الفصل الثامن والثلاثون والأخيرة
مر ما يقارب الثلث من الساعة و"منير" مازال يتآكل من براكين غضبه المشتعلة في أوصاله لتلتقطه صرخة ألم ارتعد لها المنزل بأكمله
لينتفض كيان "منير" من موضعه ويهرول تجاه حجرة "ناهد" لتستقبله قطرات المياه المتساقطة من "قمر" معلنة عن بداية مراحل الولادة لتتسع عيني "منير" بصدمة في محاولة لتصديق ما يحدث واستيعاب كلمات "ناهد" التي ترجوه بجلب جارتهم الملقبة في اللغة العامية ب "الداية"
أطلقت "قمر" صرخة وجعها الغير محتمل الثانية لتتحرك شفاهها بنبرة ألم صارخة لتقول:"فادي"!!حادثي "فادي" أرجوكي يا أمي
وبفضل نبرة "قمر" الصارخة تلك استطاع "منير" الإفاقة من صدمته تلك ليهرول تجاه منزل جارتهم بينما عبثت "ناهد" بأناملها المرتعشة علي شاشة هاتف فتاتها لتحادث "فادي" الذي هب من موضعه بصدمة ممتزجة برعب من أن يصيب مكروه ما ل"قمر" ليحمل "شاهد" بين ذراعيه بسرعة مهرولاً تجاه المنزل..
وما هي إلا دقائق معدودة حتى حضرت "الداية" إلي منزل "منير" الذي بات يرتعد برعب من صرخات "قمر" المتتالية تلك لتدلف تلك "الداية" إلي الحجرة بعدما طلبت من ابنتها ما تحتاجه من مياه ساخنة وما إلي ذلك..
وبمجرد إغلاق تلك الابنة لباب الحجرة بعدما وضعت المياه الساخنة كانت أقدام "فادي" تقتحم المنزل ونظرات الرعب تشع من عينيه إثر صرخات "قمر" التي استقبلته هو و"شاهد" لتتحرك شفاه "فادي" بنبرة غضب قائلاً:"قمر" أين "قمر"!! أنا سأخذها إلي مستشفي..أين هي زوجتي يا "منير"؟؟
أطلق "منير" تنهيدة حيرة مما يشتعل من أحاسيس داخل أوصاله الآن لتتحرك شفاهه بنبرة شبه غائبة عن الوعي ليقول:أهدأ قليلاً..والدتها توجد بجانبها ومن تتولي ولادتك طفلتك متخصصة وهي من أشرفت علي ولادتها من سنين
تصاعدت صرخة "قمر" التالية لتبعث الرعب في قلب "شاهد" الذي حرك شفاهه بنبرة باكية ليقول:أبي!!أنا أريد أمي لماذا هي تصرخ!! ألم أخبرك أن ذاك المنزل سيئ أنا أريد أمي يا أبي
أحاطت أنامل "فادي" برأس ابنه لتعيد إخفائه بين ضلوع "فادي" التي باتت ترتعد خوفاً علي "قمر" لتتحرك شفاه "فادي" بنبرة طمأنينة لا تتناسب مع رعشة أوصاله ليقول:أهدأ يا بني أهدأ ستعود لنا بخير وبصحبتها شقيقتك التي تنتظرها أهدأ الآن أنت مع والدك
سكن "شاهد" إلي حد ما من ضمة والده تلك بينما مكث "فادي" وقت الولادة بأكمله ذهاباً وإياباً أمام الحجرة بينما مع كل صرخة من "قمر" تزداد رجفة أوصاله ومعها تزداد ضمته إلي ابنته..
ليتشتت "فادي" بسبب صرخات "قمر" تلك عن نظرات عيني "منير" المتفحصة لهيئته تلك بعناية لاستيعاب أن ابن "حمدي الأسيوطي" يرتعد خوفاً علي ابنته..
مكث "منير" لحظاته تلك في محاولة ترسيخ فكرة أن ما فعله "فادي" كان أم "قمر" كان من أجل الحب الذي رفض حتى الاعتراف به..
حاولت عاطفة الأبوة التي سرعان ما بدأت تتسرب إلي كيان "منير" بتصديق أن ذاك المتعجرف هو عاشق لابنته..
فاق "منير" من شروده تلك علي صيحات بكاء خافتة تتسرب من خلف باب الحجرة لتتراقص أمام غشاء قسوته هذا لتحطمه في أقل من الثانية لترتسم ابتسامة هادئة علي ثغر "منير"..
بينما أطلق "فادي" تنهيدة راحة أخيراً ليتنفس الصعداء مقبلاً جبين ابنه بفرحة تقاسمها الأب وابنه علي ثغرين لتتحرك شفاه "شاهد" بطفولة قائلاً:صار لدي شقيقة وصرت أنا الأخ الأكبر
ما إن أنهي "شاهد" حديثه المرح هذا حتى دلفت "الداية" خارج الحجرة وهي تحيط بتلك الصغيرة المطلقة لصيحات بكاء تتناسب مع حجمها الصغير هذا..ليهرول "منير" تجاهها بسرعة لا يعلم من أين أتي بها؟!
ولكن!!الأهم أن حمله لتلك الطفلة جعله يشعر وكأنه في عالم آخر لا تهمين فيه إلا السعادة وما غير السعادة..لتتحرك أنامل "منير" ببطء متحسساً ملامح تلك الصغيرة ليجول بخاطره ليلة وضع زوجته ل"قمر" ليتذكر حركاتها الطفولية بين يديه وعينيها المنغلقتين بفطرة وشفاهها المتفتحة ببكاء بالأحرى ما وجده هو وقتها غير أنه منبع سعادته الوحيد..
وهي هي الأيام تتابع من حوله ليعود لذاك المكان الذي حمل فيه ابنته لأول مرة ولكن ها هو الآن يحمل فيه حفيدته لترتسم ابتسامة سعادة علي ملامحه وقبل أن تتحرك شفاهه أتته نبرة "فادي" الغاضبة ليقول:تلك ابنتي
ما منح "فادي" أية فرص ل"منير" للحديث وإنما التقط ابنته ليخفيها بين ضلوعه ليهدأ بكاء تلك الصغيرة فور شعور بنبضات قلب والدها العازفة للحن السعادة لتتحرك شفاه "فادي" ببطء نحو أذنها هامساً بالشهادتين والآذان وما هي إلي لحظات من إنهاء "فادي" لما يهمس به حتى أتته نبرة "ناهد" المباركة لتقول:مبارك عليك ولكن "قمر" تطلب رؤيتك أنت و"شاهد"
أومأ "فادي" رأسه بإيجاب ليدلف داخل الحجرة بإحساس من الضجر لا يتناسب نهائياً مع مرح "شاهد" الذي استولي علي تصرفاته ليهرول علي فراش "قمر" محركاً شفاهه بنبرة فرحة قائلاً:إنها صغيرة جداً يا أمي ولكنها تشبهني أيضاً
ارتسمت ابتسامة خافتة علي ملامح "قمر" التي حركت عينيها تجاه "فادي" لتطلب منه بنظراتها حمل ابنتهم ليرسم "فادي" علامات الهدوء علي ملامحه ويضع ابنته بهدوء بين ذراعي "قمر" التي حركت شفاهها بنبرة فرحة متألمة قائلة:اشتقت لكٍ يا صغيرتي..أنتي جميلة جداً كما يقول شقيقك
استندت "شاهد" برأسه علي كتف "فادي" ليحرك شفاهه بنبرة تعجب قائلاً:ماذا سنسميها يا أمي
رفعت "قمر" عينيها ببطء لمقابلة عيني "فادي" المصوبة نظرات فرحة عارمة لتتحرك شفاهها بنبرة عاشقة لتقول:"نسمة" سنسميها "نسمة" أليس كذلك يا "فادي"؟!
تراقصت رئتي "فادي" بفرحة لإطلاق تنهيدة امتزجت بابتسامته الساحرة التي سرعان ما تحكم من ملامحه ليحرك شفاهه بنبرة إيجاب ليقول:نعم "نسمة" يا "قمري"
طرقات خافتة علي باب الحجرة قطعت ذاك الحديث لتأذن بالدخول لذاك الطارق الذي جعل "شاهد" يختفي خلف ظهر "فادي" فور رؤيته له بينما تحركت شفاه "فادي" بضجر هامس:"منير"؟!
..
أشعل دخول "منير" إلي الحجرة براكين من الغضب و الضجر والضيق تلك الأحاسيس الغير متناسبة نهائياً مع حالة الفرحة التي تعم طرقات المستشفي فور وضع "مريم" لطفلها الثاني الحامل للقلب "عمار"..
ذاك الطفل المشترك مع "نسمة" في مفاجأة والديهم بالرغبة في الهبوط إلي العالم قبل معادهم المحدد وبمجرد أن فاق "ياسر" من حالة فرحته الجنونية بطفله الثاني حتى عبثت أنامله لإرسال رسالة ل"فادي" ليجد رسالة أرسلها "فادي" مسبقاً مضمونها هو أن "قمر" وضعت الصغيرة "نسمة"..وبالرغم من الفرحة التي تملكت "ياسر" لأجل صديقه إلا أن قلقه مما يحدث الآن في النوبة هو ما عكر صفو يومه..
في الحقيقة أن قلق "ياسر" كان منطقياً فبمجرد دخول "منير" إلي الحجرة وطلب "فادي" من ابنه أن يمكث مع "ناهد" لدقائق حتى بدأت براكين الغضب تتصاعد رويداً رويداً فور تحريك "منير" لشفاهه بنبرة تساؤل ليقول:ماذا أطلقتم عليها؟!
ارتسمت ابتسامة ماكرة علي ملامح "فادي" المحرك لشفاهه بنبرة بروده المعتاد ليقول:"نسمة فادي حمدي الأسيوطى"
أطلقت رئتي "منير" تنهيدة ضجر نسبية امتزجت بنبرة شفاهه المتسائلة ليقول:أريد الحديث مع "قمر" بمفردي
رمق "فادي" عيني "قمر" بنظرة تحذرها من الحديث لتحتضن "قمر" ابنتها تلك بقلق بينما حرك "فادي" شفاهه بنبرة تعجرفه المعتاد ليقول:بصفتك ماذا؟!الرجل الذي جلبها من القاهرة وهي شبه جثة هامدة؟!أم بصفتك من أجبرها علي الزواج برجل لا يجوز عليه الآن سوي الرحمة؟!أم بصفتك ذاك الرجل الذي أعمي بصيرته عن رؤية جروحها في كل ليلة كانت تمضيها هنا؟!أم بصفتك الرجل الذي طلب منها البحث عن منزل آخر لها ريثما تسترد حقوقها الذي أهدرتها بيدك؟! أم بصفتك ذاك الرجل الذي وضعت زوجها من سنين في حجرة كادت تقضي علي حياته
اتسعت عيني "منير" صدمة امتزجت بعلامات القلق التي سرعان ما تمكنت من ملامحه بينما حركت "قمر" شفاهها بنبرة ذهول ممتزجة برعشة أوصالها لتقول:ماذا تعني بحديثك الأخير يا "فادي"؟!
ابتلع "منير" ريقه بصعوبة امتزجت بنظرات عينيه المترددة حيال "قمر" ليحرك "فادي" شفاهه بنبرة توضيح قائلاً:أعني بأن ذاك الرجل الذي أخبرتك يوماً أنه تركني في حجرة جليدية من أجل الانتقام كان هو والدك
حرك "فادي" رقبته تجاه اليسار قليلاً ليتابع حديثه بنبرة متسائلة بسخرية:أم أنني أكذب؟!
أطلق "منير" تنهيدة ضيق امتزجت شفاهه المصطنعة للقوة ليقول:أنا ما فعلت هذا إلا انتقاماً مما فعله والدك بشقيقتي
ارتسمت علامات السخرية علي ملامح "فادي" الذي حرك شفاهه بنبرة غضب مكتوم ليقول:حقاً؟!وعندما علمت أنها ما توفت إلا جراء السرطان ما هو رأيك إذن
خيم الصمت للحظات علي أجواء تلك الحجرة لتتحرك شفاه "فادي" بنبرة حازمة ليقول:مازالت ابنتها تكلم إليها كما تشاء ولكنني انتظرك بالخارج يا "قمر" إن أردتي العودة معي
ما عن أنهي "فادي" حديثه حتى تحركت قدماه بسرعة تجاه باب الحجرة طارقاً إياه بغضب لترتفع نبرة "قمر" الشبه باكية لتقول:لماذا؟! لماذا كل ما فعلته بي؟!لماذا تخليت عني؟!لماذا لم تمهلني فرصة واحدة لشرح حقيقة مشاعري؟! لماذا سلمتني إلي "محب"؟!لماذا لم تعاوني في القضية؟!
أجهشت "قمر"بالبكاء لثوانٍ ارتعدت فيها أناملها المحيطة بصغيرتها لتتابع حديثها قائلة:لماذا كانت قسوتك أمام ابنتك؟!لماذا حرمتني من الأمان في منزلك؟!
أطلق "منير" تنهيدة طويلة لمنع دموعه من الهبوط لتتحرك شفاهه بنبرة اعتذار ليقول:أخطأت يا "قمر" واعترف تماماً بخطئي وأريدك أن تعودي لي من جديد إن لم يكن لي فمن أجل والدتك
تحاملت "قمر" علي آلام جرح الولادة وآلام جروحها من والدها التي بدأت في الاشتعال لتوها لتهبط بقدمها علي الأرض رافعة حجابها علي شعرها بيدها اليمني بينما بيدها اليسري تحيط بصغيرتها لتتحرك شفاهها بنبرة عتاب لتقول:بعد ماذا؟! بعدما علمت بأنه كان من الممكن أن تكون السبب في وفاة زوجي بسبب هوس الانتقام؟! أن بعدما صار طفلي يشعر بالقلق في منزلك كما أشعر أنا..أعذرني يا أبي ولكن لدي عائلة ما استطيع التخلي عنها كما تخليت عني في السابق
ما إن أنهت "قمر" حديثها ذاك حتى تحركت ببطء تجاه باب الحجرة لتدلف خارجها وتجد "ناهد" تجلس علي الأريكة المقابلة للحجرة لتبدأ في طلبها بالمكوث في المنزل ولو لأيام بسبب حالة الوضع التي تعرضت لها إلا أن "قمر" أبت نهائياً المكوث طالما أن زوجها ما كان بصحبتها..
لتنطلق "قمر" خارج المنزل ليتجه "فادي" فوراً لحمل صغيرته وإسناد "قمر" علي مرفقه لتدلف داخل السيارة بهدوء يخفي في طياتها آلام جروحها..
..
مرت 48ساعة علي وضع "قمر" و"مريم" الثاني والأمور إلي حد ما تسير في نطاق هادئ بينما اضطر "فادي" إلي إنهاء مدة إقامتهم بذاك الفندق وتأجير منزل يجاور منزل "ياسر" لتمر تلك الساعات بهدوء نسبي يتخلله صيحات بكاء الصغيرين...
إلي أن ارتفعت طرقات xxxxب الساعة معلنة أنها باتت الرابعة عصراً..ليتجه "فادي" لفتح باب المنزل بسبب انشغال والده باللهو مع "شاهد" وإطعام "قمر" ل"نسمة" في حجرتهم الخاصة..
عقد "فادي" حاجبيه بتعجب امتزج بنظرات عينيه النارية المصوبة تجاه ذاك الطارق الذي حرك شفاهه بنبرة طلب ليقول:هل من الممكن أن ندخل؟!
أطلق "فادي" تنهيدة ضجر امتزجت بنبرة شفاهه الموافقة علي مضض ليقول:ما أعدت علي إغلاق باب منزلي أمام أحد..تفضلوا
دلف "منير" أولاً إلي المنزل ومن ثم تبعته "ناهد" التي اتجهت ب"شاهد" إلي حجرة "قمر" بعدما هرول "شاهد" تجاهها هارباً من نظرات الغضب التي سرعان ما اشتعلت حدتها فور تقابل عيني "حمدي" و"منير"..
لحظات صمت في ظاهرها ولكن في حقيقتها أنها ما كانت إلا لحظات تصاعد ألسنة براكين غضب كلاً من "حمدي" و"منير" الذين قاربوا علي الفتك بعضهم إثر تلك النظرات لتلتقطهم نبرة "فادي" الهادئة ليقول:أنهوا ما بينكم أولاً
ما يقارب النصف ساعة مكثها كلاُ من"حمدي" و"منير" في تبادل أطراف الحديث الناري بغضب متذبذب بينما عيني "فادي" الجالس علي أريكته تتابعهم في صمت وانشغال "قمر" و"ناهد" بالأطفال شغلهم عن الانتباه لتلك الصيحات المرتفعة...
نبرة غضب امتزجت بنظرات ضجر نبعت من "منير" الذي قال:إن كنت مكاني وكانت شقيقتك هي المتوفاة كنت لتفعل أكثر مما فعلت أنا
حرك "حمدي" شفاهه بنبرة غضب امتزجت بابتسامة السخرية المرسومة علي ملامحه ليقول:نعم كنت سأنتقم ولكن ليس بالمساس برضيع
نظرات عيني نارية نبعت من "منير" المحرك لشفاهه بنبرة غضب ليقول:وأنت قمت بالرد علي هذا بإحراقك للمزرعة..أليس كذلك؟!
مرت خمسة دقائق أخرى والأوضاع إلي حد ما متذبذبة بين الغضب والندم والعتاب إلي أن حدثت المعجزة المستحيلة لتتسع عيني "فادي" بعدم تصديق فور تصافح أنامل "حمدي" و"منير" محركين شفاههم بنبرة استسلام قائلين:الآن بيننا أحفاد
نعم!!تلك هي الحقيقة المؤكدة الآن أن تلك الخلافات ما كانت لتنتهي إلا بصخب ضحكات "شاهد" ومراقبة ملامح "نسمة" الباعثة لطمأنينة لكل من يراها..
لتتم المصالحة أخيراً وبها تتحقق الأعجوبة الثامنة من عجائب الدنيا..
أطلق "منير" تنهيدة راحة نسبية لتمام مهمته الأولي لتتحرك عينيه تجاه "فادي" وتناسب شفاهه بنبرة هادئة ليقول:وأنت يا "فادي" ألن تسامح؟!
حاول "فادي" قدر ما استطاع إحكام سيطرته علي غضبه لتتحرك شفاهه بنبرة لامبالاته المعتادة ليقول:حديث بيننا!! ما يجمعني بك ما هو إلا إلحاق اسم زوجتي باسمك وإن كان علي ما حدث في الماضي فـأنا لا أبالي له لمكافئتي بزواجي من "قمر"
ألقي "فادي" نظرة عابرة علي باب حجرة "قمر" ليتابع حديثه بنبرة قوة:هي مازالت ابنتك وإن أردت فأطلب منها ما تشاء ولها كل الحق في الموافقة كانت أم الرفض
أطلقت عيني "منير" نظرات قلق تجاه باب الحجرة لتتحرك شفاهه بنبرة تساؤل ليقول:إذن هل لي برؤيتها؟
أومأ "فادي" رأسه بإيجاب بالرغم من الغضب المتمكن من أوصاله والذي يحاول جاهداً التحكم فيه إلا أن "فادي" حرك قدمه متجهاً إلي الحجرة ليخبر "قمر" بأن والدها يطلب لقائها بمفردها لتدلف "ناهد" خارج الحجرة وهي تحمل "نسمة" بينما انشغل "فادي" بالحديث مع "شاهد" بخفوت مانعاً ألسنة غضبه من المساس بأي فرد كان..
أما عن "حمدي" فبالرغم ما تمكن من أوصاله من راحة لتمام التصالح بينه وبين "منير" إلا أنه شعر بضيق نسبي من ذاك التصالح..لذلك!!فضل "حمدي" العودة إلي منزله بدلاً من المكوث والتسبب في مشاكل هم في غني عنها..
أما عن "قمر" و"منير" فبالرغم من الصمت المخيم علي أجواء الحجرة لأكثر من خمسة دقائق إلا أن نظرات عيني "قمر" المتلألأة بدموع دافئة جعلت شفاه "منير" تتحرك بنبرة أسف ليقول:أنا ارتكبت الكثير من الأخطاء في حقك لطالما ظننت أن ما فعلته كان هو الصواب وما سيمنحك السعادة ولكن!!للأسف أنني اكتشفت أخطأي متأخر جداً ولكنني أطمع في مسامحتك لي
أطلقت "قمر" تنهيدة ألم تناسب مع دمعتها اللؤلؤية المنسابة علي خديها ممتزجة بنبرة العتاب النابعة من شفاهها لتقول:ما حدث في الماضي مازالت آلامه تطلق نغزات ألم إلي كياني إلا أنه في النهاية هو ماضي حدث وانتهي أوانه وبفضل "فادي" الذي ظننته دنس عرضتك هو فقط من استطاع إعادة تشييد ما تحطم داخلي وترسيخ الشعور بالأمان في أوصالي
كفكفت "قمر" دمعتها تلك بأناملها المرتعشة لتتابع حديثها بنبرة رجاء لتقول:ما أريده فقط ألا يمسه شئ هو وأطفالي أرجوك
أطلقت عيني "منير" نظرات طمأنينة وهو يتجه ناحية "قمر" لتتحرك شفاهه بنبرة شبه باكية ليقول:أنا أحبك يا ابنتي أتفهمين؟! أحبك وأحب من تحبين
تهللت ملامح "قمر" بسعادة عارمة بينما رسمت شفاهها ابتسامة راحة نسبية ليلتقطها "منير" بين ضلوعه متنفساً الصعداء أخيراً لتتحرك شفاهه بنبرة حنين مرتعشة قائلاً:بحق تلك السنين الماضية والشاهدة علي قلقي عليك في كل ليلة أحبك
أحاطت "قمر" بأناملها رقبة والدها لتطلق تنهيدة طويلة ولكنها لم تستطع منع دموعها لتختلط بنبرة الفرحة المرتعشة النابعة من شفاهها لتقول:اشتقت لك يا أبي!! اشتقت لضمتك تلك حقاً
كتبت تلك الضمة الحاملة لأقوى معاني العشق والحنين والعتاب والأسف..كتبت نهاية ليالي الألم وبداية ليالي الفرحة لتنتهي تلك الضمة ببداية تجمع كلاً من"فادي" و "قمر" بعائلاتهم من جديد..
فبفضل مرح الأطفال الغير منقطع فور تجمع الأصدقاء والعائلة ارتسمت علامات السعادة علي ملامح الجميع..
وبفضل الربكة التي تتفجر داخل أوصالهم فور ارتفاع صخب بكاء أطفالهم الرضع باتت نظرات عينيهم تتحرك يميناً ويساراً بقلق علي أي رضيع حتى وإن لم يكن ابنه..
وبفضل نظرات العشق المتبادلة بين ذاك المتعجرف وتلك العنيدة أيقن "حمدي" و"منير" أنهم أهدروا سنين لن تتكرر من عمرهم في عقد محاكمة غير عادلة لعاشقين لا ذنب لهم فيما حدث في الماضي..
ولأن المثل الشعبي المتعارف القائل "أعز من الولد ولد الولد"
كان من الطبيعي جداً أن تنصب نظرات القلق المنبعثة من عيون الأجداد والممتزجة بضربات قلبهم العاشقة لأحفادهم بدلاً من التفكير كثيراً في أطفالهم بقدر ما انشغل بالهم بأحفادهم وكيفية التفنن في إسعادهم..
وكعادة الأيام السعيدة التي تمر بسرعة تفوق سرعة ارتفاع سهم البورصة أو انخفاضه..مرت أيام عطلة "فادي" و"قمر" وحان الوقت الآن لإنهاء ترتيبات السفر علي وعد بالعودة في أقرب وقت ممكن بعدما فشل الجميع في إقناع "فادي" كان أم "قمر" في المكوث نهائياً في مصر إلا أنهم مازالوا متمسكين بقوتهم في حياتهم الحقيقية الكامنة بين جدران منزلهم في كندا..
فبعدما سالت دموع ألم الفراق وتقابلت الضلوع بضمة عاشقة..تحركت أقدام "فادي" وعائلته متجهين داخل المطار الدولي لإنهاء إجراءات ختم جوازات السفر وما إلي ذلك...
ساعة بالتمام هي ما تفصل "فادي" و"قمر" عن العودة إلي كندا وبينما هما منشغلان باستعادة ذكرياتهم الساحرة بصحبة عائلتهم..أتاهم نبرة "شاهد" المستأذنة قائلاً:أبي أنا أريد مثلجات
سحب "فادي" أنامله المحيط بيد صغيرته ببطء ليحرك مجري شفاهه بين مقلتي "قمر" طابعاً قُبلة سريعة ليقوم من موضعه بهدوء ويحمل "شاهد" بين ذراعيه لتتحرك شفاهه بنبرة هدوء قائلاً:سأذهب لإحضار ما يريد من الأسواق الحرة وبالطبع أنتي تعشقين طعم الفراولة
أومأت "قمر" رقبتها بإيجاب لترتسم ابتسامة خافتة علي ملامحها وتحرك شفاهها بنبر مرح لتقول:الأهم ألا تنسي الشيكولاته بجانب المثلجات
تحرك "فادي" بأقدامه للاتجاه إلي الأسواق الحرة بينما ارتسمت ابتسامة هادئة علي ملامحه لتمتزج بنبرة شفاهه المرحة ليقول:أتعلم يا "شاهد" أن أكثر شئ يميز والتك أنها لا تعشق الطعام نهائياً
امتزجت صخب ضحكات "فادي" بضحكات "شاهد" لتتراقص من حولهم بهدوء تناسب مع حركة أقدامه المتجهة لجلب تلك المثلجات الشهية..
وبمجرد أن أنهي "فادي" دفع المال الخاص بتلك المثلجات حتى أتته نبرة تحركت باسمه..نبرة تعجب كانت أم فرحة باللقاء الأهم هي نبرة جعلت "فادي" يلتفت إلي صاحبها ليعقد حاجبيه بصدمة لقاء بعد سنين انقطع فيها الوصال لسنين لتتحرك شفاه "فادي" بذهول ليقول:"إسراء"؟!
ارتسمت ابتسامة خافتة علي ملامح "إسراء" فور التقاط عينيها لملامح "فادي" التي لم تتغير نهائياً لتحرك شفاهها بنبرة تساؤل بعدما انتبهت إلي ذاك الصغير الممسك بيد "فادي" لتقول:هذا ابنك؟!
أومأ "فادي" رقبته بإيجاب امتزج بنظرات عينيه الملتقطة لذاك الصغير المتشبث بأنامل "إسراء" لترتسم ابتسامة فرحة لأجلها علي ثغره ومن ثم تحركت شفاهه بنبرة تساؤل ليقول:نعم إنه "شاهد"..وهذا ابنك؟!
أومأت "إسراء" رقبتها بإيجاب امتزج بملامحها المتهللة سعادة باللقاء لتقول:نعم "محمد"..ما أحوالك يا "فادي" ؟!
داعب "فادي" خصلات شعر صغيره بهدوء امتزج بنبرته المحتفظة بصدمتها تلك ليقول:بخير الحمدلله..أنتي ما هي أحوالك؟!
ارتسمت ابتسامة خافتة علي ملامح "إسراء" المحركة لشفاهها بنبرة هدوء لتقول:بخير الحمدلله..كما قولت في الماضي كان عليً الانتباه لحياتي ولذلك أنشأت دار للأيتام ورزقني الله بزوجي و"محمد" ولكن للأسف فزوجي يحضر شئ ما وإلا لعرفتك عليه
ارتسمت ابتسامة فرحة خافتة من أجل "إسراء" علي ملامح "فادي" المحرك لشفاهه بنبرة هدوء ليقول:حفظهم الله لكيٍ وبإذن الله تتكرر تلك الصدفة وأتعرف عليه الأهم الآن ألا تريدين شئ ما؟!
حركت "إسراء" رقبتها بنفي امتزج بنبرة شفاهها الشاكرة لتقول:شكراً لك جزيلاً كفي ما فعلته في الماضي
ارتسمت علامات الهدوء علي ملامح "فادي" لتمتزج بنبرته المودعة ليقول:لم افعل شئ نهائياً..أنتي من فعلتي كل شئ ولكن للأسف لابد من ذهابي لأن "قمر" تنتظر
أومأت "إسراء" رقبتها بإيجاب ممتزج بنبرتها المودعة ل"فادي" لينطلق "فادي" في طريقه وابتسامة خافتة تهلل علامات الفرحة المرتسمة علي ملامحه من أجل "إسراء" التي ما كانت يوماً سوي صديقته..
أما عن "إسراء" فبقدر ما منحها ذاك اللقاء من سعادة لرؤية "فادي" من جديد إلا أنها ما كانت فرحة لرؤية صديقها لا أكثر أو أقل فبعدما عشقت "إسراء" زوجها "كارم" بحق أيقنت أن ذاك المتعجرف ما كان غير صديق لطالما ساندها..
وبسبب انشغال "شاهد" بمداعبة شقيقته الساكنة في فراشها الطفولي استطاع "فادي" فور جلوسه بجانب "قمر" بأخبرها عن لقائه ب"إسراء" لما تشيد في كيانه قبل كيان "قمر" بعدم إخفاء شئ مهما كان حجمه علي بعضهما..
وبقدر ما كانت غيرة "قمر" المشتعلة حدتها في مقلتيها إلا أنها حاولت تفهم ذاك اللقاء إلي أقصى حد لتستند برأسها علي كتف "فادي" لتتحرك شفاهها بنبرة عاشقة لتقول:أتعلم يا "فادي"؟!إلي الآن أشعر وكأنني في حلم
أحاط "فادي" كتف "قمر" بذراعه لتتحرك شفاهه بنبرته الهادئة ليقول:لماذا؟!
حركت "قمر" محبسها بحركات دائرية حول إصبعها لتطلق رئتيها تنهيدة فرحة امتزجت بنبرة شفاهها الحانية لتقول:في كل ليلة عندما أغفو بين ذراعيك أشعر وكأنني كنت في حلم ساحر وأنني في الصباح سأفيق منه لا محالة ولكن!! عندما أراك بجانبي في اليوم التالي أشعر وكأنني تملكت العالم بأكمله فور ملامستي لملامحك..
أتعلم!! لطالما شعرت طيلة فترة حملي ب"شاهد"و"نسمة" بسكينة تجتاح أوصالي فور شعوري بحركات أقدامهم المداعبة لرحمي وكأنهم يخبروني بأنهم سيضيفون لمسة ساحرة علي حياتنا فور مقابلة عينيهم لنور العالم هذا وبالحق صدق حديثهم هذا فبفضل ملامحهم المشابه لملامحك بقوة صار عشقي لك يتضاعف في كل لحظة ألمح ملامحهم فيها
أطلقت رئتي "فادي" تنهيدة فرحة تتراقص داخل كيانه بينما تحركت شفاهه بنبرته العاشقة ليقول:كافئني الله بكي يا "قمري"..سنين عمري بدأت بحق عندما عشقتك..نعم أوافق الجميع أنني أحياناً متعجرف ودائماً ما أكون غير مبالي ولكن الحقيقة التي لن تتغير نهائياً أنني طفل في حضرت ضمتك الحانية تلك..وعاشق ينبض قلبه من أجل عينيك الساحرة تلك..أنتي فقط ما استطعتي تحويل المتعجرف إلي عاشق يتهلل فرحاً لرؤية ابتسامتك تتراقص علي ثغرك
حرك "فادي" مسار شفاهه لطبع قُبلة بين مقلتي "قمر" ليتابع حديثه بنبرته العاشقة ليقول:أوافقك تماماً أن ما نمر به ما هو إلا حلم..أتدرين لماذا؟! لأن في قوانين البشر العقيمة تلك لا وجود لعشق كعشق المتعجرف للعنيدة وعشق العنيدة للمتعجرف.......النهاية
تمت بحمد الله..
بقلم / نورهان حسني
أنت تقرأ
في أرض النوبة للكاتبه نورهان حسني
Bí ẩn / Giật gânبسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته المقدمة "كرم.. شجاعة.. انتماء" صفات تلخص مشوار هذه المدينة السمراء النوبة ؛ أو كما أطلق عليها عبر التاريخ أطيب المدن وأقدمها.. "مدينة التضحيات" قيل عنها فى حكايات أخرى، وعلى الرغم من تعدد صفات...