الفصل الخامس

1.5K 67 0
                                    

الفصل الخامس

اتجهت "قمر" إلي باب المنزل بتعجب ممن يطرق منزلها في هذا الصباح..
لتجد فتاة تماثلها تقريبا في العمر و شاب في بداية عقده الثالث يقول:عذرا لإزعاجك
قمر بنبرة تعجب ممزوجة بفضول:لا أبدا
الفتاة:أنا مريم و هذا ياسر زوجي نحن جيرانك في الطابق العلوي
قمر بانتباه:نعم نعم أهلا بكم
ياسر بنبرة إحراج:أعذرينا ولكن من الواضح أن مفتاح منزلنا سقط منا في مكان ما وليست معنا نسخة أخري فإذا سمحتي أن تبقي مريم بصحبتك لربع ساعة لا أكثر ريثما ينتهي النجار من مهمته
قمر بابتسامة ترحاب ونبرة فرحة:أهلا بها اليوم في أي وقت تفضلي
ابتسم "ياسر" بهدوء وطبع قٌبلة سريعة علي جبين "مريم" قائلا:حسنا يا صغيرتي لن أتأخر بإذن الله
اتجه "ياسر" سريعا لأسفل العمارة ليأتي بالنجار بينما دخلت "مريم" منزل "قمر" و وجهها يشتعل غضبا من نسيان "ياسر" للمفتاح ولكنه غضب ممزوج بفرحة طفولية من قٌبلته السريعة..
لتبدأ جلسة تعارف صغيرة بين "مريم" و "قمر" انتهت بوعد ل "قمر" من العروس الجديد بزيارتها غدا..
.....
إحساس بالاشمئزاز من جسدها بل كيانها أجمع ممزوج بعدم القدرة علي تحمل ليلة أخري تقضيها بين يدي رجل كل ما يشغل باله هو تلبية رغباته الحيوانية..
إحساس باليأس من تلك الحياة ممزوج برغبة في إنهائها عاجلا أم أجلا..
كهذا شعرت "إسراء" فور سامعها "هند" تقول:سنـأخذ عطلة لمدة يومين من أجل حفلة خاصة ولكن رتبي نفسك جيدا و إمحي تلك الملامح الكئيبة
لم تعد تتحمل أكثر من ذلك..ما عاد بها قدرة للإستماع إلي كلامها السام..و لكن ليس أمامها أمر آخر فهيمن رخصت نفسها من البداية وحكمت علي نفسها بالضياع لصحبتها تلك الفتاة..
لتحمل "إسراء" إحدى الملفات قائلة:سأذهب لأنهي هذا الملف
تنفست "إسراء" الصعداء فور خروجها من تلك الحجرة لتسمح لدمعة لؤلؤية بالهطول علي خديها الذي بهت من كثرة مساحيق التجميل..
سارت "إسراء" متجهة إلي دورة المياه وهي لا تشعر بالعالم من حولها..لا تري أمامها إلا كل لحظة رخصت فيها نفسها و أهانتها من أجل "هند"..
بكت ونحيبها مكتوم بكفيها المرتعشة..بكت وكأنها تريد القضاء علي دقات قلبها..
بكت إلي أن شعرت بالقوة من دموعها...
بكت إلي أن جف قلبها قبل عينيها..
لترفع عينيها تدريجيا إلي المرآة وابتسامة خبث تغزو ثغرها لتحادث نفسها قائلة:جعلتني دمية مثلها تماماً..حسنا حان وقت المرح لتري يا هند ما الذي ستفعله تلك الدمية
....
ابتسامة ماكرة غزت وجهه وهو يستمع لحديث أحد رجاله علي الهاتف ليقول:هكذا أثبت ولائك لي
أشعل "محب" تبغه وهو يكمل كلامه عن طريق سماعة البلوتوث قائلا:الآن أريد رصد لكل لحظة لها في القاهرة
و أحذر من أن تغيب من أمامك و لو لثواني
نبرة ثقة نبعت من رجل "محب" ليقول:عٌلم و يٌنفذ يا باشا
نزع "محب" سماعة البلوتوث ملقيا بها علي مكتبه ليأخذ نفس عميق من تبغه قائلا بنبرة شبه هامسة:بعثتها للقاهرة لتسهل عليً مهمتي..سلم غبائك لي يا منير
و ما هي إلا ثواني حتى سمع "محب" صوت طرقات علي باب مكتبه ليأذن بالدخول ويجد أحد رجاله يقول:لقد وصل مندوب التجار
أخذ "محب" آخر نفس من تبغه ليقول:حسنا أحضر الورق و أتبعني
...
ما بين مراجعتها لبعض الكتب في مكتبة الجامعة وتلقيها بعض الملاحظات من الدكتور المشرف عليها و البحث في الإنترنت ..أنهت "قمر" عملها في تمام الساعة السابعة مساءا..لتصطحب سيارة أجرة متجه إلي احد محلات الهدايا لشراء هدية إلي "مريم" بمناسبة دعوتها لها غدا..
بعد ما يقارب النصف ساعة..وقفت سيارة الأجرة علي بٌعد شارع من أحد محلات الهدايا ليقول السائق:أعبري هذا الطريق و ستجدين في هذا المحل ما تحتاجينه
قمر بتعجب:حسنا..لماذا وقفت بالسيارة هنا
السائق بنبرة باردة:مزاجي
زفرت "قمر" بضيق وتمد يدها بالأجرة قائلة:حسنا تفضل
نظر السائق إلي المبلغ قائلا:متبقي خمسة جنيهات لي
نظرت له "قمر" بالمرآة وبالنفس النبرة الباردة:هذا ما عندي..مزاجي
ما إن أنهت كلامها حتي أرتفع صوت هاتفها معلن قدوم اتصال من والدها لتترجل من السيارة وتتأكد من اتصال سماعة الهاند فري بهاتفها لتقول السلام عليكم
بينما رمقها سائق السيارة بغضب و انطلق بسيارته سريعا..
آتاها نبرة منيرة الشبه غاضبه قائلا:و عليكم السلام ..منذ الصباح وهاتفك غير متاح
قمر بأسف:عذرا يا أبي ولكنني منذ الصباح في عمل دائم حتي أنني لم أذهب للمنزل إلي الآن
صاح بها "منير" بغضب قائلا:إلي الآن !! هل تعلمين كم الساعة؟؟
قمر بنبرة أسف ممزوجة بتعب:لم يكن في مقدرتي أن أذهب مبكرا يا أبي
منير بضيق:حسنا أين أنتي الآن؟؟
قمر:سأحضر شئ و أعود سريعا يا أبي
انتبه "منير" لقدوم أحد رجال القرية ليقول:حسنا في أمان الله
أغلقت "قمر" هاتفها لتنتبه لقدوم رسالة لها علي ""الواتس أب"" وما بين انشغالها بالرد علي الرسالة لم تنتبه للدراجة البخارية التي تتقدم اتجاهها وسائقها غير منتبه لها بل بالأحق هو منتبه بالرد علي والده عن طريق سماعة البلوتوث..
بمجرد إرسال "قمر" للرسالة إذ انتبهت لصوت الدراجة البخارية التي بعدت عنها مسافة لا تقل عن المتر لتشهق "قمر" بذعر..بينما يقف سائقها الدراجة بمهارة ليرمق "قمر" بنظرة نارية من خلف زجاج خوذة الدراجة..
حمدت "قمر" ربها أنها كتبها في حقيبة كتفها وهاتفها ممسكة به بقوة لتقول بنبرة غاضبة:إن لم تستطع التحكم في دراجة بخارية أتركها لابن أختك أفضل
ترجل سائق الدراجة البخارية من عليها لينزع خوذته بسرعة البرق لتظهر عينيه التي تشع غضبا بل بالأصح لتظهر ملامحه التي ألجمت لسان "قمر" عن الكلام فبالرغم من رؤيته مسبقا إلا أنها لم تنتبه مسبقا لملامح هذا المتعجرف..
نعم إنه "فادي" من كان يقود الدراجة البخارية..
نعم إنه "فادي" بنفس نظرته الغاضبة والمتعجرفة..
نعم إنه "فادي" بحدته و قوته المعتادة ولامبالاته..
انتبهت "قمر" لنبرته الغاضبة التي قاربت علي أن تشع نار من بين ثغره الغاضب قائلا:انتبهي أنتي كيف تسيرين؟؟ فابن أختي علي الأقل تعلم أن سير المارة لا يكون علي طريق الدراجات والسيارات
أكمل "فادي" حديثه بنبرة قوية:لولا أنكي فتاة لكنت أعطيتك درس في كيفية الرد عليً
أنهي "فادي" حديثه و اتجه إلي المحل بقوة بينما "قمر" باتت تلعن نفسها علي انتباهها لملامحه وعدم الرد علي هذا المتعجرف..
بينما في داخل المحل..بدأ غضب "فادي" يزول تدريجيا وهو يبحث عن هدية ما من أجل صديقه...
لتقع عينيه علي برواز كبير نسبيا لفتاة ترتدي وشاح حول وجهها ولكن عينيها مكحلة لتجذب نظر كل فرد داخل المحل..
انتبه "فادي" إلي وشاح الفتاة وبدأ يتذكر ما حدث في النوبة..
تذكر تلك الفتاة التي رآها تخلع وشحها وتلقي بنفسها بين أحضان غريب بالنسبة لها..
تذكر تلك الفتاة و وشاحها الذي قفز أمام عدسة الكاميرا الخاصة به..
تذكر تلك الفتاة التي آتت له تنبه بأن حافلته مفخخة بقنبلة..
الآن زال غضبه كليا الذي استولي عليه منذ لحظات ليتأكد "فادي" الآن من أن تلك الفتاة التي وبخها للتو ما هي إلا تلك الفتاة التي كانت في النوبة..
صرف "فادي" نظره عن هذا البرواز لترتسم ابتسامة لامبالاة علي ثغره قائلا لنفسه:ها قد تأكدت الآن أن توبيخها كان واجبا
وما هي إلا لحظات حتى دخلت "قمر" إلي المحل وعلي ملامحها لامبالاة لهذا المتعجرف لتبدأ التنقل في المحل في محاولة للبحث عن هدية..
و بسهولة استطاع "فادي" إحضار هديته لصديقه واتجه إلي دفع ثمنها ومن ثم استقل دراجته البخارية..
رفع "فادي" خوذة الدراجة علي وجهه وهو يرمق "قمر" بنظرة اشمئزاز من خلف زجاج المحل..لينطلق بدراجته سريعا..
بينما "قمر" استطاعت بعد الحيرة بين الهدايا علي انتقاء هدية ل "مريم" لتستقل سيارة أجرة إلي منزلها و هي تعاتب نفسها مرارا وتكرارا علي عدم الرد علي هذا المتعجرف ..
...
ارتفعت أصوات الأغاني الصاخبة من تلك السيارة التي تتأرجح علي الطريق بتشتت لتدل علي أن سائقتها "سيدة" أو بالمعني الأدق "فتاة تحت تأثير الكحول بدرجة 100%" لتبعث القلق إلي جميع سائقي السيارات من حولها خوفا من أن تصيبهم تلك المجنونة..بينما صديقتها أو بالمعني الأدق "نسختها المصغرة" تجلس جوارها دون أن تظهر أي رد فعل مطلقا..سواء من كلماتها المستفزة أو حركاتها المتهورة بالسيارة..
كهذا ظلت "إسراء" طيلة الطريق..صامتة..شاردة..منعزلة عن العالم بزجاجة الفودكا التي بيدها اليمني حيث تبدلها في الساعة ثلاث مرات أو أكثر..بينما يدها اليسرى تعبث بصفحة "فادي" علي موقع التواصل الإجتماعى
"فيس بوك" تلامس ملامحه بأناملها التي باتت تحفظ كل تفصيلة في وجه "فادي"..
فاقت "إسراء" من شرودها علي صوت "هند" تقول:أغلقي هذا الشئ و أجلبي لي زجاجة أخري
زفرت "إسراء" بضيق و التفت بجسدها إلي المقعد الخلفي تبحث عن زجاجة كحول أخري لتقول:أين وضعتي الحقائب يا هند لا يوجد هنا سوي الملابس و الطعام
هند بتذمر:أبحثي جيدا يا إسراء إنهم بالخلف
إسراء بعصبية:أترينني عمياء لا يوجد شئ
و بدون وعي أو مبالاة لغدر الطريق..تركت "هند" عجلة القيادة والتفت برأسها إلي إسراء لتصيح بها قائلة:صوتك لا يرتفع ....
ولكن في أقل من الثانية..أختفي صوت الجميع و ارتفع صوت ارتطام السيارة بسيارة لنقل الأثاث..
ليرتجل سائقي السيارات من حولهم في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه..
...
مع دقات الساعة السابعة صباحا..ارتفع رنين هاتفه بصخب معلنا اتصال من أحد رجاله..
ليضع "محب" يده تحت وسادته باحثا عن هاتفه..لينظر بجواره بضيق ويزفر قائلا:حسنا يا هند سأعلمك كيف تتخلفي عن موعدي
رد "محب" علي الاتصال القادم له وبات يتلي الأوامر علي رجله هذا ومن ثم اتجه إلي دورة المياه ليأخذ حمام دافئ...
بعد ما يقارب النصف ساعة..اتجه "محب" إلي المطبخ ليعد له كوب نسكافيه سريعا وهو يستمع إلي الأخبار علي التلفاز..التفت "محب" بيده ليجلب السكر ليرتفع صوت مذيعة الأخبار قائلة:مقتل فتاة وسائق سيارة نقل و إصابة فتاة أخري في حادث سير مروع علي الطريق ..
لم يكمل "محب" الاستماع لباقي الخبر و إنما أمسك بهاتفه سريعا..يأمر أحد رجاله بالتأكد من تلك الفتاة..
ما إن أنهي "محب" مكالمته حتى ألقي بهاتفه علي مقعد يتوسط حجرة الاستقبال يغضب عارم يدل علي ضياع الخيط الأول في قضيته المجهولة..
.....
مع تمام الساعة الرابعة عصرا..وقفت إحدى سيارات الأجرة أمام العمارة السكنية حيث تمكث "قمر"..لتخرج منها "قمر" متجه إلي المصعد الكهربي بعد أن ألقت السلام علي البواب..ضغطت "قمر" علي زر النزول للمصعد..و أسندت رأسها علي الحائط منتظرة نزول المصعد..
و في لمح البصر في لقطة تصويرية كأفلام الخيال السينمائية..طغي صوت دراجته البخارية علي الهدوء الذي يعم الشارع..ليقف بدراجته أمام العمارة السكنية ويرفع خوذته تدريجيا من علي رأسه ليسندها علي الدراجة ومن ثم يحرك خصلات شعره يمينا ويسارا حتى تعود لهيئتها السابقة..وبيده اليمني يخلع سماعة البلوتوث من أذنه وبيده اليسري يلوح لبواب بحركة للتحية..ليتجه إلي المصعد..
حدث كل هذا في أقل من دقيقتين بينما "قمر" شعرت بأنهم سنين تمر أمام عينيها بالتصوير البطئ لتفيق من هذا الفيلم الخيالي علي صوت المصعد..
اتجهت "قمر" سريعا إلي داخل المصعد وهي متيقنة من إتباع "فادي" لها ولكنها حاولت بذكاء إظهار نفس نظرة اللامبالاة التي عًلت وجه "فادي" بمجرد صعوده للمصعد..
ضغطت "قمر" علي زر الطابق الخامس وتبعها "فادي" بضغطه علي زر الطابق السادس..لينطلق المصعد في طريقه و "فادي" يعبث بهاتفه يتابع صفحته علي "تويتر"
صوت جرس خافت أعلن وصول المصعد للطابق الخامس لتهرب "قمر" سريعا من هذا المصعد التي اكتسي كليا برائحة عطر "فادي" المخدرة..
اتجهت "قمر" إلي منزلها لتبدل ملابسها سريعا وتحضر هديتها ل"مريم" لتطرد حيرتها من ضغط "فادي" علي زر الطابق السادس بعقد جلسة تأديب لعقلها بالتفكير في هذا المتعجرف..
بينما في منزل "ياسر و مريم"..
ارتفعت أصوات ضحك "ياسر" و "فادي" بمجرد وصول "فادي" إلي المنزل لتبدأ معركة المزاح المعتادة بين الصديقين بينما "مريم" منشغلة بإعداد الغذاء وتقديم مشروب سريع ل"فادي"..
لتدخل "مريم" إلي حجرة الاستقبال قائلة:حسنا إنه مشروب سريع ريثما تأتي جارتنا
فادي بنبرة قلق:أي جارة!!
ياسر:إنها فتاة في الطابق السفلي تعرفنا عليها بمجرد وصولنا
مريم بنبرة مزاح:نعم نعم لأن أخوك نسي مفتاح منزله و آتٍي بالنجار
فادي بضحك:الحمدلله أنه تذكر أنه متزوج
ضرب "ياسر" كف صديقه بحركة مزاح قائلا:حاولت إقناعها أنه يكفيني تذكر زواجي ولكنها لم تقتنع
قطع حديثهم المزاحي البحت صوت جرس الباب معلن قدوم الجارة التي باتت معروفة لدي "فادي"..
كان اللقاء بين الفتاتين غير المتوقع..ف"مريم"و "قمر" رغم إنه لم يجمعهم القدر سوي ساعة أو أقل من الساعة إلا أن صداقتهم بنيت في لمح البصر بطريقة غريبة علي الفتاتين..
قدمت "قمر" الهدية ل"مريم" وسارت معها إلي حجرة الاستقبال لتقول مريم:حسنا يا قمر هذا ياسر زوجي تعرفتى عليه مسبقا وهذا فادي صديقه سيشاركنا الغذاء اليوم
نظرات لامبالاة تحولت إلي ثورة غضب اشتعلت في عيني "فادي" و "قمر" ليقطعها صوت "ياسر" مرحب ب"قمر"..
و من ثم و بدون أن تشعر "مريم" أنهت تلك الحرب بدعوتها ل"قمر" للتأكد من تمام الغذاء و تبدأ حلقة الحديث بين الفتاتين..
....
ظهرت عروق يده الغاضبة لتقضي علي التجاعيد التي تتمكن من بشرته ليرتقع صوته الغاضب قائلا:أتهددني في منزلي يا محب؟؟ هل نسيت من أنت؟؟؟ أنت مجرد غريب عن قريبتنا أتيت وأنت طفل مع خالك..عٌد إلي رشدك ولا تفتح علي نفسك النار
محب بنبرة ثقة ممزوجة باستفزاز:أنا لا أريد سوي مشاركة ومصلحتنا سويا لذا فكر جيدا يا عماه
أكمل "محب" و هو يرتشف الرشفة الأخيرة من كوب الشاي:إذا وافقت علي مشاركتي لك في مصنع الأسمدة الزراعية سأمنحك الشيك بنفسي لكي تحرقه
نظر "محب" إلي هاتفه قائلا:اليوم الإثنين يوم الخميس أتمني أن يصلني الرد وإلا
أنهي "محب" حديثه متجها إلي باب المنزل ليرسم ابتسامة سخرية علي ثغره ويودع بها "منير" الذي بات يشتعل غضبا ويطيح بكل شئ أمامه كأنه يخرج غضبه في ركل الطاولة أو تحطيم أكواب الشاي..
خرجت "ناهد" من حجرتها إثر سماعها صوت صياح "منير" وتحطم الأكواب وما شابه ذلك لتقول بصدمة ممزوجة بخوف:أهدأ قليلا يا منير هدأ من روعك لن تفيدك العصبية أهدأ
صاح "منير" بنبرة غضب:لم يكمل عقده الثالث ويهددني أنا في منزلي أنا
اقتربت منه "ناهد" بخطى ثابتة وشفتيها تردد ما جال بخاطرها من آيات القرآن في محاولة لتهدئة عصبية "منير" إلي أن جلس "منير" علي أريكة المنزل قائلا بعصبية مكتومة:هذا الشاب يفعل بى أنا كل هذا في البداية يضيع علي مالي بسببه والآن يريد مشاركتي فيما تبقي لي
أكمل "منير" حديثه بنبرة مرتفعة قليلا وهو يضغط علي رأسه:كيف كل هذا كيف؟؟ ماذا لو علم أهل القرية بكل هذا؟؟ ستضيع هيبتي ككبير للقرية من أجل هذا
مسحت "ناهد" علي كتف "منير" بحنان وهي تردد بصوت هادئ:كل هذا يا منير ما هو إلا تخطيط من الله عزوجل..هو من وضع محب في طريقك وهو من أراد أن تضيع البضاعة في البحر وبإرادته سيشاركك محب في المصنع أو لا
منير بنبرة شبه هادئة ولكنها ممزوجة بضيق:إنه يهددني بشيكات قيمتها تتعدي الخمسة ملايين
تجمدت يد "ناهد" من صدمتها من سماع الرقم لتتشبث بجلباب "منير" قائلة بنبرة مرتعشة:كم!!
مسح "منير" علي ذقنه بضيق قائلا:خمسة ملايين يا ناهد ولا تسأليني أين كان عقلي عندما كتبت له شيكات بهذا المبلغ لا أ'لم كيف فعلتها ولا كيف كتبت علي نفسي كل هذا المبلغ و سيولة المصنع و المزرعة لا تتخطي المليونين بالإضافة إلي مصاريف "قمر" التي أبعثها لها كل أسبوع
أسندت "ناهد" برأسها علي كتف زوجها لتقول بنبرة مرتعشة:وافق علي الشراكة لا حل أمامنا غير ذلك لعل شراكته تساعدنا علي تجديد المصنع كما كنت تريد توكل علي الله يا منير
شعر "منير" بسخونة رأسه من كثرة التفكير ليمسح عليها بيده قائلا:سأفكر مرة أخرى يا ناهد سأحاول الوصول إلي أي حل
.....
وضعت "قمر" أخر صحن للطعام لتشعر ب"مريم" التي تقترب منها قائلة:أرهقتك اليوم في المطبخ أعذريني
قمر بابتسامة رضا للطبقين التي أعدتهما لتوها:بالعكس لقد استمعت كثيرا
احتضنتها "مريم" من كتفها قائلة:ولكن أخبريني كيف تعلمتى كل هذا؟؟؟
قمر بنبرة مزاح ممزوجة بضحكة خافتة:كل هذا!! تشعريني وكأنني جهزت وليمة ما هم إلا طبقين ولكن وعد مني في يوم أجازتي سأعلمك الأشهى مما تعلمته من أمي
نظرت "مريم" إلي ساعة الحائط لتتسع عينيها دهشة قائلة بصدمة:الساعة باتت الرابعة والنصف لقد نسيت فادي و ياسر
ارتفع صوت هاتف "قمر" معلن وصول رسالة علي ""الواتس أب" لتقول:حسنا أخبريهم بأن الطعام جاهز ولكن أعذريني سأجري مكالمة سريعا
اتجهت "مريم" إلي حجرة الاستقبال بخطي قلقة لتجد "ياسر و فادي" غارقين في حديثهم الغير مسموع لتتنفس "مريم" الصعداء قائلة لنفسها "الحمدلله لم يشعروا بمرور الوقت وانتبهوا لحديثهم"
ارتفع صوت "مريم" قليلا قائلة:ياسر فادي الطعام جاهز هيا
ياسر بانتباه:حسنا حسنا سنأتي يا مريم أمهليني دقائق
أعاد "ياسر" انتباهه إلي "فادي" قائلا:و متى سيكون العزاء؟؟
فادي بتذكر:في الشركة قالوا أنه سيكون غدا ريثما تعود الجثة وتنقل "إسراء" إلي المستشفي
ياسر بنبرة مستفسرة:ستذهب؟؟
فادي بتنهيدة:بالتأكيد يا ياسر رغم كل خلافاتي معهن ومع طريقتهن ولكن هذا واجب فقد توفت "هند" الله ولا يجب علينا سوي الدعاء لها
ياسر بنبرة راحة:حسنا يا صديقي في الغد سنذهب سويا إلي المسجد لحضور صلاة الجنازة أيضا
أكمل "ياسر" حديثه وهو يتحسس معدته قائلا:و لكن الآن هيا بنا فمعدتي قاربت علي الغناء من جوعها
اتجه "ياسر و فادي" إلي طاولة الطعام ليرتفع حاجب "ياسر" الأيسر وهو يتفحص الأطباق قائلا:أنا أفهم جميع أنواع الأكل عدا هذين
أكمل "فادي" كلام صديقه وهو يجلس علي كرسيه قائلا:نرجو التوضيح
مريم بابتسامة خافتة:هذين الصنفين أعدتهما "قمر" لذلك تأخر الطعام قليلا لأني أردت أن أجرب أكل النوبة
ياسر بانتباه:بذكر "قمر" أين هي؟؟
ما إن أنهي "ياسر" جملته حتى دخلت "قمر" إلي حجرة الطعام وعلي ملامحها يبدو العبوس لتحاول جاهدة تلاشي الحزن الذي دًب فيها من تلك المكالمة قائلة:عذرا لتأخري
شرع الجميع في بدء تناول طعامهم وسط جو هادئ يتخلله صوت مزاح "ياسر" و "فادي"..و قلق "مريم" من شرود "قمر" من حين إلي آخر..
بعد ما يقارب النصف ساعة أو أكثر..قام "فادي" و "ياسر" يساعدان الفتاتين في تجميع الأطباق و وضعها في المطبخ ليتجهوا لإستكمال حديثهم..بينما "قمر" و "مريم" منشغلين بتنظيف الصحون لتقول مريم:معرفتي لكي لا تتعدي الساعات ولكن بحق زوجي أنا أحبك و اعتبرتك منذ اللحظة الأولي أخت لي ولذلك لا أحب أن أري أختي عابسة ولا تقولي لي أنه لا يوجد شئ فواضح في عينيك أن هناك أمر ما
جففت "قمر" الصحن الذي كان بيدها قائلة بابتسامة:الله وحده يعلم يا "مريم" كيف هي مكانتك عندي..و لكن الأمر كله يتعلق بالرسالة فالدكتور كعادة دكاترة الجامعات المصرية يطلب الكثير والكثير في أقل وقت وأنا أحاول جاهدة أن أنفذ كل طلباته حتى أنهي تلك الرسالة
ابتسمت "مريم" مساندة لصديقتها قائلة:ما عرفته عنك أنكي جئتي إلي هنا من أجل حلمك وما يحدث من المشرف علي الرسالة ما هو إلا جرعة مما ستقابليه في طريقك..أصمدي يا صديقتي من أجل حلمك
ابتسمت "قمر" باطمئنان لتلك الفتاة التي أصبحت لتوها صديقتها ورفيقتها في رحلتها في القاهرة لتستكمل الفتاتان تنظيف الصحون وإعداد أكواب الشاي و الكيك من أجل "فادي و ياسر"..ليهبوا إلي شرفة المنزل يتسامرون فيها بعد أن قدموا كل شئ للشابين..
......
أشعل "محب" تبغه وهو يستمع لأحد رجاله الذي يملي عليه ما حدث في الصباح من حادثة السيارة ل"هند و إسراء" ليتلقي "محب" خبر وفاة "هند" بلامبالاة مقارنة باهتمامه بمن كانت معها..
ليكمل رجله الكلام قائلا:من كانت معها هي زميلتها في العمل تعدت مرحلة الخطر وستنقل إلي القاهرة ليستكمل علاجها..اسمها "إسراء وائل الصاوي" تعيش بمفردها بعد وفاة والدها و والدتها مريضة بالسرطان وجليسة للمستشفي..معظم أصدقائها اكتسبتهم من النوادي الليلية وماشابه ذلك
محب بابتسامة خبث ممزوجة بنبرة راحة بأن خيطه الأول في قضيته لم يضيع هباء قال:هذا جيد جدا حتى الآن ولكن فور خروجها من المستشفي أريدك أن تعلمني وتجلب لي عنوانها
مًد الرجل يده بورقة وضعها علي مكتب "محب" قائلا:هذا هو العنوان يا باشا وبمجرد خروجها سأعلمك
محب بابتسامة رضي:ممتاز والآن ستجد مكافأة ثمينة جدا لك في الخارج
الرجل بابتسامة جشع:شكرا جزيلا يا باشا
.....
أشعة ذهبية تجوب أركان الحجرة باستحياء معلنة عن بدء يوم جديد..صوت إذاعة القرآن الكريم يضيف طابع هادئ علي تلك الحجرة التي تسكنها سيدة في منتصف عقدها السادس..ساكنة علي فراشها تحرك شفتيها بأذكار الصباح..ملامح وجهها باتت مختفية من أثر العلاج بالكيماوي..عينيها ما عادت تعرف معني للراحة منذ أكثر من أسبوعين منذ تلك الزيارة الأخيرة لإبنتها الوحيدة التي تبدل حالها تماما في تلك الزيارة اختفت بسمتها وتحولت ملامحها للذبول لتبني بداخل والدتها الهم والحزن عليها وتطرح ثورة أسئلة تسعي تلك الأم "كريمة" لإيجاد إجابة عليها..
فاقت الأم من شرودها بالأذكار علي صوت طرقات خافتة علي حجرتها..تهلل وجهها فرحا ظنا منها أن الطارق هي ابنتها لتأذن بالدخول ويفتح باب الحجرة باستحياء ليظهر شاب في بداية عقده الثالث..علي وجهه ابتسامة هادئة ممزوج بغموض يشع من عينيه قائلا:صباح الخير
نظرت له "كريمة" بتعب ممزوج بفضول لترد التحية ومن ثم تقول:من أنت؟؟

يتبع......

في أرض النوبة للكاتبه نورهان حسني حيث تعيش القصص. اكتشف الآن