الفصل الثالث عشر

1.2K 47 0
                                    

الفصل الثالث عشر

بالرغم من أن ليلة أمس كانت الأسوء علي الإطلاق إلا أنه حظي بقيلولة هادئة لأول مرة جعلت عقله ينشط ويعبث في أوراق ذاكرته ليري من طعنه في ظهره ليقدم ل"محب" علاقته ب"قمر" علي طبق من ذهب..
قبض "فادي" علي يده بغضب ليضرب بها باب المنزل لتصيح "إسراء" بخوف قائلة:"فادي" ماذا حدث؟! 
نبرة غضب أعمي تمكنت من "فادي" الذي ضرب بقدمه أحد الكراسي الخشبية وهو يدلف إلي المنزل قائلا:لقد قدمت لكي المساعدة مرة والثانية والثالثة وفي النهاية تنقلي أخباري إلي "محب" هل هذا رد الجميل؟!
علامات من عدم الفهم الممزوجة بالخوف ارتسمت علي ملامح "إسراء" التي قالت:"فادي" أرجوك أهدأ قليلا أنا لا أعلم عما تتحدث 
نبرة غضب عارمة نبعت من شفاه "فادي" الذي قال:منذ مدة عندما جاءت "قمر" إلي الشركة لمناقشتي في أمر بسرعة ذهبتي لإخبار "محب" الذي قام يدوره بإرسال أحد كلابه أمامنا 
حركت "إسراء" رأسها نافية بسرعة ممزوجة بخوف وهي تقول:لا لا لم يحدث أبداً يا "فادي" أرجوك صدقني 
نبرة عدم تصديق ممزوجة بغضب نبعت من شفاه "فادي" الذي قال:كاذبة 
ابتلعت "إسراء" ريقها بصعوبة قائلة بنبرة أوشكت علي البكاء:"فادي" أنا أحبك ومن المستحيل أن أؤذيك حتى و لو كان ذاك الأذي سيجعلك لي "فادي" أرجوك صدقني أرجوك "محب" إن كان يعلم بحقيقة مشاعري تجاهك ما كان بعثني لأضرك..نعم الغيرة تملكتني عندما رأيتك معاها ولكن بحق أمي المريضة أنني لم أفعل أي شئ مما تقوله 
أكملت "إسراء" حديثها وهي تكفكف دموعها قائلة:قل لي كيف أثبت لك أن حديثي حقيقة 
لحظات صمت خيمت علي جميع أركان المنزل بينما داخل كيان "فادي" تعم فضوى الغضب والتساؤل والضجر ليحزم "فادي" أمره قائلا:إلي هنا وأي اتفاقيات كانت بيننا انتهت وإن كان علي "محب" فأنا أعلم كيف أفهم ما يجول بخاطره دون مساعدتك 
.... 
نبرة حزن ممزوجة بضيق نبعت من شفاه "بسام" الذي قال:حسناً سأحادثك لاحقاً لأنني أمام الصيدلية 
شعور من الحزن الممزوج بالشفقة نبع من شفاه "أسماء" التي قالت:ستتركها تتزوجه؟! 
مسح "بسام" علي جبينه بقوة قائلا بنبرة ضجر:عقلي بات مشتت لا يستطيع في التفكير نهائياً وبالإضافة أنه يجب عليه المكوث إلي بعد الزفاف ما عاد لدي طاقة للبقاء في تلك القرية 
نبرة حانية ممزوجة بحزن نبعت من شفاه "أسماء" التي قالت:تحمل قليلاً يا "بسام" وحاول التخفيف عن "قمر" و لا أحد يعلم ما الذي سيحدث حتى يقام ذاك الزفاف 
أنهي "بسام" المكالمة علي وعد بأن تتكرر ليدلف إلي داخل الصيدلية ليجلب الدواء الذي طلبته "قمر" لتضئ شاشة هاتفه برقم بدون اسم...
كعادة "بسام" لا يجيب علي أية أرقام غير مسجلة عنده ولكن لشعور الفضول الذي تملكه دفعة واحدة عبث "بسام" بأصابعه ليجيب علي تلك المكالمة قائلا:السلام عليكم 
نبرة حزم ممزوجة بتساؤل نبعت من شفاه المتصل قائلا:وعليكم السلام.."بسام"؟! 
عقد "بسام" حاجبيه بتعجب قائلاً بنبرة تساؤل:نعم..من معي؟! 
نبرة الثقة المعتادة في حديثه نبعت من شفاه "فادي" الذي قال:أنا "فادي" أو بالأحق الطرف الغامض في قضية "محب" أيها الرائد 
ارتجفت رموش "بسام" بقلق ممزوج بتعجب تحكم من أوصاله ليأتيه صوت "فادي" من جديد يقول:أنا ذاك الرجل الذي آتي بمعلومات صفقة المخدرات و الحافلة السياحية في شرم الشيخ 
بالرغم من أن حديث "فادي" أجاب علي تساؤلات كثيرة داخل عقل "بسام" إلا أنها فتحت الطريق لمليون سؤال وسؤال ليقول "بسام" بنبرة تساؤل ممزوجة بتعجب:أنت؟! لماذا كل هذا؟! لماذا تفعل ذلك؟! ما هي مصلحتك 
زفر "فادي" بضيق ممزوج بلامبالاة ليقول بنبرة تساؤل:تستطيع "قمر" أن تجيبك علي تلك الأسئلة ولكن المهم الآن كيف هي؟! و ما الذي ينوي والدها عليه؟! 
اكتست علامات الحزن علي ملامح "بسام" الذي قال بنبرة أسف:ستتزوج من "محب" ليلة الخميس في هذا الأسبوع وعقد القران سيكون الليلة 
لحظات لم يعلم "فادي" كم عددها؟! ولا يعلم كيف مرت عليه؟! دقات قلبه باتت بطيئة للغاية وكأنها في حالة صدمة مما يقال!!عينيه اتسعتا صدمة ممزوجة بعدم تصديق!!وكأنه في كابوس..كابوس يحمل له أسوء لحظات حياته..
أغلق "فادي" عينيه بألم يجتاح كيانه بأجمع بسرعة فائقة إلا أن استولي ذاك الألم علي قلبه ليحيطه من كل جانب ليصبح متحكم في ضرباته ليقوي ذاك الألم ويصبح كأنه وحش تمكن في فريسته ليمد قلب "فادي" بدفعة أقوي من الألم كأنه يريد أن يوقف تلك الدقات...ولكن هل من الممكن أن يستسلم "فادي" ؟!!
أجاب "فادي" علي ذاك السؤال سريعاً ليعود إلي سابق عهده من القوة التي باتت الآن أضعاف مضاعفة ليعيد تجديد قوته من آلامه ليقسم كيانه بـأنه سيعيد إلي قلبه من يتمناها بأية طريقة ممكنة لتتحرك شفاه "فادي" بثبات قائلا:أنا أعلم جيداً أنا "قمر" أجبرت علي ذاك الزواج وأن "محب" هو من بدأ بلعب تلك اللعبة الخسيسة لذلك هل لي بمساعدتك؟!
بدون أن يفكر "بسام" ولو للحظات قال بنبرة تأكيد ممزوجة بعزم:بكل تأكيد ولكن الآن "محب" منشغل بإنهاء كافة الصفقات قبل الزفاف لذلك إن أردنا اللعب ليكون بعد الزفاف 
نبرة عزم ممزوجة بثقة نبعت من شفاه "فادي" الذي قال:حسناً إذن موعدنا بعد الزفاف بليلة وأنا سأبحث عن أية معلومات تساعدنا في مهمتنا تلك 
....
في تمام الساعة الثامنة مساءً..تحديداً في منزل "منير"..ارتفع صوت المأذون بالدعاء المعتاد بينما "قمر" تجلس علي فراشها..تضم ساقيها إلي صدرها وكأنها جنين في بطن أمه..ترتدي عباءة باللون الأسود و وشاح أسود تخفي خلفه دموعها التي لم تتوقف منذ أن دلف المأذون إلي المنزل..
بالرغم من الجمود والقوة التي احتفظت بهم طيلة اليوم ولكن بمجرد أن علمت بوجود المأذون تحولت جمودها إلي احتياج إلي "فادي" إلي احتياج للنظر إلي بنظرات تعجرفه أو بروده الأهم أنها تحتاج إليه..
تحولت قوتها إلي ضعف...ضعف بات يتملك منذ أن غادرت القاهرة لأنها غادرتها وغادرت معها الظهر الذي ستحتمي به...
كفكفت "قمر" دموعها بمجرد أن سمعت طرقات علي باب حجرتها ظناً منها بأنه "بسام" الذي لم تراه منذ الصباح فبالرغم من أنها طلبت منه بعض الأدوية بعثها لها مع والدتها تاركاً إيها في حيرتها وخوفها..
تحاملت "قمر" علي آلام جسدها لتتجه إلي باب الحجرة لتفتحه وتجد "ناهد" تقول لها بنبرة حزن ممزوجة بضجر:المأذون يطلبك لسماع رأيك
أغلقت "قمر" عينيها بألم لتزيد من قبضتها علي مقبض الباب قائلة:أين "بسام"؟
نبرة حزن نبعت من شفاه "ناهد" الذي قالت:سيأتي بعد أن ينتهي عقد القران لأن رفض أن يحضره ورفض طلب والدك بأن يكون شاهد علي ذاك العقد
اتجهت "قمر" إلي أريكتها الموضوعة بحجرتها قائلة بنبرة قوة:أنا أيضاً رافضة لذاك العقد ولن أقبل بالزواج به
اتجهت "ناهد" إلي ابنتها لتجلس بجوارها قائلة بنبرة حزن:أنا أعلم أنكي مجبورة عليه ولكن ليس أمامنا حل آخر 
ما إن أنهت "ناهد" حديثها حتى دلف "منير" إلي الحجرة وهو يمسك بدفتر المأذون قائلا بجمود:رأيك ليس مهم بالنسبة لي المهم إمضائك لأن المأذون ينتظر بالخارج 
ألقت "قمر" بنظرها علي ذاك الدفتر لتزيل الوشاح من علي وجهها لترسم ابتسامة باردة قائلة:عذراً لن أوقع علي وثيقة زواج سوي وثيقتي أنا و"فادي" 
وضع "منير" الدفتر علي طاولة في الحجرة ليتقدم تجاه "قمر" بهدوء ارتعدت له "ناهد" الذي وقفت أمام ابنتها قائلة بقوة:لن تقترب منها مجدداً يا "منير" كفي إلي هذا الحد كفي..ألا تري كدمات يدها من ضرباتك وأصابعها التي لا تستطيع تحريكها منذ الصباح كفي 
عقد "منير" حاجبيه بغضب ممزوج بصدمة من وقوف "ناهد" في طريقه ليقول بنبرة غضب مكتومة:هل تقفي في صف تلك العاهرة يا "ناهد"؟! 
نبرة قوة ممزوجة بضجر نبعت من شفاه "ناهد" التي قالت:ابنتي ليست بعاهرة..ابنتي أخلاقها وشرفها يعلمه أهل القرية لبناتهن وإن كنت تقبل تزوجيها غصباً وهذا ضد الدين الذي علمتني إياه حسناً ولكنك لن تجبرها علي التوقيع علي ورقة أنت تعلم جيداً أنه لا قيمة لها بدون موافقتها 
ارتسمت معالم الطمأنينة علي ملامح "قمر" التي تمسكت بوالدتها لتستمد منها أمانها وراحتها ولكن سرعان ما ارتفعت نبرة "منير" الغاضبة قائلا:لن تقفي أمامي يا "ناهد" مفهوم 
وبمجرد أن أنهي "منير" حديثه رفع يده ليصوب صفعة لزوجته ولكن سرعان ما شعر "منير" بيد ابنته تمسك بيده ليقع نظره علي عيني "قمر" التي تشع غضباً وهي تقول:أمي لن يمسها أحد ولو كنت يا أبي
أفلتت "قمر" يده والدها لتتجه إلي الدفتر لتوقع علي الوثيقة بسرعة ممزوجة بغضب لتلتفت بجسدها قائلة:حسناً توقيعي وحصلت عليه..الشهود والله وحده يعلم ما الكذبة التي أخبرتهم بها حتى لا يأتوا لي و الزفاف سيقام في موعده يا والدي 
أكملت "قمر" بنبرة قوة ممزوجة بغضب مكتومة لتقول:ولكن إن كنت تظن يا شيخ القرية أن ذاك الزواج سيكون صحيح فمن الأفضل أن تراجع صحيح الدين أن شرط الزواج موافقة العروس وموافقتي مستحيلة للزواج بهذا المعتوه 
اتجه "منير" بجمود ليلتقط الدفتر قائلا بنبرة لامبالاة:من الأفضل أن تعالجي وجهك هذا قبل الزفاف 
أغلق "منير" باب الحجرة لتضع "قمر" يدها علي قلبها محادثة نفسها بعجز قائلة "سامحني يا "فادي" لقد وقعت لحماية أمي ولكن ليشهد الله أنني غير راضية علي هذا الزواج ليشهد الله أن دقات قلبي ملكك أنت فقط "
فاقت "قمر" من شرودها علي لمسة يد والدتها التي تمسح علي كتفها قائلة بعجز:ليتني أستطيع منع هذا الزفاف 
ارتسمت ابتسامة باهتة علي ملامح "قمر" التي دفنت وجهها بين أحضان والدتها قائلة بثقة ممزوجة بقوة:لن يطول مني شئ يا أمي وسيأتي "فادي" يوماً لأخذي منه
....
حل الليل سريعاً علي "قمر" التي رفضت مطلقاً الخروج لمقابلة "محب" حتى بعد إتمام عقد القران الباطل لتمكث ليلتها في حجرتها تناجي ربها لتخليصها من تلك الورطة لتحل صلاة الفجر سريعاً لتفاجئ "قمر" ب"بسام" يأتي إليها في حجرتها بعد ذهاب "منير" إلي المسجد لتقص "قمر" عليه ما أخبرها به "فادي" لتنهي "قمر" حديثها قائلة بتعجب:ولكن لماذا تريد معرفة كل هذا؟! 
مسح "بسام" علي جبينه بضيق ليقول بنبرة شبه هادئة:لقد تحدثنا أنا و "فادي" في الصباح
اتسعت عيني "قمر" صدمة ممزوجة بلهفة لتقفز من موضعها قائلة بنبرة فرحة ممزوجة بشوق:"فادي"!! وكيف هي أحواله؟! هل هو بخير!! هل كانت نبرته بخير؟! ماذا قال لك؟!! هل أخبرك بشئ لي ؟!
نبرة حذر ممزوجة بحزن نبعت من "بسام" الذي قال:"قمر" اهدئي قليلا واصمتي إن علم عمي بشئ لن يكون خير أبداً
طأطأت "قمر" رأسها علي كتف "بسام" لتقول بنبرة ألم ممزوجة بحزن:أشتاق له كثيراً يا "بسام" أشتاق لنبرة اللامبالاة منه وتعجرفه الدائم أشتاق لنظرة الغيرة في عينيه أشتاق لحديثي الدائم معه أشتاق لروحي التي أودعتها بين دقات قلبه 
ما إن أنهت "قمر" حديثها حتى شعر "بسام" بدمعة دافئة تجتاح طيات ملابسه ليحيط كتف "قمر" بيده قائلا بنبرة واثقة:وعد مني يا أختي أن أساعد "فادي" بكل طاقتي لنضعه في السجن ومن ثم مهما كلفني الأمر سأزوجك به
تنهدت "قمر" براحة نسبية لتكفكف دموعها قائلة بنبرة قلق:ولكن هل تظن أن "محب" قد يشك بأمرك لأنك لم تحضر عقد القران؟!
ابتسامة خبث ارتسمت علي ملامح "بسام" الذي قال:"محب"!!من المستحيل هو يراني أنني بذلك قدمت له خدمة لأنني عندما أعود سيسألني عما أخبرتني به وبذلك سأستطيع قول ما نريد أن نوصله إيها
دام الحديث بين "بسام و قمر" مدة ليست بقصيرة إلي أن آتي "منير" ليعود "بسام" إلي فراشه ليقضي ليلته يحادث "أسماء" بينما "قمر" فأخيراً نالت قيلولة هادئة بعد أن تأكدت من "بسام" أن "فادي" لن يتخلي عنها..
....
مرت أيام التحضير للزفاف بلامبالاة علي "قمر" التي باتت تقضي يومها بأكمله في حجرتها دون الخروج منها حتى يخرج والدها أولاً من المنزل وهي غير مهتمة تماماً بكمية السيدات اللاتي يحضرن لتقديم المباركات وما شابه ذلك..
بينما انشغال "منير" في دعوة أصدقائه من البلاد المجاورة جعله غير مبالي ل"قمر" وغير مهتم لرفضها القاطع للخروج من حجرتها أو مقابلة "محب" 
بينما ذاك الشيطان المتجسد علي صورة إنسان يعيش في تلك الأيام أفضل لحظات حياته فبالرغم من التقاليد التي تلزمه بتحضير كل ما هو متعلق بمنزل الزواج إلا أن فرحته من اقتراب سيطرته علي أملاك "منير" طغت علي كل شئ.. 
بينما حزن "ناهد" ودموعها التي لم تجف لحظة علي فتاتها لم يشفع لها عند "منير" الذي أجبرها علي إخفاء تلك الدموع أمام السيدات اللاتي يحضرن للتجهيز للزفاف وتحضير الصندوق المخروطي باللون الأحمر الذي يحتوي علي العطور والمسك والصندل لتجوب به خالة "قمر" لدعوة السيدات علي الزفاف.. 
علي الجانب الآخر..كان "فادي" يمضي نهاره في عمله رافضاً رفض تام أي حديث مع "إسراء" التي تحاول مستميتة تقديم المساعدة له وبمجرد أن ينهي "فادي" عمله يتجه إلي "وائل" ليقضي معه ساعات يتسامران في كيفية الإيقاع ب"محب" ليأتي الليل علي بطلنا المتعجرف ليستبدل تعجرفه بآلامه وهو يتذكر أن موعد زفاف حبيبته من وحش بشري بات قريباً جداً وهو يقف أمامها عاجز لا يستطيع فعل شئ بدون امتلاك أدلة كافية..
وبفضل الله ومساعدة "ياسر" تحسنت حالة "مريم" إلي حد ما لتصبح أقوى قليلاً لتسترجع صحتها من جديد وتحاول هي بدورها تخفيف آلام "ياسر" الذي يعاني إيها بسبب حزنه علي صديق عمره..
ومن بين كل هؤلاء كان "حمدي" الوحيد الذي لا يعلم ما يدور من حوله..بات يري ابنه الوحيد صامت وشارد طيلة الوقت ومهما تحدث معه لا يستطيع الوصول لأي شئ..يري أضواء حجرته مضاءة طيلة الليل وإذا دلف إليها يجده يقف شاردً في شرفته لا يشعر بالكون من حوله وكأنه فقد جزن من كيانه..
....
الوقوف بين يدي الله هو ما كان يضخ الطمأنينة لقلب "فادي" الذي يعتصر ألم..تلك الراحة التي طالما وجدها "فادي" في الصلاة هي ما كانت تبعث في نفسه الأمل بأن الله سيكافئه بما يريد ولكن عندما تشاء إرادته..
دموعه التي لم يراها أحد سوي خالقه تلك الدموع التي طالما اختلطت بأرض المسجد شاهدة علي كل لحظة ألم عانها منذ ابتلائه بفقده لوالدته و الآن هو في اختبار جديد من الله ليعلم مدي صبره ومدي قوة إيمانه به ذاك الاختبار الذي جعله يرتشف ألم أن يري حبيبته تزوج أمام عينيه ومن يتزوجها هو عدوه اللدود الذي استولي علي تفكيره كله لكي ينتقم منه..ذاك الاختبار الذي شعر "فادي" للحظات أنه سيرسب به ولكن سرعان ما تدارك الأمر وأيقن أن الله سيكافئه وسيجزيه خيراً وسيحمي له من تمناها حلال له..
ذاك الإيمان القوي الذي ترسخ في كيان "فادي" كله اكتسبه من كل سجدة كانت لوجه الله عز و جل..اكتسبها من كل دعاء حادث به السماء ولم يسمعه أحد..
رفع "فادي" وجهه من علي الأرض لينهي سجود دام لوقت لم يشعر به مطلقاً بقدر شعوره بتلك الراحة التي استمدها من ذاك السجود ليختم "فادي" صلاة الفجر لتأتيه نبرة هادئة تقول:أنت يا بني؟!
رفع "فادي" نظره متعجباً من ذاك الصوت ليجد شيخ المسجد يجلس علي مسافة منه ليقول "فادي" بنبرة تساؤل:أنا؟! 
أومأ الشيخ رأسه بموافقة قائلا بنبرة هادئة:نعم أنت..اقترب قليلاً أريد التحدث معك
تحرك "فادي" تجاه الشيخ وعقدة حاجبيه المتعجبة مازال محتفظ به ليأتيه صوت الشيخ قائلا:غالباً ما أراك أنت و صديقك لك هنا في صلاة الفجر فقط 
شعور من الراحة اكتسبه "فادي" من كلامات الشيخ البسيطة ليقول بنبرة مطمئنة:في نهاية ذاك الشارع توجد مقهى دائماً ما نسهر به لذلك عندما ننهي حديثنا نأتي للصلاة ولكنه اليوم عاد إلي منزله مبكراً 
نبرة مطمئنة ممزوجة بهدوء نبعت من شفاه "الشيخ" الذي قال:سأقص عليك حكاية قصيرة يا بني إذا أردت سماعها 
أومأ "فادي" رأسه موافقاً لترتسم معالم الفضول علي ملامحه قائلا:بالطبع 
التفت "الشيخ" بعينيه إلي الموضع الذي كان "فادي" يصلي فيه ليحرك شفاهه بنبرة هادئة قائلة:منذ حوالي 30 عام كان هناك شاب يدعي "راضي" كان ذاك الشاب اسمه من صفاته كان من صعيد مصر وأسرته كحال المصريين في وقتهم كانوا يكملون عشائهم نوم ولكن دائماً ما كان الحمد علي شفاههم المهم يا بني أن ذاك الشاب عندما أخذ الشهادة الإبتدائية توقف عن الذهاب للمدرسة نظراً للحالة المادية لعائلته ولأن المرض اشتدت بوالده وهو الأخ الوحيد وله أختان تؤام فوقع علي عاتقه العمل ليتولي أمر 4قراط من الأرض الوحيد التي ملكها والده ليصل إلي عامه التاسع عشر وقد أصبح خبير في زراعة الأراضي ومحصوله السنوي يحقق له أرباح لم يستطع والده تحقيقها..
أتدري لماذا يا بني؟!
عقد "فادي" حاجبيه بتعجب ليقول بنبرة تساؤل:لماذا؟!
ابتسامة خافتة رسمت علي ملامح الشيخ الذي قال:ذاك الشاب كانت قطعة الأرض الخاصة بوالده تقابل فدادين أكبر عائلات أهل قريتهم وكان كبير تلك العائلة لديه فتاة في نفس عمر ذاك الشاب لتصبح هي السبب الأساسي بعد إرادة الله في جعل ذاك الشاب يتفاني في عمله ليقضي سنين عمله في الحقل وهو يراقبها من بعيد تتنقل بين حقول والدها بخفة ومن حين إلي آخر تبعث له ابتسامة تمده بطاقة تجعل كل خلية في كيانه فرحة لينشأ ذاك الشاب علي ضحكتها التي تمده بالحياة وتنشأ تلك الفتاة علي رؤيتها لذاك الشاب الذي يستطيع إخفاء أية ذرة حزن تصيبها من أول كلمة منهم لتصبح علاقتهم سرية تماماً لا يعلم عنها أحد سوي خالقهما 
تنهيدة ألم اجتاحت صدر الشيخ الذي أكمل حديثه قائلا:وبفطرة العشق الذي يمد الحياة لقلب "راضي" و حبيبته قام "راضي" بالذهاب إلي والد الفتاة لينال أكبر قدر ممكن من الإهانة هو وكل فرد من أسرته فوالد الفتاة لم يكتفي بإهانته في منزله بل قام بحرق منزله الذي كان مأوي له هو فقط بعد موت والده بل وصلته قسوته إلي أنه كاد يجبر أزواج أخوته علي تطليقهم لولا أن هؤلاء الرجال رفضوا رافضاً قاطع واصطحبوا زوجاتهم وأطفالهم مسافرين إلي قرية أخرى بعد أن قطعوا علاقتهم نهائياً ب"راضي" لأنهم باتوا متأكدين أنه السبب في كل ذلك تاركين "راضي" يعاني بمفرده فوالد تلك الفتاة لم يستكفي بما فعله فقط بل إنه ابتدع قضية من تأليفه بأن "راضي" حرق بضاعة له ليحبس "راضي" سنة كاملة في زنزانة نادراً ما يصل ضوء الشمس لها لتشهد تلك الزنزانة علي ليالي كتم فيها "راضي" صيحاته من الجلد الذي تعرض له وبعد سنة كاملة خرج من السجن لينفيه والد الفتاة إلي القاهرة محذراً إيها أنه إذا عاد للقرية سيقتله 
علامات الصدمة الممزوجة بالعطف ارتسمت علي "فادي" الذي قال بنبرة تساؤل:والفتاة الذي أحبها؟! 
أسند الشيخ رأسه علي عمود بالمسجد ليقول بنبرة حزن ممزوجة بألم:تلك الفتاة عانت أضعاف ما عانه "راضي" فبمجرد أن علم والدها بأنها تحب ذاك الشاب بدأت ليالي التعذيب لها من ضرب ومنع للطعام وما شابه ذلك إلي أن دخل "راضي" السجن في تلك الليلة صاحت الفتاة في والدها تصرخ بحبها ل"راضي" علانية دون الخوف من شئ ليضعها والدها تحت قدمها ويمزق شعرها بمقص أحضره شقيق تلك الفتاة وهو يلعن فيها وفي شرفها إلي أن تقدم للزواج منها ابن عمها ليكون أمام الجميع جميل منه للتستر علي تلك الفتاة التي جلبت له العار
غصة ألم اجتاحت قلب "فادي" وهو يتذكر محبوبته "قمر" ليقول بنبرة حزن ممزوجة بعجز:و بالتأكيد تزوجته
حرك الشيخ رأسه نافياً ليقول بنبرة ألم:لا تقول تزوجته بل الأحق أن تقول غصبت علي الزواج منه عقد القران كان باطلاً لأن المأذون عندما سألها عن رأيها صرحت برفضها وبالعكس كان المأذون أحد شركاء والدها فلم يهتم لما قالته بل أكمل عقد القران وتزوجت تلك الفتاة من ذاك الشاب التي بات يسقيها أقصى أنواع التعذيب من ضرب وإهانة و إحاطة قدمها بسلاسل الحديد ومنع الطعام والشراب عنها وحبسها في حجرة الحشرات وفي النهاية أتعلم كل هذا كان لماذا؟!
دمعة ألم ممزوجة بخوف ترقرقت في عيني "فادي" الذي قال بنبرة حزن:لماذا؟!
كفكف الشيخ دموعه التي تجتاح خديه ليكمل حديثه قائلا:لأنها منذ ليلة زفافهم رفضت أن تخضع له لممارسة العلاقة الزوجية ذاك الشاب الذي تزوجته بالرغم من أنه كان يتفنن في تعذيبها إلا أنه كان يرفض أن يمارس معاها الجنس رغماً عنها وهذا يعتبر الشئ الوحيد الذي كان صالحاً فيه ولكن لم تتوقف أمه عن توبيخها في كل مرة تراها فيها بأنها معيوبة وتخشي الفضيحة و والد تلك الفتاة قاطعها نهائياً تاركاً إيها تعاني العذاب مع زوجها هذا ظناً منه بأنها هتكت عرضها مع "راضي" الذي أحببته
نبرة تساؤل ممزوجة بفضول نبعت من شفاه "فادي" الذي قال:وماذا عن "راضي" ؟!

يتبع.......
#نورهان_حسنى

في أرض النوبة للكاتبه نورهان حسني حيث تعيش القصص. اكتشف الآن