الفصل الرابع

1.7K 66 0
                                    


الفصل الرابع 

أشعة شمس ذهبية مختلفة في يومنا هذا تبشر بأن هذا اليوم لن يمر مر الكرام علي الجميع..
وسط نظرات إعجاب من تلك وهمسات من تلك لصديقتها حمل "فادي" فستان الزفاف موجها كلامه ل"مريم" قائلا:هيا يا عروس..تأكدي من أنكي أحضرتي كل مستلزماتك 
جففت "مريم" دموعها وهي تبتعد عن أحضان والدها قائلة:لا تقلق لقد أحضرت كل شئ 
بإحساس من الحزن ترك يد صغيرته التي طالما تمسكت بها قائلا:هيا يا حبيبتي حتى لا تتأخري و يتعطل فادي
فادي:أبدا يا عمي يومي هذا مخصص لمريم و ياسر
رتبت "والدة مريم" علي كتف "فادي" قائلة بنبرة الأم المصرية العادية:حفظك الله يا بني لولاك كان يومنا سيتعطل كثيرا 
فادي بابتسامة هادئة:ياسر أخي يا عمتي ومريم أختي وأنا لم أفعل سوي ما يجب علي الأخ أن يفعله لأخته
أكمل "فادي" بنبرة شبه تشجيعية:حسنا..هيا يا مريم حتى لا نتأخر 
ودعت "مريم" منزلها الذي حمل أجمل ذكريات عاشتها بين أحضان والديها..مع وداع سيدوم لساعات قليلة لبنات عماتها وأعمامها..لتهبط إلي سيارة "فادي" ومعها "شيماء" أخت "ياسر" وطفلتها "ملك" التي تبلغ من العمر سنتان و"كريم" الذي أتم منذ شهرين عامه السادس..
جلست "مريم" بجانب "شيماء في الكرسي الخلفي وملك بين أحضانها...أما "كريم" فلم يتنازل عن الجلوس علي قدم "فادي" بالرغم من أنه يقود..مستمتع بمداعبة "فادي"..
أوصل "فادي" الفتاتين إلي الفندق المقرر للزفاف وتأكد من صعودهم إلي الجناح الخاص بهم..ليعود إلي سيارته منطلق إلي منزل "ياسر"
....
غموضه الدائم صاحب اختفائه الملحوظ عن قريته..لا يعلم أحد أسبابه أو نتائجه ولكن من المؤكد أنها ستكون احدي مفاجآت "بسام"..
تناول "بسام" قطرات من المياه قائلا:لم يكن اختفاء يا عمي ولكن كنت في نزهة مع أصدقائي في الغردقة
منير بنبرة استياء ممزوجة بعتاب:و منذ متى وأنت تذهب بدون إخباري؟؟وتغلق هاتفك أيضا..
بسام بنبرة أسفة:أعذرني يا عمي لن تتكرر مطلقا 
تنهد "منير" بهدوء قائلا:المهم أنك يخير الآن..ستظل معانا حتى الغذاء ولا نقاش في هذا 
وكأنها الفرصة التي ينتظرها "بسام" ليقول:كما تشاء يا عمي 
شرع "منير" في القيام قائلا:سأذهب لأجري مكالمة تليفونية وأعود 
اتجه"منير" إلي حجرته لينهي مكالمته الهاتفية..لتدخل "قمر" بأكواب الشاي قائلة بتعجب:أين أبي!!
بسام:يجري مكالمة هاتفية 
أكمل "بسام" كلامه بنبرة هامسة:أجلسي أريد أن أخبرك بأمر ضروري 
قمر بنبرة قلق:خير..
.....
نسمة هواء دافئة استأذنت باستحياء ستائر حجرة "منير" في محاولة منها للحد من حدة صوت "منير" الذي بدأ في الارتفاع تدريجيا..معلن عن بداية الحرب بينه وبين "محب"..
ارتفعت حدة صوته بغضب قائلا:أنت بتهددني!!
اتكأ "محب" بظهره علي كرسيه الجلدي قائلا:تهديد!!تؤ تؤ 
أكمل محب بنبرة غامضة ممزوجة ببرودة أعصاب:هو مجرد إنذار صغير إذا فككت شراكتنا سأفكك صغيرتك.. و لك حق الاختيار..ولكن لا تنسي أن تبلغني ردك بعد 24ساعة 
ألقي "منير" بهاتفه علي طاولة خشبية تتوسط الحجرة وهو يقبض معصمه بكل قوته..لقد تعطل عقله عن التفكير.. 
جميع حواسه تأبي أن تمد له يد العون لإيجاد حل..
شٌل كيانه بالكامل..فالخطر الآن يحوم حول صغيرته..الخطر الآن يهدد من يدق قلبه من أجلها..
شعر "منير" بلمسة يد طالما ساندته سنين وسنين..طالما كانت تخفف عنه آلامه و أوجاعه المدفونة في مقبرة الماضي..طالما منحته السعادة دون طلب مقابل..
آتاه صوتها القلق قائلا:ماذا حدث؟؟هل هناك مشكلة في العمل؟؟لماذا يرتعش جسدك؟؟
بنبرة جامدة ممزوجة بإحساس من العجز عن التفكير أجاب منير علي سؤال ناهد قائلا:محب يهددني لأني أسعي في إنهاء جميع شراكتنا..يهددني بقمر 
صدمة كهربية أصابت قلب الأم علي صغيرتها لتقول بصوت مرتعش:بنتي
أطلق العنان لأنفاسه الساخنة من الخروج من كيانه الذي قارب علي الاشتعال ليقول:أما زالت تريد إكمال دراستها 
نبرة تعجب ممزوجة بخوف صدرت من ناهد التي قالت:نعم..
رفع "منير" رأسه ممسك بهاتفه قائلا بنبرة صارمة:حسنا أبلغيها أنها ستسافر غدا إلي القاهرة لعمل رسالة الماجستير و أنا سأحادث أحد معارفي ليجد لها سكن مؤمن 
أكمل "منير" كلامه بنبرة تحذير:و لكن لا تتفوهي لها بأي شئ عن محب وما قاله 
لا تعلم هو الحل أم لا!! هل هكذا ستتخلص صغيرتها من نظرات الذئب الذي يحوم حولها؟؟
تنهدت "ناهد" بقلق و إستعانت علي ربها وخرجت لتبلغ "قمر" بقرار والدها..لتقفز "قمر" فرحا و يرفع "بسام" حاجبه الأيسر تعجبا من موافقة عمه محادث نفسه بقلق قائلا:ها قد بدأت المعركة يا عمي 
و يرتعش قلب الأم قلقا علي صغيرتها لتلقي بكل همومها علي ربها وهي متأكدة أن كلام ما هو إلا تدبير من الخالق لذهاب "قمر" إلي القاهرة..
ولكن يا تري ماذا يخفي لها القدر هناك؟؟!!
..
ضغطت علي هاتفها بقوة لتظهر عروق يدها التي تدل علي ثوران بركان داخل كيانها الغاضب..
تحولت وجنتها إلي جمرة نار مشتعلة وهي تلقي بكأس الفودكا لتصيح بغضب:فعلتها فعلتها صديقتي
وبسرعة البرق..انطلقت "إسراء" إلي حجرتها متجهة إلي خزينة ملابسها لترتدي أول ما هبطت عينيها عليه..
بينما "إسراء" منشغلة بارتداء حذائها إذ سمعت صوت جرس الباب معلن عن قدوم كارثة أخري..
اتجهت "إسراء" إلي باب منزلها بخطي شبه ثابتة لتفتحه ومع تفتح نيران اللهب عليها لتفاجئ ب"هند" أمامها وبيدها صورة شبه مكبرة لإسراء شبه عارية لتقول هند بخبث:تلك ما استطعت أخذها من صاحب الأستوديو والباقي تشبث بيهم 
شهقت "إسراء" بصدمة لتتجه يدها بسرعة البرق إلي تلك الصورة وتلتقطها من يدها قائلة:كذب كل هذا كذب
أكملت "إسراء" حديثها وهي تمزق الصورة قائلة:تلك ليست صوري ليست أنا 
طرقات حذاء "هند" التي تجوب منزل "إسراء" عازفة لحن الاستفزاز لإسراء لتقول "هند" وهي تعبث بهاتفها الجوال:الحمدلله أنني احتفظت بنسخة من الصور التي بعثتها لكي علي هاتفي حسنا لأبعثها لوالدتك وهي من تقرر إن كانت كذب أم لا 
نقطة ضعف "إسراء" هي من تحكمت في زمام الأمور الآن..فوالدتها مريضة بسرطان الثدي وجليسة في المستشفي للعلاج الأورام..تلك هي من تخشي عليها "إسراء"..تلك هي من ترتعد خوفا بأن تصيبها سمومها من ألاعيبها في النوادي الليلية..
تراجعت "إسراء" للخلف..منكسة رأسها بضعف معلنة انتصار "هند" قائلة:حسنا ماذا تريدين؟؟
هند بابتسامة انتصار ممزوجة بخبث"حسنا هكذا أحبك يا صديقتي لنذهب للزفاف أولا ومن ثم تبدأ الحفلة الخاصة 
.....
أنهي المصلين صلاة العصر..ليتجه كل منهم إلي منزله في هدوء وسكينة..
عدا هذا المجنون كما يلقبه "فادي"..هذا المجنون الذي يدعي "ياسر" المتجه إلي منزله ليستعد لزفافه وهي يتلقي التهاني من صحبته في المنزل..
فيبارك له هذا و يدعو له ذاك بالذرية الصالحة وبين هذا وذاك يقف "ياسر" مبتسم الوجه قائلا جملة واحدة فقط لكل من يهنئه:قٌل لي أن هذا حلم و أنني سأبقي أعزب كما أنا..قولها فقط 
وبين هذا المزاح المفرط من "ياسر" يسير "فادي" بجانبه وصوت ضحكاته يهتز لها الشارع من تصرفات صديقه التي تدل علي أنه طفل لم يكمل عقده الأول وليس رجل في بداية عقده الثالث..
ليقطع وصلة مزاحهم..إعلان رسالة نصية قادمة إلي "ياسر" من زوج أخته يخبره بأنه في طريقه إليه بعد أنهي الاطمئنان علي حالته الطارئة..
ليتنهد "ياسر" بقوة قائلا:فادي 
في نظر الكثير منا أو بالأحق جميعنا هي كلمة واحدة ولكن بالنسبة لصديقان علاقتهم منذ ما يقارب الخمسة وعشرين عاما..تلك الكلمة تحمل في طياتها الكثير..
الحيرة..الخوف مما هو آتٍ..القلق من مسئولية قوية باتت علي عاتقه.. 
تلك الأحاسيس ما هي إلي نقطة في بحر مما يشعر به "ياسر" والتي استطاع "فادي" قرأتها بسهولة في عيني صديقه..
ليضع يده علي كتفه قائلا بنبرة مطمئنة:بعون الله ستكون أنت الزوج الصالح وفي المستقبل الأب القدوة ولكن إن تخليت عن هذا الجنون و لو 1% ولكن ليست تلك بالمشكلة العويصة..المهم أن ترعي الله فيما هو آتٍ وفي تلك الفتاة التي تركت والديها من أجلك أنت 
رتب "فادي" علي كتف صديقه قائلا:أنت من تقول دائما أن الزواج هو نهاية المطاف لكل عاشق بصدق..و أنت عشقت و ستحظي بمعشوقتك في الحلال فلتضع هذا أمام نصب عينيك من ستصبح زوجتك هي في البداية حبيبة عمرك فعاملها علي أنها طفلتك المدللة بالهدوء ناقشها وإن لا قدر الله أخطأت إياك أن تعاقبها بهجرك لها 
رفقا بالقوارير يا صديقي 
تنهيدة راحة أو من الممكن أن تكون إحساس بالثقة التي ازدادت أضعاف كهذا شعر "ياسر" الذي قال ممازحا:من يستمع لحديثك يتيقن بأنك دائب في العشق منذ سنين 
ابتسامة لامبالاة ممزوجة بتعجرفه المعتاد نبعت من "فادي" الذي قال:لم تخلق بعد من تحرك قلب فادي الاسيوطي
ياسر بنبرة ثقة ممزوجة بضحك:صدقني يا صديقي تلك الثقة ستجعلك ترتشف كؤوس الحب وتصبح عاشق في قائمة العشاق الأبديين 
....
غلق باب حجرته بحذر ليتجه إلي فراشه الذي يتوسط الحجرة ويقلب أعلاه أسفله و أسفله أعلاه ليعثر علي هاتف خلوي غريب الشكل موصل بالكثير من الأسلاك مخفي بين نسيج القطن المكون للمرتبة الفراش ليصل أحد أسلاكه بحاسوبه النقال و يبدأ في نقل بعض البيانات من علي الحاسوب إلي الهاتف ومن ثم بمسك بالهاتف ويضغط علي بعض الأوامر ليتنهد براحة لرؤيته رسالة تؤكد إرسال البيانات لمصدر مجهول بالنسبة لنا ولكن بالنسبة لهذا المجهول الآخر هي بداية حربه مع غريمه اللدود..
...
في جو يسوده المحبة والألفة علي قليل من مرح "ياسر" المعتاد ولكن للأمانة بالإضافة للكثير والكثير من مرحه و مزاحه مع عروسه ومع المدعوين كافة وخاصة صديق عمره "فادي"..
ليسود الجنون حفل الزفاف ويفتتح الحفل برقصة تضم "فادي" و "ياسر" علي أنغام المهرجانات الشعبية البحتة..
ليكون أول عرس يبدأ برقصة العريس مع صديقه و العروسة تقف علي مسافة منهم تلتقط الصور لهم و الصور السيلفي الخاصة بها مع صديقتها..
لتكون بشهادة جميع المدعون هو الفرح الأكثر جنونا..بداية من رقصة المهرجانات الافتتاحية وصولا بأكواب الكراميل التي وزعت علي المدعوين..مرورا بالأغاني الهندية التي أشعلت أجواء الفرح..
نهاية بلحظة تبديل دبل الزواج إلي اليد اليسري حيث وصل "ياسر" إلي قمة جنونه..
ليرفع يده إلي أعلي قائلا بمرح:هيا يا طفلتي أبدلي دبلتي
رفعت "مريم" حاجبها الأيسر بتعجب و وضعت يدها حول خصرها قائلة:أهذه مزحة علي قصر قامتي؟؟ أم محاولة منك لعدم تمام الزفاف 
ياسر بنبرة جدية مصطنعه:هناك إجابة ثالثة 
مريم بفضول:ما هي ؟؟؟
ياسر بضحك:ألإثنين معاا
و لأنه كان الأقرب لهم..وجهت "مريم" رأسها إلي "فادي" قائلة:هذا صديقك خذه فلن يتم هذا الزفاف
من بين ضحكاته حاول "فادي" أن يهدئ من روع هؤلاء المجانين ليتم تبديل دبل الزواج أخيرا..
معلنة تجمع هذين المجنونين تحت سقف منزل واحد..
رغم الجنون و الضحك و المزاح الذي سيطر علي أجواء الزفاف..كانت نظرة العاشقين لعيون بعضيهما لحظة تبديل دبل الزفاف هي الأروع..
لمعة عيني "مريم" اللؤلؤية بتتويجها أميرة عرش قلب "ياسر"..
أناملها المرتشعة لملامستها ليده التي ستصبح من الآن سندها..التي ستصبح من الآن أمانها وحمايتها و عالمها الصغير..
ابتسامة عيون "ياسر" قبل ثغره لخجل "مريم" وهي تبدل دبلته..جعلته يخطفها من بين الجميع و يخبئها بين ضلوعه في ضمة دامت ما يقارب العشر دقائق أو أكثر..
ضمة لم يشعر العاشقين بمدتها ولكنهم شعروا بأنفاسهم التي تخطف في تلك الضمة..
شعروا برعشة جسديهما في ضمة انتظروا سنين و ها هي الآن تحققت ضمة في الحلال..
بعد ما يقارب الساعة والنصف..انتهي الزفاف وانطلقا العاشقين إلي منزلهم الذي سيصبح من الآن عالمهم الخاص..
و ينصرف جميع المدعوين إلي منازلهم ما بين فرحهم أو حقدهم بات كل منهم ليلتهم كأي ليلة..
ولكنها ليلة العمر بالنسبة للعشاق..ليلة اتحاد روحيهما ..ليلة توحد أنفاسهم ..ليلة تحت سلطان الحب لا غيره..
....
مرت الليلة بسلام علي العاشقين..أما "قمر" فباتت ليلتها تعد حقيبة سفرها و تدون المراجع والكتب التي تحتاجها 
لبداية رسالة الماجستير الخاصة بها..أما عي "فادي" كانت ليلة كأي ليلة بالنسبة له يقضيها بين طيات قاموس معين للغة ما أو رواية من روايات "ويليام شكسبير" ولكن تلك الليلة مختلفة إلي حد ما..فأخيرا زينت ليلته بفرحته بتمام زفاف صديقه..أما عن "محب" فقد مضي ليلته في تدابيره بكيفية الإيقاع ب"منير"...
أما علي "إسراء" فقد أسوء ليلة مرت بها في حياتها..فبعد انتهاء الزفاف انطلقت بصحبة "هند" إلي أحد النوادي الليلية..لتحتسي أكبر كمية ممكنه من الخمر حتى لا تشعر بما سيحدث لها في تلك الليلة.. 
فبعد انتهاء حفلة "هند" الصاخبة..اتجهت إلي منزلها بصحبة "إسراء" و شابين ليحظي كلا منهما بفريسته وتقع "إسراء" بين يدي أحدهما ليقضي علي ما باتت عمرها تحافظ عليه وهي عذريتها التي انتهكت أشد الانتهاك في تلك الليلة بفضل من ظنتها صديقتها..
....
ضمة حانية تحمل في طياتها خوف ممزوج بعدم ارتياح...
هكذا شعرت "قمر" في ضمة والدتها لها وهي تودعها..شعرت برجفة قلب والدتها و الخوف الواضح في عينيها من ترك فتاتها وحدها في القاهرة..
حاولت "قمر" إيجاد تفسير لهذا الخوف ولكن تفسير أنها تخشي علي فتاتها كأي أم مصرية هو ما هدأ من تعجبها قليلا ..
كفكفت "قمر" دمعة اجتاحت خديها وهي تٌقبل والدها قائلة:سآتي إلي القرية كل جمعة 
منير بنبرة حزن ممزوجة بجدية:نحن من سنآتي لكي إذا جاءت الفرصة ولكن لا تأتي إلي القرية حتي أنهي خلافاتي مع محب و انتبهي علي حالك جديا و تذكري يا قمر ممنوع التأخير في الجامعة حتي وإن كان عمل يخص رسالتك 
اتسعت عيني "قمر" تعجبا من نبرة "منير" ولكنها قالت"حسنا يا أبي وإن حدث شئ ما سأخبرك علي الفور 
رتب "منير" علي كتف فتاته بهدوء قائلا:في رعاية الله يا طفلتي 
وقفت "قمر" أمام باب منزلها الجديد تودع والديها و دموعها تشق الطريق إلي خديها اللذان يرتعشان حزنا علي تركها لهم وخوفا من مستقبلها المجهول في تلك العمارة السكنية..
بينما في أسفل العمارة..وقفت "ناهد" مع زوجة البواب توصيها أن تلبي كل طلبات فتاتها بينما "منير" يقف مع البواب يستفسر منه علي أحوال السكان ليتأكد من الجو الذي سيحيط بفتاته..
ليقول البواب:لا تخشي عليها يا حاج..كل السكان هنا بلا استثناء يتحلون بأسمي معاني الخلق..
الطابق الأول والثاني والثالث لعائلات مصرية عادية ولديهم أطفال هادئون جدا 
والطابق السادس سكنه عروسين ليلة البارحة و سواء العريس أو عروسته أخلاقهم تسبقهم 
والطابق السابع فهو لمالك العمارة وهو دائم السفر والخامس لآنسة قمر
رفعت "منير" بصره إلي شرفة منزل فتاته ليجدها واقفة بها وتلوح له بابتسامة ممزوجة بدموعها اللؤلؤية..ليبتسم لها "منير" مودعا ويلقي السلام علي البواب و زوجته و ينطلق إلي سيارته بصحبة "ناهد" متجهين إلي النوبة...
...
ما فائدة عذريتي إذن و أنا جسدي كان سلعة رخيصة في النوادي الليلية؟!
هكذا حادثت "إسراء" نفسها فور رؤيتها لقطرات الدماء الحمراء علي الفراش..ضمت ساقيها إلي صدرها وظلت شاردة في حياتها في السابق..
نعم هي كانت دائمة السهر في النوادي الليلية..
نعم كانت لا تفيق من تأثير الفودكا و الكحول..
نعم كانت تعرض نفسها علي "فادي" لعله يشعر بحبها..
نعم آبتٍ في البداية أن يستمتع بأنوثتها كائن من كان..
ولكن هل كل هذا كافي ليجعلها فتاة عفيفة محافظة علي نفسها ؟؟؟
بالتأكيد لا..فعذريتها قد انتهكت منذ سنين..وهذا لا يعني أنها عذرية متوقفة علي غشاء البكارة..
بالعكس فقد حافظة عليه ولكن عذرية جسدها الذي أصبح ساحة عرض للجميع..
عذرية حيائها التي قضت عليه من أجل أن تحظي بمن دق قلبها له..
كل هذا وأكثر قضت عليه "إسراء" بيدها قبل أن تنهي "هند" تلك المعركة وتقضي عليها بأن جعلتها مثلها تماما..
سلعة رديئة يتلذذ بها الجميع..
فاقت "إسراء" من شرودها علي صوت فتح باب دورة المياه الملحقة بالحجرة لتجد ذاك الشاب يخرج منها وابتسامة خبث تعلو وجهه لتطيح "إسراء" بكيانها عرض الحائط وترتدي ثوب "هند" لتقول بنبرة باردة:حسنا أين نصيبي؟؟؟
رفع الشاب حاجبه الأيسر بتعجب قائلا:نصيبك!!
إسراء بابتسامة باردة وهي تقفز من علي الفراش:نعم..لقد استمتعت في ليلتك 
مدًت "إسراء" كفها قائلة:الآن أين مكافئتي بمعني أحق المال
لتصبح "إسراء" نسخة مصغرة رسميا من "هند" بعد أن قررت الاستغناء علي حرمة جسدها من أجل المال التي ظنت بأنها به ستُمحي آلامها..
....
منذ اللحظة الأولي بإقامتها في منزلها الجديد وهي تعمل علي قدم وساق لوضع النقاط الأولي في رسالة الماجستير الخاصة بها..
قررت أن تصب كل ذرة تملكها من فطنة و ذكاء في تلك الرسالة...لتسخر كل جهودها من أجل تلك الرسالة عسي أن تكون طوق النجاة لها لعدم التفكير في أمر "محب" الذي يشترط علي أبيها أن يزوجها إيها وبذلك تنتهي مشاكله..
لتمكث "قمر" معظم يومها في المنزل والمعظم الآخر في الجامعة تحت إشراف الدكتور المسئول عن رسالتها..
ليمر أسبوعين علي هذا الحال علي "قمر"...بينما الحال مختلف عند "إسراء" التي أصبحت أشبه بهيكل عظمي بحت لا تفيق من آثار الكحول مطلقا وتعيش عليه و علي بعض اللقيمات...و "هند" تراها هكذا وفرحتها بالانتصار وإعداد غنيمة شهية ل"محب" تزداد... 
ولكن الأمور تبدلت كثيرا عند "محب" الذي أصبح مشغول كليا بأمر صفقة الأسلحة الجديدة مع مستثمرين أجانب جدد...
أما عاشقي الحب الجدد فغارقين في عالمهما الجديد في أراضي "الجونة" التي شهدت علي أجمل أسبوعين عاشهما "ياسر" و "مريم"..
أما "فادي" كعادته يقضي يومه إما في رحلاته السياحية اليومية أو الذهاب إلي النادي الرياضي..و بين هذا وذاك لا يمل والده "حمدي" من نصائحه كأي أب يرجو أن يري ذرية ابنه..و لكنه لا يتلقي أي إجابة من "فادي" كعادة هذا المتعجرف..
....
رنين المنبه المزعج الذي أصبح رفيقها كل صباح..يعكر عليها صفو نومها الذي لا يدوم إلا ساعات قليلة..
ارتفع الرنين بصوت أكبر وكأنه متلذذ بقطع نومها الهادئ..لتملل "قمر" في فراشها بضيق وتتناول منبها من أعلي الطاولة المجاورة لها..و تقفز من علي فراشها ليبدأ برنامجها اليومي من أخذ حمام دافئ سريعا وتجهيز إفطار بسيط و ترتيب الأوراق التي تريد مراجعتها مع المسئول عن رسالتها..إلخ..
و لكن بينما "قمر" منشغلة بارتداء حجابها سريعا لتتناول إفطارها..إذ سمعت صوت رنين جرس الباب..
اتجهت "قمر" إلي باب المنزل بتعجب ممن يطرق منزلها في هذا الصباح..
لتجد فتاة تماثلها تقريبا في العمر و شاب في بداية عقده الثالث يقول:عذرا لإزعاجك

يتبع......

في أرض النوبة للكاتبه نورهان حسني حيث تعيش القصص. اكتشف الآن