الفصل الثالث والثلاثون
مر أسبوع آخر علي أبطالنا حمل أجواء متذبذبة من كل طرف إلي آخر..
فبالنسبة ل"الشيخ\راضي" و زوجته كانت أيامهم تلك تحتوي علي كم كبير من السعادة بسبب تجمع أبنائهم من جديد في منزلهم ليعيدوا إحياء ليالي الماضي الذي حمل أروع لحظات حياتهم روعة بينما كان لأحفادهم لمسة جمالية خاصة علي هدوء تلك العائلة بصيحات صراخهم المرح الذي بات يقتلع النوم من جفونهم..
أما عن "ياسر" و"مريم" فبعد فوزهم بنزهة أزاحت الكثير من أحزانهم وبدلتها إلي مرح بسبب تلك الطفلة التي باتت تبعث أجواء المرح بصخب ضحكاتها وتبدل قيلولتهم الهادئة إلي هرج ومرج بسبب بكائها...
لتنتهي أيام تلك النزهة سريعاً ويعود روتين العمل اليومي الخاص ب"ياسر" إلي عادته..
بينما كان "ياسر" منشغل بروتين عمله اليومي..كان الحال مختلفً لدي "حمدي" الذي ضرب بروتين عمله عرض الحال ليرسخ مجهوده بأكمله في البحث عن "فادي" أو بمعني أدق في البحث عن "قمر" التي بات يراها هي العامل الأقوى في تدمير "منير" الذي بات يراه هو السبب فيما فعله "فادي" بالزواج من ابنته بعدما خطط "منير" للنيل من "حمدي" بسلب ابنه بعدما سلبه زوجته..
وبينما كان "حمدي" يري "منير" علي أنه العقل المدبر لفراق ابنه عنه..كان "منير" في حالة صمت تام يخيم علي حياته..فبعدما علم بمرض شقيقته الذي أخفته عنهم وعانته بمفردها وهو في حالة صمت تام..
وبالرغم من محاولات "ناهد" المستميتة لمعرفة سبب ذاك التغير المرعب إلا أن "منير" ما كان يجيب عنها إلا بأنه منشغل بالمصنع والمزرعة وما إلا ذلك..
وبينما ذاك الصمت الخارجي الممتزج بصرخات الألم الداخلية يهيمن علي كيان "منير"..كان الحال مختلف 180 درجة عند "إسراء" التي تحولت من "إسراء" المدفونة بالألم والعجز إلي "إسراء" التي باتت شعلة من النشاط والعزيمة علي إنهاء دار الأيتام والانشغال بإنهاء جميع الأوراق اللازمة وجعله دار علي أعلي مستوي..
أما عن "فادي" و"قمر" فبالرغم من آلام الدورة الشهرية التي قاربت علي الفتك ب"قمر" إلا أنها ما سمحت بأن تضيع فرصة استكشاف شوارع امستردام بصحبة "فادي" الذي أعاد ارتداء ثوب المرشد السياحي من أجل توضيح كل تفصيلة ل"قمر" التي شعرت بكمية عجيبة من الجهل مقارنة بمعلومات "فادي" ..
وإذا أردنا اقتطاف لحظة من لحظات المرح التي تستولي علي أيام "فادي" و"قمر" في امستردام..
فدعونا نتسلل إلي حجرة إقامتهم في الفندق حيث كانت ليلتهم الأخيرة وكانت حالة الانشغال بترتيب الحقائب هي المخيمة علي أجواء تلك الحجرة..
حركت "قمر" أناملها علي معدتها بحركة دائرية لتحرك شفاهها بنبرة استعطاف:"فادي"!! أنا جائعة
وضع "فادي" القطعة الأخيرة من ملابسه في الحقيبة ليحرك رقبته يميناً ويساراً بحركة تحسر بحتة ليقول بنبرة استسلام:"قمري"!!هل تعلمين أنني سمعت تلك الجملة أكثر من سماعي ل"مجدي عبد الغني" وهو يحلل هدفه في كأس العالم؟!
ارتفع صخب ضحكات "قمر" التي ألقت بجسدها علي الأريكة لتمد شفتها السفلية بحركة حزن طفولي لتقول:حسناً يا "فادي"..أنا لن أتناول أي طعام مرة أخرى
حمل "فادي" منشفته القطنية علي كتفه ليحرك شفاهه بنبرة مزاح قائلاً:سيكون من الأفضل ذلك لأنني بذلك سأفقد ما تبقي من مالي
علامات من الطمأنينة ارتسمت علي ملامح "قمر" لتمتزج بنبرة شفاهها المرحة لتقول:تلك ليست بمشكلة فإذا نفذ المال سنجعلك تعمل بالترجمة بفضل العشر لغات التي تتحدث بهم
تابعت "قمر" حديثها وهي تعد تلك اللغات علي أصابعها لتقول:الهندية..الصينية..الروسية..الإنجليزية..الفرن سية..
اليونانية..الإيطالية..النرويجية..الألمانية..الأسبا نية..أما عن العربية فهي لغة طبيعية لا داعي لذكرها لأنها لغتك الأم
ارتفع صخب ضحكات "فادي" الذي جلس علي الفراش قائلاً بنبرة مرح:هل تعلمين أن بعد ذكرك لتلك اللغات بأكملها سأتحدث العربية بأعجوبة
قامت "قمر" من موضعها بخفتها المعتادة لتحرك يدها بطريقة مسرحية قائلة بنبرة مزاح:والآن مع قاموس لغات العالم "فادي حمدي الأسيوطى" وسيقدم لسيادتكم فقرة تجميعية للغات التي يستطيع التحدث بها
رفعت "قمر" إصبعها بحركة تحذيرية مصطنعة لتتابع حديثها قائلة:أما إذا أراد أحد الحاضرين السؤال عن عدد تلك اللغات فمن الأفضل أن يكتم سؤاله لأنني أخشي عليه من الحسد
تراقصت أنامل "فادي" علي ثغره الذي اتسع تدريجياً بسبب صخب ضحكاته التي ما استطاعت التوقف نهائياً أمام مرح "قمر" ليستمر ذاك المرح إلي أن حان الوقت إنهاء الترتيبات الأخيرة من أجل السفر..
ومن ثم وبعد إنهاء الإجراءات في المطار بسهولة نسبية اتجهت "قمر" بصحبة "فادي" إلي الطائرة من أجل التوجه إلي المكان الذي سيشهد علي تجمع العاشقان أخيراً تحت سقف منزل واحد..
...
نظرات تعجب ممتزجة بعلامات القلق التي سرعان ما استولت علي ملامح "ياسر" فور دخوله إلي مكتبه ليفاجئ ب"حمدي" في انتظاره ونظرات الغضب النابعة من عينيه تزف له أنباء أن تلك المقابلة لن تمر مر الكرام..
ألقي "ياسر" السلام علي "حمدي" بهدوء امتزج بخطواته الهادئة التي اتجه بها إلي مقعد ليحرك شفاهه بنبرة تساؤل:ما سر تلك الزيارة المفاجئة ؟!
علامات من القوة سرعان ما ارتسمت علي ملامح "حمدي"الذي حرك شفاهه بنبرة غضب مكتوم قائلاً:أين "فادي"؟!
أطلق "ياسر" تنهيدة ساخرة تناسبت كلياً ما ابتسامة السخرية التي سرعان ما استولت علي ملامحه ليحرك شفاهه بنبرة برود قائلاً:"فادي"!!بالتأكيد يقضي أيام شهر العسل
طرقة غضب قوية سددتها يد "حمدي" إلي طاولة مكتب "ياسر" ليحرك شفاهه بنبرة غضب مرتفعة قائلاً: "ياسر"!! لولا أنك صديق ل"فادي" بل أخ..كان ليصبح رد فعلي غير محبوب لك لذلك كفي ذاك الحديث الخرافي كذاك الفيديو الخرافي الذي اتي "صالح" به وأخبرني أين "فادي"؟!
عقد "ياسر" ذراعيه علي حافة الطاولة ليحرك شفاهه بنبرة لامبالاة امتزجت بعلامات القوة التي ترتسم علي ملامحه ليقول:و لولا أنك والد "فادي" لكان لي رد فعل آخر مع من يتحدث عن "فادي" ونظرات عينيه تشع غضبً وكأنه يريد الفتك به
قام "حمدي" من موضعه بغضب امتزج بعلامات الضجر المرتسمة علي ملامحه ليحرك شفاهه بنبرة توعد قائلاً:ذاك ابني ومهما حدث سأجلبه إليً من جديد لانتقم من "منير" ذاك وابنته التي أرسلها لسلب "فادي"
قام "ياسر" من موضعه بضجر امتزج بنظرات عينيه النارية ليحرك شفاهه بنبرة ثبات قائلاً:من السهل الوصول لنجوم السماء أما من المستحيل أن تجد مكان "فادي" وإن أردت المساس ب"قمر" فصدقني ستلقي وحش سيفتك بمن يقترب منها يدعي "فادي" وضع في معلوماتك أن تلك التي تتحدث عنها تزوجت ب"فادي"علي سنة الله ورسوله..فمن الأفضل أن تعود إلي روتينك اليومي وتزيل من قاموس حياتك شخص يدعي "فادي"
تابع "ياسر" حديثه بنبرة باردة امتزجت بملامحه الساخرة ليقول:أعذرني الآن لأن لدي عمل هام
نظرات توعد ممتزج بملامح "حمدي" الغاضبة ودع بها "ياسر" بكلماته الأخيرة ليقول:أخبر صديقك بأنني لن اصمت علي ما فعله هذا حتى وإن كانت زوجته هي من أريد الانتقام منها
...
ولأن العشق الناشب بين ذاك المتعجرف وتلك العنيدة كان من نوع خاص لا يوجد له تفسير بعد في قواميس العشاق...
ولأن العرس الهندي كان أكبر دليل علي الجنون الكامل الذي أصاب الطرفين..
وبذلك!!فإنه من الطبيعي جداً أن يكون منزلهم ذو طابع خاص ممتزج ببعض الجنون فبعيداً عن تقاليد المنازل بالألوان التي تجلب لوحدها الاكتئاب..كانت ألوان منزل العاشقان بمفردها سبب لبث الطمأنينة إلي قلوبهم أما عن ذاك الأثاث الساحر فكان سبب كافي لتلك العنيدة بالقفز فرحاً من موضعها..
ذاك كان رد الفعل الطبيعي ل"قمر" التي قفزت من موضعها فور دخولها إلي منزلها المشترك مع "فادي" لتنطلق "قمر" إلي داخل المنزل بمرح تتفحص كل ركن فيه بينما "فادي" منشغل بمتابعة دخول متعلقاتهم الخاصة..
أما عن "قمر" ففور تزودها بجرعة سعادة من رؤيتها لحجرات المنزل..اتجهت إلي حجرة المطبخ التي كانت كفيلة لجعلها تصرخ بجنون من ديكور ذاك المطبخ الكفيل بجعلها تأخذ قيلولة فيه..
صخب ضحكات "فادي" العالية الممتزج بلمسة يده التي حاولت الإمساك ب"قمر" التي تجوب المطبخ وكأنها في مدينة ألعاب..كل ذاك كان كفيلاً لدي "قمر" لتخفيف جرعة جنونها لتهوي بين ذراعي "فادي" قائلة بنبرة فرحة جنونية:ما حلمت يوماً بمنزل كهذا يا "فادي" !! تصرفاتك تلك تفوق ما أحلم به بسنين
رفعت "قمر" جسدها قليلاً لتصبح في مستوي "فادي" لتهوي بشفاهها بقٌبلة هادئة تحت شفاه "فادي" بمليمترات ومن ثم حركت شفاهها بنبرة هادئة قائلة:أنا أعشقك يا "فادي"..إن مكثت من وقتنا هذا إلي موتي وأنا أحاول توضيح عشقي لك لن أوفيك حقك
أحاط "فادي" خصر "قمر" بذراعيه لترتسم ابتسامة فرحة علي ملامحه وتمتزج مع نبرة شفاهه الهادئة ليقول:كفاني أن تظلي بجواري أيتها المجنونة
أطلقت "قمر" تنهيدة طمأنينة امتزجت بعلامات الفرحة المستولية علي ملامحها لتحرك شفاهها بنبرة مرح قائلة:بعيداً عن مجنونة تلك ولكن أخبرني كيف فكرت في ديكور ذاك المنزل الساحر؟!
نظرات ذات معني عاشق ممتزجة بنبرة الخبث النابعة من شفاه "فادي" الذي قال:ألم أقل لكي أنكيٍ ستعلمين الكثير عني في تلك الفترة و خصيصاً في تلك الليلة
ابتلعت "قمر" ريقها بصعوبة امتزج برجفة الخجل التي سرت في أوصالها لتحرك شفاهها بنبرة مرح مرتعشة:الآن ما رأيك أن نقوم بتعديل بعض اللمسات الجنونية
اقترب "فادي" بثغره من أذن "قمر" ليحرك شفاهه بنبرة مكر هامسة:أهربي كما تشائين ولكن الليل لقريب جداً
أعاد "فادي" رفع رأسه إلي مستواها العادي ليتابع حديثه بنبرة هادئة قائلاً:حسناً سأساعدك قليلاً ومن ثم سأذهب لجلب بعض الطعام وخطوط محمول لنا
أومأت "قمر" رأسها بمرح لتبدأ بمساعدة "فادي" في نقل حقائبهم الشخصية إلي حجرتهم وإغلاقها ومن ثم التوجه لتعديل موضع بعض الأثاث ومن ثم اتجه "فادي" لإحضار ما يحتاجونه من طعام وخطوط المحمول لمحادثة أصدقائهم..
...
"دار كريمة للأيتام"..
كلمات مكتوبة بيد خطاط ماهر علي لافتة تقابل المبني بينما بجوارهم تقف "إسراء" التي أطلقت تنهيدة فرحة فور إنهاء وضع تلك اللافتة لتحرك شفاهها بنبرة هامسة:رحمك الله يا أمي
ما إن أنهت "إسراء" كلماتها الهامسة تلك حتى التقطتها نبرة مسئول الديكور"كارم" الذي حرك شفاهه قائلاً:هل تريد أية إضافات أخرى؟!
التفت "إسراء" برأسها إلي "كارم" لترتسم ابتسامة هادئة علي ملامحها ممتزجة بنبرة الفرحة النابعة من شفاهها لتقول:إضافات أخرى بعد ماذا؟! أنت صممت فوق ما أردته بمراحل وجعلت المبني ساحر
مرر "كارم" أصابعه بين خصلات شعره بفرحة ارتسمت علي ملامحه ليحرك شفاهه بنبرة طمأنينة ليقول:جزاكٍ الله خيراً عما تفعليه
نبرة تذكر نبعت من شفاه "إسراء" لتمتزج بعلامات الهدوء المستولية علي ملامحها لتقول:بالحق!!الباقي من المال الخاص بك حولته إلي حسابك في الصباح
أطلق "كارم" تنهيدة لامبالاة امتزجت بنبرة شفاهه المترددة ليقول:المال ليس مهم نهائياً ولكنني أريد مناقشتك في أمر آخر
عقدت "إسراء" حاجبيها بتعجب ممتزج بنبرة شفاهها المتسائلة لتقول:ماذا هناك خير؟!
ابتلع "كارم" ريقه بصعوبة ممتزجة بعلامات الفرحة المرتسمة علي ملامحه ليقول بنبرة تردد:أنا أريد الزواج منكٍ
اتسعت عيني "إسراء" صدمة ممتزجة بعلامات عدم الإدراك التي سرعان ما استولت علي ملامحها لتشعر وكأن كلمات "كارم" تلك ما كانت إلا أسهم مسمومة تصوب إلي كيانها الذي لم يكتمل شفائه من جروحه السابقة..
نبرة هي أشبه بالصراخ نبعت من شفاه "إسراء" التي قالت:هل أنت مجنون؟؟كيف تقول ذلك؟؟كيف بعدما ظننت أنني سأستطيع التغلب علي أوجاعي؟!!كيف !! أغرب عن وجهي أغرب من أمامي
...
وقفت "قمر" في منتصف بهو المنزل تتأمل الإضافات التي وضعتها مع "فادي"..و بحركة طفولية ساحرة وضعت "قمر" إصبعها بين شفتيها و رفعت حاجبيها الأيسر بحركة تدل علي التفكير العميق في إضافة اللمسات الأنثوية علي المنزل ..
بعد مرور ثوانٍ معدودة..نظرت "قمر" إلي فستانها القطني التي لم تبدلها منذ وصولها حتى وهي ترتب المنزل مع "فادي" ..اتجهت "قمر" إلي حجرة نومهم التي تحتوي علي حقائبهم لتضع يدها علي جبينها بتذكر قائلة بنبرة نادمة:يا الله كيف نسيت أن أطلب من فادي نسختي من المفاتيح ؟؟ ماذا افعل الآن!!!
لحظة صمت دامت ما يقارب الدقيقتين و "قمر" بين حيرتها في ترتيب منزلها وإيجاد ما ترتدي لتلك المهمة.. وقعت عين "قمر" علي القميص الخاص ب "فادي" لتتنهد بضيق وهي تتجه له وتتحسسه بأناملها قائلة:لا يوجد أمام إلا أنت أرجو أن يتمهل صاحبك في العودة
أبدلت "قمر" فستانها بقميص "فادي" و لملمت خصلات شعرها بوشاحها و كشفت عن ساعديها لتبدأ في إضافة لمساتها في منزلها..
بين حجرة الطعام و حجرة المطبخ و حجرة التلفاز وحجرة التنظيف وحجرة استقبال الضيوف كانت "قمر" كالنحلة المتنقلة بين زهور بستانها بخفة..تتطاير بين الحجرات بسعادة كالطائر الذي عادي إلي وطنه أخيرا بعد طول غياب..توزع ابتسامتها الساحرة علي كل ركن من أركان المنزل وكأنها تعده أنه لن يري إلا سعادة وحب في هذا المنزل..
وغزة حزن عكرت صفو قلب "قمر" الذي كان يرقص فرحا فمهما كان فهي فتاة كباقي الفتيات تمنت أن يكون والديها بجوارها يشاركوها فرحتها بمملكتها الصغير مع حبيبها والرجل التي اختارته ليكون رفيق دربها في تلك الحياة...تمنت أن تعلن حبها ل"فادي" أمام كل أهل قريتها وأن تصرخ بهم أنه هو فقط من يستحقها هو فقط من أرادته زوجها هو فقط من ترضخ له أنوثتها..
ولكن سرعان ما تغلبت "قمر" علي حزنها واحتضنت دبلة "فادي" لتبعث فيها روح الأمان والراحة وتطرد من داخلها أي وغزة حزن..و تستعيد أميرة المملكة رونقها ونشاطها وتبدأ في ترتيب المملكة من أجل استقبال أميرها..
بينما "قمر" منشغلة بترتيب مملكتها الجديدة....جلس "فادي" علي كرسي خشبي أمام مياه البحر يتابع أمواجها الهادئة التي تعزف لحن رومانسيا كأنها تهنئه بزفافه..أطلق "فادي" تنهيدة طويلة وأغمض عينيه بسرعة كأنه يريد الهرب من واقعه ولو للحظات.. ليبدأ الصراع داخل كيانه..لم يتوقع "فادي" أن يأتي عليه اليوم الذي يفر فيه هو و زوجته من عائلتهم لمعارضتهم لحبهم بسبب ماضيهم المتشابك..لم يتوقع أن تكون زوجته هي ابنة أخو المرآة التي تسببت في عناء لأمه منذ زواجها..لم يتصور أن يصل به جنونه إلي بلدة لا يعرف فيها أحد بلدة بعيدة عن أبيه الذي عارض زواجه بل و فر من حياة ابنه أيضاً لأنه تزوج بمن لا يريدها بعيد عن أصدقاء طفولته بعيد عن عمله الأصلي الذي بدأ فيه من الصفر ليصل به الحال و يبدأ من الصفر من جديد ولكن الحال الآن مختلف سيبدأ بداية جديدة وعلي عاتقه مسئولية فتاة تخلت عن أسرتها من أجله ضربت بحديث الناس عرض الحائط عن هروبهم من أجل أن تكون معه..
فتح "فادي" عينيه ببطء وطأطأ رأسه إلي دبلة "قمر" التي تزين يده وظل يحركها في إصبعه ببطء وبعقله مليون سؤال يحتاج الإجابة مليون علامة تعجب تحتاج التفسير..بداخله أحاسيس مختلفة أحاسيس قاتلة تتسارع علي قلبه..
حادث "فادي" نفسه متعجبا:أنا أعشق قمر بجنونها وطفولتها و شراستها ولكن لم يخطر ببالي يوما أن زواجنا سيكون ناتج من هروب؟؟؟ لم يخطر ببالي يوما أن قلبي سيدق من أجل فتاة وسيقودني إلي أبعد بلاد العالم من أجل الحصول عليها!! كثيرا ما سمعت عن جنون قصص الحب من هذا وذاك وكنت أستخف بهم بسخرية ناكرا وجود ما يدعي "حب" ولكن تلك العيون الفيروزية هدمت كل القيود التي وضعتها حول قلبي..تفوقت بجدارة علي كل الشروط التي وضعتها لمحبوبتي لتستولي هي علي قلبي وتعجلني أفكر في الهروب من بلدي من أجل أن أفوز بها و ها أنا الآن أصبحت زوجتي وحلالي ولكنني أخشي من مسئولية أصبحت أضعاف مضاعفة من فتاة تخلت عن كل العالم من أجلي وأصبحت أنا لها عالمها الصغير
لحظة صمت مرت علي "فادي" نسج فيها عقله ما تركه في القاهرة من براكين غضب تزداد حدتها بسببهم .. ف"منير" كمثل لن يدوم هدوئه هذا خصيصاً بعد وصول شريط الفيديو الخاص بالعرس له.. حتى "حمدي" لن يمر ما حدث مر الكرام وبكل تأكيد ستطول ألسنة لهبه الغاضبة "منير" كان أم "قمر" حتى ولكن بكل تأكيد لن يهدأ.. لعنة الماضي التي مازالت تشكل خطراً علهم..أشباح الحاضر التي تحيط به..المستقبل المجهول..
تصور كل هذا وكأنه شئ واحد..عدو واحد استجمع كل قواه ونصب محكمته الخاصة وأصدر الحكم بها دون أن يضع أمام عينيه "نبتة الحب التي نمت في الخفاء وتحد كل تيارات الرياح والعواصف وإشعاعات الشمس الحارقة لتدمر تلك النبتة ولكنها تماسكت كانت تمر بأوقات ضعف ولكنها الآن شجرة يانعة لن يقدر أحد مهما كانت قوته أن يكسرها أو يحطمها"
نظرة الثقة الدائمة في عينيه..إحساس التعجرف واللامبالاة من أي شخص الواضح في ملامحه..دقات قلبه الواثقة من أن رعاية الله ستحميه من الشياطين التي تحيط بمستقبله وحاضره..كل هذا مع وقوف "فادي" التدريجي من موضعه وكأنه أسد يكشر عن أنيابه معلنا أن من يقترب من جماعته سيكون جزاء الموت ..
ابتسامة ساحرة غزت ثغر "فادي" عندما شعر بأمواج البحر تعزف لحن تحية له علي ثقته واستعداده لخوض الحرب في مواجهة من يقترب من أسرته ولو بتفكير سوء حتى..
أنزل "فادي" نظارته الشمسية علي عينيه وهو يحادث نفسه قائلا:لنؤجل الحرب قليلا ونستعد لحرب من نوع مختلفة حرب انتظرها القلب ليالي وليالي فالليلة لن يقبل القلب بأي أعذار وسيبوح بما أخفاه منذ ليلة الزفاف ولنعجل الليلة ليلة الدخلة
ابتسامة مكر غز ثغر "فادي" ليقول بنفسه:الليلة ليلة عمرك يا "فادي"
..
الفتاة قصيرة القامة بكل حالاتها هي رائعة..تجد فيها الطفلة المشاكسة والأخت التي لا تمل من طلب هذا و ذاك..تجد فيها الإبنة التي تخفي دموعها بين ضلوعك..تجد فيها الصديقة التي تقفز من أجل إلتقاط صورة معك..تجد فيها الأم التي تعاني يوميا من الوصول إلي رف ملابسك العلوي لتحضر القميص الذي أخترته لكي تعده لك..
في النهاية "في قصر قامتها عشق يتغني به بني آدم" في قصر قامتها خفة ظل ممزوجة بجنون طفولي..
في قصر قامتها براءة عندما تثير غضبك..ستظل قصر قامتها هي رمز أنوثتها..
كهذا كان حال "قمر" التي حركت رأسها بسخرية ممزوجة بابتسامة تغزو ثغرها قائلة بصوت هامس:أعشق قصر قامتي ولكن؟؟
أكملت "قمر" كلامها وهي تنظر للرف العلوي من المكتبة الخاصة ب"فادي" قائلة:كيف سأصل لأعلي لأضع الكتب
بحركة طفولية بحتة ركلت "قمر" قدمها علي الأرض بطفولة قائلة:حسنا سأفعلها سأفعلها
أحضرت "قمر" أحد الكراسي الخشبية و وقفت عليه وبدأت في ترتيب الكتب وهي تدندن بعض الأغاني المصرية الشعبية البحتة بصوت شبه طفولي..
وضعت "قمر" الرواية الأخيرة لتنظر إلي الرف العلوي وتضع يدها علي خصرها بحركة عند قائلة كأنها تحادث الرف:أرأيت ؟؟ لقد فعلتها وأنهيت ترتيب المنزل؟؟ ولكن أخبرني ما رأيك بصوتي؟؟
أنتفض جسد "قمر" عندما سمعت صوت "فادي" يقول:أتدري حقا ما الرائع!! هذا القميص القطني
وضعت "قمر" يدها علي فمها بتعجب ممزوج بخجل قارب علي أن يشعل كل خلية من جسدها..فهي لم تدرك أن "فادي" يستمع لها منذ أن صعدت علي الكرسي..لم تدرك أنه يقف خلف فتحة باب حجرة مكتبه يتابعها في صمت..
أشتعل كيان "قمر" بخجل لإدراكها أنه رآها وهي تتراقص علي ما غنته..شعرت بتيار كهربي يخترقها لتأكدها أنه يرآها الآن بالقميص الخاص به الذي يداري خصرها بأعجوبة..
ابتلعت "قمر" ريقها بصعوبة و التفت برأسها لتجد "فادي" يضع يده في بنطاله كعادته و ينظر لها وكأنه يتفحص جسدها بأدق أدق أدق عناية ممزوجة بابتسامة هادئة تغزو وجهه لطفولتها..
قمر بنبرة مرتعشة:هل لي بنسختي من المفاتيح !!
أخرج "فادي" يده من بنطاله وتحسس شعره وخاتم زواجه يرسل شعاع خفيف يزيد قلب "قمر" رجفة ليقول:حسنا ولكن هل لي بالقميص ؟؟
اتسعت عين "قمر" بتعجب ممزوج بخوف لدرجة أنها قاربت أن تفقد توازنها ولكنها حاولت تجميع شتات نفسها وهبطت من علي الكرسي قائلة:حسنا أعطيني المفاتيح حتي أبدل ملابسي وأعطيك إياه
"فادي" بنظرة ذات معني ممزوجة بابتسامة خبث:لا
أكمل "فادي" كلامه وهو يتجه باتجاه "قمر" بثبات قائلا:أنا أريده
بعض سنتيمترات فصلت بين "قمر" و "فادي" لدرجة شعور "قمر" بأنفاس "فادي" تخترق كل كيانها لتزيد من ضعفها أمام نظرات "فادي" الصريحة ليكمل "فادي" علي ما ظل في "قمر" من قوة قائلا:الآن
شعر "فادي" برعشة جسد "قمر" من كلمته الأخيرة وكـأنها ترجوه أن يكف عن نظراته التي قاربت علي الإيقاع كليا بها..
حاولت "قمر" الرجوع إلي الخلف ولكنها أدركت أنها تلتصق كليا بالمكتبة لتيقن أنه لا مفر من نظرات "فادي".
ابتسامة هدوء غزت ملامح "فادي" وهو يرفع يده اليمني ببطء إلي أول زر بقميصه..لامس إصبع "فادي" بشرة "قمر" التي تشبه في نعومتها بشرة الأطفال..ليفتح أول زر وهو يقول بهدوء:هل تشعرين بالخوف مني؟؟
حركت "قمر" رأسها نافية وهي ترفع عينيها أخيرا إلي عين "فادي" لتحرك شفاهها بنبرة حب مرتعشة:هل من الممكن أن يصاب الكيان بالخوف من القلب الذي ينبض ليمده بالحياة
نظرة ذات معني صارح بها "فادي" عينيً "قمر" وهو يفتح بهدوء الزر التالي بالقميص..ليهبط علي شفاه "قمر" التي قاربت علي التجفف من خجلها ورعشتها..
وبدون مقدمات أحاط "فادي" بخصر "قمر" وهبط بشفاهه لمداعبة شفاهها الكراميلية ليبدأ في عزف سمفونية هادئة علي شفاهها في قٌبلة حملت أقوى معاني العشق الممتزج بحرارة يدي "فادي" التي تشتعل شوقً..
وما هي إلا ثوانٍ معدودة كانت كافية لإذابة "قمر" كلياً لتتحرك بيدها وتحيط برقبة "فادي" لتبادله قٌبلاته الهادئة..
و لأن سمفونية العشق لا يكتمل سحرها إلا بقليل من الشوق المطعم بالقوة النسبية..فتبدل حال قٌبلات "فادي" إلي القوة النسبية التي قاربت علي التهام "قمر" بأكملها..
ليظل العاشقان يعزفان بشفاههم المرتعدة شوقً سمفونية عشق..من المستحيل أن يعلم أحدً منهم مداها ولكنها كانت كافيةً كلياً لإشعال شوقهم وإضافة سطور جديدة في كتيب حياتهم ..
هبط "فادي" بيده علي الزر الثالث ولكنه شعر بيد "قمر" المرتعشة تمسك بيده قائلة بصوت مرتعش:ليس الآن؟؟ أمهلني دقائق
حرك "فادي" مجري شفاهه ببطء ليطبع قٌبلة حانية بين مقلتي "قمر" ومن ثم حرك شفاهه التي ترتعد شوقً ليقول:حسناً لكٍ ما تحتاجين من وقت
ما إن أنهي "فادي" حديثه ذاك حتى أحضر ل"قمر" نسخة المفاتيح الخاصة بها لتهرول "قمر" إلي حجرتها
بينما أنفاسها تحاول التقاطها بصعوبة فهي مازالت تحت تأثير قٌبلات "فادي" و لمسة يده..أغلقت باب حجرتها..لتغمض عينيها بتنهيدة ساكنة لتهرب إلي عالم هربت له من ثواني بين يدي "فادي"..
نسمة هواء غادرة داعبت شفاه "قمر" المرتعشة من قٌبلات "فادي" لتفتح عينيها ببطء وابتسامة شوق ترتسم علي ثغرها قائلة بصوت هامس:نعم إنه متعجرف..نعم لقد تعذبت كثيرا حتى أصبح حلاله
تحركت "قمر" تجاه المرآة لتتحسس شفتيها قائلة:ولكن هذا قليل جدا علي ما أشعره به الآن ..هذا قليل جدا علي من علمني أن أعشقه من تعجرفه هذا
وبخفتها المعتادة..تحركت "قمر" لوضع حقائب الملابس في أحد جوانب الحجرة وبدأت في ترتيبها بشكل هادئ..لتنهي الترتيبات الأساسية في وقت قياسي وتبدأ في وضع اللمسات الأنوثية علي الحجرة..لتجعلها حجرة تليق بليلتها الأولي مع حبيبها و زوجها..
بينما علي بٌعد أمتار قليلة من الحجرة..خرج "فادي" من دورة المياه الرئيسية وهو يحيط خصره بمنشفة زرقاء اللون تاركا المجال لقطرات المياه بغزو صدره العاري..
ليتجه "فادي" إلي حجرة المطبخ وسكب له القليل من المياه الغازية وهو يدندن بعض أغاني "القيصر"..
بينما "قمر" لقد أنهت لتوها حماما سريعا و وقفت أمام المرآة تجفف شعرها..لحظة صمت خيمت علي "قمر" توقفت يدها عن تصفيف شعرها..وغاصت في ذكريات اعتراف "فادي" بحبه لها...
تفاصيل تلك الليلة تعاد أمامها حرفيا علي المرآة..الغضب الكامن في عينيه وهو يصرخ بها:لأني أحبك
ابتسامة هادئة رسمت علي ملامح "قمر" وهي تتذكر كل تفصيلة في وجهه في تلك اللحظة..عروق وجهه التي قاربت علي التفجر من بين خلاياه من كثرة غضبها..عينيه التي تصوب نظرات غضب ممزوج بحب.. نبرته المتعجرفة التي طالما أشعل غضبها بها..
ولكن أخيرا لقد كان اعتراف هذا المتعجرف مميزا فريدا من نوعه كشخصيته التي لم تستطع "قمر" تفسيرها حتى الآن..
اتجهت "قمر" إلي إحدى حقيبتها الصغيرة وانتقت منها ثوب حريري باللون البطيخي منقوش من أعلي الصدر بالدانتيل..ذو ظهر عاري نسبيا..ثوب حريري تراقص جسد "قمر" الأنثوي فيه..ثوب حريري تناسب تماما مع شعرها المنسدل علي كتفيها و اللون البطيخي الذي زينت به شفتيها..
نظرت "قمر" إلي نفسها في المرآة لتنفجر بداخلها أحاسيس كثيرة مضطربة قاربت علي أن تهوي بها أرضا..
شوق ممزوج برهبة..حب ممزوج بخوف..احتياج ممزوج بقلق..رعشة تسيطر علي جسدها بالكامل ممزوجة بشوق للمسة "فادي"..
أغمضت "قمر" عينيها معلنة رغبتها في إنهاء ثورة المشاعر التي هبت فيها..معلنة سيطرت قوتها علي تلك المشاعر التي ستهوي بها لا محالة..
نبرة شبه حازمة ممزوجة بمداعبة لظهر "قمر" العاري ليقول "فادي":كل هذا من أجل القميص..
لحظة صمت خيمت علي الحجرة شعر فيها "فادي" بأن "قمر" سيحدث لها شئ من رعشتها التي سرت في جسدها بالكامل و خصيصا ظهرها الذي يداعبه بيده..
أعلن شعور "قمر" بالشوق و الاحتياج انتصاره علي خوفها لترتفع أنفاسها وتهبط تدريجيا وهي مازالت مغمضة الأعين..
ولزيادة ذاك الشوق أضعاف مضاعفة..أحاط "فادي" خصر "قمر" بذراعيه بهدوء ..لتتحول "قمر" من لمسته تلك إلي قطعة كراميلية تناسب بين يدي "فادي" الذي جعلها في مواجهته مباشرةً لتصبح المسافة بينهم لا تتعدي المليمتر..رعشة رموش "قمر" وهي تفتح عينيها ببطء لشعورها بصدر "فادي" العاري جعلته بدون أي سابق إنذار يطبق بشفاهه علي شفاه "قمر" ليعيد عزف سمفونية العشق علي شفاهها..
قٌبلات متتالية نعجز عن إحصاء عددها ولكنها كانت كافية لتخدير "قمر" كليا..لتتحرك "قمر" بيدها لإحاطة رقبة "فادي" الذي لم يفكر ولو للحظة في اتخاذ الخطوة التالية ..ليتحرك بها تجاه الفراش بينما شفاهه رفعت عن شفاه "قمر" مقدار مليمتر فقط لتتحرك شفاه "فادي" قائلاً بنبرة ماكرة:حسناً حان الوقت لتعلمي جيداً كيف يكون "فادي" قليل الأدب؟!
دفنت "قمر" ملامحها التي سرعان ما توردت خجلاً في كتف "فادي" الذي رسم ابتسامة فرحة علي ملامحه..
ليهوي بشفاهه مرة أخرى علي رقبة "قمر" ليسافر بها إلي عالمه الخاص الذي نسجه لتوه بخيوط عشقه وطيات اشتياقه..
لتصبح "قمر" أخيراً زوجة "فادي" بكل ما تحويه تلك الكلمة من معني..فبأنفاس العاشقين المتحدة..كتبت السطور الأولي في حياة "قمر" و"فادي" الزوجية ببداية تلك الليلة التي حطمت كل قيود الخجل والخوف وضربت بعرض الحائط نظرات التردد لتبدلها بنظرات عشق..
لتمضي الليلة الأولي علي العاشقين وهم مسافرين في عالمهم الخاص بعيداً عن واقعنا ذاك..
..
بقدر ما كان حديث المهندس "كارم" صادماً بالنسبة ل"إسراء" بقدر ما أشعل نيران الغضب الناشب من قلبها الذي يرفض أي في مثل ذلك من مواضيع أو بالأحق يرفض إطلاقاً فكرة الزواج طالما الزوج لم يكن "فادي"..
لذلك!!و بمساعدة خصلة "إسراء" من الإصرار التي اكتسبتها في الفترة السابقة..لم تستغرق "إسراء" وقتً كثير في مراجعة حديث "كارم" الذي أشعل ضجرها وبذلك ما كان لحديثه أهمية وعادت في صباح اليوم التالي تباشر أعمال الملجأ ومتابعة العاملين به بعدما حضر إلي الملجأ ما يقارب العشر أطفال في ويومه الأول..
وبينما "إسراء" منشغلة بكتابة بيانات هؤلاء الأطفال علي الحاسوب..إذ بطرقات خافتة علي باب الحجرة تقطع ذاك الصمت المحيط بمكتبها لذلك وبلامبالاة من "إسراء" حركت شفاهها بنبرة إذن لذاك الطارق للدخول..
وبسبب ذاك التركيز المسيطر علي تفكير "إسراء" ونظرة الاهتمام من عينيها إلي الحاسوب لم تلاحظ بأن ذاك الطارق كان "كارم" الذي سار تجاه مكتبها بخطوات ثابتة ليحرك شفاهه بنبرة هدوء قائلاً:اشتقت لكٍ
تشتت تركيز "إسراء" وتحولت نظرات اهتمامها إلي نظرات صدمة ممتزجة بعلامات الغضب التي سرعان ما استولت علي ملامحها لتحرك شفاهها بنبرة ضجر قائلة:ماذا جاء بك إلي هنا؟! من الأفضل أن تعود من حيث أتيت لأن وجودك هنا غير مرغوب به
ارتسمت ابتسامة لامبالاة علي ملامح "كارم" الذي هبط بجسده علي المقعد المقابل لمكتب "إسراء" ليحرك شفاهه بنبرة ثقة قائلاً:من الأفضل لكي ألا تكذبي مرة أخرى لأن ملامحك تفضحك
استند "كارم" بمرفقه علي حافة الطاولة ليتابع حديثه قائلاً:أنتي تريدين ألا أذهب بل حضوري الآن أسعدك ولكنك تحاولين إخفاء ذلك باصطناعك للغضب لذلك من الأفضل أن نتحدث سوياً وتخبريني بما يمنعك من قبولك للزواج بي
عقدت "إسراء" حاجبيها بضجر امتزج بنظرات عينيها الغاضبة لتطلق تنهيدة هي الأشبه بألسنة اللهب المتسربة من بركان مشتعل داخل كيانها لتحرك شفاهها بنبرة شبه مرتفعة:من الواضح جداً أنك مغرور جداً وتريد تشكيل الأمور كما يريد عقلك لذلك من الأفضل أن تعود من حيث أتيت لأن ما تتحدث عنه ليس بحقيقة
نظرات إصرار نبعت من عيني "كارم" الذي رسم ابتسامة سخرية علي ملامحه لتتناسب مع حركة شفاهه الثابتة ليقول: "إسراء"!! أنتي تعلمين جداً أنني لن أعود من حيث أتيت إلا إذا علمت بسبب رفضك لي وإن لم يكن مقنع سأضطر إلي استخدام القوة والذاهب بكٍ إلي أقرب مأذون لأتزوج بكٍ
بقدر ما كانت كلمات "كارم" بالقوة الكافية لتحريك مشاعر أنثي إلا أنها كانت بالنسبة ل"إسراء" ما هي إلا شعلة من نار اقتربت من خزانات وقود حفري..
لذلك!! ابتلعت "إسراء" ريقها بصعوبة امتزجت بنظرات عينيها الحازمة ونبرة شفاهها التي تحمل غضب يخفي في طياته ألم اشتعل لتوه لتحرك شفاهها قائلة:حقاً هل تريد أن تعلم؟! ولكن!! ماذا تريد أن تعلم بالتحديد!! أن من تريد الزواج بها كانت دائمة التردد علي نوادي ليلية جميع من بها باستطاعتهم وصف ثنيات جسدها بفضل ملابسها المصنوعة من أجل ذلك..
تدحرجت دمعة لؤلؤية بين جفون "إسراء" التي تابعت حديثها قائلة:أم تريد أن أخبرك بأن تلك الفتاة التي تريد الزواج بها كانت تمتلك صديقة هددتها بصور فاضحة لها من أجل أن تضاجع الرجال وبالفعل قامت بذلك
ابتلعت "إسراء" ريقها بصعوبة ناتجة من شعورها بأن كيانها بأكمله بات جمرة من نار لتكمل حديثها قائلة:أم تريد أن أخبرك بأن تلك الفتاة كانت متيمة بعشق رجل رفضها من أجل أخرى تعففت من أجله بينما هي كانت سلعة للرجال
كفكفت "إسراء" إحدى دموعها اللؤلؤية التي أخفت ملامحها لتطلق تنهيدة وجع امتزجت بنبرة شفاهها المرتعشة من البكاء لتقول:هل علمت الآن لماذا زواجنا مستحيل؟! أتركني يا "كارم"..بالله عليك أن تعود من حيث أتيت و أتركني لألملم شتات نفسي..عدً من حيث أتيت لأن ما عاد في قلبي موضع آخر للوجع
بقدر ما كان فضول "كارم" يستولي علي أوصاله لمعرفة سبب رفض "إسراء" للزواج به بقدر ما كانت صدمته من حديثها الذي تحول إلي صدمات كهربية صوبت بلا هوادة إلي كيانه..
لتطلق عينيه نظرات لم تستطع "إسراء" فهمها لتمتزج بنبرة الصدمة التي حرك بها شفاهه قائلاً:يوجد الكثير والكثير من الأسباب تستطيع محو الماضي
ما إن أنهي "كارم" حديثه حتى دلف خارج المكتب بسرعة تاركاً "إسراء" في أوجاعها التي باتت مسيطرة علي أوصالها ومسببة لهبوط دموعها بلا توقف..
..
شعاع ذهبي داعب عينيها الفيروزية باستحياء لترجف رموشها ببطء امتزج بابتلاعها لريقها بهدوء....
لتطلق "قمر" تنهيدة طمأنينة فور فتحها لعينيها بكسل امتزج بعلامات الخجل التي سرعان ما استولت علي ملامحها فور رؤيتها لملامح "فادي" الذي يحيط بخصرها بذراعيه لتدفن "قمر" وجهها بين ضلوع "فادي" بينما ابتسامة الفرحة التي سرعان ما ارتسمت علي ثغرها فور تذكرها لليلة أمس جعلت رعشة كهربية تسري في كيانها الذي ما كان مصدقاً أنه فاز بقيلولة طمأنينة بين ذراعي "فادي"..
أعادت "قمر" رفع وجهها ببطء تناسب مع حركة أصابعها العابثة بخصلات شعر "فادي" الغير واعي تماماً لما يحدث من حوله لتنتهز "قمر" تلك الفرصة وتغير مسار شفاهها لطبع قٌبلة عاشقة تحت شفاه "فادي" بمليمتر ومن ثم انسحب "قمر" بهدوء من قبضة "فادي" تلك لتتجه إلي دورة المياه الملحقة بحجرتها ومن ثم وبعد أخذها لحمام دافئ سريع وتبديل ملابسها....
مشغل أغاني غيرت "قمر" موضعه وجعلته في حجرة المطبخ لتدير تشغيله علي أغنية "أغلي الحبايب"..
وبينما كان نبرة "نوال الزغبي" تخيم علي أجواء حجرة المطبخ حيث تطاير "قمر" بخفتها المعتادة لإعداد الفطور لزوجها..
كانت عيني "فادي" الباحثة عن "قمر" بكسل امتزج بابتسامته الخافتة التي سرعان ما ارتسمت علي ملامحه فور شعوره برائحة عطر "قمر" التي مازالت تحضن صدره..
تنهيدة راحة أطلقها "فادي" امتزجت بحركة أسنانه التي أطبقت علي شفاهه السفلية فور تذكره للمسة شفاه "قمر" الكراميلية التي اشتاق لها..ولمحو ذاك الاشتياق كان لابد من الحصول علي إفطاره من تلك الشفاه الكراميلية..
ولكن!!قرر "فادي" تأجيل ذاك الإفطار ريثما يأخذ حمام دافئ..
ارتسمت ابتسامة فرحة علي ثغر "قمر" فور إنهائها لإعداد الفطور وقبل منح عقلها الفرصة لإيجاد طريقة لإيقاظ "فادي" أتتاها نغمات أغنية "الورد البلدي" لتزف لها الموسيقي التي سرعان ما جعلت خصر "قمر" يتراقص بمرح ممتزج بهمسات شفاهها مرددة كلمات تلك الأغنية..
"لما يهل الورد البلدي..كل الورد يخاف..بالعربي اللي مشفش العربي يبقي لا عاش ولا شاف"
تلك الكلمات الهادئة التي حركت بها "قمر" شفاهها بينما جسدها يتحرك دائرياً بحركات طفولية بحتة معلنة بداية جرعة الجنون الخاصة بتلك العنيدة..
قهقهة خافتة ممتزجة بنظرات شوق ذات معني أطلقتها عيني "فادي" الذي حرك شفاهه بنبرة مرح قائلاً:ألا تجدين أنكيٍ تتعمدين تشغيل الأغاني التي تقوم بدورها المثير
في تلك اللحظة كان ظهر "قمر" هو المقابل ل"فادي" لتبتلع "قمر" ريقها بصعوبة امتزجت مع حمرة خديها بخجل تناسب كلياً مع رعشة أوصالها من صدمتها لتحرك شفاهها بنبرة شعبية بحتة ولكنها هامسة لتقول:كبسة!!
بالرغم من عجز "فادي" عن سماع تلك الكلمة إلا أنه كان متأكدً بأن شفاه "قمر" تحركت بإحدى كلماتها المجنونة ليتحرك هو بدوره بخطوات ثابتة تجاهها ليعزف بلمسة يده الدافئة علي خصلات شعرها الذي أبعدها عن رقبتها ببطء يتناسب كلياً مع ابتسامته الهادئة التي استولت علي ملامحه فور شعوره برجفة "قمر" لتزداد تلك الرجفة أضعاف مضاعفة فور تغير "فادي" لمسار شفاهه وطبعه قٌبلة هادئة علي رقبة "قمر" التي لهثت أنفاسها بصعوبة امتزجت بضر........يتبع.......
أنت تقرأ
في أرض النوبة للكاتبه نورهان حسني
Mystère / Thrillerبسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته المقدمة "كرم.. شجاعة.. انتماء" صفات تلخص مشوار هذه المدينة السمراء النوبة ؛ أو كما أطلق عليها عبر التاريخ أطيب المدن وأقدمها.. "مدينة التضحيات" قيل عنها فى حكايات أخرى، وعلى الرغم من تعدد صفات...