مع انني انا من بدأته
" صوفيا أتريدين التحدث الى كرم !! "شعرت بنبضات قلبي تتسارع .. تبعثرت افكاري و خرجت الكلمات من فمي بدون شعور
" لا ! لا اريد "
" و لكن لما لا !!"
" فقط هكذا "
" حسنا كما تريدين .. "
عم الصمت للحظات
" صوفيا اريد ان نبقى اصدقاء .. أيمكن ذلك ! "
" طبعا ! يسعدني ان استعيد صديقا مثلك " !!............
رحل وسيم و بقيت وحدي .. كان إحساسي مخدر .. إرتديت ملابسي و ذهبت الى رنا في المستشفى .. يبدو ان لين اخبرتها كل القصة .. والدها مازال في غيبوبة .. كانت في حالة رثة .. قلبها تشقف الى اجزاء وما زادتها حكايتنا سوى الما .. حاولت التخفيف عني و لكنها إحتاجت المواساة اكثر .. جلسنا فقط هكذا في صمت لمدة من الزمن .
______________________________________
أنت تقرأ
دعني اساعدك ...
Romanceإننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة، حينما نعيش للآخرين، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين نضاعف إحساسنا بحياتنا، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية.