الفصل الثامن والعشرون
طرقات خافتة علي باب حجرة "أسماء" جعلتها تحرك شفاهه بنبرة إذن للدخول لتدلف والدتها إلي الحجرة قائلة:"أسماء" أجهزي سريعاً
رفعت "أسماء" خصلات شعرها المتساقط لتحرك رقبتها يميناً ويساراً بإرهاق ومن ثم تحرك شفاهها بنبرة نعاس:أجهز لماذا يا أمي؟! أنا أريد النوم قليلاً أرجوكي
تنهيدة ضجر امتزجت بنبرة الملل النابعة من شفاه "والدة أسماء" التي قالت:ألا تعلمين أن "بسام" بالأسفل مع والدك
التفت "أسماء" بعينيها بصدمة إلي والدتها لتبتلع ريقها بصعوبة امتزجت مع نبرتها المشتتة لتقول:نعم؟! من؟! أين؟! كيف؟! متى؟!
قهقهة خافتة نبعت من شفاه "والدة أسماء" التي صوبت بعينيها نظرات فرحة ممزوجة بتحسر علي حال ابنتها التي تحولت إلي مريضة عقلية لتحرك شفاهها بنبرة تنبيه:أرتدي ملابسك سريعاً لأن "بسام" واضح عليه الإرهاق ولا يريد الحديث إلا في وجودك
ما يقارب الربع ساعة قضتها "أسماء" في تبديل ملابسها وارتداء حجابها محققة رقم قياسي بعدما تملكها التوتر الممزوج بالفضول لمعرفة سر زيارة "بسام" بالرغم مما يعانيه من إرهاق..
جلست "أسماء" علي مقعد في مقابلة "بسام" الذي ارتشف قليلاً من كوب قهوته قائلاً بنبرة هدوء:بالطبع يا عماه أنت تعلم جيداً ما مررت به في الأشهر الماضية بسبب القضية وما إلي ذلك وتلك الأمور جعلتني أنشغل كثيراً عن "أسماء" وهذا كان بغير إرادتي
أطفئ "والد أسماء" تبغه ليحرك شفاهه بنبرة هدوء قائلاً:يا بني ذاك عملك وأهم شئ في حياتك وبما أنه كان خارجً إرادتك فلا لوم عليك
رفعت "أسماء" حاجبها بتعجب امتزج مع نظراتها المتسائلة ل"بسام" لترتسم ابتسامة خافتة علي ملامح "بسام" الذي قال بنبرة حانية:بالرغم من كل ما كان يحدث يا عماه إلا أن حلم إتمام زفافي ب"أسماء" كان من أهم أولوياتي لذلك كنت أحاول بذل ما باستطاعتي لتقديم موعد ذاك الزفاف لذلك يا عماه فقط استطعت بفضل الله تدبير مبلغ لشراء منزل وتجهيزه من حيث الألوان والديكور وما إلا ذلك ما ينقصه فقط هو ما تحتاجه "أسماء" من أثاث ومن ثم تخطو إلي مملكتنا
نظرات صدمة امتزجت بملامح فرحة تبادلتها "أسماء" مع والديها إثر حديث "بسام" هذا ..لتبتلع "أسماء" ريقها بصعوبة قائلة بنبرة صدمة تخفي في طياتها فرحة يتراقص بها قلبها:"بسام"!!هل أنت مستوعب لما تقوله؟!
أومأ "بسام" رأسه موافقة ليحرك شفاهه بنبرة ثبات امتزجت بنظرات حبه التي يصوبها بلا رحمة إلي عيني "أسماء" ليقول:مستوعب جداً..في الفترة السابقة نعم كنت مهمل في حقك كثيراً وأنا أعتذر لكي أمام والديك ولكن بعدما حققت حلمي الأول في تلك الوظيفة ما عاد لدي حلم أسعي لتحقيقه سوي إتمام زفافنا في عيد الفطر
أطلق "والد أسماء" تنهيدة حيرة امتزجت بنبرته المتسائلة التي حرك بها شفاهه قائلاً:بعيدً عن تكاليف الزفاف وما سيحدث فيه تلك أمور ترتب لها أنت و"أسماء" ولكن يا بني بعد غد من المحتمل أن تكون أول أيام الشهر الكريم وأنت بذلك تمهل شهر لتحضير الأثاث وما إلي ذلك وإن استطاعنا إنجازه ما بال أهلك يا بني؟!
تنهيدة ألم أطلقها "بسام" امتزجت بنبرته الثابتة التي حرك بها شفاهه قائلاً:إن كان علي عمي "منير" فأنا أعلمه جيداً هو بات يراني مخادع ولن ينسي مع حدث بسهولة ومن المستحيل أن أحادثه في تلك الفترة..عنم من الممكن ان يحضر الزفاف ولكن لست متأكد وبالإضافة لذلك سيادتك تعلم جيداً أنه لا أهل لي سواه هو و زوجته و"قمر" وإن كان علي زوجته فهي أمي الثانية وبكل تأكيد ستحضر الزفاف رغماً عنه ولكن "قمر" فحالتها هي الأصعب لما تمر به وما إلي ذلك
نظرات حيرة امتزجت بعلامات التردد التي تبادلها كلاً من "والد أسماء" و"والدتها" فبالرغم من تأكدهم من أن "بسام" هو الشخص الأمثل لابنتهم بل والأهم أن ابنتهم تحبه إلي حد كبير إلا أن التقاليد تبقي لتقاليد بالنسبة لهم..
بينما علي النقيض..كانت نظرات الفرحة الممتزجة بعلامات الشوق التي ترتسم علي ملامح "بسام و أسماء" كانت هي سلاحهم الأقوى لإطاحة بتلك التقاليد بعرض الحائط لذلك حركت "أسماء" شفاهها بنبرة هدوء:أبي؟!
حضرتك دائماً ما تثق في قرارتي لذلك أتمني منك أن توافق لأنني لا يهمني أية تقاليد مهما كانت أهميتها ما يهمني حقاً هو "بسام" ولا أحد غير "بسام"
ارتسمت ابتسامة فرحة علي ملامح "بسام" الذي حرك شفاهه بكلمة "أحبك" لتقابلها "أسماء" بنظرات فرحة امتزجت بخديها اللذان توردا خجلاً..
ليطلق "والد أسماء" تنهيدة استسلام امتزجت بنبرته الموافقة قائلاً:علي بركة الله..مبروك
...
وبخبر تحديد موعد زفاف "بسام" و"أسماء" في آخر أيام عيد الفطر المبارك أنقضي يوم أبطالنا إلي هذا ليهرب الجميع إلي النوم ليحظوا بقيلولة هادئة بعد يوم أرهق الجميع..
أعلنت أشعة الشمس الذهبية بداية يوم جديد يحمل في جعبته الكثير والكثير عن أبطالنا..ولكن!! قبل أن ننتقل إلي تفاصيل ذاك اليوم...
دعنا نتأمل حجرة المكتب تلك التي تضم بين جدرانها فتاة صامتة علي مقعدها الجلدي في مستوي ذراعها توجد ورقة مكتوب في بداية "طلب استقالة"..
تلك الكلمة التي تحوي في معانيها قرار تلك الفتاة بالهروب عن تلك الشركة أو بالأحق الهروب عن رؤية ذاك المتعجرف..الهروب عن متابعة ما يحدث من اقتراب موعد اجتماعه بحبيبته...
ما رأته تلك الفتاة أو بالتحديد "إسراء" أن الهروب هو الحل الأمثل للحكم بالموت الأبدي علي قلبها بعدمها أصبحت خيوط أملها في الاجتماع به رماد تتطاير إثر نسمات الزمان الغادرة..
بمجرد أن أنهت "إسراء" كلماتها الأخيرة في طلب الاستقالة ذاك حتى هوت دمعة دافئة علي كفها المرتعش تنذرها بأن ما هو قادم سيكون أداة للفتك بما ظل في كيانها ولكنه!!لن يكون أقوى مما ستتعرض له إذ ظلت في تلك الشركة..
لذلك كفكفت "إسراء" دموعها سريعاً وحملت حقيبة ظهرها متجهة إلي مكتب رئيس مجلس إدارة الشركة..
دلفت "إسراء" خارج حجرة مكتبها لتخطو خطواتها الأخيرة في طرقات الشركة بثبات يخفي في طياته صيحات الألم التي قاربت علي الفتك بما ظل فيها من قوة..
نبرته التي طالما حفظتها عن ظهر قلب..نبرته التي طالما كانت تتراقص فور سماعها لكلماته حتى و إن كانت متعجرف..نبرته التي طالما حلمت بأن تنسج لها كلمات غزل..نبرته التي باتت أداة لغرز الألم في جرح قلبها المتهالك..
ها هي نبرته الآن تنادي باسمها من جديد..لتتجمد "إسراء" موضعها وهي تشعر بأنها ستفقد توازنها بلا شك لذلك استندت بذراعها علي الجدار لتلتفت بجسدها قائلة بنبرة ثبات مصطنعة:صباح الخير..هل كنت تنادي عليً؟!
ارتشف "فادي" قليلاً من كوب قهوته ومن ثم حرك شفاهه بنبرة هدوء:نعم..أنت بالطبع علمتى بما حدث مع "محب"؟!
أومأ "إسراء" رأسها موافقة ليتابع "فادي" حديثه قائلاً:أنا فقط أردت شكرك علي ما مساعدتك في مجري القضية وما إلي ذلك
ابتسامة خافتة ارتسمت علي ملامح لكيان متهالك لتمتزج بنبرة "إسراء" التي أوشكت علي البكاء لتقول:أنا ما فعلت ما كان يجب الأهم أننا تخلصنا منه
أومأ "فادي" رأسه موافقاً ليلتفت بجسده عائداً في طريقه إلي مكتبه وبمجرد أن خطي خطوته الثالثة أوقفته نبرة "إسراء" باسمه..
ليلتفت "فادي" بعينيه بنظرات تعجب امتزجت بنبرته المستفهمة قائلاً:نعم؟!!
ابتلعت "إسراء" ريقها بصعوبة امتزجت مع نبرتها المرتعشة لتقول:من المحتمل أن تكون بداية شهر رمضان لذلك كل عام وأنت بخير
ابتسامة خافتة ارتسمت علي ملامح "فادي" ليحرك شفاهه قائلاً:وأنتي بخير..
سار "فادي" في طريقه إلي مكتبه تاركاً "إسراء" شاردة موضعها تتأمله لآخر مرة ستراه فيها لأن قرار الهروب صار نهائياً بالنسبة لها لاكتفائها بابتسامته الهادئة التي ودعها بها تلك
...
خلع "وائل" معطفه ببرود اكتسبه من صداقته ل"فادي" ليهوي بجسده علي مقعده الجلدي ونظرات الانتصار تشع من عينيه لتصوبها إلي عيني "محب" التي باتت تتميز بنظرات اللامبالاة..ليحرك "وائل" شفاهه بنبرة أمر قائلاً:حسناً اسمعني جمال نبرتك وأخبرني بتفسيرك لتلك الجرائم كلها
تنهيدة لامبالاة أطلقها "محب" لتمتزج مع نبرة الجفاء النابعة من شفاهه ليقول:لم أرتكب شئ
ابتسامة ساخرة ارتسمت علي ملامح "وائل" لتمتزج مع نبرته المحذرة التي حرك بها شفاهه قائلاً:أتدري كم عائلة قٌتل أحد من أفرادها بسبب سلاحك؟!أم كم شاب صار مدمن بسببك؟! أم كم شخص تٌوفي إثر أغذيتك المسممة؟! أم كم صاحب أرض زراعية تحولت إلي أرض بور بسبب موادك الزراعية المميتة؟!
هل تريد أن استدعي كل هؤلاء ليأخذوا حقهم منك؟! أم أخذ حقي أنا منك؟! أم تتخلي عن جنونك هذا وتخبرني بكل شئ؟!
لم يتلقي "وائل" أية إجابة من "محب" لتظل نظرات اللامبالاة هي المسيطرة علي ملامح "محب" الذي لم يحرك شفاهه حتى ليطلق "وائل" تنهيدة خبث امتزجت بنبرته الساخرة التي حرك بها شفاهه قائلاً:حسناً الأفضل السكوت حقاً بالإضافة لأنني مرهق قليلاً..ولكن ما رأيك إذا أحضرنا والدتك تضيف طابع مرح علي ذاك الجو الملل بحديثها الجنوني عن والدك
نظرات صدمة امتزجت بصيحة "محب" الغاضبة التي حرك بها شفاهه قائلاً:إلا أمي أيها ال...
لم يمهل "وائل" "محب" أية فرصة لاستكمال حديثه وإنما أحكم القبضة علي رقبته ليشعر "محب" وكأن أنفاسه باتت في طريقها للانقطاع نهائياً عن رئتيه ليلقي به "وائل" أرضاً مسددً لكمات متتالية إلي جسده بينما "محب" لم يشعر بألم تلك اللكمات بقدر شعوره بأنفاسه التي بات يلهثها كالمجنون..
أنحني "وائل" لالتقاط "محب" من كتفه ليسدد له لكمة قوية علي رأسه جعلت شفاهه تتأوه ألمً..
ألقي "وائل" بجسد "محب" الذي ما عاد يملك أية قوة جسدية ليحرك "وائل" شفاهه بنبرة قوة:من الأفضل لك أن تتحدث وإلا أنت تعلم جيداً ماذا سيحدث لك ولوالدتك
بات العجز هو الممسك بزمام الأمور في كيان "محب" الذي تخلي عن قوته وجشعه في اللحظة التي وجد أن "بسام" هو الذي أحكم القبض عليه..
لتتحول قوته إلي رماد علي يد من كان يظن أنه يحرك بأصابعه..
نبرة عجز نبعت من شفاه "محب" الذي قال:حسناً سأخبرك بكل شئ
...
"تعلن دار الإفتاء المصرية أن اليوم هو المتمم لشهر شعبان وأن فجر اليوم سيكون بداية شهر رمضان الكريم..أعاده الله علينا وعلي الأمة الإسلامية بالخير"
بمجرد أن أنهي "مفتي الجمهورية" تلك الكلمات التي زفت خبر حلول الشهر الكريم حتى أطلقت "قمر" تنهيدة فرحة ممتزجة بألم لأن تلك الأيام المباركة أتت عليها لأول مرة بدون والدتها..
بدون قٌبلتها الحانية وهي تهنئها بالشهر الكريم..بدون زينة رمضان التي طالما زينت بها منزلها بمساعدة "بسام".. بدون ابتسامة والدها وهو يدلف إلي المنزل حاملاً فانوس رمضان لها..
لأول مرة يكون شهر رمضان الكريم بدون عائلتها..
لمسة حانية مسحت علي ظهر "قمر" لتلتقطها من أحزانها لتلتفت "قمر" بعينيها لتجد "ثرية" تقف خلفها وبيدها كوب من اللبن..
ابتسامة صافية امتزجت بنبرة "ثرية" المهنئة لتقول:كل عام وأنتي بخير يا ابنتي
قامت "قمر" من موضعها بسرعة لتهوي علي جبين "ثرية" بقٌبلة حانية ومن ثم تحرك شفاهها قائلة:و أنتي بخير وبسلام يا عمتي
ناولت "ثرية"كوب اللبن ل"قمر" قائلة بنبرة فرحة:تلك من تقاليد منزل "الشيخ\راضي" قبل الذهاب لأول صلاة تراويح في رمضان نرتشف قطرات من اللبن
ابتلعت "قمر" ريقها بصعوبة لتحرك شفاهه بنبرة طفولية:سأخبرك بسر..أنا لا أشرب اللبن نهائياً
قهقهة خافتة نبعت من "ثرية" التي حركت شفاهها بنبرة حنين للذكريات:يا الله نفس الجملة التي طالما عانيت منها مع أطفالي..حسناً ارتشفي بعض القطرات دفعة واحدة ولن تشعري بطعمه بقوة
اضطرت "قمر" لتنفيذ تقاليد منزل "الشيخ\راضي" لترتشف بعض القطرات بسرعة البرق ومن ثم تغلق عينيها بمرارة وملامح الطفولة باتت تتحكم من أوصالها لتطلق "ثرية" ضحكات متتالية علي ذاك المشهد الطفولى الذي ذكرها بأطفالها..
مسحت "قمر" علي ثغرها بتأفف ومن ثم حركت شفاهها قائلة بنبرة تساؤل:ألن يأتي أبنائك تلك السنة يا عمتي؟؟!
أطلقت "ثرية" تنهيدة ضيق امتزجت بنبرتها الحزينة التي حركت بها شفاهها قائلة:للأسف يا ابنتي ذاك أول رمضان يمر علينا دون أن يأخذوا أجازة من عملهم..المهم أنهم بخير الحمدلله ذاك هو الأهم بالنسبة لي وبإذن الله يستطيعوا النزول إلي مصر في أقرب فرصة
أكملت "ثرية" حديثها بنبرة حانية وهي تمسح علي كتف "قمر" لتقول:ولكن الحمدلله أكرمني الله بمكوثك معنا حتى لا نبقي بمفردنا
ابتسمت "قمر" بسعادة سرعان ما تمكنت من أوصالها لتحرك شفاهها بنبرة فرحة:أنا سعيدة جداً يا عمتي لمكوثي معكم فيما سبق ولأن رمضان أتي عليً وأنا لست وحدي بل معكى ومع "عمي\راضي"
انتبهت عيني "ثرية" إلي ساعة الحائط المقابلة لها لتحرك شفاهها بنبرة إدراك:حفظكي الله يا ابنتي..الأهم الآن أن ندلف إلي الحجرة لنصلي التراويح ومن ثم تهيئ نفسك..ألم تقولي بأن "فادي" سيأتي لكي؟!
أومأت "قمر" رقبتها بمعالم الفرحة لتدلف بصحبة "ثرية" إلي حجرتها من أجل تأدية صلاة التراويح الأولي..
سرعان ما امتلأت شوارع القاهرة بزينة شهر رمضان الكريم وهرول الجميع إلي المساجد لتأدية صلاة التراويح لتكتسي أجواء القاهرة بل ربوع "مصر" جميعها بأجواء فرحة قدوم الشهر الكريم..
بمجرد انتهاء صلاة التراويح بما يقارب الثلث من الساعة..توقفت سيارة "ياسر" أمام أحد المنازل ليحرك شفاهه بنبرة هادئة:هيا يا حبيبتي
أخفت "مريم" ملامح وجه ابنتها الساكنة بين ذراعيها بوشاحها لتحرك شفاهه بنبرة تساؤل متعجبة:ما هذا المنزل؟! لماذا أتيت بنا إلي هنا يا "ياسر"؟!
حمل "ياسر" ابنته من بين ذراعي "مريم" ليحرك شفاهه بنبرة غموض قائلاً:أهبطى فقط ومن ثم ستعلمين لماذا أتينا إلي هنا
ارتجلت "مريم" من السيارة بتعجب يكسو ملامح وجهها وسرعان ما ازدادت ملامحها تعجباً فور رؤيتها لسيارة أخري تقف أمامهم ويرتجل منها شاب وفتاة..
رفعت "مريم" ثغرها في مستوي أذن "ياسر" لتحركه بنبرة تساؤل هامسة:"ياسر" ما كل هذا؟!
نبرة مطمأنة ممزوجة بقليل من الغموض نبعت من شفاه "ياسر" الذي قال:الصبر يا حبيبتي الصبر
اقترب ذاك الشاب من "ياسر" لترتسم ابتسامة فرحة علي ملامحه لتمتزج بنبرته الهادئة ليقول:كل عام وأنت بخير
ارتسمت ابتسامة مرح علي ملامح "ياسر" الذي احتضن ذاك الشاب بحذر لحمله لابنته ليحرك شفاهه بنبرة هادئة:وأنت بخير..دائماً مواعيدك بالثانية يا "بسام"
نبرة مرحة امتزجت بترحيب نبعت من شفاه "بسام" الذي قال:بالطبع يا صديقي..مبروك يا مدام علي الطفلة بارك الله لكم فيها
ارتسمت ابتسامة قلق علي ملامح "مريم" لتمتزج بنبرتها الشاكرة لتقول:شكراً لسيادتك
نبرة توضيح ممزوجة بسعادة تكسو ملامح "بسام" الذي قال:تلك "أسماء" خطيبتي
تصافحت الفتاتان بهدوء امتزجت بنظرات التساؤل النابعة من عينيهم ليحرك "ياسر" شفاهه بنبرة توضيح قائلاً:ذاك "بسام" ابن عم "قمر" يا "مريم "
التفت "مريم" بعينيها بصدمة لتقابل عيني "ياسر" لتحرك شفاهها بنبرة حنين مرتعشة:"قمر"؟!
بمجرد أن أنهت "مريم" حروف كلماتها حتى تسلل شعاع ضوئي نابع من دراجة بخارية تقترب منهم تدريجياً لتزداد كلاً "مريم" و "أسماء" صدمة بينما ازدادت ابتسامة كلاً من "ياسر" و"بسام"..
..
تحركت "قمر" بخطوات مرتعشة تجاه مرآة خزانة ملابسها لتتأمل نفسها بذاك الفستان الخيالي..
اتسعت عيني "قمر" صدمة ممزوجة بفرحة تلألأت في عينيها لتحرك شفاهها بنبرة ذهول مرتعشة:ما زلت ذاك القمر؟! ما زالت ملامحي منبع للجمال؟!
منحنيات جسدها التي تصنع كيان أنوثي ساحر..رموش عينيها التي مازالت تتحرك ببطء يضيف لمسة جمالية علي لون عينيها الأسرة للقلوب ..تورد خديها باللون الأحمر التي مازالت محتفظة به..شفاهها الصغيرة التي تحمل لون وردي يرتعد من أجله قلوب بني آدم..أنفها المتناسقة التي تبعث فيها روح الكبرياء الممزوجة بعندها الفطري..نعومة ملمس يدها التي تشبه نعومة أوصال الأطفال..
في النهاية ارتسمت ابتسامة الجمال الساحرة علي ملامح "قمر" التي أيقنت بأنها مازالت القمر الذي طالما كان حلم بني آدم بأكملهم..
نعم!! اختفي بريقها لفترة ماضية كان الحزن متمكن من أوصالها ولكنها عادت أكثر نضارة وجمالاً..
عادت إلي هيئتها الساحرة المعتادة..عادت "قمر" التي غزت قلب ذاك المتعجرف دون إذن..
التقطت نبرة "ثرية" الفرحة "قمر" من شرودها لتنتبه لحديث "ثرية" التي تقول:ما شاء الله..فليحفظك الله يا ابنتي
ارتسمت ابتسامة خجل علي ملامح "قمر" لتمتزج بنبرتها الفرحة التي حركت بها شفاهها قائلة:حقاً يا عمتي؟!
أومأت "ثرية" رأسها موافقة لتحرك شفاهها بنبرة هدوء:حقاً يا ابنتي..هيا إذن لأن "فادي" بالخارج
تصاعد صدر "قمر" وانخفض بأنفاسه التي باتت تتسارع بقوة فور التقاط أذنها لكلمة "فادي" لتلتفت "قمر" برأسها إلي المرآة لتتأكد بأن شعرها بأكمل مختفي تحت طيات حجابها ومن ثم أطلقت تنهيدة رضي علي هيئتها لتدلف إلي خارج الحجرة بصحبة "ثرية"..
اتسعت عيني "قمر" صدمة فور دخولها إلي حجرة استقبال الضيوف بينما تجمدت أوصالها إثر صخب ضحكات "فادي" الممتزجة بضحكات "بسام"..
لحظات عدم استيعاب مرت علي "قمر" وهي تحاول تصديق ما يجري أمامها من جلوس ل"بسام" وفتاة بجانبه و "ياسر" الجالس بمفرده..والجميع نظراته مصوبة لها بابتسامة عجزت "قمر" عن تفسيرها..
بينما قام "بسام" من موضعه وعلامات الفرحة تكسو ملامحه التي مازالت محتفظة بابتسامته الخافتة ليحرك شفاهه بنبرة حنين قائلاً:كل سنة وأنتي بخير
تلألأت دموع الفرحة في عيني "قمر" التي أطلقت تنهيدة راحة لرؤيتها شقيقها في لحظات الشهر الكريم الأولي لترتسم ابتسامة شوق علي ملامحها وتمتزج مع نبرتها المرتعشة من الفرحة لتقول:"بسام"!! وأنت بخير يا أخي
ما إن أنهي "بسام" حديثه حتى هوي بقٌبلة حانية علي جبين "قمر" ليقترب من أذنها قائلاً بنبرة همس:مبروك
عقدت "قمر" حاجبيها بعدم فهم وقبل أن تحرك شفاهها قاطعها "بسام" بنبرته الهادئة ليقول:تلك "أسماء" خطيبتي التي أخبرتك عنها وتلك يا "أسماء" "قمر" ابنة عمي وأختي
نظرات راحة امتزجت بابتسامة الفرحة التي تبادلتها الفتاتان فور تصافحهم ببعض لتعلن تلك الابتسامة التي تزين ملامحهم بداية صداقة ستتكون بينهم..
انخفضت "قمر" بمستوي نظرها إلي "فادي" الجالس بجوار "الشيخ\راضي" يعبث بأصابعه بشاشة الهاتف المحمول وعلامات الرضا ترتسم علي ملامحه لتضيف طابع جمالي إلي تلك الملامح التي باتت محفورة داخل قلب "قمر" قبل ذاكرتها..
نبرة مزاح ممزوجة بفرحة التقطت "قمر" من شرودها في ملامح "فادي" لتأتيها تلك النبرة التي قالت:"تميمة" ألقي التحية علي "قمر"؟!
التفت "قمر" بجسدها بصدمة اجتاحت أوصالها في أقل من الثانية فور رؤيتها لصديقتها "مريم" الواقفة خلفها وبيدها ابنتها الصغيرة..
نظرات فرحة امتزجت بدموع اشتياق تتلألأ في عيني الصديقتين تناسب كلياً مع ارتعاد جسدهم فور احتضانهم لبعضهم البعض ليطلقوا تنهيدة راحة اكتسبوها فور شعورهم بالطمأنينة بين ذراعي بعضهم..
"تبقي ضمة ذراعيك يا صديقتي هي أداة الفتك بكل أحزاني"
كلمات بسيطة همست بها "قمر" في أذن "مريم" لتزيد "مريم" بدورها من ضمتها ل"قمر" لتحرك شفاهه بنبرة اشتياق هامسة:اشتقت لكٍ كثيراً يا تؤامي
دقائق معدودة دام في العناق الحار بين الصديقين لتعود كل واحدة منهما بدورها بجانب شريك حياتها بينما اقتربت "قمر" من أذن "فادي" قائلة بنبرة امتنان:لا أعلم ماذا أقول لك علي تلك الفرحة التي أدخلتها علي قلبي بما تفعله..أدامك الله نعمة في حياتي
ارتسمت ابتسامة خافتة علي ملامح "فادي" لتمتزج بنبرته الهادئة التي حرك بها شفاهه هامساً:أحبك
أطلقت "قمر" تنهيدة فرحة امتزجت بتورد خديها خجلاً يتناسب كلياً مع نبرتها المرتعشة التي حركت بها شفاهها قائلة:كل عام و أنت بخير
نبرة هدوء امتزجت بنظرات رضا نبعت من "فادي" الذي حرك شفاهه قائلاً:وأنتي بخير
ما إن أنهي "فادي" كلماته البسيطة حتى ارتفعت نبرة "الشيخ\راضي" قائلاً:هيا يا بني..دعنا نفرح قليلاً
ارتسمت معالم الفرحة علي ملامح "فادي" الذي التقط علبة فضية اللون من جيب بنطاله ليفتحها ببطء أمام نظرات "قمر" التي تتابعه بترقب امتزج بفضولها.. ليظهر لها محبسين إحداهم فضي والآخر من الذهب..
حرك "فادي" شفاهه بنبرة حب هامسة امتزجت مع نظرة عينيه الثابتة ليقول:ذاك المحبس هو الإثبات الأول لأنك ستظلين معي إلي آخر العمر
علامات من الصدمة ارتسمت علي ملامح "قمر" التي ترتعش فرحةً تناسب حمرة خديها لتحرك شفاهها بنبرة فرحة مرتعشة:بدون أية إثباتات أنا معك إلي آخر العمر
تبادل العاشقان ارتداء محابس الخطوبة في أجواء تسودها الفرحة التي تمتزج بصيحات ضحكاتهم المرحة لتزين يدي العاشقين أخيراً بمحبس جمعهم سوياً إلي آخر العمر..
و ما بين التقاط صور "السيلفي" وتوزيع حلوي الخطوبة التي أعددتها "ثرية" في الخفاء ومزاح الأصدقاء المتبادل..انتهزت "قمر" فرصة عبث "فادي" بشاشة هاتفه لتلتقط هاتفها سريعاً وتعبث بأصابعها بشاشته..
ثواني معدودة كانت كافية بالنسبة ل"فادي" لقراءة رسالة "قمر" التي تحتوي علي..
""فادي" لا أستطيع حقاً التعبير عن 1% مما يجول بقلبي تجاهك وما صار في عقلي من تصوير بطئ لكل لحظة أراك فيها و أذني التي باتت ترفض سماع أية أصوات سوي نبرتك تلك..
أنا في حضرتك طفلة صغيرة تشعر بالأمان لوجودك وبنبرتك العاشقة أصير كمراهقة يدق الحب أبواب قلبها لأول مرة..وبنظرات لامبالاتك أنا أم تخشي عليك من غدر الزمن..وبنظرات عندك أنا أخت ترتعد من تصرفاتك الجنونية...
أنا يا "فادي" ؟! أنا...!! لا أستطيع تجميع ما يحدث بداخلي حقاً ولكن كل ما أرجوه أن تظل معي إلي آخر العمر."
ارتسمت ابتسامة فرحة علي ملامح "فادي" فور إنهائه لكلمات تلك الرسالة الأخيرة ليغلق هاتفه المحمول بهدوء ويطلق تنهيدة طمأنينة ومن ثم يستكمل حديثه مع أصدقائه و "الشيخ\راضي"
هدهدت "قمر" "تميمة" الساكنة بين ذراعيها لترتسم ابتسامة رضا علي ملامحها امتزجت بنبرتها الهادئة التي أطلقتها لتستكمل الحديث مع صديقتها و"ثرية"..
...
تلك القضية التي طالما كانت غامضة بالنسبة لكثير منا باتت أوراقها تنكشف واحدُ تلو الآخر..فها هو "محب" يقر بأفعاله الإجرامية وها هم رجاله يشرحون شرح تفصيلي لكل مهمة تكلفوا بها..وها هي مستندات الأوراق والتسجيلات تزيد حصيلة رجال الأعمال المتورطين مع "محب" في أعماله الإجرامية..
ولوجود تلك الأدلة التي تعتبر في نظر القانون قوية كفاية لإصدار الحكم لم يتوان القاضي في تنفيذ العدالة ليتم الحكم علي "محب" بتحويل أوراقه إلي فضيلة مفتي الجمهورية..
ليتزين جسد ذاك الشيطان بملابس باللون الأحمر تحمل في خيوطها دماء كثير من الأبرياء سالت بسببه..
ويتحول ذاك الشيطان إلي جسد هش وعقل بات رافضاً للواقع من حوله..رافضاً لفكرة أنه سيلاقي ربه في أقرب وقت..وبدلاً من التكفير عن ذنوبه..لجأ ذاك المعتوه إلي الهروب من واقعه بالنوم ليل نهار.ظناً منه بأنه بذلك يهرب مما يحيط به ولا يعلم بأنه رفض بغبائه فرصة التوبة إلي ربه في أيام الشهر الكريم...
...
أما عن زفاف العيد المنتظر لدي "بسام و أسماء" بات الشريكان في حيرة من أمرهم بين عملهم في الداخلية الذي لا يقبل التخاذل ولو لثواني..وبين ترتيبات الزفاف ومنزل زوجيتهم وإن أحققنا للحق الأمران يحتاج لأعصاب من نار وعقل مدبر ينتقي الأفضل من مظاهر بذخ لا أهمية لها..
وليسهل "بسام" المهمة علي نفسه نظراً ليالي تقطن مع "أسماء" إلي وقت متأخر..طلب من "والد أسماء" بتقديم موعد عقد القران..
ليقام ذاك العقد في أحد المساجد بالقاهرة في جو أسري محدود للغاية..لتبقي أيام بسيطة تفصل العاشقان عن التجمع تحت سقف منزل واحد..
...
أما عن تلك الأم "ناهد" التي باتت تفقد قوتها تدريجياً بسبب أحزانها التي باتت مرض خبيث يأبي الخروج من جسدها إلا بمعجزة موضوعة بين يدي "منير" الذي بات رافضاً رغم ما يراه من ألم تعانيه زوجته أن يرجع في قراره الذي اتخذه حول "بسام و قمر"..
ليحاول "منير" بشتى الطرق معالجة زوجته من تلك الأحزان التي أخفت نضارتها بالتدريج وبالإضافة لذلك يحاول إظهار قناع القوة الذي سرعان ما يتهدم فور التقاط عينيه لصورة الموضع الذي طالما داعب فيه "قمر و بسام"...
ليتهالك جسد الأم بألم فراق طفليها و يفتك كيان الأب لتذكر ذكري من الماضي تتراقص أمام خياله..وبالرغم من أن العلاج موجود إلا أن شعور القسوة بدل الحال 180% و زاد الألم أضعاف الضعف مضاعفة..
...
بينما الحال لم يختلف كثيراً عند "حمدي" فبالرغم من غشاء القسوة الممزوجة بالغضب الذي بات يحيط بجميع مراكز الإحساس في كيانه إلا أن نبضات الندم المحتضرة مازالت تعكر عليه صفو أيامه فور جلوسه أمام التلفاز وحيداً دون تعليقات "فادي" المرحة وسرعان ما يتملكه شعور الحنين فور دخول إلي المنزل دون صيحات "فادي" المستقبلة إياه بحفاوة وسرعان ما تتلألأ عينيه بألم في كل لحظة يدلف فيها إلي حجرة "فادي" التي ما عادت تحمل أية متعلقات خاصة به بل باتت تحمل رائحته التي تبعث الألم إلي كيان "فادي"..
وبالرغم من جميع دفعات الألم تلك التي يتلقها كيان "حمدي" واحدً تلو الآخر إلا أن مازالت غشاء قسوته هذا المحرك له ومتخذ القرارات ليصنع وهم أن "فادي" من اختار هجره وأنه لن يحن له..
ليزيل ذاك الأب من حساباته أن ابنه مهما اتخذ من قرارات يبقي بحاجة إليه تحت أي مسمي حتى ولو كان وجوده في حياته سيكون لإلقاء اللوم الدائم عليه..
ولكن بغشاء القسوة هذا فودعاً لأية اعتبارات إنسانية..
..
صيحات بكائها تختلف من حين إلي آخر فمرة تكون من أجل الرغبة في الهدهدة ريثما تغفو عينيها ومرة أخرى تكون من أجل الحاجة إلي قطرات من طعامها القاطن بين ذراعي و والدتها ومرة أخرى تكون من أجل الرغبة في تحويل والديها إلي مجانين ليلهو أمام عينيها ومرة أخرى تكون من أجل تعكير صفو قيلولتهم لأنها أرادت ذلك ومرة أخرى تكون لأجل لفت انتباههم لها فقط!!
هكذا كانت تعيد تلك الطفلة التي لم تتعدي السنتيمترات "تميمة" تلقن والديها دروسً في كيفية التخلي عن عقولهم من أجل خفض صيحة بكائها فقط..
وبالرغم من كل ما سبق مازالت ابتسامة ثغرها محتفظة بتأثيرها الجنوني علي "ياسر ومريم" لتمر أيام الشهر الكريم الأول لهم في منزل الزوجية بنكهة مرح طفلتهم الأولي..
...
أما بالنسبة ل"إسراء" فأمضت أيام الشهر الكريم في عزلة تامة حرمت فيها عينيها من رؤية شعاع نور الشمس الذهبي لتمكث في منزلها بمفردها مانعة وصول أية أشعة نور إلي كيانها التي بات رافضاً لأية إضاءة مهما كانت نوعها وبالرغم من اضطرار "إسراء" في بعض الأحيان إلي إشعال إضاءة حجرة أو ما شابه إلا أن جسدها بات يرتعد لتلك الإضاءة التي تحولت من مصدر يبعث الأمل ل محياها..إلي مصدر يطعن السموم في جروحها التي لم تلتئم بعد..
ليبقي غشاء العزلة هو المحيط بحياتها ظناً منها أنها بذلك تعطي الفرصة لجروحها في الالتئام ولكن في الحقيقة أن العزلة ما هي إلا أداة لتوسيع جرحها ودب السموم في مركز جرحها لتزداد قوة الألم و تتضاعف هشاشة كيانها..
...
انشغال بترتيبات السفر..تجهيزات سرية لإقامة عقد القران المقرر له في أول أيام العيد..بحث مستميت عن عمل يناسب قدراته لوجهة سفره...ملفات يجب تسلميها قبل موعد سفره المجهول..أفواج سياحية تزداد يومً بعد يوم بالرغم من أنها أيام الشهر الكريم...
جميع ما سبق بالإضافة إلي قلق "فادي" من لامبالاة "منير" به وإلغائه لدوريات مراقبته..تلك اللامبالاة أشعلت هواجس "فادي" المتصورة أن هذا الصمت ما هو إلا طعم للإيقاع به و الاستدلال علي موضع "قمر"..
تلك الهواجس بالإضافة إلي مسئوليات "فادي" التي يجب إنهائها في أقرب وقت..جعلته ينشغل عن "قمر" إلي حد ما..فمنذ أمسية ليلة التراويح الأولي وهو لم يلقاها مطلقاً حتى في عقد قران "بسام" لم يستطع مقابلتها ولو لثوانٍ بسبب انشغاله بموعد مع وفد سياحي ليقدم علي الفور واجب التهنئة ومن ثم يتجه إلي عمله..
لتبقي برامج التواصل الاجتماعي هي الراعية الرسمية للتواصل بين "فادي" الذي يحاط بمليون أمر يجب عليه إنهائه و "قمر" التي ترتعد قلقاً في كل مرة يتأخر فيها "فادي" عن الرد علي هاتفه..
وكعادة لامبالاة "فادي" الممتزجة ببروده التي بات محفوظ عن ظهر قلب لدي "قمر"..بات "فادي" يتلقي قلق "قمر" المفرط فيه إلي حد كبير والممتزج خوفها من أن تكون ألسنة لهب "منير" تتطاير من حوله والقليل من غيرتها من أعضاء الوفود السياحية الذين باتوا يحظون بأوقات مع "فادي" أكثر مما تحظي "قمر"
تلقي "فادي" كل هذا بردود إلي حد ما باردة ولا يوجد أمام "قمر" حل سوي التحمل لأن ذاك المتعجرف لن يتغير بين ليلة وضحاها ..
ومن كل ما سبق وبالرغم من طبيعة "فادي" التي باتت واضحة لمعظمنا..مازال بريق محبس العمر الذي يزين إصبعه..مازال يرسم ابتسامة الفرحة علي ملامحه ويزيد من شوق العاشق الكامن بين طيات ضربات قلبه..
ليخفي ذاك المتعجرف أشواق العاشق تحت طيات مسئولياته منتظراً موعد الاجتماع بمعشوقته..
...
لم يشفع البال المنشغل بإعادة ترتيب فصول رسالة الماجستير لتقديمها في إحدى الجامعات الأجنبية أمام القلب العاشق الذي بات كأقوى مؤسسات الداخلية المسئولة عن مراقبة الشخص طيلة يومه..
تلك العادة التي تفوقت عند "قمر" بجدارة..فلم يستطع ذاك العند أن يهزم القلب المشتاق والعقل المنشغل بذاك المتعجرف الذي لم تستطع الأيام تغيره نهائياً..فبالرغم من محاولات "قمر" المستميتة لزرع الطمأنينة في كيانها القلق علي "فادي" إلا أنها ومع أول محاولة لمحادثته وتتلقي الإجابة بأن هاتفه مغلق أو لا يجيب..تبدأ هواجسها في تصوير مشاهد مرعبة بأن "منير" نفذ إحدى خططه القاتلة يفتك ب"فادي"..
وبالرغم من أن "قمر" متيقنة بأن قلقها المفرط هذا يصيب "فادي" أحياناً بالجزع إلا أن أفعالها تلك مباحة في حالتها..فالحق كل الحق بأن يصيبها الذعر علي رجل تحول من عاشق لقلبها إلي عائلة لكيانها بأجمع..
إلي أية حال..كانت الابتسامة الخجولة الممزوجة بنظرات مشتاقة التي سرعان ما ترتسم علي ملامح "قمر" فور رؤيتها لثوبها المخصص لعقد قرانها علي "فادي" يهون عليها الكثير بل ويمدها بالعزيمة علي استكمال رسالتها ويضيف لمعة طمأنينة علي بالها المنشغل ب"فادي"..
تلك الفرحة التي غزت قلبها لأول مرة في حياتها بالرغم من أنها تزوجت لمرة سابقة أو كما تطلق "قمر" بأنها ما كانت سوي ورقة انتهكت بسببها إنسانيتها وتألم بسببها جسدها الذي مازال يحمل آثار كدمات تشهد علي مدي العنف الذي تعرضت له..
إلا!! أن رجفة كيانها فرحاً باقتراب موعد عقد القران أزالت ذاك الماضي نهائياً..
ليثبت لدي "قمر" أن فرحة الفتاة الحقيقية لا تكمن في حسابات المال الخاصة بالمتقدم للزواج منها أو بمدي رقي سيارته أو بشهرة عائلته أو بمركزه الاجتماعي..الفرحة الحقيقية تكمن رجفة قلبها الفرحة بتمام زفافها بقلب عاشق لها ليست في عيني تشتهي جسدها..
..
في عصر اليوم الأخير من شهر رمضان الكريم..
أنهت "ناهد" تأدية فرض الصلاة وما يتبعه من نوافل واتجهت إلي المطبخ لإعداد الإفطار وعلامات اللامبالاة تكسو ملامحها..نظر برود تهيمن علي عينيها اللتان فقدتا طعم فرحة حلول عيد الفطر المبارك بفقدانها طفليها وكل هذا بسبب زوج عنيد وأب قاسي..
كفكفت "ناهد" دمعة تلألأت في عينيها وهي تعد عجينة كعك العيد لتذكرها ليالي عيد الفطر السابقة عندما كانت "قمر" في منتصف عقدها الأول هي و"بسام"...
تذكرت صيحات مزاحهم الممتزج بصخب ضحكاتهم المرحة التي طالما كانت هي الركن الأساسي لفرحة العيد وبفقدانها فقدت فرحة العيد..
ارتفع صوت طرقات علي باب المنزل ليقطع الصمت الرهيب الذي يحيط بأجواء المنزل لتمتزج معه نبرة "منير" الذي قال:أكملي ما تفعليه سأري أنا من الطارق
لم تهتم "ناهد" كثيراً بتلك الطرقات لتعود منسحبة إلي ذكريات الماضي ..
الماضي الذي بات هو عالمها الخاص الذي تهرب منه من وحشية الواقع الذي حرمها من فرحتها..
صيحة غضب امتزجت بنظرات عيني نارية أطلقها "منير" فور رؤيته لذاك الطارق الذي لم يكن علي الحسبان ليقول:أنت؟!يتبع......
#نورهان_حسن
أنت تقرأ
في أرض النوبة للكاتبه نورهان حسني
Mistério / Suspenseبسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته المقدمة "كرم.. شجاعة.. انتماء" صفات تلخص مشوار هذه المدينة السمراء النوبة ؛ أو كما أطلق عليها عبر التاريخ أطيب المدن وأقدمها.. "مدينة التضحيات" قيل عنها فى حكايات أخرى، وعلى الرغم من تعدد صفات...