الفصل الثانى والعشرون

1.1K 44 0
                                    


الفصل الثاني والعشرون 

في اليومين الماضيين أبت "قمر" رؤية أحد نهائياً إلي أن تملك منها شعور الاحتياج إلي والدتها و"بسام" لتوافق علي زيارتهم لها دون "منير"..لتمضي معهم ساعتين بهدوء نسبي لم يتخللهم الحديث عما حدث لها من "محب" إلي أن طلبت "قمر" من "بسام" أن يقنع "الطبيب" بأن يكتب لها تصريح خروج من المستشفي..
في بداية الأمر..عمت حالة الرفض القاطع علي تفكير كلا من "ناهد و بسام" إلي أن طلبت "قمر" من والدتها تركها مع "بسام" بمفردها...
أغلقت "ناهد" باب الحجرة ليزفر "بسام" بضيق قائلاُ بنبرة اعتراض:مستحيل يا "قمر" ألا ترين حالتك تلك!!
تنهيدة ألم طويلة أطلقتها "قمر" لترتسم علي ملامحها علامات التحسر الممزوج بلامبالاة:وماذا سيجلب لي جلوسي في المستشفي؟!هل سيحمي جروح باتت تكسو جسدي؟!أم سيمحو من ذاكرتي كل لحظة عشتها مع "محب" من ضرب و اهانة !! 
علامات من الحزن الممزوج بالعجز استولي علي كيان "بسام" الذي شعر بأن صمته عن أفعال "منير و محب" ما كانت إلا وقود يزيد من حدة ما يفعلوه ب"قمر" ..
لأول مرة يشعر بأنه عاجز عن حماية شقيقته..
اكتست نبرة "بسام" بالحزن الممزوج بالاعتذار لتتحرك شفاهه قائلاً:أنا آسف يا "قمر" سامحيني..لقد صمت عما يفعله "محب" بك ولم أستطع ردع عماه عندما زوجك إياه أرجوكي سامحيني 
ارتسمت ابتسامة باهتة علي ملامح "قمر" التي يكسوها اللون الأزرق من أثر الكدمات لتقول بنبرة حانية:آسف!! أنسيت ما تفعله وتبذله للإيقاع ب "محب"؟! أنسيت كم المخاطرة التي قمت بها في مأمورياتك؟!
تنهيدة شوق أطلقتها "قمر" وهي تعبث بقلادة "فادي" التي تزين رقبتها قائلة:أنسيت ما فعلته ليلة الحنة تلك ؟! أنسيت كم مرة كان عقلي يصاب بالجنون علي "فادي" وكنت تحاول نشر الطمأنينة إليً؟!
تلألأت دمعة دافئة بين جفون "قمر" التي حركت شفاهها بنبرة توشك علي البكاء قائلة:والدي من كان يستخدم ذراعيه لتخفيف آلامي هو من طعنني بسكين باردة ليزرع داخلي أقوي ألم 
إذا تألمت الفتاة!! أخفت دموع عينيها عن الجميع بابتسامة خادعة حتى لا يشعر أحد بعجزها..
أما إذا سالت دموع الفتاة علي خديها أمامك فأعلم أنك صرت بين وريدها وشريانها..في تلك اللحظة لا تتحدث بل احتضن يدها بيدك لتخبرها بأنك ستمدها بالقوة التي تحتاجها لإخفاء ذاك الألم الذي حرك دموعها..
و بدون أن يمهل "بسام" عقله مهلة للتفكير تحركت يده تجاه يد "قمر" المرتعشة ليسكنها بين كفيه اللذان يشتعلان ألماً لأوجاعها ليحرك "بسام" شفاهه بنبرة طمأنينة:أنا بجانبك يا "قمر" لا تقلقي وسأحاول إقناع الطبيب بكتابة تصريح للخروج لكي
أكمل "بسام" حديثه وهو يزيد من قبضته علي يد "قمر" قائلاً بنبرة ضيق متسائلة:ولكن!!هل ستمكثين في منزل "منير" بعد كل هذا؟!
ارتسمت ابتسامة لامبالاة علي ملامح "قمر" التي قالت بنبرة ثبات:عندما يكون جرح الفتاة الأعظم بسبب والدها فإنه سيكون سبب كفاية لإصابة قلبها بالبرود وبذلك تستبدل تلك روحها التي مازالت محتفظة بطفولتها إلي روح تجمدت مشاعرها أمام والدها 
أكملت "قمر" حديثها بنبرة تساؤل ثابتة:أفهمت الآن ماذا سأشعر به عند ذهابي لذاك المنزل؟!
أومأ "بسام" رأسه بعلامات فهم ليهب من موضعه قائلاً بنبرة عزم:سأبعث لكي بوالدتك ريثما أقنع الطبيب 
مرت حوالي نصف ساعة و"بسام" يحاول إقناع "الطبيب" بكتابة تصريح خروج ل"قمر" إلا أن شعر الطبيب بالضجر من كثرة ذاك التصميم علي الخروج ليمضي التصريح محذراً "قمر" من بذل أية مجهود..
ارتجلت "قمر" من سيارة "بسام" لتستند بكفها علي ذراعه لتهمس في أذنه قائلة بطلب:أريد محادثتك بمفردنا غداً
أومأ "بسام" رأسه موافقاً ليحرك شفاهه تجاه أذنها قائلاً:حسناً ولكن ارتاحي الآن 
دلفت "قمر" داخل منزل والدها ولكن!! تلك المرة الفتاة التي طالما ارتفعت صيحة ضحكتها في منزل والدها..دلفت وهي مجروحة..متألمة..عينيها التي طالما كانت تشعان حيوية فقدت بريقهما والسبب!! والدها..
لم تبالي "قمر" كثيراً بوالدها الذي يجلس علي مقعد خشبي في بهو المنزل وإنما ألقت عليه السلام سريعاً لتتجه إلي حجرتها بمساعدة والدتها..
ساعدت "ناهد" ابنتها في تبديل ملابسها وإعطائها الدواء لتجلس بجوارها لقراءة بعض آيات القرآن وعينيها تشعان ألم علي ابنتها الوحيدة التي باتت جسد هش تملأه كدمات الضرب...
أما في خارج تلك الحجرة سيطر عليها أجواء الحزن الممزوج بالألم..كانت الأجواء في بهو المنزل مملوء بالعتاب الممزوج بالندم..
فأخيراً شعر الأب بحقيقة ما فعله بابنته عندما دقق النظر في عينيها التي تصرخ به بأنه السبب الأول في كل كدمة لها موضع علي جسدها..
بينما كان ذاك شعور "منير" آتته نبرة "بسام" المستهزئة وهو يقول:أخيراً أيقنت حقيقة ما فعلته ؟! أخيراً لاحظت الكسرة في عيني طفلتك؟! أم إنك تفكر في عقاب جديد لها بعد سماعك لحديث "محب" المدعي عليها 
مسح "منير" علي جبينه بحزن يتناسب مع نبرته النادمة ليحرك شفاهه قائلاً:"بسام"!! ليس هذا الوقت لأية حديث أو عتاب أنا متعب 
ارتسمت ابتسامة سخرية علي ملامح "بسام" الذي قال بنبرة قوة ممزوجة بغضب:أنت لست بمتعب..أنت مجرم.. أنت المجرم الأول في جريمة في حق ابنتك..أنت من ألقيت بها أمام ذاك المعتوه وطلبت منه تعذيبها..رأيتها مراراَ وتكراراَ تتألم وتكتم صراخها ولكنك لم تبالي نهائياً بأوجاعها بل باليت بإرضاء تفكيرك العقيم 
بالرغم من تأكد "منير" بأن حديث "بسام" هو الحقيقة إلا أنه حرك شفاهه بنبرة غضب قائلاً:لا تنسي حالك يا "بسام" وأعلم مع من تتحدث وأعلم أيضاً أنها هي من أخطأت في بداية الأمر
ما إن أنهي "منير" حديثه حتى دلفت "ناهد" خارج الحجرة قائلة بنبرة ضجر:أخفضوا صوتكم هذا ف"قمر" نائمة ولا وقت لسماعها لذاك الحديث
حمل "بسام" سلسلة مفاتيحه ليرفع عينيه بنظرة ثاقبة ممزوجة بنبرة جدية:أنا ذاهب ولكنني سأعود من أجل تلك الفتاة المتهالكة بسببك سأعود من أجل شقيقتي ولكن صدقني يا عماه يا من ربيتني بعد وفاة والدي و والدتي أنك إذ اقتربت ل"قمر" بسوء..صدقني سأزيل ما في رقبتي من عرفان لك من أجلها هي 
...
امتزجت دقات الساعة معلنة أنها باتت الثامنة مساءً بصوت جرس الباب ليعقد "صالح \ والد ياسر" حاجبيه بتعجب ليغلق الجريدة التي كانت بيده متجهاً إلي باب المنزل ليجد "فادي" وعلامات الإرهاق واضحة علي ملامحه..
نبرة تعجب ممزوج بقلق نبعت من شفاه "صالح" الذي قال:تفضل يا بني..و لكن أين نسخة مفاتيحك ؟! ألم يمنحك "ياسر" إياها؟!
دلف "فادي" إلي داخل المنزل بإرهاق ممزوج بإحراج ليحرك شفاهه بنبرة نافية:بلا أعطاني إياها ولكنني خجلت من أفتح باب المنزل فجأة كهذا 
ارتسمت ابتسامة هادئة علي ملامح "صالح" الذي بيده علي كتف "فادي" قائلاً بنبرة حانية:حسناً يا بني الأهم الآن أن تأخذ حمام دافئ ريثما ينتهي العشاء لأنني أريد الحديث معك قليلاً 
أومأ "فادي" رأسه موافقاً ليتجه إلي حجرته المشتركة مع "ياسر"..بينما علي الجانب الآخر..
تحديداً في المطبخ...أنهت "فادية \ والدة ياسر" تقطيع البطاطس إلي حلقات لتحرك شفاهها بنبرة تساؤل:هل عاد "ياسر" بتلك السرعة؟! ألم يقل أنه سيمضي بعض الوقت مع طفلته و زوجته؟!
جلس "صالح" علي مقعد خشبي قائلاً بنبرة توضيح:إنه "فادي" ولكن يبدو عليه الإرهاق 
أطلقت "فادية" تنهيدة حزن لتمتزج مع نبرتها التي ظهر عليها الضيق لتقول:لا أعلم ما الذي بدل حال "فادي" بتلك الدرجة لطالما كانت صيحات ضحكاته هو و"ياسر" تيقظ الجيران في كل ليلة يجتمعون فيه 
أكملت "فادية" حديثها بنبرة دلال متسائلة:ألم تقل لي ما الذي حدث ليلة البارحة عندما تحدثت معه أنت و "ياسر" 
تناول "صالح" قطعة من الطماطم التي تتوسط الطاولة التي يجلس عليها ليقول بنبرة تعجب:ومنذ متى وأنتي تسألين عن حديثي مع "ياسر أو فادي"؟!
وضعت "فادية" الدفعة الأولي من حلقات البطاطس لتقول بنبرة حانية:منذ أن تبدل حال "فادي" أنا وأنت نعلم جيداً مكانة "فادي" في قلب ابنك وفي قلوبنا أيضاً..نحن أنجبنا ثلاثة وليس اثنين وطبيعي أن أشغل بالي عليه 
ارتسمت ابتسامة هادئة علي ملامح "صالح" الذي قال بنبرة حزن:أعدي له فقط وبإذن الله سيعود لسابق عهده 
بعد ما يقارب الربع ساعة..دلف "فادي" خارجاً من دورة المياه ليتجه إلي حقيبته الموضوعة في أقصى يمين الحجرة ومنها يلتقط ملابسه..وبمجرد أن أنهي "فادي" ارتداء ملابسه حتى ارتفع صدي طرقات هادئة علي باب حجرته..وبالطبع كان الطارق "صالح" الذي قال بنبرة تساؤل:هل لنا بالحديث الآن 
أومأ "فادي" رأسه موافقاً ليدلف "صالح" إلي الحجرة مغلقاً بابها..
أسند "صالح" ظهره إلي المقعد الجلدي الموضوع أمام الفراش قائلاً بنبرة هادئة:بالأمس استمعت لك ..الآن حان دورك للاستماع لي
رفع "فادي" نظارته الطبية في مستوي بصره ليقول بنبرة ثابتة:حسناً يا عماه 
تنهيدة طويلة مصحوبة بنبرة "صالح" الحكيمة الذي حرك بها شفاهه قائلاً:ألآن إذا اعتبرنا أن "بسام" استطاع تنفيذ ما اتفقتم عليه وأنت استطعت تدبير أمورك..هل ستترك والدك إلي الأبد؟؟!!
عبث "صالح" بالمسبحة التي بيده ليكمل حديثه قائلاً:أنا أعلم جيداً أن هناك تفاصيل أنت محتفظ بها يا بني ولكن إن كان والدك مخطئ في إخفائه لأمر أن والدتك قتلت لن يستحق منك أن تتركه بمفرده وأنت الشخص الوحيد المتبقي له في ذاك العالم..والدك لم يختار ما حدث معه من البداية..لم يختار حبه لشقيقة صديقه ولا لأن الله حرمها من نعمة الأطفال ولا لأنه تزوج والدتك ولا لما حدث لها بعد ذلك
تابع "صالح" رعشة جفون "فادي" لذكره لسيرة والدته ليكمل حديثه قائلاً:من قبل أن يخبرك أباك وأنت تعلم عن ذاك الموضوع ولكن تفاصيله هي التي سببت لك حالتك تلك "التفاصيل دائماً قاتلة يا بني" 
أطلق "فادي" تنهيدة ألم ليحرك شفاهه بنبرة إرهاق ممزوجة بحزن ليقول:أتمني العودة بالزمن إلي الوراء لأسأله عما فعله في "منير" ولماذا نشأ كل ذاك الخلاف طالما أن "معاطي" من قتلها!!أتمني فقط أن أعلم ما ذنبها فيما حدث في الماضي ليقتلها "معاطي"!!لماذا هي؟! لما يكون وال..
أبت شفاه "فادي" استكمال الجملة ليطبق علي عينيه بجفونه لثواني لتأتيه نبرة "صالح" يقول:أرأيت يا بني!! أنت لم تكره والدك كما ادعيت ليلة أمس..أنت فقط غاضب و "الغضب في قاموس حياتنا هو عدونا الوحيد"..يا بني امنح لوالدك الفرصة لاستكمال حديثه..امنح نفسك الفرصة لمعرفة جميع جوانب ذاك الماضي قبل أن ترسم مستقبلك 
مرر "فادي" أصابعه بين خصلات شعره ليطلق تنهيدة تشتت ليحرك شفاهه بنبرة ألم: و "قمر" !! 
ابتلع "صالح" ريقه قائلاً بنبرة هادئة:تلك الفتاة تحملت الكثير لأجلك ولن تهتم لخبايا الماضي وأنت بنفسك صرت تخطط لمستقبلكم سوياً بالرغم من علمك بأنه من الممكن أن يكون لوالدها يد فيما حدث لك.."قمر" تحتاج منك أن تمنح الهدنة لكيانك وتنهي اللمسات الأخيرة في تلك القضية ومن ثم امنح والدك الفرصة ويحق له الاختيار 
قام "صالح" من موضعه بهدوء قائلاً بنبرة حانية:امنح عقلك الهدنة قليلاً من حرب الغضب المشتعلة في كيانك.. سأذهب أنا الآن جفف قطرات الماء من علي وجهك واتبعني من أجل الطعام 
بمجرد أن أنهي "صالح حديثه حتى دلف خارج الحجرة بينما ألقي "فادي" بجسده علي الفراش ليطلق تنهيدة طويلة ليحادث نفسه قائلاً "سأنهي ما بدأته ومن ثم أتمني حقاً أن أجد الإجابة عن أسئلتي تلك عندك يا أبي" 
لحظات معدودة مرت علي "فادي" ليقوم من موضعه بإرهاق ويتجه إلي شرفة الحجرة يتأمل القمر في تمام البدر لترتسم ابتسامة شوق علي شفاهه ليحادث نفسه قائلاً "ثمانية أشهر لم أري فيها قمري أتدري أيها القمر ما سر نظري لك الدائم؟! لأنني أري في شعاعك الضوئي الساطع نظرة عيني معشوقتي التي أعادت إحياء قلبي بابتسامتها التي تفوقك جمال النظر إليك" 
ارتفع صوت "صالح" منادياً علي "فادي" ليجذبه من شروده تلك ليغلق "فادي" باب الشرفة مودعاً القمر وهو يحادثه قائلاً "الشهر القادم عندما تتم كالبدر ستكون بجانبي قمري الخاص لتعلم حقاً أن القمر الحقيقي هي وأن الجمال الحقيقي تكمن في النظر إلي عينيها" 
...
نادراً ما نجد شخصين متطابقين في أسلوب حياتهم أو في طريقة تصريفهم للأمور..
وليس من الشائع أن نجد شخصين ينتهي بهم التفكير في أمر ما بنفس الفكرة أو القرار..
ولكن!! في الحقيقة أننا إن كنا مختلفين طيلة حياتنا في طريقة تصريفنا للأمور أو أسلوب حياتنا..ستدور عجلة الزمان بنا ولكن نهايتنا ستكون واحدة..
الأمر الوحيد الذي لم يتبدل وسيصيب كل بشري دون الاستئذان أو أخذ موعد هو "الموت"..
تململت "إسراء" في فراشها بضجر إثر ارتفاع نغمة هاتفها المحمول لتبعث بيدها أسفل إلي أن تجده لتفتح المكالمة دون الانتباه لمن المتصل..
حركت شفاهها بنعاس يخفي في طياته راحة مهددة بالفناء لتقول:نعم؟!
وبمجرد أن أتاها رد المتصل الذي يحمل في طيات جملته القاتلة حقيقة أن "إسراء" باتت وحيدة..
انزلق الهاتف إثر رجفة يد "إسراء" التي شعرت بأن أوصالها تجمدت بينما اتسعت عينيها صدمة ممزوجة بألم لتحرك شفاهها المرتعشة بخوف قائلة بنبرة همس:لا هذا لم يحدث لا 
ارتفعت النبرة الهامسة لتتحول إلي صراخ نبع من شفاه "إسراء" التي صاحت:أمي 
...
إذا أخذنا عينة عشرة أشخاص كمثال وسألناهم "ما الذي تفعله بمجرد رجوعك إلي المنزل" ستكون الإجابة الفائرة بأعلى نسبة هي "أين أمي؟!"..
و إذا أخذنا عينة أخري كمثال آخر وكان السؤال "فيمن يجتمع القلق الدائم عليك و الاهتمام دون انتظار مقابل منك وتحملك بكل حالاتك ودعوة باسمك لا تنقطع يومياً ومعرفة لما يدور داخلك دون أن تتكلم بحرف و ضمة بين ضلوع تمتص أحزانك وتبدلها بابتسامة راحة" ستكون الإجابة السائدة هي "لا يوجد أحد يجمع تلك الصفات إلا أمي"..
مهما كان حولك أصدقاء يحبوك ومهما كانت قوة علاقتك بهم لن تجد منهم من يتمني أن تكون أنت أفضل منه وإذا عممنا الفكرة عما حولك من بشر نجد أن الطبيعة الفطرية للإنسان تأبي أن تكون أفضل منه إلا "الأم" هي الوحيدة من تتمني لك الأفضل منها دائماً بل والأفضل من الجميع..
بل وإذا دققت النظر فيما يدور حولك فتجد أن ما تخشاه والدتك من صداقتك مع هذا أو عملك عند هذا..شعورها ذاك الذي يطلق عليه البعض "القلق المفرط" هو الحقيقة التي تثبت لك أن سواء كان هذا أو ذاك سيجلب الضرر لك..
ولكن!! إذا انقطع كل هذا فجأة!! إذا حل عليك المساء ولمسة يد والدتك الحانية تكفكف آلامك وفي الصباح تختفي من حياتك إلي الأبد!! 
تختفي دعوة مناجية لله لحفظك!! تختفي ابتسامة رضي وفرحة تنير لك ذاك العالم!!
يختفي قلب تدق نبضاته من أجل التفكير في كيفية إسعادك !!
تختفي ضمة تسلبك من العالم الوحشي هذا إلي عالم موازي لغته الوحيدة هي الحب دون انتظار مقابل!!
باختفاء كل هذا يتعري الإنسان حرفياً من راحته من شعوره بأن لديه من يحتمي به ويتبدل حاله ويصبح بمفرده في مواجهة تلك الحياة..
...
منذ صباح اليوم التالي..و "إسراء" تحاول لملمت شتات نفسها لإنهاء إجراءات دفن والدتها..مازال عقلها الباطل يقنعها بأنها ستعود لها من جديد و تصحبها إلي منزلها..
وبلا وعي من "إسراء" اتصلت ب"فادي" ترجوه أن يكون بجوارها في تلك الفترة نظراً لأنها صارت وحيدة نهائياً..لا خال أو عم أو أب..لا أحد نهائياً لا أحد سوي ذاك المتعجرف الذي قرر التخلي عن لامبالاته تلك ومساندة "إسراء" في محنتها تلك ليبدأ "فادي" في إنهاء إجراءات تصريح الدفن ومن ثم يكون بجوار "إسراء" حتى تم دفن جسد والدتها نهائياً..
ليعود الجميع إلي مساكنهم ويتركونها وحيدة أمام قبر والدتها تنظر إليه برجاء بأن تخرج والدتها من جديد وتضمها بين ذراعيها..
دفنت "إسراء" وجهها بين كفيها المرتعشين وصيحات صراخها المكتوم يبث الألم في كل جزء من كيانها إلي أن اقتلعتها نبرة "فادي" وهو يقول:"إسراء" قومي الآن لتقلك زميلتنا في الشركة إلي المنزل لترتاحي قليلاً ريثما يقام العزاء 
نبرة تشتت باكية نبعت من شفاه "إسراء" التي رفعت عينيها قائلة:ألن تعود أمي؟!ستتركني بمفردي طويلاً؟!
أطلق "فادي" تنهيدة ألم لأن حديث "إسراء" ذكره بوالدته ليتأكد من إخفاء نظارته الشمسية لعينيه التي تتلألأ بالدموع لينخفض في مستوي "إسراء" قائلاً بنبرة هادئة:من قال أنها تركتك!! إن كانت اختفت عن عالمنا هذا فستظل حية بين ضلوعك..ستظل صفاتك التي تحمل البعض من خصالها هي من ترشدك للصواب..تأكدي أنها الآن في مكان أحسن من هنا بكثير..مكان يخلو من علاج الكيماوي وإبر المسكن والألم..تأكدي أنها مازالت تشعر بك وتعبس إذا رأتك بحالتك تلك
بمجرد أن أنهي "فادي" حديثه حتى أطلقت "إسراء" تنهيدة حزن ممزوجة بألم الفراق لتحرك شفاهها المرتعشة مناجية ربها بمنحها الصبر علي ألم الفراق..
...
اتسعت عيني "قمر" بصدمة ممزوجة بابتسامة فرحة تتناسب مع فمها المفتوح ذهولاً لترتفع ضحكات "بسام" الصاخبة قائلاً:ما كل هذا يا "قمر"؟!!
أعادت "قمر" فتح وإغلاق عينيها مرات متكررة وهي تقول بنبرة لهفة ممزوجة بفرحة:حقاً يا "بسام" حقاً ذاك المحامي سيطلقني من "محب" 
التفت "بسام" بجسده لالتقاط إحدى الملفات الموضوعة في المقعد الخلفي للسيارة ليقول:إذا أغلقتي فمك هذا و ذهبنا إلي ذاك الرجل الذي ينتظرنا سيطلقك 
ترجلت "قمر" من السيارة بفرحة ممزوجة بعدم تصديق لتمحو فرحتها آلامها القاطنة في كيانها لتقول بنبرة تساؤل ممزوجة بفضول:ولكن من هذا الرجل؟!
أحاط "بسام" كتف "قمر" بيده اليمني وبيده اليسري ملف ليقول بنبرة توضيح:"فادي" هو من بعثه لرفع قضية خلع علي ذاك المعتوه
صدمة كهربية غزت كيان "قمر" بقوة لتجعلها تتجمد موضعها وتتوقف عن السير بينما ضربات قلبها باتت تتسابق في ضخ الدم إلي كيانها من أجل تحريك شفاهها قائلة بنبرة أوشكت علي البكاء: "فادي"!! أما زال يتذكرني ؟! ثمانية أشهر لم اسمع فيها نبرته ولو لثانية وهو مازال يتذكرني؟! ألم ييأس ؟!
نبرة طمأنينة ممزوجة بثبات نبعت من شفاه "بسام" الذي قال:إذ زار اليأس البشر بأجمع يأتي أمام ذاك المتعجرف ويخضع 
تلألأت عيني "قمر" بدمعة دافئة تتناسب مع ابتسامة الشوق التي ترتسم علي شفاهها قائلة بنبرة مرتعشة: المتعجرف؟! كم اشتاق له!! كم اشتاق لنبرته الواثقة!!كم اشتاق لعقدة حاجبيه الغاضبة من فعل ما؟! كم اشتاق لروحي التي أودعتها بين ضلوعه ؟!
بمجرد أن أنهت "قمر" حديثها حتى شعرت بدمعتها تشق الطريق إلي خدها لتتبعها دمعة فالثانية فالثالثة ولكن سرعان ما تدارك "بسام" الأمر ليحرك شفاهه بنبرة مطمئنة قائلاً:دعينا أولاً نخلص من ذاك المعتوه وسأسلمك بيدي بثوب الزفاف ل"فادي" 
بقدر ما حملت جملة "بسام" الكثير من الغموض إلا أنها أعادت إحياء الأمل في كيان "قمر" بأجمع ليتجهوا سوياً إلي ذاك المحامي الذي طمأنهم بأن قضية الخلع محسومة لصالحهم لأقصى درجة والفضل لتقارير الطبيب التي تثبت وحشية ما تعرضت له "قمر" علي يد ذاك المعتوه..
وبمجرد أن أنهي المحامي حديثه حتى اتجه "بسام" ب"قمر" إلي سيارته ليقول لها بنبرة هادئة:اطمئني الآن
تنهيدة فرحة ممزوجة بشوق أطلقتها "قمر" لتحرك شفاهها قائلة:الحمدلله 
لحظات معدودة مرت علي "بسام" الذي يعبث بشاشة هاتفه لترتفع نبرته قائلاً:اطمئن كل شء سيسر كما نريد
ارتفعت ضربات قلب "قمر" بسرعة قاربت علي الفتك بضلوعها بينما سرت رعشة شوق ممزوجة بقلق في كيان "قمر" بأجمع وهي تستمع لكلمات "بسام" التي تحوي بأنه يطمئن أحد ما عما جري مع المحامي..
عقلها ينذرها بأن ذاك المتصل هو "فادي" وقلبها يتراقص شوقاً لسماع نبرته التي ستشفي جروحه بأكمل وأذنها تحاول جاهدة سماع أي حروف مما يقال ل"بسام"..
لهفة العاشقة لسماع صوت عاشقها أعاد إحياء ملامحها المتهالكة من جديد وضخت الأمل إلي كيانها بأجمع ومنحت قلبها صدمة كهربية..كل ذاك لمجرد فكرة أنها ستسمع نبرة صوته ما بال كل ما سبق إذ استمع إلي نبرته حقاً؟!
سرعان ما منحتنا "قمر" الإجابة برعشة جسدها التي شعر بها "بسام" فور قوله لها: "فادي" يريد محادثتك 
حركت "قمر" يدها المرتعشة لتلتقط الهاتف ليدلف "بسام" خارج السيارة بينما باتت "قمر"تشعر بأن ضربات قلبها باتت الفتك بكيانها للقفز منه لتصل إلي "فادي" لتصرخ بحاجتها إليه..
بينما ذاك الشوق الذي قارب علي تحطيم كيان "قمر" علي الجانب الآخر..
لم يستطع ذاك المتعجرف من منع لهفة الشوق في أذنه لسماع نبرة "قمر" ولا خمد ثورة الفرحة في قلبه الذي بات يتراقص فرحاً ولا إخماد رجفة أصابعه الممسكة بذاك الهاتف الشاهد علي تحول ذاك المتعجرف إلي عاشق حرك شفاهه قائلاً:السلام عليكم.......

يتبع.......
#نورهان_حسنى

في أرض النوبة للكاتبه نورهان حسني حيث تعيش القصص. اكتشف الآن