الفصل الرابع عشر
وقعت عيني الشيخ علي الموضع الذي كان "فادي" يصلي فيه ليقول:"راضي"؟! عندما آتي إلي القاهرة رزقه الله بعمل في مصنع مأكولات غذائية في الصباح وبعد الظهيرة يبدأ عمله الآخر في مقهى وفي نهاية اليوم يعود إلي حجرة استأجرها علي سطح إحدى العمارات السكنية ينام ساعة كحد أقصى ومن ثم يأتي إلي هذا المسجد يجلس في الموضع الذي كنت تصلي فيه يناجي ربه بالساعات وهو ساجد يشعر الجميع برعشة جسده عند بكائه وهو ساجد وهو لا يعلم ما الذي جعل هذا الشاب يصل إلي ما هو فيه إلا أن تحدث معه رجل كان في منتصف عقده السابع..ارتاح "راضي" جداً في الحديث معه ليخبره بحكايته مع حبيبته التي تركها في قريته لا يعلم عنها أحد ومن ثم انتشرت الحكاية تدريجيا بين المترددين علي المسجد ليلقي "راضي" رد فعل لم يتوقع نهائياً..فبات الجميع بعد أن علموا بحكايته تلك يتقربون منه تدريجياً مكونين الصداقة معه وعندما يجلس في الموضع الذي يصلي فيه ينفضون من حوله تاركين إيها يشكي ما به إلي خالقه
مسح "فادي" علي وجهه قائلا بنبرة حزن ممزوجة بتساؤل:والفتاة الذي أحببها؟! وهو لم يتزوج بعدها؟!
ارتسمت ابتسامة هادئة علي ثغر الشيخ الذي قال:العاشق يا بني أشبه بالمريض بمرض مزمن ولكن الاختلاف أن مرض العشق لا ينهش في الجسد كباقي الأمراض بل يعيد إحيائه..و "راضي" كان عاشق بجدارة عشقه لتلك الفتاة هو ما جعله يصمم علي أن يتعلم أكثر وأكثر بينما تلك الفتاة باتت لياليها كما هي تتعذب من زوجها وتلبي طلبات أمه وأخوته إلا أن تلك الفتاة كان لها أخت كبري هي الوحيدة التي كانت تخفف عنها قليلاً ولكن في الخفاء خوفاً من والدها إلي أن تزوجت تلك الأخت من أبناء أحد أصدقاء والدها لتأتي معه إلي القاهرة وتطلب من زوجها أن يبحث عن "راضي" ولعلاقات زوجها مع أكابر المناطق الشعبية استطاع الوصول ل"راضي" لتكون أخت تلك الفتاة هي حلقة الوصل بينهم لتعيد تلك الفتاة الأمل إلي العاشقين الموجعين بلعنة الفراق إلي أن آتت اللحظة التي يخشها "راضي"
نبرة قلق ممزوجة بفضول نبعت من شفاه "فادي" الذي قال:أية لحظة؟!!
أعاد الشيخ إسناد رأسه إلي العمود ليقول بنبرة حزن تملكت من ملامحه قبل صوته:"راضي" كان متقرب من ربه إلي أقصى الحدود وصابراً علي البلاء إلي أن آتت له أخت حبيبته لتخبره بأنها في زيارتها الأخيرة لأختها كانت مريضة جداً وجسدها يحمل عدد لا يحصي من الكدمات والحروق في تلك اللحظة يا بني وكعادة الفطرة البشرية استسلم "راضي" إلي شيطانه الذي وسوس له بأن راحة تلك الفتاة ستحدث إذا أنهي هو حياته لأنها بذلك ستتأكد بأنه لن يعود وستعيش حياتها كباقي الفتيات ليعزم "راضي" علي الانتحار
نبرة ضجر ممزوجة بفضول نبعت من شفاه "فادي" الذي قال:الانتحار؟! لماذا؟!كيف هو بإيمانه هذا يفكر في ذلك؟؟!
اعتدل الشيخ في جلسته ليستعد في توصيل المعلومة الذي يريد من "فادي" أن يعلمها ليقول:يا بني!!نحن بشر أتدري ما معني ذلك؟!!معناه أننا سنخطئ بإرادتنا أو إن كنا مجبورين سنخطئ ذلك فطرة الجنس البشري تلك الفطرة التي تجعلنا أحياناً نستسلم للشيطان و وساوسه ولكن المتمسك بإيمانه الحق كما تقول لا يقع في فخ الشيطان ويرتكب ما يمحي جميع حسناته..هل فهمت؟!
أومأ "فادي" رأسه بالموافقة ليقول بنبرة تساؤل:ولكن "راضي"؟!
أعاد الشيخ رأسه للخلف قائلا بنبرة هادئة:في قانون العشاق يا بني مهما بعدت المسافات وطال زمن الفراق العاشق الحق هو من يشعره بمن يدق قلبه من أجله..يشعر به من دون أن يتكلم..يشعر به إن كان بينهم أميال.. يشعر به إن كانوا متخاصمين يشعر به لأن دقات قلبهم واحدة تضخ لتمد روح انقسمت علي جسدين بالحياة..
وذاك ما حدث مع "راضي" فعندما عزم علي تنفيذ فعلته تلك وكأنه حبيبته شعرت بأن جزء من روحها ستنهار وكأنها شعرت بأن مصدر القوة الذي يمد كيانها بالإصرار سينهار في تلك اللحظة فقط أغمضت تلك الفتاة عينيها وهي تري صورة "راضي" أمامها وهو يبعد عنها ببطء لتتفوه شفاهها بكلمة واحدة وهي "لا تتركني"
كفكف الشيخ دموعه لترتسم ابتسامة هادئة علي ملامحه قائلا بنبرة هدوء:وكأن جملتها تلك صوبت بسرعة البرق إلي قلب "راضي" ليعدل عن فعلته تلك ويرجع إلي عمله تمر خمسة سنوات ومع كل يوم يمر يرتفع شأن "راضي" في المصنع ليصبح نائب مدير المصنع والذراع الأيمن للمدير ليصنع "راضي" ثروة لا بأس بها إلي أن آتي له الخبر الذي انتظره سنين عمره وهو طلاق حبيبته بعد أن يأس زوجها من الوصول معها لحل
ابتسامة فرحة زينت ملامح "فادي" الذي قال:وماذا فعل "راضي"؟َ!!
ابتلع الشيخ ريقه قائلا بنبرة فرحة:في ذاك الوقت كان ل"راضي" شهرة كبيرة في العمل والمسجد الذي يتردد عليه وسكنه ولذلك استغلهم "راضي" وطلب من الرجال أن يستعيدوا للعودة معه إلي المنزل وبعد مرور فترة العدة بالتمام انطلق "راضي" مع أصدقائه إلي القرية ليقف بسيارته وسيارات أصدقائه أمام منزل والد تلك الفتاة وأهل القرية ملتفين حوله بخوف من رد فعل أبيها وما سيفعله به ولكن "راضي" لم يهتم بهم ولا بوالد الفتاة الذي خرج إليه يصيح به غاضباً وهو يمسك بسلاحه بل صاح باسم حبيبته بأعلى صوته وهي يقر بحبه لها أمام الجميع
اتسعت عيني "فادي" صدمة ممزوجة بقلق ليقول:وماذا فعل والدها؟!
ابتسامة خافتة غزت ملامح الشيخ الذي قال:لم يقدر علي فعل شئ لأن الشرطة جاءت في الوقت المحدد وعندما قال والدها بأن "راضي" جاء ليعتدي عليه خرجت تلك الفتاة التي عاني من أجلها سنوات..خرجت من باب والدها وهي تخطو خطواتها الأولي في حرم قلب "راضي" الذي يعتصر ألماً لشوقه لها لتنكر تلك الفتاة حديث والدها وتقول بأن "راضي" جاء لخطبتها و هي موافقة بل وإن والدها هو من منعها من الزواج منه منذ البداية ليؤمن الضابط الطريق لها لتخرج من بيت والدها الذي قارب علي الفتك بها لولا ضابط الشرطة الذي آمن خروجها ليصلها إلي سيارة "راضي" الذي لم ينتظر لحظات أخرى بل ضمها إلي أحضانه أمام الجميع لينطلق بها إلي القاهرة لتتم إجراءات الزفاف
تنهيدة راحة أطلقها الشيخ الذي اعتدل في جلسته مصوب نظره إلي "فادي" قائلا:تلك الحكاية التي شغلت بالك بها وأنا أقصها عليك ما كنت لأخبر أحد بها لولا أن رأيتك وأن تصلي اليوم رأيت في رعشة جسدك المختفية رعشة جسد "راضي" وعينيك التي تشع ألم عيني "راضي" وملامحك التي بان عليها الوجع مبكراً يا بني رأيت هيئة "راضي" أمامي رأيت هيئة عاشق يرتشف أوجاع الفراق ..أنا لا أطلب منك أن تخبرني ماذا بك ولكن أريدك أن تتعلم من تلك الحكاية يا بني ألا تستسلم مهما طال الفراق أصبر وناجي ربك ليل نهار..إياك يا بني أن تستسلم يوم لوساوس شيطانك إياك أن تصاب باليأس يوم ..أريدك أن تستمد قوتك وعزيمتك من آلامك تلك وأن تضرب بها عرض الحائط وأن تفكر فيما ستصنعه لتقتل ذاك الفراق وتعيد إلي ملامحك الروح التي تجعلها صافية..صدقني يا بني مهما كان الرجل قوي أمام أي خطر يواجه حبيبته يشعر بإرادة وقوة ستفتك بمن يضر بها ولكن إذا استسلم لحظة لشيطانه سيقضي علي حبيبته قبل أن يقضي علي نفسه..فهمت؟!
مسح "فادي" علي وجهه بكفيه ليرسم ابتسامة راحة علي ملامحه قائلا بنبرة هادئة:فهمت
قام "فادي" من موضعه تدريجياً ليتنهد بطمأنينة ممزوجة بثقة ليقول بنبرة تساؤل:إذا أردت الحديث يوماً هل ستسمعني؟!
ابتسامة هادئة غزت ملامح الشيخ الذي قال بنبرة موافقة:بالتأكيد يا بني عمك "راضي" علي استعداد لاستماع لك في أي وقت
علامات من الصدمة الممزوجة بالفرحة استولت علي ملامح "فادي" الذي مسح علي شعره بهدوء قائلا بنبرة هادئة:سيطول الحديث بيننا يا عماه..ألقاك علي خير
...
بمجرد أن خرج "بسام" من المسجد بعد أن أدي صلاة العصر ارتفع رنين هاتفه معلن قدوم اتصال من "ناهد"..
نبرة حزن ممزوجة بقلق نبعت من شفاه "بسام" الذي قال:هل حدث أمر ما ل"قمر"؟!!!
نبرة أوشكت علي البكاء توحي بمدي العجز التي تشعر به "ناهد" نبعت من شفاهها قائلة:"قمر" يا بني رافضة تماماً أن تتزين أو تخرج حتى للنساء اللاتي أتين للتهنئة وعمك أقسم بالله أنها إذا ما خرجت ليتخلص منها وهي رافضة قطعاً الخروج أرجوك تعال يا "بسام" لتتحدث معها
زفر "بسام" بضيق ممزوج بشفقة ليقول بنبرة موافقة:حسناً يا عمتي أنا في الطريق إلي المنزل
علي الجانب الآخر تحديداُ...دثرت "قمر" جسدها بغطائها واضعة الوسادة فوق رأسها لعلها تمنع أصوات الغناء والدفوف التي تنبع من خارج حجرتها...أوصالها باتت البرودة تتحكم منهم تدريجياً وشفتيها يرتعشان خوف من موعد الزفاف الذي سيقام غداً..قلبها يحاول بكل الطرق الممكنة إيجاد أية علامة توحي له أن ما يمر به ما هو إلا كابوس ستفوق منه قريباً وتعود ل"فادي" ولكن كل المحاولات فاشلة بل وإنها تثبت أن ذاك الزواج سيقام..
قوة "قمر" باتت ضعيفة منذ ليلة البارحة عندما آتي "محب" إلي منزلهم وأجبرها والدها علي الخروج له..ليبدأ ذاك المعتوه الملقب ب"العريس" بالتحدث معها بنبرة خبث ممزوجة بسخرية نبعت من كل كلمة صوب تجاه "قمر" التي ظلت عاقدة يدها أمام صدرها تنظر له بإشمئزاز إلا أن قال لها صريحة "جعلت ليلة الزفاف ليلة عيد مولدك لتدركي أن مولدك الحقيقي كان بين أحضاني وإن كان علي هدية مولدك سأمنحك إيها عندما تكوني بين ذراعي"
في تلك اللحظة فقط استجمعت "قمر" قوتها لتقوم من موضعها ببطء قائلة بنبرة برود ممزوجة بعند:الزفاف وسيقام ولكن صدقني أن نجوم السماء تلك أقرب لك من أن تلمس خصلة شعر مني لأن أنوثتي تلك وجسدي ملك لمن أحتل قلبي ملك ل"فادي" لا لأحد غيره
فتحت "قمر" عينيها بألم ويدها تتحسس جرح يدها الذي تسبب فيه "منير" ليلة البارحة بعد أن أخبره "محب" بما قالته ابنته ليضيف "منير" جرح جديد لجسد ابنته المتهالك من جروح قلبها قبل جروح جسدها الظاهرية..
لتعدل "قمر" في جلستها وتبدأ في وضع الأدوية الخاصة بتلك الجروح لتسمع طرقات خافتة علي حجرتها لتغلق عينيها بضجر قائلة بنبرة غضب مكتومة:لا أريد رؤية أحد
نبرة هادئة ممزوجة بطلب نبعت من شفاه "بسام" الذي قال:أنا "بسام" افتحي يا "قمر" من فضلك
سترت "قمر" كتفها العاري لتتحامل علي آلامها متجهة إلي باب حجرتها لتفتحه قائلة بنبرة جمود تخفي في طياتها آلامها:ماذا هناك يا "بسام"؟!
دلف "بسام" إلي داخل الحجرة..ليزفر بقوة قائلا بنبرة حكمة:هل لنا بعقد اتفاق؟!!
عقدت "قمر" حاجبيها بتعجب ممزوج بفضول قائلة بنبرة تساؤل:أي اتفاق؟!
نبرة ثقة ممزوجة بهدوء نبعت من شفاه "بسام" الذي قال:ستسمحين للسيدة المسئولة عن الحنة بالدخول لكي وترتدي عباءة مهما كان شكلها وتخرجين مع السيدات من أجل ليلة الحنة وفي تمام منتصف الليل سأصحبك إلي مفاجأة تنتظريها
ازداد تعجب "قمر" التي صممت لدقائق قائلة بنبرة تردد:أنا أعلمك جيداً يا "بسام" ولكن لا أستطيع تخيل تلك المفاجأة لذلك أنا موافقة ولكن هل تلك المفاجأة تستحق أن أخرج لأمثل دور العروس
أومأ "بسام" رأسه موافقاً وابتسامة الثقة تزين ملامحه ليقَبل جبين "قمر" بحنان قائلا:انتبهي علي نفسك جيداً
ما إن خرج "بسام" من الحجرة حتى دلفت إليها تلك السيدة المسئولة عن الحنة وبصحبتها "ناهد" التي اقتربت من أذن "قمر" هامسة:لقد وضحت لها أنكي سترسمين علي كفيك وكتفك فقط وأنا سأخرج إلي النساء
أومأت"قمر" رأسها موافقة لترتسم ابتسامة باردة علي ملامحها قائلة بنبرة قوة:هل لي بقلم و ورقة ؟!
عقدت السيدة حاجبيها بتعجب لتستخرج ورقة وقلم من حقيبتها قائلا:تفضلي
تناولت "قمر" الورقة لتنحي بجسدها لتكتب جملة وتضعها أمام السيدة قائلة:هذا ما أريد كتابته علي كتفي
اتسعت عيني السيدة بعدم فهم لما هو مكتوب لتقول بنبرة تساؤل:أعذريني يا عروس ولكنني لا أفهم ما المكتوب
تنهدت "قمر" بطمأنينة لتصطنع الحديث قائلة بنبرة براءة:تلك الجملة تكتبها معظم السيدات ليلة زواجهن تغازل فيها زوجها
ابتسمت السيدة براحة لتشمر عن ساعديها لتبدأ في كتابة أول حرف من جملة "Amanti debetur ego
Dicta "Fadi""
كانت تلك الجملة باللغة اللاتينية وترجمتها ليس ما قالت "قمر" نهائياً بل ترجمتها "أنا في ذمة عاشق يدعي "فادي" "
...
ارتسمت ابتسامة خبث علي وجه أحد شريك "محب" الذي احتضنه قائلاً بنبرة همس خبيثة:ستتزوج وتعود لعقلك أخيراً
قهقهة خافتة نبعت من "محب" الذي أشعل تبغه بلامبالاة قائلا بنبرة ماكرة:أتزوج نعم لكن يعود لي عقل ذاك هو المستحيل يا صديقي
جلس شريك "محب" الملقب ب"هاني" علي مقعد بجوار صديقه ليرسم ابتسامة باردة علي ملامحه وهو يقول بنبرة هامسة:التجار وافقوا علي السعر الذي أمرنا به ويطلبون الكوكاين في أسرع وقت
تصاعد دخان تبغ "محب" من حوله ليخفي ابتسامة النصر الممزوجة بالخبث المرسومة علي شفاه "محب" الذي قال:موافقتهم كانت متأخرة للأسف لذلك سننتظر أسبوعين وبعدها سنبيع البضاعة بضعف السعر الذي حددناه
مسح "هاني" علي ذقنه بتردد ممزوج بضجر ليقول بنبرة ضيق:ولكننا بذلك سنجعلهم يذهبون للتجار الآخرين
وكز "محب" صديقه في كتفه قائلا بنبرة ثقة :"هاني" نحن نعلم سوياً منذ أن بدأنا في التجارة بأي شئ وكل شئ وفي كل مرة أجلب لك أضعاف الربح الذي تريده لذلك استمع إلي حديثي جيداً
أكمل "محب" حديثه بنبرة بخبث:لا توجد بضاعة في السوق تنافس بضاعتنا بالإضافة لأن السوق متعطش للبضاعة لذلك كلما أخرنا موعد التسليم زاد ربحنا أضعاف
ما إن أنهي "محب" حديثه حتى اقترب منه أحد كبار رجال القرية يقدم له المباركة ليرمي عليه المال في حجره كعادة من عادات الزواج في النوبة ليأتي الرجل تلو الآخر يكررون ذاك الأمر إلي أن قام أحد رجال محب بربط ذاك المال كقلادة لترتفع أصوات الدفوف والغناء معلنة بداية ليلة الحنة الخاصة بالشاب ..
ليرسم "محب" ابتسامة فرحة ممزوجة بخبث وهو يرتدي تلك القلادة ليهمس في أذن "هاني" قائلا:الآن دعني أحظي بعرسي الذي انتظرته
...
علامات الفرحة تنير ملامح كل السيدات عدا "قمر" التي تجلس في أقصى يمين المنزل علي كرسيها عاقدة يدها أمام صدرها ودموعها تأبي أن تلمع حتى بدموعها لتظهر "قمر" كل قوتها في تلك الساعات لتكتم بقوتها تلك وابتسامة اللامبالاة المرسومة علي شفتيها ألسنة الفتيات والنساء اللاتي بدأ في إشاعة الكلام النائي عن إن "قمر" غصبت علي ذاك الزواج وما إلي ذلك...نعم إنه الحقيقة!!ولكن "قمر" بالرغم مما فعله والدها إلي الآن توجد شظية أمل تتسرب إلي قلبها لتمنحه أمل بأن والدها سيعلم الحقيقة في أقرب وقت ممكن وسيخلصها من ذاك الوحش..
صممت الفتيات حلقات للرقص علي أنغام الدفوف وغناء السيدات لترتفع أصوات ضحكاتهن ومزاحهن مع "قمر" التي تجلس صامتة توزع الابتسامات فقط لتبعث في نفس السيدات أنها راضية علي ذاك الزواج بل إنها سعيدة به ولكن "قمر" لم تستطيع خداع "ناهد" التي تجلس وكأنها تستقبل عزاء ابنتها وليس المباركات علي حنتها..قلبها يناجي ربها من أن يخلص ابنتها من تلك الورطة التي وقعت فيها بيد والدها وأن يمنحها القوة علي الوقوف في وجه ذاك المعتوه..
...
التف بجسده ليضع معلبات الدواء علي الطاولة التي بجانبه ليعتدل "ياسر" في جلسته قائلا بنبرة ضجر:ماذا أفعل لكي تتذكري دوائك ؟!
طأطأت "مريم" رأسها بحزن لترتسم علي ملامحها علامات الألم لتقول بنبرة أوشكت علي البكاء:دوائي هو صديقتي يا "ياسر"
زفر "ياسر" بضيق وهو يمسح علي جبينه ليقول بنبرة حزن:حبيبتي أنتي تعلمي "قمر" جيداً وتعلمي أن الله منحها القوة التي تجعلها تقف في وجه "محب" بل وتلقنه الدرس علي ما فعله فيها
ما إن أنهي "ياسر" حديثه حتى عقد يده أمام صدره وأسند رأسه إلي الخلف مغمض عينيه بإرهاق ليبدأ صراع عقله المشتعل قلقاً علي ما أخبره به "فادي" في الصباح..وصراع الغضب الذي بدأ يتسرب رويداً إلي أوصاله من تصرفات "مريم" التي بات يشعر بأن حزنها علي صديقتها شغلها عن مواساة زوجها فيما يمر به من ضغط في العمل وضغط انشغاله بأمر "فادي" الذي يحتاج إلي مساعدة في ذاك الوقت علاوة عن أي وقت سابق..
نعم "ياسر" مقدر تماماً لقلق "مريم" علي صديقته ولكن أنانيته كزوج عاشق تجبره علي الشعور بالضجر من إهمال "مريم" النسبي لما يحتاجه منها في تلك الفترة..
بينما علي الجانب الآخر..كان نظر "مريم" مصوب تجاه "ياسر" وعينيه المغلقة التي توحي بما يعانيه من إرهاق..لتتنهد "مريم" بحزن ليبدأ إحساس العتاب واللوم يتحكم من أوصالها تدريجياً ليعقد لها محاكمة نارية علي إهمالها لشعور زوجها في تلك الفترة..
تلألأت دمعة بين جفون "مريم" التي أحاطت يد زوجها بيدها وأسندت رأسها علي كتفه قائلة بنبرة أسف توشك علي البكاء:أنا آسفة يا "ياسر" لقد تحاملت عليك كثيراً تلك الفترة سامحني
ابتسامة هادئة اجتاحت ملامح "ياسر" الذي تنهد براحة وهو يطبع قٌبلة حانية علي جبين "مريم" قائلا:الأسف لا يوجد بيننا يا حلوتي
نبرة تردد ممزوجة بإحراج نبعت من شفاه "مريم" التي رفعت عينيها تجاه "ياسر" قائلة:هل لي بتقديم الاعتذار بشكل آخر لأنني أخطأت كثيراً؟!!
عقد "ياسر" حاجبيه بتعجب ليقول بنبرة فضول:حسناً
زفرت "مريم" بحسم لترتفع قليلاً بوجهها لتقابل وجه "ياسر" و بلا وعي منها اقترب "مريم" من شفاه "ياسر" الساكنة لتضمها بين شفتيها بهدوء ممزوج بشوق في قٌبلة طويلة لم يشعر أي من العاشقين بمدتها بقدر شعور "ياسر" بشوق "مريم" الممزوج بأسفها وشعور "مريم" بحنان "ياسر" الممزوج بشوقه..
ابتعدت "مريم" عن شفاه "ياسر" بإحراج ممزوج بتشتت وقبل أن تتحرك شفتيها للحديث آتاها صوت "ياسر" الذي يحمل شوقه وهو يقول:الاعتذار لم يكتمل بعد يا حلوتي
ارتسمت علامات السعادة الممزوجة بالخجل علي ملامح "مريم" التي فهمت ما يعنيه "ياسر" من حديثه لتحيط رقبته بكفيها الصغيرين لتهرب من عالمنا هذا إلي عالمها هي و زوجها ليهنئوا بليلة ساخنة جاءت لتمحي شوق مدفون بين ضلوع العاشقين..#نورهان_حسنى
يتبع.....
أنت تقرأ
في أرض النوبة للكاتبه نورهان حسني
Mysterie / Thrillerبسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته المقدمة "كرم.. شجاعة.. انتماء" صفات تلخص مشوار هذه المدينة السمراء النوبة ؛ أو كما أطلق عليها عبر التاريخ أطيب المدن وأقدمها.. "مدينة التضحيات" قيل عنها فى حكايات أخرى، وعلى الرغم من تعدد صفات...