الفصل السابع

1.5K 58 0
                                    


الفصل السابع

مرت 48ساعة هادئة إلي حد ما علي الجميع المنشغل بإنهاء أعماله الخاصة...
أغلقت باب منزلها بإرهاق يشع من عينيها اللتان باتت ليلتها تنهي ملاحظات المشرف علي رسالتها..لتجلس "قمر" علي أول أريكة قابلتها في منزلها وتضع كتبها وحقيبتها بجوارها وهي تمسح علي جبينها بيدها المرتعشة من الألم قائلة بنبرة ضعف:كم أحتاجك كثيرا يا أمي..أحتاجك حنانك يخفف عني أعبائي قليلا
تنهدت "قمر" بقوة وهي تحول مسار يدها لتدلك قدمها قائلة:يا الله
ارتفع صوت هاتفها معلن قدوم اتصال من "مريم" لتضع "قمر" الهاتف علي أذنها قائلة:السلام عليكم
مريم بنبرة تساؤل ممزوجة بقلق:قمر..أخيرا من الصباح وأنا أحاول مكالمتك
قامت "قمر" من موضعها بإرهاق قائلة بنبرة خافتة من ألمها:عذرا يا حبيبتي ولكن من الصباح وأنا مشغولة في أعمالي و انتقل من مكتبة لأخرى
نبرة قلق ممزوجة بخوف انطلقت من "مريم" قائلة:ما بال صوتك!!هل هناك خطب ما!!
بدأت الرؤية تنقطع من أمام عيني "قمر" التي قالت بنبرة شبه إرهاق:أنا متعبة قليلا لا...
لم تكمل "قمر" جملتها لشعورها بسيل من الدماء يشق الطريق للأرض ليسقط الهاتف من يدها بصدمة وتلحق به "قمر" سريعا وهي فاقدة لوعيها..
بينما علي الجانب الآخر..كانت "مريم" واقفة أمام منزل والديها فور سماعها لصوت ارتطام هاتف "قمر" ومن ثم انقطع الاتصال لينتفض جسدها بخوف..و سريعا ما وقفت سيارة "ياسر" أمامها ليفتح زوجها زجاج السيارة قائلا:هيا يا حبيبتي لأننا سنوصل "فادي" أولا
اتجهت "مريم" سريعا إلي السيارة قائلة بنبرة خوف:اذهب إلي المنزل يا "ياسر" بسرعة هناك خطب ما أصاب "قمر"
ارتعد كلا من "ياسر وفادي" الجالسان في المقعد الأمامي ليقول "ياسر" بصدمة:قمر!! ماذا حدث؟؟
مريم بنبرة قلق ممزوجة برعشة تدًب في كيانها:لنذهب إلي المنزل بسرعة أرجوك يا "ياسر"
....
ابتسامة مكسورة غزت ملامحها المختفية تحت الضمامات الطبية التي تخفي جروحها منذ ليلة الحادثة..تناولت مفتاح البوابة الحديدية من حقيبة يدها لتضع باقي حقائبها بجانبها وتفتح البوابة الحديدية ومعها تسيل دمعة حارة تخترق الضمامات لتضيف آلام علي جروحها التي لم تٌشفي بعد..
سارت "إسراء" بحقائبها وهي تتفحص حديقة منزلها الصغيرة..تحاول جاهدة إيجاد زهرة واحدة مازالت محتفظة برونقها لعلها تعيد فيها كيانها الأمل..
ولكن للأسف كل محاولاتها نهايتها كانت الفشل..لتجر "إسراء" حقائبها ومعها تجر سنين طفولتها التي كانت تتابع فيها والدها يزرع كل شجرة وزهرة في تلك الحديقة..تجر معها ذكرياتها لوالدتها التي كانت تهرول ناحيتها بإناء الطعام و أصوات ضحكاتها كان يًمد كل ما هو أخضر في تلك الحديقة بأكسجين تنفسه..
وقفت "إسراء" أمام باب المنزل لتضع المفتاح في المقبض وتسند رأسها باستسلام علي حافة الباب مغمضة عينيها بألم تاركة لدموعها المجال للهبوط في صمت لعلها تداوي تلك الفتاة..
مرت دقائق لم تعلم "إسراء" عددها ولكن ما تعلمه جيدا أنها كانت كافية لتذكرها بكل أوجاعها دفعة واحدة..
لتستجمع قواها وتفتح باب المنزل وهي تسير بحقائبها..وقفت "إسراء" في منتصف الصالة وقبل أن تتفحص عينيها أي ركن بالمنزل..تحركت جفونها بصدمة و تراجعت بجسدها للخلف قليلا من خوفها من ذاك المجهول الذي يجلس علي الأريكة واضعا قدم فوق قدم ودخان تبغه يتراقص من حوله بهدوء..
تحركت شفاه "إسراء" المرتعشة قائلة:من أنت!! كيف تدخل إلي منزلي؟؟
وقف ذاك الرجل من موضعه لتظهر ملامح جسده الرياضية التي تفوق قوة "إسراء" بأضعاف مضاعفة وتقابل ملامحه شعاع ذهبي تسلل من نوافذ المنزل لتبين مدي قسوة ملامحه وصرامتها ليقول بنبرة جدية:أنا أدخل أي مكان في اللحظة التي أريدها وليس عليكي سوي الترحيب بي وتلبية جميع رغباتي
اتسعت عيني "إسراء" خوف ممزوج بقوة حاولت تجميعها لتقول بنبرة ضجر مرتعشة:هل أنت مجنون أم ماذا!!
كيف تحادثني بهذا الأسلوب من البداية؟؟
أفلت ذاك الرجل عود تبغه من يده ليدهسه تحت حذائه بنظرة ارتعش لها جسد "إسراء" ليقول بنبرة عالية نسبيا:لأنني أملك هذا
و إن أنهي حديثه حتى لامس زر التشغيل في جهاز التحكم بشاشة الفيديو ومعها تظهر "إسراء" في أحضان رجل وهما شبه عاريان لتشهق "إسراء" بصدمة لتأكدها من أن ذاك الفيديو الذي كان مع "هند"
لحظة صمت خيمت علي المكان يتخللها أصوات "إسراء" و ذاك الشاب الذي كان معها..
لم تحتمل "إسراء" سماع تلك الأصوات لتنهار كليا وتسقط علي الأرض وصوت بكائها يرتفع بسرعة كأنه بركان في حالة الثوران..
اقترب ذاك الرجل من "إسراء" لترفع عينيها اللتان تورمتا من الدموع معلنة خضوعها له ليقول:ما لا تعرفينه أن "هند" منحتني هذا الفيديو قبل قدومك لي لأعاينك والآن يا لعبتي الجديدة ما عليك فعله هو انتظار مكالمتي لتكوني علي أتم استعداد للقائي
أكمل الرجل حديثه وهو يشعل عود تبغ آخر قائلا بنبرة تحذيرية:و إياكى ثم و إياكي أن تفعلي شئ يشعل غضب "محب" لأنكي بذلك تفتحين النار عليكى عندما تحاول إغضابي
أنهي "محب" حديثه وهو يلقي نظرة توعد ل"إسراء" الساكنة علي الأرض لا تبدي أي انفعالات عدا عينيها اللتان تنزفان دموع..
.......
أغلق "فادي" باب المصعد الكهربي ليقف بجوار "ياسر" الذي يحاول تهدئة "مريم" التي تطرق باب منزل "قمر" بطريقة جنونية..شعور من الخوف ساد قلوب الجميع من عدم وجود أية إجابة من "قمر" لطرقات "مريم" المتتالية والقلقة..ليقترب "ياسر" من مريم قائلا بنبرة تردد:ابتعدي قليلا يا "مريم" بسرعة
اقترب "ياسر" و "فادي" من باب المنزل ليحاولوا تحطيمه عن طريق دفعه بقوتهم الجسمانية..
ضربة فالثانية فالثالثة .. و"مريم" تقف حائرة .مرتعشة.عينيها تتلألأن بالدموع من رعشة قلبها علي صديقتها..
ابتعد كلا من الصديقين عن الباب ليدفعوا الضربة الرابعة بكل قوتهم ومعها يتحطم باب المنزل ويسقط أرضا..
هرولت "مريم" إلي داخل المنزل بسرعة لتصرخ بصدمة لرؤيتها "قمر" ملقاة علي الأرض والدماء تسيل منها..
أدار كلا من الصديقين ظهرهما للمنزل لرؤيتهما ذاك المنظر من البداية ليقول "ياسر" بنبرة سرعة:"مريم" تصرفي سريعا وجففي تلك الدماء عنها أو أحضري أي ملبس لها لنذهب إلي المستشفي
انتبهت "مريم" لصوت زوجها لتهرول إلي حجرة النوم الخاصة ب"قمر" و تحضر منها "جاكيت شتوي طويل" وتلبسه ل"قمر" بأعجوبة من رعشة يدها ورجفتها وهي تحاول إفاقة "قمر" بأية طريقة..
أغلقت "مريم" الزر الأخير من "الجاكيت" لتقول بنبرة مرتعشة:انتهيت
التفت كلا من الصديقين ليقول "فادي" بنبرة شبه ثابتة:سأحضر هاتفها لعلنا نحتاجه
اقترب "ياسر" من "مريم" قائلا بتردد:حسنا يا "مريم" حاولي أن تسنديها معي
أسندت "مريم" جميع ثقل "قمر" عليها لشعورها برجفة يد "ياسر" المتردد من الاقتراب منها لتقول مريم بنبرة شبه هادئة:حسنا يا حبيبي لا داعي أنا ممسكة بها جيدا فلحسن الحظ أن وزنها خفيف جدا لا تهلك نفسك
تحاملت "مريم" علي نفسها وحملت صديقتها إلي باب المصعد الكهربي ليهبط الجميع بالمصعد وبصعوبة أقل نسبيا ادخلت "مريم" صديقتها إلي سيارة "ياسر" الذي أشعل محرك السيارة بسرعة وأخرج رأسه من الزجاج ليصيح ل"فادي" الذي يقف مع "البواب" يخبره بأن يأتي بنجار في الحال ليصلح باب منزل "قمر"..
طمأن "البواب" "فادي" بأنه سيهتم بالأمر وأنه لن يخبر "منير" إذا اتصل فلا داعي لإثارة قلقه طالما أن ابنته بين يدي ستحفظها..
....
بعد ما يقارب النصف ساعة تسابق فيها "ياسر" مع الزمن للوصول إلي المستشفي ليضغط علي الفرامل بسرعة معلنا وصوله أمام باب المستشفي ولحسن الحظ أن "فادي" حادث أحد مسئولي المستشفي ليجهز لهم الإجراءات اللازمة..
حمل رجال الإسعاف "قمر" علي إحدى العربات الناقلة متجهين بها إلي حجرة الطوارئ بينما جلست "مريم" علي أحد كراسي المستشفي وهي تلهث أنفاسها من الصدمة التي تعرضت لها لرؤية صديقتها بتلك الحالة..
اقترب "ياسر" من زوجته بخطوات ثابتة ليمسح علي كتفها بهدوء قائلا:لا تقلقي بإذن الله ستكون بخير
كفكفت "مريم" دمعة تلألأت في عينيها وهمست بشفتيها قائلة:يارب يارب
ما هي إلا ثواني معدودة حتى خرجت أحد الممرضات قائلة:هل يوجد أقارب للمريضة!!
مريم بسرعة ممزوجة بخوف:نعم..أنا صديقتها أنا
الممرضة بنبرة أسف:لابد من وجود أحد أقاربها للتبرع بالدم لها فالطبيب يؤكد أن فصيلة دمها نادرة
أكملت "الممرضة" حديثها وهي تتجه إلي داخل الحجرة قائلة:يجب إحضار أحد أقاربها بأقصى سرعة
أغلقت "الممرضة" باب الحجرة لينتفض كيان "مريم" وتقول بسرعة:بسام أخوها بسام
كان يجلس في موضعه هادئا ساكنا لا يبدي أية انفعالات ولكن بمجرد أن سمع كلمة "أخوها" التفت بنظره بتعجب لتكمل "مريم" حديثها قائلة:هاتف "قمر" مع من!! أين هو؟؟
مًد "فادي" يده بهاتفها وعينيه تطلق مليون سؤال وسؤال حول حديث "مريم" هذا..
لحسن حظ "مريم" أنها استطاعت فتح هاتف "قمر" لعلمها بكلمة السر الخاصة بها لتبحث في قائمة الأسماء عن اسم "بسام" وبسهولة ويسر من الله وصلت إلي الرقم..لتناول الهاتف إلي "ياسر" قائلة:حادثه أنت يا "ياسر" و اخبره..اسمه "بسام"
تناول "ياسر" الهاتف وابتعد عن الحجرة بعض السنتيمترات بينما زفر "فادي" بضيق والتفت إلي "مريم" قائلا بنبرة :هل ل"قمر" أخوة!!
مسحت "مريم" علي جبينها بيدها المرتعشة قائلا:لا ولكن "بسام" هذا ابن عمها و أخوها في الرضاعة لقد أخبرتني "قمر" بأنه رفيق طفولتها ولذلك هو من جاء في خاطري من حديث "قمر" عنه
اسند "فادي" رأسه للخلف وجفونه تتحرك ببطء كأنها تعيد شريط ذكرياته في النوبة مرة أخري..
تذكر رعشة عيني "قمر" الخائفة التي هدأت بمجرد احتضانها ل"بسام"..
فسر "فادي" ذلك الانفعال بأنها علاقة سرية عاطفية تجمع بين "قمر" و"بسام"..بات "فادي" لياليه في النوبة يشعر بالاشمئزاز من رؤية ذاك الثنائي معا أو منفرد..
و ها هو الآن يجد أن تفسيره بات خاطئا وأن "بسام" ما هو إلا أخ في الرضاعة ل"قمر" وبات من محرمها لتصبح علاقتهم الآن واضحة أمام عينيه وأنها علاقة أخوة لا أكثر ولا أقل..
تنهد "فادي" بضجر وسيطرت علي ملامحه اللامبالاة ليسيطر تعجرفه عليه من جديد ويحادث نفسه ببروده المعتاد..أنه مهما كانت نوع العلاقة التي تربط الأخوين في الرضاعة لن تكون كافية أمام عينيه لحديثهم سرا..
مرت ربع ساعة ببطء شديد علي تلك الصديقة التي تجلس قلقة علي صديقتها..وبملل علي "فادي" الذي يجلس من أجل أن يشبع فضوله لإيجاد تفسير لما حدث في النوبة وقت إقامته بها..
ولظروف غامضة لن نستطيع تفسيرها في وقتنا الحاضر..كان "بسام" في القاهرة وبمجرد تلقيه لمكالمة "ياسر" غادر المكان بأكمله متجها إلي المستشفي ليصل أخيرا في الوقت المناسب ويقف أمام الحجرة وهو يلهث أنفاسه ليقترب منه "ياسر" محادثا إياه بأن الممرضة ستأتي له لأخذ جرعة الدم..
أخذت الممرضة الجرعة اللازمة من "بسام" لتنطلق بها إلي الحجرة ويعود "بسام" ليتكئ أحد الكراسي أمام تلك الحجرة..بينما "فادي" مازال محتفظ بهدوء المعتاد بالنسبة للزوجين ولكن بالنسبة ل"بسام" هو هدوء غريب عليه هدوء قد يتحول في أي لحظة إلي صيحات تساؤل تنبع من عيني "فادي" التي تطلق نظرات ضجر ممزوجة بفضول..
فٌتح باب الحجرة ببطء ليتحرك الجميع من موضعه ويخرج الطبيب وعلي ملامحه علامات الاطمئنان وبدون أن يترك "بسام" فرصة لأحد للحديث قال بنبرة خوف ممزوج بلهفة:أختي كيف حالها هل يمكنني رؤيتها
الطبيب بنبرة مطمئنة:بالتأكيد ولكن بعد نصف ساعة حتى تفيق فقط
أكمل "الطبيب" حديثه موجها إياه إلي "مريم" قائلا:إذا سمحتي يا مدام
سيطرت علامات التعجب الممزوج بالقلق علي ملامح "مريم" وهي تعود خطوات للخلف قليلا لتصبح المسافة بينها و بين الطبيب بعيدة إلي حد ما ونظرات الجميع تراقبهم بترقب ممزوج بقلق لطلب الطبيب الحديث مع ""مريم" بمفردها..
ولشعوره بالخوف الذي قارب علي القضاء علي "مريم" تحدث الطبيب بنبرة مطمئنة قائلا:لا تقلقي يا مدام ولكن فضلت أن يكون هذا الحديث معك فقط
زادت رجفة كيان "مريم" لتتحدث بنبرة قلق قائلة:لقد أقلقتني كثيرا..هل هناك خطب ما في "قمر" وما سبب ذاك الدم
الطبيب بنبرة إحراج ممزوجة باطمئنان:آنسة "قمر" بحالة جيدة نسبيا ولكن من الواضح أنه تهمل طعامها بصورة ملحوظة ولذلك حاولي أن تساعديها في الاهتمام بغذائها جيدا لأن ذاك الإغماء بسبب هبوط في الدورة الدموية بسبب انعدام الطعام نسبيا لها ولأن من الواضح أنها تعتمد علي المنبهات من القهوة وما إلي ذلك
ولكن ذاك الدم كان بسبب دورتها الشهرية لا أكثر ولكن أتت تلك المرة بنسبة دماء عالية مما أدي لاحتياجها لنقل الدم ولكن الآن بفضل الله حالتها مستقرة و غدا في الصباح تستطيع الخروج
تنهدت "مريم" براحة وتمتمت بالحمدلله بشفتيها ومن ثم شكرت الطبيب علي إنقاذه لصديقتها لتتجه "مريم" إلي الجمع الواقف أمام الحجرة والذي يطلع نيران من الأسئلة عليها..
ليقول "بسام" بنبرة قلق:عذرا يا مدام ولكن ماذا هناك؟؟هل حدث شئ ما ل"قمر"؟؟
مريم بنبرة مطمئنة:لا لا بالعكس طمأنني الطبيب علي حالتها ولكنها تحتاج إلي تغذية جيدة لا أكثر
استأذن "ياسر و زوجته وفادي" من "بسام"الذي استمات في شكرهم علي مساعدته ل"قمر" بالذهاب إلي منازلهم الآن علي وعد بالعودة ليلا للاطمئنان علي "قمر"..
ليعود الجميع إلي منازلهم بينما ظل "بسام" بجانب "قمر" منتظرا إفاقتها..
...
إلي تلك الروح المدفونة بين حبات الرمال..ذاك العالم وحشي بدونك..
إلي تلك الابتسامة الصافية التي تبعث الأمل في الحياة...باتت الحياة كئيبة بدونك..
إلي ذاك الحضن الذي لملم شتاتنا كثيرا...بات كياني محطما منذ فراقك..
إلي كل لحظة عشناها سويا..باتت تلك اللحظات هي دوائي لفقداني لك..
إلي ذكري الماضي التي حاولت جاهدا نسيانها...نسيانك بات يذكرني بك أكثر..
إلي تلك الفتاة التي دفنت ابتسامتها من صديقي الذي بات عدوي منذ أن رأيت دموع تستحي المرور علي خديك..
اشتقت والشوق بات يقتلني..
احتجت والاحتياج بات يحطمني..
بكيت والبكاء بات يدمي قلبي...
كفكف "منير" دمعة تلألأت في عينيه وهو يهب من موضعه علي صخرة أمام قبر أخته التوأم ليتنهد بإحساس من الشوق الممزوج بالألم ويلتفت إلي زوجته التي تقرأ آيات من القرآن في خشوع وصمت قائلا:هيا يا "ناهد" حتى لا نتأخر
استندت "ناهد" علي يد زوجها ليقف الاثنان بصمت يسود المكان وشفاهما تتحرك ببطء مرددة سورة الفاتحة وعيني "منير" تتفحص اللوحة الموضوعة علي المقبرة باسم "قمر عبدالسلام ...
قبل أن تقع عيني "منير" علي اسم عائلتهم شعر بدمعة دافئة تجتاح خيوط جلبابه نابعة من عيني "ناهد" التي تسند رأسها علي كتفه ليقول "منير" بنبرة أوشكت علي البكاء:هيا يا "ناهد" أرجوكي فأمامنا أيضا زيارة والدي و والديك
أومأت "ناهد" رأسها بالإيجاب لتتحرك خارج المقبرة منتظرة "منير" الذي اقترب من المقبرة بهدوء يمسح عن لوحتها حبيبات الرمال وجال بخاطره..أخته التي بات سنين وسنين يمسح علي جبينها برفق..
ابنة قلبه كما كان يسميها التي بات سنين يجاهد من أجل حمايتها..
ولكن فجأة تحولت تلك اللوحة إلي فيلم سينمائي يمر بسرعة البرق أمامه..يري أخته وهي علي فراش الموت..
يري دموعها التي قاربت علي إخفاء ملامحها..
ازداد غضبه ليسيطر علي أحزانه ويضرب بقبضة يده الأرض من تحته وهو يقول بنبرة شبه هامسة تنبع من كيانه المشتعل غضبا ممزوج بألم قائلا:لو كنت قتلتها أنا بيدي لكانت ناري خمدت..لو كنت قضيت علي ابنه بيدي لكانت أحزاني تحولت لأفراح..لو كنت قضيت عليك ي..
و قبل أن يكمل "منير" حديثه جاءه صوت "ناهد" المرتعش قائلا:هيا يا "منير" لا نريد أن نتأخر
....
عقد حاجبيه بتعجب ممزوج بصدمة لتظهر عروق يده المشتعلة غضبا تدريجيا ويزيد من قبضته علي الملف..
ليأتيه صوت صديقه "وائل" قائلا:هذا ما استطعت الوصول له..أكثر من ذلك لم استطيع يا "فادي"
وكأن صوت "وائل" أنجد طيات الورق التي بين يدي "فادي" التي أوشكت علي الاشتعال من غضبه النابع من كيانه ليضغط "فادي" علي أسنانه قائلا بنبرة غضب مكتومة:لا أعلم كيف أشكرك علي كل هذا يا "وائل" !! لقد وفرت عليً عناء كبير
ابتسامة هادئة رسمت علي ملامح "وائل" الذي قال:لا داعي لكل هذا يا "فادي" ففي النهاية نحن أصدقاء ولكن أرجو منك أن تحكم عقلك فيما بين يديك من معلومات
أومأ "فادي" رأسه موافقا ليستأذن منه "وائل" للعودة إلي عمله بينما فتح "فادي" الملف وبات يقرأ كل كلمة بتمعن وعقله بات يردد اسم عائلة "القط" التي ألحقت بقائمة سوداء صنعت لتوها داخل كيان "فادي" ..
لتصبح تلك العائلة هي الأولي في قائمته السوداء التي حٌكم عليها بالانتقام من ماضي قديم..ولكن بالنسبة إلي "فادي" ذاك الماضي هو حاضره المؤلم ومستقبله المجهول..
.....
في تمام الساعة الرابعة عصرا لليوم التالي...فتحت "مريم" باب منزل صديقتها التي تستند عليها قائلة لها بعتاب:ماذا كان سيحدث إذا آتيتي عندي وبات "ياسر" عند صديقه!!
جلست "قمر" علي أول أريكة استقبلتها لتقول بنبرة مزاح: لو سمعك زوجك لظلتي عندي أنا للأبد
ضحكة خافتة نبعت من "مريم" التي تغلق باب المنزل قائلة:حسنا أيتها الباحثة المجنونة أخلدي إلي النوم الآن وإذا شعرتي بالجوع ستجدين بعض الطعام في المطبخ
و بشعور من الجدية المصطنعة قالت "قمر":هل تريدني أن أعود إلي المستشفي مرة أخرى
و بمرح الأصدقاء المعتاد..وكزت "مريم" صديقتها في كتفها قائلة بمرح:أنا المخطئة لأنني أظهرت قدراتي الخارقة من أجلك أنتي
وما بين مزاحهم وأصوات ضحكاتهن التي استولت علي كل ركن من أركان المنزل..
اطمأنت "مريم"أخيرا علي صديقتها الساكنة في فراشها لتصعد "مريم" إلي منزلها لتبدأ معركتها الثانية في الاستعداد لاستقبال زوجها بعد يوم عمله..
....
استرق النادل النظر إلي ساعة الحائط الخاصة بالمطعم ليجده أنه يضع الفنجان الخامس لنفس الفتاة في أقل من ساعتين..لينظر لها بتعجب ممزوج بقلق من عصبيتها التي قاربت علي الفتك بكل من في المكان..
ليضع الفنجان بسرعة تاركا "أسماء" في غضبها هذا الذي دام لساعتين متواصلتين ليزداد غضبها أضعاف مضاعفة بمجرد إخراجها لهاتفها من حقيبتها لتستقبل الخبر بأنه قطع الشحن نهائيا..
رشفة ثم الثانية ثم الثالثة من ذاك الفنجان الذي يحتوي علي قهوة ساخنة لا تقارن بسخونة أطراف "أسماء" التي زادت بمجرد رؤيتها ل"بسام" الذي اقترب ناحيتها قائلا بأسف وهو يزيح نظارته الشمسية:عذرا لتأخري يا...
و قبل أن يكمل حديثه انفجر بركان الغضب المشتعل داخل "أسماء" لتقول بعصبية مكتومة:عذرا!! حسنا عذرا تلك ستعوضني عن ساعتين انتظرت فيها سيادتك من أجل أن تشفق عليً وتمدني بالمعلومات وفي النهاية تقول أن الفتيات هن المستهترات
أكملت "أسماء" حديثها بنبرة استهزاء ممزوجة بضجر قائلة:انظر إلي حالك في البداية
قبض "بسام" علي معصمه بشعور من الغضب اجتاح كيانه للتو لينحني بظهره في مقابلة "أسماء" قائلا بنبرة غضب أوشكت علي الفتك ب"أسماء" قائلا:انظري أنتي يا تلك..أختي كانت في المستشفي وكنت معها وبالمجرد الاطمئنان أنها وصلت لمنزلها جئت إليك
أكمل "بسام" حديثه بنبرة توعد:ولكن احذري مني يا "أسماء" و إياكي ثم و إياكي أن يرتفع صوتك عليً أنا مفهوم أم أبلغك كلامي بطريقة أخرى
ابتلعت "أسماء" ريقها بصعوبة لشعورها بأنفاس "بسام" التي باتت في طريقها للإتحاد مع أنفاسها لتتراجع برأسها قليلا إلي الخلف قائلة:لنبدأ بالعمل أفضل
......
من بين تلك الأحداث الغامضة..أردت أن أخذكم في جولة صغيرة إلي عالم تسوده المحبة..
عالم لا يحتوي علي أية غموض أو ذكريات تبعث القلق..
فكل ما فيه ما هي إلا ذكريات حب..ذكريات مزاح..ذكريات عند متبادل..ذكريات نشأت وظلت متمسكة بتعاليم الدين الإسلامي..
ذكريات بنيت من أجل أن تكون قصص قصيرة يتعلم منها أولادهم في المستقبل..
في ذاك العالم علمت "العيون" القلوب كيف يكون العشق..
علمت "العيون" الكيان بأكمله كيف يشعر بنصفه الآخر..
عملته كيف يكون "عاشق بحق"
في ذاك المنزل..تحديدا في حجرة العاشقان التي تضمهم..ارتفع صوت موسيقي هادئة تتناسب كليا مع إضاءة الشموع الخافتة و رائحة ورد الأوركيد التي استخلاص أية مشاكل تشغل بال الزوجين..
دفنت "مريم" رأسها بين ضلوع "ياسر" لتحظي بلحن دقات قلبه الذي عزلها عن ذاك العالم الذي يدور حولها بينما يدها الصغيرة تحيط برقبته المثنية علي رأسها ويد "ياسر" تحيط بخصرها بقوة تدل علي مدي السكينة الكامنة في روح الزوجين..
قٌبلة شاكرة لتلك المفاجأة التي كان في أقصى حالاته احتياج لها لعله تخفف من حدة الأيام التي يمر بها..
تلك القٌبلة التي نبعت من شفاه "ياسر" علي جبين زوجته قائلا:أحبك
و بشعور من الخجل الممزوج بالفرحة زادت "مريم" من قبضتها علي يد "ياسر" الممسكة بيدها..لترفع عينيها تدريجيا لتقابله عينيه قائلة:أتنفسك عشقا
وكالعادة فهمت "مريم" نظرات زوجها ولكن تلك النظرات جعلت يدها ترتعش بين يديه..جعلت خديها يتوردان باللون الأحمر الدال علي خجلها الذي قارب علي الفتك بها وبشوق العشاق..هبط "ياسر" علي شفاه زوجته كأنه يقتلعها من ذاك الخجل الذي تمكن منها ليستبدله هو بشوق نابع من لمسات شفاهه التي ترويها من أنهار شوقه لزوجته..
لتنساب "مريم" بين يدي "ياسر" كليا لتبادله القٌبلات بشوق نابع منها أيضا ويسافر الزوجين إلي عالمهم الخاص في ليلة من ليالي عمرهم..

يتبع.......
#نورهان_حسني

في أرض النوبة للكاتبه نورهان حسني حيث تعيش القصص. اكتشف الآن