الفصل الثاني عشر
خلعت "قمر" حذائها بخفة لتلقي بجسدها علي أريكة المنزل وهي تدندن بعض الأغاني بفرحة ويدها تعبث بهاتفها لتجد أن بطاريته استنفدت الشحن لتتركه كما هو بلامبالاة اكتسبتها من فرحتها بحديثها مع "فادي" لتقوم "قمر" من موضعها وهي تدندن إحدى أغاني أم كلثوم ويدها تحتضن السوار الذي أهدها "فادي" إياه قبل أن تستقل سيارة الأجرة..
ظلت "قمر" تتنقل في المنزل بخفة وهي تدور يميناً ويساراً ويدها مازالت محتضنة سوار "فادي" وكأنها طفلة بفستان ربيع باللون الأحمر تتراقص بخفة بين حدائق من الورود التي تعزف لها لحنً هادئاً من النسيم..
ولكن سرعان ما تحول هذا النسيم إلي إعصار غضب يشبه إعصار تسونامي نبع من طرقات غاضبة أو بالأحق طرقات قاتلة علي باب منزل "قمر" التي انتفض جسدها من شدة تلك الطرقات التي بعثت في أوصالها الخوف لتهرول "قمر" سريعا إلي باب المنزل لتفتحه وكأنها فتحت النار في وجهها فبمجرد أن فتحت باب المنزل طلقت صفعة نارية علي وجهها وقعت من أثرها علي الأرض..
صرخت "قمر" بقوة من ألمها وهي تتحسس موضع الصفعة لترفع عينيها بخوف لتجد والدها يقف أمامها وعينيه تشع غضب يتوعد ل"قمر" لتمتم بشفتيها:أبي
هبط "منير" إلي مستوي "قمر" ليقبض بيده التي تشتعل غضب خصلات شعر "قمر" الذي يحتمي خلف حجابها وهو يصوب لها ضربات نارية وصوت صراخها يزداد مع كل ضربة تصوب إلي قدمها أو معدتها أو يدها..
وصلت صيحات "قمر" لجميع من بالعمارة ليصل "ياسر" أولهم إلي منزل"قمر" لتتسع عينيه صدمة من منظر الدم الذي يتدفق من أنفها أو فمها أو قدمها أو ذراعها بالمعني أدق من جسدها كله الذي أصابته كدمات "منير" النارية..
انطلق "ياسر" بسرعة البرق تجاه "منير" يحاول إزاحته عن "قمر" بأية طريق ليدفعه "منير" بقوة وهو يسدد له صفعة قائلا:ابتعد عن طريقي يا صديق "فادي" تلك ابنتي ويجب عليً إعادة تربية تلك العاهرة من جديد وأخبر صديقك و والده أن حقي لن أتركه مفهوم لن أتركه
أنهي "منير" حديثه ليسدد ضربة نارية في معدة "قمر" ومن ثم يتجه إلي حجرتها ليفتح حقائبها بسرعة ويضع فيها كل ما هو موجود ويلقي بأوراق رسالة الماجستير الخاصة بها من شباك حجرتها ليقع بالمنور الخاص بالعمارة بينما علي الجانب الآخر..
هبط "ياسر" في مستوي "قمر" وهو يقول بنبرة سريعة:تحاملي يا "قمر" سأهرب بك من هذا الوحش
تأوهت "قمر" بآهات مكتومة وهي تقول بنبرة هامسة:دعني يا "ياسر" سيؤذيك وأبلغ "مريم" أنني كنت أريد أن أكون معها عند الولادة
بدأ سكان العمارة السكنية يتوافدون بلهفة ممزوجة بصدمة من منظر "قمر" تلك ليصرخ فيهم "ياسر" وهو يرفع الحجاب علي رأس "قمر" قائلا بغضب:ابتعدوا ابتعدوا عنها ابتعدوا
دمعة لؤلؤية اجتاحت خدي "قمر" الذي تزينه دمائها لتقول بنبرة ألم:قٌل ل"فادي" أنني أحبه بل اعشقه قٌل له أني سأنتظر أن يأتي ويأخذني بعيداً عنهم
وبمجرد أن أنهت "قمر" حديثها أطلقت صرخة مدوية ارتعد لها قلوب سكان العمارة أجمع لصرختها من قبضة "منير" التي أحكمت علي شعرها ليقول "منير" بنبرة أمر غاضبة موجهاً الكلام لبواب العمارة:أحضر حقائبها إلي سيارتي
ليكمل "منير" سلسلة الإهانة لابنته ويهبط بها الخمسة الطوابق علي درجات السلم وهي ملقية علي الأرض وتجر من شعرها كأنها عاهرة...لتقفل كل أبواب الرحمة في قلب "منير" وتحل محلها القسوة والغضب الأعمي الذي جعله يهين فتاته إلي تلك الدرجة فقط لأنها أحبت..
بات الآن جسد "قمر" يحمل علامات لغضب أعمي وقسوة تمكنت من "منير" لتدوس قدماه فوق جسد ابنته التي لا توجد بها أية قوة مقارنة به..بينما علي صعيد آخر..كانت "قمر" مغمضة الأعين تتلقي آلام جرها علي درجات السلم بكتم صراخها داخلها وشفتيها ترتعشان مرددة بعض آيات من القرآن الكريم بينما "منير" لا يري أمامه إلا نظرات "محب" التي تشكك في عرضه وصوته وهو يقول:نعم أنا من بعثت من يلتقط تلك الصور لأريك كمية التلوث الذي أصابت عرضك ولكنن لأنني رجل و أخشي عليك من الفضيحة في القرية سأتزوجها وفي ظرف أسبوع فقط غير ذلك سأوزع نسخ من تلك الصور علي أهل القرية لنري رأيهم فيها
هبط جسد "قمر" بقوة إلي درجات الطابق الثالث ليفوق "منير" من شروده علي دفعة في صدره وصيحة تقول:تريد أخذ ابنتك حقك ولن يلومك أحد ولكنك لن تذهب بها بتلك الطريقة إلا وأنا ميت
نظرة غضب قاتلة نبعت من عيني "منير" صوبت تجاه "ياسر" الذي قارب الفتك ب"منير" ليعيد "ياسر" حديثه بقوة:لن تتحرك من موضعها بتلك الطريقة
زاد "منير" من قبضته علي شعر "قمر" ليرفعها بكل قوته قائلا بنبرة غضب:الآن أغرب عن وجهي
أكملت "قمر" باقي طوابق السلم وهي تتحامل علي قدمها التي تنزف دم علي كل درج تاركة بصمة تدل علي مدي الوحشية التي تعامل بها "منير" معها..
وضع "البواب" حقائب "قمر" في السيارة وهو ينظر ل"منير" بغضب ليلقي "منير" بابنته في السيارة منطلقاً بها..
صعد "ياسر" سريعاً إلي "مريم" ليجدها منهارة كلياً لا تستطيع التحرك من علي كرسيها ليطلب من إحدى جاراتهم الجلوس معها ويستقل هو سيارته متجه إلي "فادي"..
بينما في سيارة "منير"..تلقت "قمر" أكبر دفعة سباب وصفعات من والدها الذي يقود بيد وباليد الأخرى يصوب الصفعات لها دون الانتباه لكمية الدماء التي نزفتها أو لدموعها التي تسيل علي خديها بهدوء..
هي لم ترتكب جريمة بل أعادت إحياء قلبها...
هي لم تفعل شئ سوي أنها أحبت من يظنه والدها أنه سلبها شرفها وعرضه ولكنه لم يفكر لدقائق أن ذاك الشاب منح ابنته إحساس بأن تلك الحياة بات لها معني..لم يمنحها كلمات عاشقة فقط بل منحها قلب عاشق يدعو ربه ليل نهار أن يرزقه بها في الحلال..
هي لم ترتكب أي ذنب ولم تضع في حسبانها نهائياً أن قلبها سيدق له ولكن إرادة العشق آبت أن تمنحها قلب غير قلب "فادي" الذي تمنته من ربها في دعوتها كثيرا..
ولكن إرادة والدها منحتها الآن الإهانة أمام الجميع كأنها عاهرة بل حتى العاهرة لن يحدث معها ما حدث مع "قمر"..
...
صيحة غضب نبعت من "فادي" الذي ضرب بيده كرسي مكتبه وهو يصيح:ماذا؟! هي ليست حق أحد غيري أنا كيف يفعل هذا بها؟! ألا يعلم أن لها رجل يحميها
انطلق "فادي" إلي خزانة ملابسه وهو يضربها بكل ما لديه من قوة صارخاً:هذا الرجل أصابه الكبر وبات مجنون أنا سأجعله يذوق العذاب لما فعله
انطلق "ياسر" إلي صديقه سريعاً في محاولة إلي إخماد ثورته تلك قائلا:"فادي" تكلم بعقل لا وقت لغضبك تلك أنا هنا لنصل لحل
ما إن أنهي "ياسر" حديثه حتى فتح "حمدي" باب الحجرة بتعجب ممزوج بقلق:ماذا حدث؟! لماذا تصيح يا "فادي" ؟!
نبرة غضب مكتومة نبعت من شفاه "فادي" التي تشتعل قلقاً علي "قمر" ليقول:أبي من فضلك أتركني وشأني أتركوني
أشار "ياسر" إلي "حمدي" لكي يغلق باب الحجرة ويتركهم بمفردهم ليلتفت "ياسر" إلي صديقه ليجده مسند رأسه علي خزانة ملابسه ويده تسدد لها ضربات متتالية ليقول له "ياسر":لقد جئت لكي أخبرك حتى لا تتصرف بتهور عندما تعلم فكر جيداً يا "فادي" وإن كان علي "قمر" سيحميها الله لأنكم لم ترتكبوا فاحشة
نبرة غضب مكتومة ممزوجة بألم أصاب قلب العاشق نبعت من "فادي" الذي قال:ليس باستطاعتي يا "ياسر" كل هذا بسبب ماضي هم المخطئين به ما ذنبها ليحدث بها كل هذا
مسح "ياسر" علي كتف صديقه قائلا بنبرة حزن:ذاك أمر الله يا صديقي والآن أجعلنا نفكر في حل
مسح "فادي" علي وجهه بقوة ليلتقط أحد التيشرتات الخاصة به ليرتدي أحدهم قائلا:أذهب أنت إلي "مريم" وأنا أعلم وجهتي لا تقلق عليً
نبرة قلق ممزوجة بحزن نبعت من "ياسر" الذي قال:بلا سأقلقك أخبرني فقط ماذا تنوي علي فعله ؟!
نبرة جدية ممزوجة بألم نبعت من "فادي" الذي قال:سأذهب معك إلي العمارة أولا ومن ثم إلي "وائل"
....
ألقي "بسام" بالصور أرضا ليقول بنبرة غضب:تلك الخرافات ما تجعله يزوجها من ذاك الوحش
كفكفت "ناهد" دموعها بتحسر ممزوج بقلق لتقول:صوب "محب" له كلامات نارية وبات عازماً علي تمام الزواج الخميس القادم
ضرب "بسام" الأرض بقدمه قائلا بغضب:هي لم ترتكب فاحشة وما أدراكم أنها حقيقة وإن كانت حقيقة ما الخطأ في الحب ما الخطأ
نبرة خوف ممزوج ببكاء نبعت من "ناهد" التي قالت:أرجوك يا "بسام" أمكث معنا إلي أن يأتوا وحاول أن تجعله يبدل رأيه
وبمجرد أن أنهت "ناهد" حديثها...فتح"منير" باب المنزل ليطرح "قمر" أرضاً لتختلط دمائها بالأرض التي طالما ركضت عليها فرحاً..
صرخت "ناهد" بصدمة ممزوجة بخوف علي حال ابنتها تلك لتهرول تجاهها وتخبئها بين ذراعيها و هي تصيح قائلة:ماذا فعلت بابنتي يا "منير" ؟! هل تريد قتلها وقتلي يا "منير" ؟!
ألقي "منير" بحقائب "قمر" قائلا بنبرة غضب ممزوجة بأمر:تلك هي ملابسها الذي ستذهب بها إلي منزل زوجها الخميس المقبل
حاول "بسام" السيطرة علي أعصابه قائلا بنبرة غضب مكتومة:زوجها من يا عماه؟! "محب" الذي نعلم جيداً ما هو وما هي أخلاقه؟! ما الذي فعلته "قمر" لتفعل بها كل هذا؟!
اتجه "منير" إلي حجرته قائلا بنبرة غضب ممزوجة بحسم:"بسام" أنت فقط ستكون شاهد لا أكثر..إذا تريد البقاء في المنزل أهلا بك ولكن إياك أن تناقشني فيما أفعله لأنني سأعيد تربيتها من جديد وإن كان علي "محب" فشكرا له أنه وافق علي الزواج من تلك العاهرة
طرق "منير" باب حجرته بقوة ليهرول "بسام" سريعا تجاه "قمر" ليحملها بين ذراعيه ليري عينيها التي تغلقها بألم خشية أن تصدر تآوهات أمام والدتها...
برفق ممزوجة بحزن وضع "بسام" "قمر" علي فراشها ليقول:عمتي من فضلك أحضري لنا الإسعافات
انطلقت "ناهد" إلي خزانة الإسعافات وعينيها تطلقان المجال لدموعها في الهبوط بألم لما حدث لما ابنتها بينما بمجرد أن خرجت "ناهد" حركت "قمر" شفتيها بألم قائلة:"بسام"
مسح "بسام" الدماء من علي جبين "قمر" بقميصه قائلا بنبرة أوشكت علي البكاء:أنا بجانبك يا أختي لا تقلقي
تمسكت "قمر" بيد "بسام" التي تزيل دمائها لتقول بنبرة ضعف ممزوجة بكسرة:بحق من خلقنا أنا لم أرتكب أية أخطاء ولم يحدث شئ مما قاله "م..
لم يمنح "بسام" "قمر" أية فرصة و إنما قال بنبرة حانية وهو يكفكف دمعة تشق الطريق إلي خديه:لا تكملي يا "قمر" أنا أعلم جيداً كيف هي أختي
تآوهات موجعة نبعت من شفاه "قمر" لتقول بنبرة ضعف:ولكن لماذا لم يصدقني أبي؟! لماذا أهانني؟! لماذا يريد أن يضحي بي لهذا الوحش؟! لماذا لم يحميني منه ويدافع عني بدلا من تصديقه له؟!
لم يستطع "بسام" أن يأتي بأية إجابة لأسئلة "قمر" أو بالأحق لم يعد يتحمل رؤيتها بذاك المنظر لينفجر باكياً وهو يضمها بحذر إلي أحضانه وبالرغم من شعور "قمر" بعظامها كأنها ستتحطم إلي أنها تمسكت ب"بسام" لتنفجر باكية وهي تردد:أنا أحببته فقط
زادت دموع "بسام" كأنها سيول تشق الطريق إلي وجهه ويده تمسح علي ظهر "قمر" بحنان وشفاهه تحاول جاهدة إيجاد كلمات تطمئنها بها إلي أن آتت "ناهد" بالإسعافات الأولية ليبدأ "بسام" في إسعاف "قمر" علي قدر ما استطاع ومن ثم تركها ل"ناهد" تبدل لها ثيابها ليذهب إلي "منير" الذي قال له:إن كنت تريد مناقشتي في مسألة العاهرة تلك فأخرج من الحجرة غير ذلك تفضل
بالرغم من نبرة الجفاء من "منير" إلا أن "بسام" حاول جاهداً أن يعيده عن قراره القاتل هذا ولكن بدون فائدة..
لتمضي "قمر" ليلتها بين أحضان والدتها وتحت أعين "بسام" الذي أمضي ليلته في بهو المنزل..
....
عقد "فادي" حاجبيه بتعجب وهو ينظر لسلسلة المفاتيح الذي أمامه ليأتيه صوت بواب العمارة:لا تتعجب يا بني أنا أعرفك جيداً و أتمني يوماً أن يكون ابني في أخلاقك وتكون ابنتي في أخلاق الآنسة "قمر" لذلك ذاك المفتاج الخاص بمنزلها هو في أمانتك الآن أصعد إلي المنزل لتلتقط أية أشياء تخص رسالتها لأنني لمحت أن والدها لم يأخذ جهاز اللاب توب الخاص بها وبعض المتعلقات
علامات من الراحة الممزوجة بالألم ارتسمت علي ملامح "فادي" الذي قال بعرفان:لا أعلم كيف أشكرك يا عماه أرجوك أن تدعي لنا
ابتسم حارس العمارة بحزن ممزوج بقليل من الأمل قائلا:أرمي حمولك علي ربك يا بني وبالمناسبة لقد استطاع بعض رجال العمارة إنقاذ بعض الأوراق التي ألقاها "منير" وستجدهم علي طاولة الطعام أما باقي الأوراق للأسف تم إتلافها
شكر "فادي" ذاك الحارس بكل ما استطاع من تجميع للكلمات ليتلفت بعينيه إلي "ياسر" قائلا:الآن سأجمع متعلقات رسالتها فلتصعد الآن لزوجتك هي تحتاجك أكثر مني
نبرة قلق ممزوجة بحزن نبعت من شفاه "ياسر" الذي قال:حسناً ولكن إن احتجت شئ فأنا موجود
ارتسمت ابتسامة باهتة علي ملامح "فادي" لينطلق بسرعة صاعداً إلي منزل "قمر" مستخدم درجات السلم بينما طلب من "ياسر" أن يستقل هو المصعد الكهربي ليستجيب "ياسر" إلي طلب صديقه ...
علي الجانب الآخر..كانت "مريم" مستلقية علي أريكة بمنزلها متخذة وضع الجنين في رحم أمه وعينيها مازالتا تذرفان الدمعة تلو الأخرى في صمت بينما باتت محاولات جارتها جميعها بالفشل لتهدئتها قليلا ولكن بمجرد أن فتح "ياسر" باب المنزل قفزت "مريم" تجاهه لتستلقي بين أحضانه بخوف ليرتفع صوت أنين بكائها الذي ارتفع
بسرعة رهيبة كأنه سهم في البورصة الأوربية...
استأذنت الجارة من "ياسر" الذي حاول تجميع الكلمات لشكرها علي جلوسها مع زوجته ومن ثم حمل "ياسر" زوجته إلي فراشهم وهو يشعر برعشة جسدها وأنين بكائها الذي يزداد في كل لحظة لبقول بنبرة مطمئنة:"مريم" بكائك هذا لن يفيد بشئ أدعي لها صدقيني هي تحتاج الدعاء لا أكثر
نبرة بكاء ممزوجة بألم نبعت من شفاه "مريم" المتمسكة ب"ياسر" قائلة:صوت صراخها مازال في أذني يا "ياسر" لقد كنت عاجزة ولم أحميها من ذاك الوحش ودرجات السلم مازالت تحمل دمائها
رعشة قلق نبعت من "ياسر" خوفاً علي "فادي" من رؤية تلك الدماء ليزفر بحزن قائلا بنبرة حانية:في النهاية هو والدها يا "مريم" مهما كان قاسياً سيحنو عليها مهما كانت ما تعرضت له منه هو والدها ليس بيدنا أن نمنعه عنها
بينما "ياسر" منشغل بتهدئة "مريم"..أنحني "فادي" بجسده إلي إحدى درجات السلم الملطخة بدماء "قمر" ليتحسس "فادي" قطرات الدماء تلك الشاهدة علي ما تعرضت له "قمر" من وحشية لترتعش جفونه غضباً ليطبق "فادي" شفاهه بقوة خشية أن تنفلت منه صرخة ألم يسمعها أحد..ليستكمل "فادي" طريقه صاعداً إلي المنزل وهو يري أمام عينيه الساعات الأخيرة التي جمعته ب"قمر" وعلامات الحزن والألم المكتوم تسيطر بسرعة علي ملامحه وكيانه أجمع..
دلف "فادي" إلي منزل "قمر" لتستقبله قطرات الدماء المبعثرة هنا وهناك لتنعيه علي ما تعرضت له حبيبته من وحشية علي يدي والدها ليغلق "فادي" عينيه بألم وكأنه يصرخ بأوجاعه أن تهدأ قليلا وأنه يجب عليه أن يكون أقوي ليسترد حبيبته ليبدأ "فادي" في ترتيب أوراق "قمر" وبعض الكتب المبعثرة علي الأرض وجهاز اللاب توب الخاص بها وهاتفها المحمول ليجمعهم "فادي" في حقيبة صغيرة ويجلس علي أريكة المنزل و شفتيه تتفوه ب"آه" خافتة من المستحيل أن يسمعها أحد ولكن صدها جعل كيانه كله ينتفض بألم يغطي "فادي" عينيه بيده مانحاً الفرصة لعقله للتفكير ولو لدقائق لعله يصل إلي أية حلول ولكن للأسف بأن جميعها ينتهي ضده هو و"قمر" ليشعر "فادي" بالخمول الممزوج بالراحة لشعوره بعطر "قمر" الذي يحوم حوله كأنه يسدد له دفاعات بطيئة من المخدر لتغلق عيني "فادي" معلنة هروبه من ذاك العالم بقيلولة لم يخطط لها ولكن ما كان واضحاً أن "فادي" استمتع بها كثيرا..
...
شعاع ذهبي هادئ يغزو الطريق إلي حجرة تلك الفتاة التي تغلق عينيها بألم وكأنه يستأذنها في مداعبة جسدها الذي يحوي كدمات لا حصر لها...دمعة لؤلؤية تدحرجت علي خدي "قمر" وهي تفتح عينيها بألم قائلة بنبرة مرتعشة ممزوجة بخوف: "بسام"
ثواني معدودة مرت علي "قمر" التي تبحث بعينيها عن "بسام" في كل ركن من الحجرة لينتفض جسدها بخوف بمجرد أن فتح "بسام" باب الحجرة قائلا بنبرة حزن ممزوجة بعجز تسيطر علي ملامح وجهه:أنا آسف
رعشة خوف صوبت إلي كيان "قمر" وكأنها صدمة كهربية لتقول بنبرة خوف:ماذا حدث؟!
طأطأ "بسام" رأسه بعجز قائلا بنبرة أوشكت علي البكاء:سيتم عقد قرانك أنتي و"محب" الليلة
وكأن كلمات "بسام" كان كسهام أطرافها مسممة تغزر في جروح "قمر" التي تملأ كيانها والأهم ذاك الألم الذي يجتاح كيانها ليتحول حزنها إلي عدم تصديقها وتتحول آلامها إلي لامبالاة لترتفع ضحكات "قمر" الصاخبة وكأنها تهز أركان المنزل الذي يحوي أجمل لحظات حياتها لتزداد ضحكاتها في صخبها وكأن الجنون قد أصابها ليقترب منها "بسام" بقلق قائلا:"قمر" ماذا بك؟! "قمر" اهدئي قليلا
دلفت "ناهد" إلي داخل الحجرة إثر سماعها صوت ضحكات ابنتها الصاخبة لتقول بنبرة خوف:ماذا حدث؟!"قمر" اهدئي قليلا يا ابنتي
قفزت "قمر" من علي فراشها بألم ممزوج بجنون قارب علي التملك منها كلياً لتقول بنبرة ضحك مزمن:أنا؟! أنا بخير جداً اليوم عقد قراني
أكملت "قمر" حديثها بنبرة جنون كاملة وهي تشير إلي وجهها قائلة:ولكن ماذا سنقول للناس عندما يرون تلك المعالم الجديدة أتعلمون شئ لقد وجدت الحل
وقفت "قمر" أمام مرآتها لتلتقط علي صندوق لمستحضرات التجميل لتبدأ في العبث علي وجهها بالمستحضرات وهي تضحك بلا وعي بينما "بسام" عاجز عن إيقافها وهرولت "ناهد" إلي "منير" لتصيح بغضب قائلة:أفعل ما شئت يا "منير" أنا أريدك منك أن تقتلها ولكن لا تزوجها ب"محب" ابنتك ستصاب بالجنون
بينما علي الجانب الآخر..دفعت "قمر" يد "بسام" التي تحيطها لتدور في حجرتها بجنون بالرغم من الألم الذي يسيطر علي جسدها بأكمله إلا أن "قمر" وقفت علي فراشها لتبدأ في مرحلة جنون لتقفز بكل قوتها التي أصبحت هشة وضحكتها الصاخبة ترتفع رويداً رويدأ..
لم تكن "قمر" في ذاك العالم الوحشي الذي يحيط بها وإنما كانت تشعر بأنها في بستان يعج بالأزهار التي تتراقص معها عازفة لحن الفرحة وتري أمامها "فادي" يجلس بين الأعشاب ينظر لها بابتسامته الهادئة..
ذاك هو العالم الذي كانت "قمر" تشعر أنها به..
عالم لم يسلبها كرامتها لأنها أحبت..
عالم لن يجعلها زوجة لرجل تكره..
عالم لا يمتلأ بالقسوة والكراهية والمعتقدات العقيمة..
عالم لا يوجد به إلا "فادي"!!
"فادي" الذي استطاع إعادة إحياء قلب تلك الفتاة ليشعرها بأنها ما زالت مراهقة تتم لتوها عامها الخامس عشر...
"فادي" بكل تعجرفه ولامبالاته كان عاشق أمام عينيها يرويها من شفتيه كلمات ينحني لها العشق احترامً..
فاقت "قمر" من أحلامها الخيالية تلك علي صيحة والدها بها وهو يقول:المأذون سيأتي في تمام الساعة السابعة لذلك لطخي وجهك بأية مساحيق تجميل لعينيك وأرتدي وشاحك
لحظات صمت مرت علي "قمر" ليختلط جنونها بألمها ويحل محله الألم كلياً لتهرول "قمر" تجاه والدها وتجثو علي ركبتيها تحت قدم والدها و جسدها يرتعش خوفا كالمقبل علي تنفيذ حكم الإعدام.. و كيف لا ؟؟و هي لتوها سمعت حكم إعدامها من شفتي والدها...حكم بالزواج من شخص هو و الإنسانية عنصران متضادان..كيف لا؟؟و قد حكم عليها بالزواج من شخص تنحي له القسوة لتتعلم منه...
أمسكت "قمر" بيد والدها برجاء و دموعها تشق الطريق ليده المليئة بالتجاعيد...عيونها تطلب منه أن يرجع في قراره..دقات قلبها تختفي تدريجيا خوفا من تنفيذ هذا الحكم..
تحركت شفاهها المرتعشة بخوف قائلة:أرجوك أفعل بي ما شئت.. أقلتني...أحرقني...عذبني...و لكن لا تزوجني منه أرجوك
ارتفع صوت نحيبها مصاحب لكلماتها المرتعشة..لتتأوه بألم من قبضة والدها العنيفة لتنظر له بخوف قائلة:أرجوك
ضغط والدها علي يدها بقوة ليخلع من يدها السوار قائلا بقوة:أليس هذا السوار من المصراوى..أليس هو من جعلك تجلبين العار لي
قبض والده علي رقبتها قائلا:لا أريد سماع صوتك إلا أن يقام الزفاف
ما إن أنهي "منير"حديثه حتى دلف خارجاً من الحجرة وقبل أن تلحق به "ناهد" أوقفها صوت "قمر" الذي ينبع بالجمود قائلا:أمي انتظري
أكملت "قمر" حديثها وهي تستند علي "بسام" قائلة:اتركيه يا أمي لا تقول شئ..أبي بنفسه يلقي بي في النار
نبرة قلق ممزوجة بحزن نبعت من "بسام" الذي قالت:ما الذي تنوي علي فعله يا أختي؟!
وكأن "قمر"أعادت شحن قوتها وعزيمتها مما تعرضت له من إهانة لتعيد خصلات شعرها إلي وراء قائلة بنبرة جمود ممزوجة بثقة:إن كان "محب" فعل ذلك لنتزوج فذاك العقد سيكون باطل وأنا سأعلمه كيف يفعل بي ذلك ؟! أما عن أبي فالأيام ستثبت له أنني لم أفعل أي شئ مما يظنه و"فادي" سأتزوجه عاجلا أم أجلا
أكملت "قمر" حديثها لتوجه نظرها إلي "بسام" قائلة:الآن يا أخي أرجو منك أن تحضر لي الأدوية التي سأكتبها لك وبعض مستحضرات التجميل لأخفي العلامات تلك
....
شطيرة من الخبز المحمص وقطعة جبن بسيطة مع كوب من عصير البرتقال الطازج وضعتهم "إسراء" علي طاولة الطعام لتبدأ في تناول إفطارها في هدوء إلي أن ارتفعت أصوات طرقات غاضبة علي باب المنزل..
هرولت "إسراء" إلي وشاحها الخاص لتداري كتفها العاري ومن ثم اتجهت إلي باب المنزل لتفتحه بتعجب ليزداد تعجبها من رؤية ذاك الطارق وبتحول إلي صدمة ممزوجة بخوف من نظرات الغضب المصوبة تجاهها..يتبع........
#نورهان_حسنى
أنت تقرأ
في أرض النوبة للكاتبه نورهان حسني
Mystery / Thrillerبسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته المقدمة "كرم.. شجاعة.. انتماء" صفات تلخص مشوار هذه المدينة السمراء النوبة ؛ أو كما أطلق عليها عبر التاريخ أطيب المدن وأقدمها.. "مدينة التضحيات" قيل عنها فى حكايات أخرى، وعلى الرغم من تعدد صفات...