الفصل السابع عشربعد مرور أسبوع....
تسلل شعاع ذهبي إلي حجرة تلك الفتاة التي تجلس علي فراشها وعينيها منتفختان من كثرة الدموع التي ذرفتها ليلة أمس بعد دفعة الصفعات واللكمات المتتالية لأنها تأبي أن تخضع لشيطان يظن أنه بألاعيبه تلك سيحقق مراده بالفتك بها علي فراشه ولكن الحقيقة أن صفعاته ولكماته تلك ما عادت سوي صدمات كهربية تزيد إرادة الفتاة وإصرارها علي عدم التسيلم له وإيمانها بأن نهايته ستكون في أقرب وقت..
لملمت "قمر" خصلات شعرها بطوق أسود اللون لترتدي عباءتها ومن ثم تتجه أمام المرآة لترتدي حجابها الذي لم تخلعه نهائياً أمام "محب"...
نظرة صدمة ممزوجة بعدم تصديق نبعت من عيني "قمر" التي باتت تزداد اتساعاً كلما تحسست "قمر" مواضع الكدمات والجروح الطاغية علي وجهها في محاولة منها لاستيعاب أن من أمامها هي وليس شبح..
أغلقت "قمر" عينيها عدة مرات متتالية في محاولة من عقلها لرفض فكرة أن تلك الجثة التي يراها هي "قمر"
في محاولة من عقلها بإثبات أنها مازالت محتفظة بجمالها الذي طالما تغزل فيه فتيات القرية وأثني عليه من كانوا يطمعون بالزواج بها..
ولكن!! الحقيقة هي أن رونق تلك الفتاة تحول إلي حزن يرتسم أسفل عينيها.
الحقيقة هي أن ابتسامة تلك الفتاة تحولت إلي صيحات مكتومة تبعث الألم في جسدها عند تلقيها الصفعات من ذاك المعتوه..
احتضنت "قمر" بكفيها قلادة "فادي" التي نجحت في إخفائها عن عيني "محب" لتزيد من قبضتها علي تلك القلادة وكأنها ترجوها أن تمدها بطاقة إيجابية تقضي علي شعاع الإحباط الذي يتسرب خفية إلي كيانها..
بينما في تلك الأحيان..علي بٌعد مسافات كبيرة من تلك الفتاة التي تحولت إلي مستوطن لآلام..كان هناك آلم من نوع آخر يتسرب إلي كيان "فادي" الذي يجلس أمام العمارة السكنية في انتظار "ياسر"..
غصة آلم الفراق..غصة آلم العجز..غصة آلم الشوق..غصة آلم الانتقام..كل ما سبق اتحد سوياُ ليغزو كيان "فادي" فجأة في محاولة من الشيطان لهدم تلك العزيمة الممزوجة بالإيمان التي تتمكن من "فادي"..
وكأن نظرات عيني "فادي" المشتاقة في العودة بالزمن إلي تلك الليلة التي باح فيها بحبه..اتحدت مع ذاك الشيطان الذي يريد إضعاف هزيمة "فادي" ليبدأ شعور الإحباط يتسرب رويداً إلي عقل "فادي"..
ولكن..هل من الممكن لذاك الشعور أن يحطم إيمان بالله؟!
هل من الممكن لذاك الشعور أن يفتك بأمل يسعي "فادي" لتحقيقه؟!
هل من الممكن لذاك الشعور أن يتغلب علي نظرة عيني "قمر" الواثقة في "فادي"؟!
تلك الأسئلة وكثير منها..تعددت الأقاويل لإيجاد إجابة عليها ولكن سرعان ما أمدنا "فادي" بالإجابة بابتسامته الباردة تلك ونظرة عينيه الواثقة ليطلق تنهيدة طويلة تطرد بها أية وساوس كانت تريد التمكن منه..
ليرفع "فادي" عينيه إلي السماء ليناجي ربه بأن يديم رعايته علي حبيبته وأن يعجل باللقاء بينهم..
أما إذا عدنا إلي حجرة "قمر"..نجدها تكفكف دموعها وترسم ابتسامة شوق ممزوجة بحنين لتذكرها نظرات التعجرف من عيني "فادي" ونبرة صوته الباردة..
لتضرب "قمر" جبينها بكفها الصغير وهي تحادث نفسها قائلة "متعجرف ولكنه يمدني بالإرادة وكثيراً ما كانت نبرته باردة ولكني أشتاق إليها"
أنهت "قمر" حديثها مع نفسها لتخفي قلادتها تحت طيات العباءة لتخرج من الحجرة متجه إلي المطبخ لتعد وجبة الإفطار ل"محب" الذي خرج من حجرته ما يقارب العشرة دقائق من وصول "قمر" إلي المطبخ ليرفع نبرة صوته بضجر قائلا:الإفطار!!
زفرت "قمر" بضيق ممزوج بملل من نبرته تلك لتلتفت برأسها خارج حدود المطبخ قائلة:ستجده في حجرة التلفاز بينما أسكب الشاي
وضع "محب" عود التبغ بين شفاهه ليشعله ومن ثم يطلق نسمات من الدخان القاتلة وهو يقول:من الأفضل ألا يتأخر لأنني ذاهب إلي العمل
أكمل "محب" حديثه بنبرة أمر ليقول:ومن ثم أعدي حقيبة ملابسي لأنني ذاهب إلي الأقصر ليومين لأنهي أمر ما
ما إن أنهي "محب" حديثه حتى اتجه إلي حجرة التلفاز لتناول الإفطار بينما باتت "قمر" في المطبخ تتراقص بفرحة لتخلصها من ذاك المعتوه ليومين كاملين ستحظي فيهم بالراحة النسبية..
....
ألقي "وائل" ببعض الأوراق ليزيد الطاولة الدائرية بدفعة أوراق جديدة قائلا بنبرة إرهاق:كيف لا نجد مدخل ل"هاني" هذا؟! كيف؟!!
ارتشف "بسام" قليلاً من فنجان قهوته قائلا بنبرة ضجر: "هاني" أذكي كثيراً من "محب" بالرغم من تظاهره بعكس ذلك ومن الصعب الوصول لثغرة في ملفه
حركة دائرية نبعت من أصابع "ياسر" لتدلك جبينه ليقول بنبرة تفكير:ألا تجدون أن هناك أمر غريب في سجن "هاني" سنة كاملة من فترة وفي تلك السنة عقد "محب" أول صفقة استورد فيها معلبات غذائية ومن ثم عندما خرج "هاني" من السجن نشب بينهم عراك أدي لتحرير ذاك المحضر
لحظات صمت دامت لثواني قطعها نبرة "فادي" المتعجبة ليقول:هل من الممكن أن يكون اتفاق؟!فمثلاً تسبب "محب" في دخوله السجن ومن ثم عقد هو الصفقة وعند خروج "هاني" من السجن هدد "محب" بأوراق ما لذلك نجد تفسير للعراك الذي نشب بينهم وللصداقة التي نشبت بينهم من بعدها
نبرة استيعاب ممزوجة بتفكير نبعت من شفاه "وائل" الذي قال:من الممكن أن يكون تصورك صحيح ولكن ما تلك الأوراق التي تجعل"محب" يخضع بسهولة
باتت التساؤلات والأفكار تطرح واحد تلو الآخر بين مجموعة الشباب تلك التي تجاهد خفية لإيجاد تفسير لأحداث كثيرة غامضة..
ارتفع صوت رنين هاتف "بسام" ليطغي علي صوت الشباب الذي اختفي نهائياً بسبب قول "بسام" بأن المتصل هو "محب"..
نبرة نعاس مصطنعه نبعت من شفاه "بسام" الذي تظاهر التثاوب قائلا:هل حدث أمر ما؟!
نبرة غضب عارم ممزوجة بتساؤل نبعت من شفاه "محب" الذي صاح:أين أنت ؟!!
مازال "بسام" محتفظ بنبرة النعاس المزيفة ليمزجها بقليل من الخبث قائلاً:أنعم بليلة مع فتاة مصراوية
كتم الشباب ضحكاتهم بأعجوبة ليتسلل صوت "محب" الغاضب من سماعة الهاتف وهو يقول:أريدك حالاً في الأقصر أنا وصلت إلي المخزن للتو أريدك عندي في أقرب وقت استقل طائرة إن التزم الأمر
أومأ "بسام" بنبرته موافقاً ليغلق هاتفه قائلا بنبرة تساؤل:"فادي"!! هل فعلت كسابق عهدك في المخزن وأحرقته
حرك "فادي" رأسه نافياً ليقول بنبرة تعجب ممزوجة بنفي:بالتأكيد لا أنا معكم من الصباح إلي أن أصبحت الساعة العاشرة مساءً ..كيف سأحرق المخزن كالمرة السابقة وأنا جالس معكم ولم أجري أية مكالمات
حمل "بسام" سلسلة مفاتيحه ليقول بنبرة قلق:تمام أنا سألحق بأية طائرة متجه إلي الأقصر وسأبلغكم بما يحدث
...
طرقات متتالية علي باب المنزل يتبعها نبرة هادئة تصيح باسمها..جعلت "قمر" تململ في فراشها بضجر ممن أتي ليعكر صفو قيلولة هادئة لها..لتتجه "قمر" لارتداء إسدالها ومن ثم تفتح الباب لتجد والدتها وابن خالها..
عقدت "قمر" حاجبيها بتعجب قائلة بنبرة تساؤل:ماذا حدث يا أمي؟!
نبرة حزن مصطنعه نبعت من شفاه "ناهد" التي قالت:يا حسرة علي زوجك لم ينعم بفرحته بالزواج ليعكر صفوها حريق نشب بمخزن الملابس وقد اتصل بوالدك من دقائق لأنه سيتأخر في العودة إلي هنا وقد يمتد الأمر لأسبوع لذلك ستمكثين عندنا
بالرغم من تأكد "قمر" أن فعلة "محب" تلك بالمكوث عند والدها ما كانت إلا ليطمئن قلبه أنه لا توجد فرصة بأن يأتي "فادي" للقائها لترتسم علامات الفرحة علي ملامح "قمر" التي قالت بنبرة حزن مصطنعه:أعانه الله
بدأت "قمر" في ترتيب حقيبة صغيرة لملابسها لتتجه بصحبة والدتها وابن خالها إلي منزل والدها...
كانت "قمر" متوقعة أن والدها سيقابلها بجفاء وسيسمم كيانها ببعض من كلماته السامة ولكنها لم تهتم كثيراً وإنما
طلبت من والدتها إعداد وجبة شهية لها لشوقها لطعامها لتشبع "قمر" جوعها ومن ثم تتجه إلي حجرتها لتفتح خزانة ملابسها بحذر لتلتقط صندوق خشبي كانت تخفيه بين مفارش فراشها وملابسها..
أحضرت "قمر" مفتاح ذاك الصندوق من حقيبتها لتفتحه ومن ثم تلتقط ورقة لتفتحها وابتسامة الفرحة ترتسم رويداً رويداً علي ملامحها لتحتضن تلك الورقة التي كانت ملحقة بأكياس الطعام التي بعثها "فادي" بعد غيابه المفاجئ ذاك..
دمعة لؤلؤية تدحرجت في عيني "قمر" التي باتت تقرأ كلمة "أحبك" مراراُ وتكراراً لتحادث "قمر" نفسها قائلة "الشئ الوحيد الذي فعلته بلا وعي منك يا أبي إحضارك لذاك الصندوق لتمنحي جرعة من السعادة لرؤيتي تلك الورقة"
أعادت "قمر" طي الورقة من جديد لتعيد الصندوق إلي مكانه ومن ثم دثرت جسدها بغطائها لتنعم بنوم هادئ..
....
فتح "بسام" باب السيارة الأيسر ليجلس بجانب "محب" الذي يشتعل غضباً لرؤيته مخزنه علي الحالة تلك لمرة ثانية ليقول "بسام" وهو يغلق هاتفه:تحدثت مع رجل المقاولات وسيبعث رجاله في الصباح
نبرة غضب ممزوجة بأمر نبعت من "محب" الذي قال:أريد ذاك المخزن أن يعدو كسابق عهده بل أفضل قبل وصول البضاعة
أومأ "بسام" رأسه موافقاً ليقول بنبرة حيرة تحمل في طياتها فضول لمعرفة ما الذي يفكر فيه "محب":ولكن ما الذي سنفعله؟! هل سنجعل الداخلية تتولي الأمر كالمرة السابقة وفي النهاية يقيد ضد مجهول
أشعل "محب" عود تبغه قائلا بنبرة جدية ممزوجة بتوعد:من فعل ذلك لن يفلت من بين يدي ولكن الأهم الآن أن يعود المخزن إلي سابق عهده قبل وصول البضاعة ومن ثم سأبدأ أنا بنفسي في البحث عمن فعل ذلك
أطلق "محب" دخان تبغه يحوم من حوله ليقول بنبرة تأكيد ممزوجة بأمر:أنا سأمكث هنا حتى تأتي البضاعة أما أنت فلا تترك المصنع مهما حدث لأن موعد تسليم الأرباح الشهرية اقترب
أومأ "بسام" رأسه موافقاً..لتأتيه نبرة "محب" المتسائلة قائلا:ولكن ماذا كنت تفعل في القاهرة؟؟!!
نبرة ثقة ممزوجة بلامبالاة نبعت من شفاه "بسام" الذي قال:كما كنت تطلب أراقب ذاك المدعو "فادي" وبالإضافة بالتمتع بالفتيات قليلاً
قهقهة خافتة نبعت من "محب" الذي قال بنبرة خبث ممزوجة بجدية:إن كانوا فتيات القاهرة فلك كل الحق بأن تظل هناك ولكن الأهم أن تركز عل مراقبة "فادي" فور وصول البضاعة
ضحكة خبث نبعت داخل كيان "بسام" الذي قال:هو كما أخبرتك سابقاً دائماً في عمله أو النادي ونادراً ما يذهب لصديقه وكأن الخلاف نشب بينهم
أسند "محب" رأسه إلي الخلف قائلا بنبرة توعد:أنهي مسألة البضاعة ومن ثم أتفرغ له
...
بعد مرور أسبوع دون أحداث مهمة عدا روتين أبطالنا اليومي..
أعلنت دقات ساعة الحائط تمام الساعة الثانية ظهراً لتخلع "أسماء" نظارتها الطبية قائلة بنبرة قلق:هل تظن أن الشحنة ستعبر بسلام؟!
رفع "بسام" عينيه من أمام شاشة "اللاب توب" الموضوع أمامه قائلاً بنبرة لامبالاة:من تجاه "فادي" فأنا مطمئن جداً بأنه لن يرتكب أي جنون ولكن أعداء "محب" كثيرون وتلك البضاعة ستضر بالبعض
ارتشفت "أسماء" قليل من فنجان قهوتها قائلة بنبرة تساؤل ممزوجة بفضول:ولكن ما الذي يجعل "محب" يتاجر في تلك الموارد أجمع ؟! هل ليداري صفقات السلاح والمخدرات؟!
أخفض "بسام" عينيه إلي شاشة اللاب توب قائلاً بنبرة ضجر:"محب" ليس بحاجة ليخفي أعماله بين صفقات السلاح و ما شابه ذلك لأن عقله الشيطاني يسعفه لتصريف تلك الأمور
رفعت "أسماء" حاجبيها بحركة ثقة لتقول بنبرة لامبالاة:من الأفضل أن تقول أن عقله كان يسعفه الآن بات يتلقي ضربة تلو الأخرى
ابتسامة خافتة ارتسمت علي شفاه "بسام" الذي قال بنبرة حب هامسة:ألم يحن الوقت بعد لكي نحدد الزفاف أم ماذا؟!
تحركت "أسماء" بنظرها بعيداً عن محيط نظرات "بسام" وكأنها تتفحص ديكور مكتبها من جديد ولكن في الحقيقة هي أن نظرة الشوق في عينيها لابد من إخفائها وإلا باحت بشوقها الذي يفوق شوق "بسام" لإعلان ارتباطهم الرسمي بدون أية قيود
طرقات خافتة علي باب المكتب أنقذت "أسماء" التي كادت تتفتت خجلاً وأشعلت نار الغيظ في "بسام" الذي قال بنبرة ضيق:تفضل
دلف إلي الحجرة شاب يبدو وكأنه في منتصف عقده الثاني يمسك بملف قائلاً:تلقي "محب" للتو رسالة بموعد تسليم صفقة المخدرات ستكون بعد أسبوع وذاك الورق يحوي الموعد والمكان
تسلم "بسام" الملف ليبدأ في تفحصه سريعاً لتقول "أسماء" بنبرة متسائلة:هل وجدت أية رسائل بين وبين أحد رجاله عما حدث في المخزن من أسبوع
نبرة نافية ممزوجة بتعجب نبعت من شفاه الشاب الذي قال:بالعكس لم يحدث ذاك تماماً ومكالماته اليومية جميعها لم يتضمن كلمة مهمة عن ذاك الموضوع
عقدت "أسماء" حاجبيها بتعجب لتزفر بضيق ومن ثم ترسم ابتسامة هادئة لتقول:حسناُ شكرا لك
استأذن ذاك الشاب بالخروج ليعود إلي عمله ومن ثم اتجه "بسام و أسماء" بتلك المعلومات إلي مكتب اللواء برسم الخطة من أجل الإيقاع بهم..
....
امتزجت نسمات الهواء التي تسيطر علي الحجرة بنسمات عطره المميز وهو يدلف إلي الحجرة بحذر خشية ليبدأ في تبديل ثيابه لتململ "مريم" في فراشها بشعور من الفرحة لتأكدها من عودة "ياسر" لتطلق العنان لخصلات شعرها علي الوسادة لتقول بنبرة نعاس ممزوجة بفرحة:اشتقت لك كثيراً
ابتسامة خافتة غزت ملامح "ياسر" الذي بدأ للتو في خلع قميصه ليلتفت برقبته إلي "مريم" قائلا بنبرة هادئة:أنا أيضاً اشتقت لك واشتقت لابنتي
نبرة تعجب نبعت من شفاه "مريم" التي قالت:أما زلت مصمم أنها فتاة ؟!
حمل "ياسر" منشفته القطنية ليقول بنبرة تأكيد:بالطبع أنا متأكد أنها فتاة تحمل جنونك بالكامل
وبمجرد أن أنهي "ياسر" حديثه ارتفع صوت رنين هاتفه معلن قدوم اتصال من "فادي"..
التقط "ياسر" هاتفه بتعجب ليفتح المكالمة قائلاً بنبرة تساؤل:هل حدث أمر ما؟!
نبرة ذهول ممزوجة بتعجب نبعت من شفاه "فادي" الذي قال:ألم تري الأخبار؟! لقد حدث حريق هائل بسيارات "محب" التي تحمل البضاعة
اتسعت عيني "ياسر" صدمة ليقول بنبرة تساؤل قلقة:هل أنت من فعلها يا "فادي"؟؟!!
نبرة نافية نبعت من شفاه "فادي" الذي قال:بالطبع لا بالإضافة لأن "بسام" أخبرني أن كل طاقم العمل لقي مصرعه في ذاك الحريق..كيف أفعلها أنا إذن؟!
لا يعلم "ياسر" إن كان ضغط عمله أو ضغط ما يمر به مع صديقه أو قلقه الدائم علي زوجته!!
لا يعلم "ياسر" ما السبب الذي جعل نبرته ترتفع ليصيح بغضب:وإن كان؟! ما الذي يمنع فعلك لها؟! أنت المستفيد الوحيد في كل ذلك؟!!
نبرة ذهول ممزوجة بضجر نبعت من شفاه "فادي" الذي قال:أنا؟! من الواضح أنك لا تستوعب ما تقوله
ازدادت حدة نبرة "ياسر" الغاضبة التي أصابت "مريم" بالخوف ليقول بنبرة لامبالاة ممزوجة بغضب:حقاً!!من الواضح أيضاً أنك فقدت عقلك وصرت تقتل الأبرياء فقط لتنتقم
اتسعت عيني "مريم" صدمة لتتجه إلي "ياسر" قائلة بنبرة هامسة: "ياسر" أهدأ قليلاً أنت تتكلم عن صديقك
بينما علي الجانب الآخر..لم يبدي "فادي" أية انفعالات وإنما قال بنبرة باردة:حسناً من الأفضل أن تبلغ الداخلية عني..إلي اللقاء
ألقي "ياسر" بهاتفه علي فراشه ليتجه صوب دورة المياه دون أن يترك فرصة ل"مريم" لتهدئته أو معرفة سبب تغيره المفاجئ ذاك
....
أعمال إعادة تهيئة المصنع لاستقبال البضاعة لم تتوقف علي مدار الساعة منذ أن حدث الحريق وجميع العمال علي قدم وساق يباشرون أعمالهم بإرهاق ممزوج بخوف من "محب" الذي يأتي لهم بنبرته النارية ملقناُ من يتهاون عن العمل درساً تأديب بحديثه السام له..
رفع "محب" ساعة يده إلي مستوي نظره ليجد أنها باتت السادسة مساءً ولم يتلقي أية اتصالات بعد!! عقد "محب" حاجبيه بتعجب ليستخرج هاتفه من بنطاله ويجد أن شبكة المحمول معدومة في المكان الذي يقف فيه..
اتجه "محب" إلي خارج المخزن وقبل أن يقرأ الرسالة الأولي من تلك الرسائل التي هبت عليه كالأسهم تفاجئ "محب" بسيارة "هاني" التي تقف أمامه بأعجوبة من سرعتها القصوى تلك..
ارتجل "هاني" من السيارة بسرعة ممزوجة بغضب ليحكم القبضة علي رقبة "محب" بيده التي تشع نار غضبه ليصيح بغضب:من الواضح أنك أصبحت عاجز عن العمل وذاك بات واضحاً من فترة لكن الآن الأذي بات يصل إلي أموالي
وبفضل قوة "محب" الجسدية استخلص رقبته من بين يد "هاني" ليسدد له صفعة نارية قائلا بغضب:هل جننت أم ماذا؟! كيف تجرؤ علي الحديث معي هكذا وفعل ذاك
تحسس "هاني" موضع الصفعة بغضب ليقول بنبرة توعد:من الواضح أن ذاكرتك باتت ضعيفة ونسيت أنني أملك ما يجعلك تسكن السجن أبد الدهر ولكن ذاك ليس موضوعي أنا أريد مالي لا أكثر
عقد "محب" حاجبيه بتعجب قائلاً بنبرة ضجر:أي مال؟!
وقف "هاني" مباشرةً أمام "محب" ليقول بنبرة غضب:مالي الذي احترق مع احتراق بضاعة الملابس
اتسعت عيني "محب" صدمة ممزوجة بعدم تصديق ليقول بنبرة غضب:بضاعة الملابس؟! هل أنت مجنون؟!!
زفر "هاني" بضجر ليقول بنبرة غضب مكتوم:ذاك ليس وقت مزاح أنا أريد مالي من تلك الصفقة لا أكثر
بمجرد أن أنهي "هاني" حديثه حتى دلف داخل سيارته ليخرج رأسه من زجاجها قائلا بنبرة توعد ممزوجة بغضب:إذا لم يحضر مالي إلي مكتبي في ظرف أسبوع أنت تعلم ما الذي سأفعله ولن أهتم لأحد أياً كان
أكمل "هاني" حديثه بنبرة سخرية قائلا:كان رائع جداً أدائك المندهش من ثواني ولكن نصيحة كفاك ذاك الدور وحاول إخماد الحريق
ما إن أنهي "هاني" حديثه حتى انطلق بسيارته بسرعة قصوى بينما التقط "محب" هاتفه بغضب ممزوج بعدم استيعاب ليبدأ في قراءة الرسالة التي تستنجد به بسبب ذاك الحريق الذي أودي بحياة رجاله وماله
بسرعة البرق التي اكتسبها "محب" من غضبه اتجه "محب" إلي سيارته مستقلاً إياها بسرعة جنونية وهو يحاول إجراء أية اتصالات توضح له حقيقة ما حدث..
....
وضع الجنين التي تتخذه "قمر" دائماً في جلوسها..ذاك الوضع الذي يشعرها أنها مازالت في بطن والدتها..
ذاك الوضع الذي يبعث في روحها الطمأنينة بأنه لن يتم إيذائها طالما أنها بين أحشاء والدتها..
شعور الطمأنينة الذي لم تتوقع أن تفقده بمجرد مواجهتها لذلك العالم الذي يأبي للطمأنينة بزيارة تلك الروح المتهالكة..
رجفة خوف انتفض لها كيان "قمر" لمجرد شعورها بلمسة يد تتحسس كتفها..رفعت "قمر" عينيها المدفونة بين ذراعيها بقلق ممزوج بتعجب لتكتشف "قمر" أنها والدتها لتفسح لها المكان للجلوس قائلة:ماذا هناك يا أمي؟!
نبرة قلق نبعت من شفاه "ناهد" التي قالت:ماذا حدث لرعشتك تلك يا ابنتي؟!هل تخافين مني؟!
حركت "قمر" رقبتها نافية بسرعة لتقول بنبرة أسف:بالطبع لا ولكن جروحي يا أمي ما عاد لديها القدرة علي التفريق بين لمسة يدك الحانية ولمسة اليد التي تغرز السم في جروحي
اقتربت "ناهد" من طفلتها لتخبئها بين ذراعيها وهي تمسح علي كتفها بحنان قائلة بنبرة أوشكت علي البكاء:أعذريني يا ابنتي أعذريني لأنني لم أستطيع حمايتك كسابق عهدي
دمعة لؤلؤية تدحرجت في عيني "قمر" لتسيل علي خديها وهي تقول بنبرة أسف:ليتني لم أكبر يا أمي يا ليت كانت أحزاني تحطيم دميتي فقط ليتني لم أخرج من بطنك يا أمي
ما إن أنهت "قمر" حديثها حتى ارتفعت شهقات بكائها لتشعر "ناهد" برجفة يد طفلتها الممسكة بها بضعف..
حاولت "ناهد" بكل ما أؤتيت من قوة للتخفيف عن ابنتها بالرغم من يقينها أن علاج جروح ابنتها بين ذراعي عاشق مكتوب عليه فراقها و لكن ليس أمامها حلول أخرى سوي التخفيف عنها حتى تسكن بين ذراعيها وتغيب قي قيلولة..
...
مر أسبوع آخر علي أبطالنا..
حال "قمر" الصامتة دائماُ لم يتغير كثيراً بل بدأ جسدها يفقد وزنه لتعوض "قمر" ذاك الوزن بإصرارها الذي يزداد في كل لحظة تري فيها والدها ولكنها تحاول إظهار غير ذلك منعاً لجدال هي في غني عنه..
بينما حالة البرود التام باتت متمكنة كلياً من "فادي" الذي بات منشغلاً طيلة النهار بعمله وبعد صلاة العصر إما يتحدث مع "بسام" عبر الهاتف أو يقابله في المطعم ليكونوا علي تواصل دائم لمستجدات قضية "محب" ومن ثم يعود إلي منزله لأخذ قيلولة سريعة ليذهب إلي المسجد لمقابلة الشيخ "راضي" ليعود من عنده في حدود الساعة العاشرة ليبدأ معركته مع الملفات للوصول إلي حل..
بينما "مريم" باتت في حيرتها من"ياسر" الذي لا يبدي أي اهتمام لعدم حديثه مع "فادي" و "فادي" الذي يخبرها أن الأمور بينهم طبيعية..
أما عن "محب" الذي انشغل أسبوع كامل إيجاد من السبب في حرق سيارات الملابس مسلمً أمر صفقة المخدرات ل"هاني" الذي استطاع الصلح معه بعد يومين من الحادث وتسليمه أمواله
...
شعور من الخوف يتسرب تدريجياً في كيان ذاك الرجل المقيد بحبال متينة تجعله ملتصق بالتمام في كرسي خشبي..رائحة وقود مجهولة المصدر تتطاير من حوله تزيد من رجفة جسده..لترتفع نبرته الصارخة قائلاً بنبرة خوف:من فعل بي ذلك؟!أتركوني أتركوني
وسرعان ما آتت الإجابة سريعاً لذلك الرجل ليأتيه شعاع ضوئي خافت يتسلل إلي تلك الحجرة المظلمة ليظهر أمام نصب عينيه "محب" الذي يشعل عود تبغه الموضوع بين ثغره..
بلع ذاك الرجل الملقب ب"عبد الباسط" ريقه بصعوبة قائلاً بنبرة خوف ممزوجة برجاء:أرجوك يا باشا أرجوك أتركني أعود إلي أهلي أرجوك
علامات الجمود واللامبالاة رسمت علي ملاح مساعد "محب" وهو يضع كرسي خشبي أمامه ليرفع "محب" بقدمه فوقه ودخان تبغه يتطاير من حوله ليقول بنبرة غضب:في صفقة المخدرات الماضية عتقت رقبتك لأنك لم تكن الفاعل ولكن لغبائك ذاك تحرق لي صفقة بملايين
نبرة عجز ممزوجة برجاء نبعت من شفاه "عبد الباسط" المرتعشة وهو يقول:خطأ ولن يتكرر بحياة ابني لن يتكرر أرجوك أتركني أرجوك
الغاضبة الممزوجة بسخرية قائلاً:أختك ما كانت موافقة علي زواجي العرفي منها..ما ذنبي إذن أنها انتحرت؟!
تعالت ضحكة سخرية من "محب" الذي قال باستهزاء:وأنت بغبائك ضربت بفرصتك الذهبية بالعمل معي عرض الحائط من أجل فكرة الانتقام السخيفة تلك
تحولت ملامح الخوف إلي غضب لتشتعل عينيه بنظرة قاتلة ليصيح "عبد الباسط" قائلاً:لن تنعم بأموالك تلك لن يضيع حق أختي س...
لم يمنح "محب" أية فرصة ل"عبد الباسط" ليستكمل حديثه وإنما ألقي بعود تبغه علي الوقود الذي يحيط ب "عبد الباسط" لترتفع صيحات آلامه من النار التي تفتك به..
تعالت صيحات ذاك الرجل من النار التي تلتهم جسده بلا رحمة وعينيه تصوب ناحية "محب" الذي يقف دون أن يبدي أية علامات شفقة وإنما ابتسامة الانتقام تسيطر علي ملامحه..
صيحات "عبد الباسط" باتت ترتفع بقوة قاربت علي الإطاحة بكل ما هو ساكن بتلك الحجرة لتبعث برسالة صغيرة ل"محب" بأن حق ذاك الرجل وغيره لن يضيع وأنه سيأتي عليه يوم الحساب الذي سيلقي فيه ناراً لن تخمد أبداً..
ارتفعت نغمة رنين هاتف "محب" معلنة قدوم اتصال من "هاني" ليخرج "محب" من الحجرة قائلاً:ما الأحوال؟!
وكأن الدفعة الأولي من العقاب في الدنيا ستقام لتوها الآن لترتفع نبرة "هاني" المرهقة الممزوجة بغضب قائلاً:هناك خائن بين رجالنا يا "محب" لقد أحكمت الداخلية الفتك بنا لثاني مرة وبأعجوبة استطعت الفرار منهم والباقي بين قتيل ومصاب ومعتقل
صيحة غضب ممزوجة بتوعد نبعت من شفاه "محب" الذي قال:ذاك جنون!!كيف يحدث هذا؟!تلك الصفقة لم يعلم بها إلا المستثمرين ونحن فقط والرجال الذين بعثناهم برفقتك في الصباح؟!كيف يحدث ذلك؟؟!!
لهث "هاني" أنفاسه بأعجوبة وهو يقول بنبرة إرهاق:سألجأ إلي الجبل لأحتمي به فترة سأنتظر قدومك لي
انطلق "محب" إلي سيارته سريعاً وهو يشير لباقي رجاله بإتباعه قائلا بنبرة غضب:حسناً حسناً مسافة الطريق وأكون أمامك
....
الهدوء المعتاد الذي يخيم علي حجرة المكتب الخاصة ب"فادي" الجالس أمام شاشة حاسوبه ينهي طباعة ملفات خاصة بالعمل وبجانبه فنجان قهوته المعتاد...
قطع ذاك الهدوء..طرقات حذاء "إسراء" الواقفة عند باب المكتب قائلة بنبرة طلب ممزوجة بإحراج:أرجوك يا "فادي" أنا بحاجه للحديث معك بالإضافة أنه بإمكاني تقديم معلومات تسهل ما تقوم به
ارتشف "فادي" قليلاً من كوب قهوته ليزفر بضيق قائلا:حسناً يا "إسراء" تفضلي
ارتسمت ابتسامة فرحة علي ملامح "إسراء" التي جلست علي المقعد الأيمن للمكتب قائلة بنبرة قسم:في البداية أرجوك أن تصدقني يا "فادي" والله الذي لا رب سواه لم أخبر "محب" بأية معلومات عن "قمر"والله
أطلق "فادي" تنهيدة طويلة تبعها نبرته الشبه هادئة ليقول:وأنا أصدقك يا "إسراء" إذن ماذا حدث؟!
ارتسمت علامات الفرحة علي ملامح "إسراء" التي عبثت بشاشة هاتفها لثواني لتضعه أمام "فادي" قائلة:تلك الرسالة وصلتني ليلة أمس من"هاني"
رسالة مضمونها طلب من "هاني" لعقد الصداقة بينه وبين "إسراء" مضاف إليها وعد بالحماية من "محب" الذي لن يستطيع الاقتراب منها طالما أنها في حمايته..
رسالة وجدها "فادي" أنها تحمل الكثير من الغموض ولكن إذا اتبعنا راسلها ستتفكك كثير من العقد في تلك القضية الشائكة...
أعاد "فادي" وضع الهاتف أمام "إسراء" ليقول بنبرة تساؤل:حسناً..ولكن ما الذي تنوي علي فعله؟!
نبرة حزن ممزوجة بإصرار نبعت من شفاه "إسراء" التي قالت:كل ما أريده هو الانتقام من "محب" ويبدو أن "هاني" سيقدم الكثير يساعدنا في ذلك ولكنني لن أستطيع مواجهته بمفردي لذلك أطلب مساعدتك للمرة الثانية......يتبع....
#نورهان_حسنى
أنت تقرأ
في أرض النوبة للكاتبه نورهان حسني
Gizem / Gerilimبسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته المقدمة "كرم.. شجاعة.. انتماء" صفات تلخص مشوار هذه المدينة السمراء النوبة ؛ أو كما أطلق عليها عبر التاريخ أطيب المدن وأقدمها.. "مدينة التضحيات" قيل عنها فى حكايات أخرى، وعلى الرغم من تعدد صفات...