الفصل السادس عشر

1.2K 48 0
                                    

الفصل السادس عشر

حجرة يبدو ظاهرياً أنها حجرة مجهزة لعروسين في ليلتهم الأولي..الألوان الهادئة التي تتميز بها تلك الحجرة وذاك الأثاث البسيط الموضوعة بإتقان..رائحة العطر التي تفوح من جدران الحجرة والورود المبعثرة علي الأرض بطريقة هادئة..كل ذاك لم يشفع أمام عيني "قمر" التي تطلق نظرات لامبالاة ممزوجة بضجر لتأكدها من أن كل ذاك كان ظاهرياً من ترتيب أباها كان أو بذاك المعتوه الذي أصبح يلقب بزوجها فمهما كان من فعله فلن يغير ولو للحظة واحدة إيمان "قمر" بأن كل ذلك ما هو إلي تصرفات تجدها "قمر" أنها طفولية..
خطوات ثابتة نبعت من "قمر" التي تتجه صوب المرآة لتلقي بعينيها نظرة سخرية علي كمية مستحضرات التجميل الموضوعة لتأكدها من أن ذاك الأمر نبع من قريبتها لتتناول مسحوق لإزالة تلك الألوان التي تزين وجهها..
مرت ثواني معدودة وإحساس "قمر" بعدم الانتماء لهذا المكان يتمكن أكثر وأكثر من أوصالها لتشعر وكأن هواء تلك الحجرة كالوحش الذي يحاول الفتك بها تدريجياً لتتجه "قمر" بسرعة إلي نافذة الحجرة لتفتحها بسرعة لتلهث أنفاسها أخيراً وكأنها كانت غارقة في المياه ولتوها استنشقت هواء منعش..أعاد إلي رئتيها الأكسجين الذي يمدها بالحياة وليس أكسجين تلك الحجرة الملطخ بأنفاس "محب"..
أغمضت "قمر" عينيها بهدوء لتهرب من ذاك المكان التي تشعر بالغربة فيه إلي عالمهما الخيالي حيث يوجد أحبابها وفقط..ليرسم لها خيالها صورة لوالدتها التي تضع المصحف أمامها وشفاهها تقرأ بخشوع آية الكرسي.. وصورة ل"مريم" التي تقف في متجر لملابس الأطفال تختار ملابسها طفلتها بعناية مع "ياسر"..
وصورة ل"بسام" الذي يجلس أمام شاشة التلفاز يتابع مباراة الدربي الأسباني بجنونه المعتادة..
وصورة ل"فادي" الذي يرتشف كوب من الشيكولاته الساخنة وضحكاته الصاخبة تتراقص من حوله كأنها تمد "قمر" بالطمأنينة..
لوحة خيالية ضمت جميع أحباب "قمر" ومن تحتاجهم بشدة في تلك اللحظات..تلك اللوحة التي لم تحتوي علي كراهية أو خبث أو انتقام..لوحة خيالية استمدت منها العلاج لجروحها علي صورة قوة وإصرار..
لحظات الصمت تلك ما كانت إلا رحلة قصيرة لعالم موازي تنعم فيه بحريتها..
ولأن الإنسان لا يستطيع الهروب من واقعه إلي أبد الدهر..فاقت "قمر" من شرودها في عالمها خيالي إلي العالم الذي أجبرت عليه لتشعر بيد "محب" تحيط بخصرها من الخلف لتتسع عينيها صدمة ممزوجة بغضب لتقول بنبرة غضب مرتفعة:ابتعد عني مفهوم؟! لن تستطيع لمس خصلة واحدة مني حتى ولو كنت جثة 
ما إن أنهت "قمر" حديثها حتى استجمعت قوها لتتخلص من قبضة "محب" الذي استطاع رسم ابتسامة خبث ليقول بنبرة ضاحكة:حسناً العنف جميل أيضاً ولكن ليس من أول ليلة 
التقطت "قمر" عباءة من خزانة ملابسها لتلتفت بنظرها إلي "محب" قائلة بنبرة ثقة ممزوجة بإصرار:أحلامك الخيالية تلك من الأفضل أن تعالج بها نفسك 
لم يظهر "محب" أية تعبيرات علي وجهه وإنما التفت بجسده ليغلق النافذة لتكسب "قمر" تلك الفرصة لتبلع ريقها بصعوبة لتأكدها أن المواجهة لم تنتهي بعد..
تأكدت شكوك "قمر" بنسبة 100% فور رؤيتها ل"محب" يقترب منها بخطوات ثابتة ونظرة عينيه الغاضبة تزف لها خبر أن تلك الليلة لن تمر مر الكرام..
سنتيمترات معدودة هي تلك المسافة التي فصلت بين "قمر" و "محب" ليحكم "محب" القبضة علي بد "قمر" ليثني يدها خلف ظهرها ويلصقها بصدره تماماً ليقول بنبرة غضب ممزوجة بأمر:تلك النبرة الجميلة لا ترتفع أمامي وما سأقوله هو ما سينفذ
تأوهت "قمر" بألم من قبضة "محب" التي تضيف أوجاع علي جروح جسدها التي لم تشفي بعد..لتحرك شفاهها بنبرة عند ممزوجة بإصرار:لن تستطيع لمسي يا "محب" وأنا لست بخادمة لأنفذ ما تقوله 
زاد "محب" من قبضته علي يد "قمر" التي تتأوه بألم أكثر ليقول بنبرة غضب أعلى:لا تشعلي غضبي لأنكي لن تستطيعي إخماده 
حاولت "قمر" التخلص من قبضة "محب" ولكن بدون فائدة فبنيانه الجسدي يفوقها بمراحل كبيرة لتحرك شفاهها بألم ممزوج بإصرار:أنا لست بدمية يا "محب" وإن كان ذاك العقد المزور الملقب بوثيقة زواج ما يجعلك تشعر أنني سأتراجع ولو للحظات فذلك مستحيل 
افلت "محب" يد "قمر" ليجعلها أمامه مباشرة وبدون أن يمنح "قمر" الفرصة للراحة من قبضته التي أضافت آلام لجسدها..سدد لها صفعة قوية سقطت "قمر" علي إثرها ليصرخ بها "محب" قائلا:صبري لن يدوم طويلاً ولذلك فمن الأحسن لكي أن تتبعي ما أمرك به 
لحظات معدودة مرت علي "قمر" وهي تشعر بأنها ستفقد حاسة السمع لديها من إثر تلك الصفعة التي انتشرت في جروحها بسرعة البرق لتزيد آلام تلك الجروح التي لم تشفي بعد..لتغمض "قمر" عينيها لثواني مانحة الفرصة لجسدها للراحة قليلاً وما هي إلي لحظات حتى رفعت "قمر" عينيها بنظرات تحدي إلي "محب" لتقول:وأنا لست بزوجتك بتطلب مني أن أنفذ أوامرك 
انحني "محب" بظهره ليحكم القبضة علي رقبة "قمر" التي شعرت بسخونة أصابعه النابعة من غضبه ليرفعها "محب" تدريجياً إلي مستواه وكأنه يريد كتم أنفاسها ليقول بنبرة قوة ممزوجة بغضب:أنتي زوجتى وملك لي أنا 
ثواني معدودة مرت علي "قمر" وهي تشعر بأنفاسها ستنقطع من قبضة "محب" تلك لتتأكد من أن قوتها لن تفوق قوة "محب" الجسدية ولا قبضته القاتلة تلك..
ابتسامة خبث ارتسمت علي ملامح "محب" ليلقي ب"قمر" بكل قوته علي الفراش لتلهث "قمر" أنفاسها بأعجوبة وهي تشعر بأن رئتيها تتألمان من صدي إلقاء "محب" لها الذي سرعان ما ارتفعت نبرته الضاحكة وهو يقول:هل أدركتي الآن أنه من المستحيل لكي مقاومتي!!
لهثت "قمر" أنفاسها بصعوبة بالغة بسبب تلك الآلام التي اتحدت علي كيانها دفعة واحدة لتحرك شفاهها بقوة نسبية قائلة:لست زوجتك أفهم لست زوجتك ذاك العقد باطل لأنني لم ولن أوافق..تلك الورقة لا معني لها 
قهقهة صاخبة نبعت من "محب" الذي قال بنبرة سخرية:جميلة تلك الجملة في أي فيلم عربي هابط سمعتي بها 
تحاملت "قمر" علي أوجاعها لتقف علي قدمها قائلة بنبرة إصرار:تلك هي الحقيقة..أنا لست زوجتك وذاك العقد باطل طالما أنني لم أوافق..وأنت تعلم أنني مغصوبة علي ذلك بسبب أفعالك الشيطانية تلك لذلك وفر علينا الوقت ودعني أذهب للنوم في أية حجرة 
نبرة غضب عارم نبعت من شفاه "محب" الذي سدد صفعة أخري ل"قمر" قائلا:لن تستطيعي الصمود أمامي 
استجمعت "قمر" قوتها أمام تلك الصفعة لتتحامل علي قدمها التي كانت ستسقط بها ولكن سرعان ما تماسكت "قمر" من جديد قائلة:لن تستطيع لمسي 
قوة "محب" الجسدية وغضبه الذي ضعاف قوته تلك جعله يلقي ب"قمر" علي الفراش وهو يخلع جلبابه قائلا:الآن سنعلم حديث من سينفذ 
ما إن أنهي "محب" حديثه حتى أنكب علي "قمر" كالوحش الذي يحاول الفتك بفريسته ليحاول تمزيق ثيابها بينما "قمر" تحاول منعه بقوتها تلك التي لا تعد 1% من قوة "محب" لتتعالي صرخاتها رويداً رويداً من اقتراب "محب" للتمكن منها وتمزيق ثوبها..
في تلك الأحيان..كان "فادي" ساجداً لصلاة قيام الليل محركاً شفاهه مناجياً ربه بأن يحفظ حبيبته له ويعيدها له سالمه وأن يمدها بالقوة لمقاومة ذاك المعتوه..
ولأن الدعوة كانت صادقة..كانت من قلب عاشق يتألم من الفراق...كانت من قلب يخشي ربه فقط ويتضرع بالدعاء وهو متأكد من أن أبواب السماء لن تقفل أمام دعواته..
أغمضت "قمر" عينيها بألم في محاولة منها لاستعادة قوتها بينما يدها تحاول منع "محب" من الوصول إلي مراده...لتشعر "قمر" بأن صدمة قوة كهربية اجتاحت كيانها لتدفع "محب" عنها لترفع جسدها ببطء قائلة بنبرة إصرار:لي رب يحميني منك ولي عاشق يناجي ربه بأن يحميني منك لذلك أمحي أفكارك الشيطانية التي تأمل في التمتع معي 
إرادة الله صوبت شعور من الاستسلام النسبي داخل كيان "محب" الذي حرك شفاهه بغضب قائلا بنبرة عند ممزوجة بغضب:سأتركك الليلة ولكن تأكدي بأنه لقائي بكي علي فراشي سيكون في أقرب وقت
بمجرد أن أنهي "محب" حديثه اتجه إلي باب الحجرة ليغلقه بغضب متجهاً إلي حجرة الأطفال ليغلب عليه النوم بمجرد أن ألقي جسده علي الفراش لينعم ذاك المعتوه بالنوم..
بينما علي الجانب الآخر..ألقت "قمر" بثوب الزفاف بضجر لتهرب بجسدها تحت قطرات المياه الدافئة لتخلص جسدها من لمسات ثوب الزفاف الذي صمم للقضاء عليها والفتك بفرحتها ليتحول ثوب الزفاف المصمم للفرحة إلي ثوب مصمم لفتك البراءة..
أنهت "قمر" حمامها الدافئ لتدثر جسدها بالغطاء وبيدها الصغيرة تحتضن قلادة "فادي"
....
نعم الله علي "فادي" بالراحة بمجرد أن أنهي صلاة الفجر ليطمئن قلبه ويغلق جفونه بإرهاق لينعم بقيلولة بينما "بسام" فبعد محاولات مستميتة من "أسماء" استطاعت الحد من قلقه علي "قمر" لينعم هو الآخر بقيلولة..
بينما في منزل "منير" كانت الدموع القلقة علي "قمر" هي التي تطغي علي وجه "ناهد" منذ أن انتهي الزفاف وهي جالسة في حجرة ابنتها رافضة الحديث مع "منير" نهائياً ليبعث الله الطمأنينة في قلب تلك الأم التي لم تنعم بالراحة منذ أسبوع لتغمض جفونها بطمأنينة تغزو أوصالها لتنعم بقيلولة هي الأخرى..
بينما "مريم" و"ياسر" كانت ليلتهم هي الأكثر هدوءً بين أبطالنا بسبب قدرة "ياسر" علي إخماد ثورة "مريم" الغاضبة..
بينما كان الأقل حظ هو "منير" الذي بات ليلته يتقلب في فراشه يميناً ويساراً دون أن ينعم براحة..
...
من تقاليد الزواج في النوبة أن في ليلة "الصباحية" يصطحب الزوج زوجته إلي ضفاف النيل ليثر علي وجهها قطرات من مياهه العذبة وتكرر الزوجة تلك الفعلة لزوجها ليأخذوا البركة من مياه نهر النيل ومن ثم يلقون بعض الحلوي به..ذاك هو المتعارف بين كثير من أهل النوبة ولكن في حالة ذاك الزواج المزيف بين "محب" و"قمر"..
كان الحال مختلفاً تماماً فأشعة الشمس داعبت كل واحد منهما علي حدي..لينهي "محب" إعداد نفسه لاستقبال "منير" وأهله ليدلف خارجاً من الحجرة ليجد "قمر" تخرج من حجرتها وهي منشغلة بارتداء القفازات التي تناسب لون الحجاب الذي ترتديه...
أطلق "محب" صفيراً ماكراً لترفع "قمر" عينيها بلامبالاة لتحرك شفتيها قائلة بنبرة شبه هامسة:استغفر الله العظيم 
أطلق "محب" دخان تبغه بسخرية لتنبع منه قهقهة صاخبة وهو يقترب من "قمر" بثبات وشفاهه تتحرك بنبرة خبث:ذاك اللون يلائمك تماماً ولكن أتعلمين إن خلعتيه ستكونين أجمل وأجمل 
وكأن حديث "محب" كان الوقود الذي أشعل غضب "قمر" التي قالت بنبرة شبه عالية:أتعلم بأنك معتوه مصاب بمرض مسمي الشهوه 
نصف ابتسامة رسمت علي ملامح "محب" عجزت "قمر" عن تفسيرها لتزفر بضيق وقبل أن تفكر في الذهاب من أمام "محب" كان هو أسرع منها ليحكم "محب" القبضة علي ثغر "قمر" ويلصق ظهرها كلياً بالحائط قائلا بنبرة توعد ممزوجة بغضب:ذاك تحذيري الأخير إن ارتفعت نبرة صوتك مرة أخري أمامي سأجعلك تعيشين العذاب بمعني الكلمة 
ارتسمت ابتسامة توعد ممزوجة بخبث علي شفاه "محب" الذي أحكم القبضة علي ثغر "قمر" ومن ثم عبث بإصبعه ليرفع طرف حجابها ليطفئ عود تبغه في مقدمة جسد "قمر" بمجرد أن أنهي حديثه...نبعت صرخة مكتومة من "قمر" رن صداها في كيان "محب" الذي أصدر قهقهة عالية وهو يقول:أظن أن حديثي بات واضحاً 
أغمضت "قمر" عينيها بألم حتى لا تمنح أية فرصة لدموعها بالهبوط أمام "محب" لتصدر أنين ألم خفيف بينما "محب" بات واضحاً علي ملامحه أنه متلذذ لألم "قمر" ليزيد من ضغط يده علي فمها لدقائق معدودة ومن ثم أبعد يده عن ثغرها قائلا بنبرة أمر:أريد فنجان قهوة في ظرف خمسة دقائق 
تحاملت "قمر" علي ألمها التي تشتعل واحدة تلو الأخرى لتتجه إلي المطبخ لتحضير القهوة لذاك المعتوه...
مخدرات..ملابس..مواد غذائية..سلاح..التجارة بأعضاء بشرية..المواد الكيميائية الخاصة بالزراعة...
كل ذلك ما هو إلا عينة بسيطة لما يتاجر به "محب" فذاك العقل الشيطاني يتلاعب بأي مادة تجلب له المال..لا يهم ما هي طبيعة تلك المادة أو أضرارها الأهم أن تزيد رصيد أمواله فقط..
وها هو "محب" الآن يرسم ابتسامة انتصار علي ثغره بمجرد أن فتح الرسالة الأولي المبعوثة له علي بريده الإلكتروني من المستثمر الفرنسي الذي بعث به بمكان وموعد تسليم شحنة الملابس التي تقدر بثلاثة ملايين دولار..
لم يمنح "محب" الفرصة لعينيه لقراءة ما تبقي من رسائل وإنما بعث برسالة ل"هاني" شريكه يطلب منه إخبار تجار الملابس بأنه في ظرف أسبوعين ستكون البضاعة في مخازنهم..
بمجرد أن ضغط "محب" بإرسال تلك الرسالة حتى ارتفع صوت طرقات الباب معلنة قدوم "منير" وأهله..
اتجه "محب" لفتح الباب ليجد "قمر" تخرج من المطبخ وهي تحمل فنجان القهوة ليقول لها بنبرة هامسة ممزوجة بضجر:أذهبي إلي حجرتك و أتركي تلك القهوة 
زفرت "قمر" بضجر لتتجه إلي حجرتها ليرسم "محب" علي ملامحه علامات الضجر وهو يفتح الباب قائلا بنبرة سعادة مصطنعة:السلام عليكم..أهلا بكم تفضلوا 
دلفت "ناهد" إلي المنزل وهي تلتفت حولها بقلق ممزوج بضيق وهي تقول:أين ابنتي؟! أين "قمر"؟!
زفر "محب" بملل وهو يشير إلي الحجرة قائلا بلامبالاة:في حجرتها 
اتجهت "ناهد" إلي حجرة فتاتها بينما صافح "محب" "بسام" وهو يهمس له قائلاً:أريدك في أمر ما بعد أن ننهي مراسم الذهاب إلي النيل 
أومأ "بسام" رأسه موافقاً وعلامات الغضب المكتوم الممزوج بالضجر تزداد وضوحاً علي وجهه..بينما انشغل "محب" بمصافحة "منير" وباقي أقارب "قمر"..
مر ما يقارب النصف ساعة و"ناهد" جالسة مع ابنتها تحاول استخلاص أية كلمات منها ولكن النتيجة كان صمت "قمر" الدائم بين ذراعيها..
صمتها الذي يخفي أوجاعها..صمتها الذي يخفي صيحات قلبها المحتضر..صمتها الذي يخفي براءة تنهار تدريجياً..
قاطع حديث "ناهد" لابنتها صوت"منير" الذي يعلمها بأن الموعد للذهاب إلي ضفاف النيل قد حان..
تحاملت "قمر" علي أوجاعها واتكأت علي ذراع والدتها لتدلف خارج الحجرة لتتوالي عليها المباركات من أقاربها المعتقدين بأن الليلة الماضية كانت ليلة العمر ل"قمر" لا يعلمون أنها كانت ليلة تتلقي فيها دفعة أولي من العذاب الذي لم يستطيع أحد قرأته في عيني "قمر" إلا "بسام" الذي اقترب منها بحزن وهو يحاول رسم ابتسامة أمل علي ملامحه..ليطبع قٌبلة طمأنينة علي جبين "قمر"..
اشتعل "محب" غضباً من تلك الفعلة ليقبض بغضب علي يده وهو يتوعد ل"بسام" ليحرك شفاهه بنبرة ضجر قائلا:هيا حتى لا نتأخر 
اتكأت "قمر" علي ذراع والدتها لتدلف خارج المنزل وسط زغاريط وأصوات غناء ودفوف ترتفع تدريجياً لتتم تلك المراسم وسط جمود يجتاح ملامح "قمر" وتوعد يسيطر علي ملامح "محب"
...
في أحيان كثيرة..يلتهم الجشع حاسة البصيرة لدي الإنسان ليصبح خادماً لجشعه..ليتحول من إنسان إلي حيوان يبحث عن الغنيمة الأكبر..ليتحول من إنسان إلي مصاص دماء يلتهم من يظن أنهم أضعف منه ليجعلهم خادمين تحت قدمه..
يظن من يفعل ذلك أنه بأفعاله تلك يٌرضي جشعه ولكن في الحقيقة هو بذلك يضيق مساحة القبر الذي سيسكن فيه هو وجشعه..
ما ظنه "محب" أن "بسام" دمية يتلاعب بها كما يشاء ولكن بفضل البصيرة التي فقدها والجشع الذي أصبح كالسرطان يفتك بجسده..سلم مقاليد أعماله إلي "بسام" الذي يعمل لهدمه لا أكثر..
ما سبق ما هو إلا خصلة من أفكار راودت عقل "بسام" وهو في طريقه إلي القاهرة لإنهاء صفقة مخدرات مع تجار أجانب لصالح "محب"..
بينما علي الجانب الآخر..كانت "قمر" تتلقي دفعة أخرى من الصفعات والعذاب من "محب" الذي بات يشتعل جنوناً من ذاك الإصرار الساكن بين جفون "قمر" التي تكتم صراخ أوجاعها من صفعاته ولكماته لجسدها الذي لم يشفي بعد من لكمات والدها لتمر ساعة تقريباً..والنتيجة واحدة..رفض "قمر" القاطع للخضوع ل"محب" ومضاجعته في فراشه ليتركها "محب" كما هي ملقاة علي أرض حجرتها..
آلام جديدة غزت كيانها بلا حساب لآلامها التي لم تشفي بعد..بلا حساب لجروحها من والدها الذي يعتبر السبب الأول في جروح ابنته الآن..
فبعد أن كان الأب هو صانع بسمتها ومجفف دمعتها بات الآن من ألقي بابنته بين ذراعي الشيطان دون التفكير في ابنته التي باتت كالجسد الهش من دفعات العذاب التي تتلقها واحدة تلو الاخري.......

يتبع...............
#نورهان_حسنى

في أرض النوبة للكاتبه نورهان حسني حيث تعيش القصص. اكتشف الآن