الفصل العشرون

1.2K 44 0
                                    


الفصل العشرون 

"كيف للأم أن تعلم إن أحوال أولادها حتى ولو كانت المسافة بينهم كالمسافة بين المشرق والمغرب؟!"
ذاك السؤال الذي طالما سألنا به أنفسنا عندما نجد رنة هاتف من والدتنا في منتصف الليل لتطمئن علينا..
أو عندما دلفت إلي الحجرة بينما نحن عاكفين علي دفن أوجاعنا في وسادتنا لتأتي هي وبكفها الحاني تكفكف دموعنا..
أو عندما نرتمي بين ذراعيها بدون التفوه بحرف فنجدها تعطينا النصائح لما نمر به دون أن نخبرها عنه..
تلك المواقف السابقة ما هي إلا 1% مما يحدث لنا أو لغيرنا يومياً ودائماً ما تظل إجابة ذاك السؤال مبهمة..
ولكن؟!إذا دققنا التفكير و لو لثواني سنجد الإجابة..
تسعة أشهر نختبئ بين أحشائها..تسعة أشهر وهي تتابع انتفاخنا البطئ في معدتها وابتسامة الفرحة الممزوجة بدموع الأمومة ترتسم علي شفتيها..
أشهر عديدة تمر بعد ولادتنا ولا تهدأ صيحات بكائنا إلا عندما نشعر بدقات قلبها المحتضن لها..
نمرض ونتألم وهي عاكفة علي خدمتنا حتى يكتمل شفائنا لترسم هي ابتسامة فرحة عندما ترانا نلهو بمرح من جديد..
يأتي اليوم الدراسي الأول لنا وصيحات بكائنا ترتفع بخوف من أن نمضي ساعات بدون أن تكون بجوارنا..
قهقهة مرحة ممزوجة بفرحة طفولية تزين الملامح ترتسم لدي حصولنا علي أعلي الدرجات لنهرول لها أولاً ونحن لها نزف خبر نجاحنا لتهدأ هي بدورها وتتأكد بأن ساعات المذاكرة التي أمضتها معنا لم تذهب مع مهب الريح..
وتمر السنين وتشغلنا متطلبات الحياة عن تلك الأم التي طالما ضحت براحتها من أجل رسم ابتسامة سعادة علي شفاه صغرها ..والأم هي الأم مهما طال غيابنا نجدها في انتظارها...مهما تألمنا تتحطم تلك الآلام أمام لمسة كفيها الحانية..
مهما طالت المسافات ستظل تشعر بدمعتنا التي تتلألأ في جفوننا..
انتفضت "ناهد" من نومها لتطلق صيحة خوف وهي تردد:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم 
طغت إنارة الأباجورة الموضوعة علي الطاولة المجاورة للفراش علي الظلام الذي يسود أركان الحجرة لترتفع نبرة "منير" النائمة وهو يقول:ماذا حدث؟!
تلألأت دمعة في عيني "ناهد" التي حركت شفاهه قائلة بنبرة خوف:كابوس..كابوس مخيف لابنتي 
زفر "منير" بضجر ليعتدل في جلسته قائلا بنبرة ملل:أذهبي لها غداً عندما يذهب زوجها 
رفعت "ناهد" الغطاء عن نفسها لتصيح بنبرة غضب ممزوجة بخوف:أين قلبك يا "منير"؟! أين؟!!هل دفنته عندما ذهبت لإحضار ابنتي لتعيدها لي جسد هش من لكماتك
صيحة غضب ممزوجة بضجر نبعت من شفاه "منير" الذي قال:"ناهد" ذاك ليس وقتً للحديث أنا لدي أعمال في الغد 
ضربت "ناهد" الأرض بقدمها بغضب لتحرك شفاهها بضجر قائلة:في كل مرة تخبرني بأنه ليس وقتً للحديث..متى ستمنحني الفرصة للحديث معك أم إنك خائف من المواجهة
رفع "منير" عينيه بنظرة غضب ثاقبة ل"ناهد" التي قالت بحزن ممزوج بألم:نعم أنت خائف من المواجهة..خائف من الشعور بالندم علي ما فعلته بابنتك..تدفن نفسك في عملك حتى لا تجعل قلبك يشعر بغصة الألم التي أشعر بها الآن 
أكملت "ناهد" بنبرة تحسر ممزوجة بعتاب وهي تمسك بمصحفها قائلة:أنت لم تتزوجني إلا عندما أحببتني وأنا أحببتك ولكنك الآن تأبي لضربات قلب ابنتك بالدق من أجل شخص لم تمهل نفسك الفرصة لمعرفته جيداً وعوضاً عن ذلك دمرت ابنتي 
علامات من الجمود الممزوجة بالغضب ارتسمت علي ملامح "منير" الذي قال بنبرة أمر:أغلقي تلك الإضاءة لأنني أريد النوم 
دلفت "ناهد" إلي خارج الحجرة لتقرأ القرآن بينما "قمر" في حجرتها ترتجف ألماً من جروح جسدها التي أبت أن تمنحها فرصة للنوم..
...
ارتسمت ابتسامة خبث علي ثغر "إسراء" التي حركت شفاهها بنبرة دلال قائلة:ألن تطمئن قلبي وتخبرني أين كنت طيلة الثلاثة أشهر؟!
وضع "هاني" كأس الفودكا علي الطاولة ليقوم من موضعه بلا وعي وهو يتحرك يميناً ويساراً قائلا بنبرة ضاحكة:لما لا ندلف إلي الحجرة وسأخبرك بما هو أجمل 
سكبت "إسراء" القليل من الفوكا في كأس "هاني" لتقترب منه بخطوات إغراء أنوثية لتقول بنبرة دلال:إذا أخبرتني أولاً
تناول "هاني" الكأس من "إسراء" ليرتشفه علي دفعة واحدة لترتفع صيحات ضحكاته الجنونية..
بينما علي مسافة منهم..خلع "بسام" سماعة أذنه قائلاً بنبرة تساؤل:"فادي" هل أنت متأكد من مفعول ذاك الترياق
نظرة متعجرف ثاقبة ممزوجة بنبرة الواثقة نبعت من "فادي" الذي قال:بكل تأكيد 
صيحات ضحك جنونية باتت ترتفع من "هاني" الذي بات يتحرك يميناً ويساراً كأنه طفل يلهو في مدينة الألعاب إلا أن أحاط كتف "إسراء" بيديه قائلا بنبرة لا وعي مرتفعة:أأخبرك بسر؟!
ارتسمت ابتسامة الانتصار علي ملامح "إسراء" التي قالت بفضول:أخبرني
أزال "هاني" يده التي تحيط بكتف "إسراء" ليصورها بطائرة ترتفع تدريجياً قائلا:كنت مع والدة "محب" في رحلة علاج
اتسعت عيني "إسراء" صدمة بينما انتبه الشباب الموجودين بالحجرة ليكمل "هاني" حديثه بلا وعي وهو يقول:إنها إمرأة مريضة بالجنون منذ أن علمت بوفاة "معاطي" والد "محب" فقد تم إعدامه
بالرغم من صدمتها وذهولها من ذاك الموقف إلا أن "إسراء" استطاعت لملمت شتات لسانها لتقول بدلال:وماذا أيضاً؟! وكيف علمت بكل ذلك؟!
ألقي "هاني" بجسده علي أريكة المنزل ليقول بنبرة لا وعي:والدي كان صديق شقيقها وهو من أخبأها معه عندما حكمت ضدها المحكمة لشهادتها الزور في قضية خاصة ب"معاطي" لأنه كان متهم بقتل سيدة فلذلك استعان شقيقها بوالدي الذي أخبرني عن كل هذا وعن المكان الذي تختبئ فيه 
مرر "هاني" أصابعه بين خصلات شعره بلا وعي وهو يقول:بعد وفاة "معاطي" اضطر شقيقها لإخبارها بالأمر لأنها كانت في شهورها الأخير من الحمل ب"محب" ومن ثم وفور وضعها له اتجه شقيقها بزوجته إلي النوبة حيث كان ذاك طلب "معاطي" عندما بعث له أحدً بزيارته قبل تنفيذ حكم الإعدام وعندما اشتد عود "محب" طرد والدي من خدمة أمه وقبل وفاة والدي أخبرني بهذا لذلك باتت تلك النقطة هي نقطة ضعف "محب" لأن والدته باتت مصابة بالجنون وعندما حاول نقلها لمكان آخر لم يستطع لأنني توصلت لذاك المكان ومن يومها أن شريكه وذاك المخبأ فيه جميع أوراق صفقاته والتسيجلات لكل مقابلة يعقدها مع مستثمر والفيلم الذي يستغلك علي إثره
ابتلعت "إسراء" ريقها بصعوبة من تلك الصدمات المتتالية لتقول بنبرة تساؤل:ولكن كيف سافرت بها وهي محكوم عليها وفي حكم الميتة 
تثاوب "هاني" بلا وعي ليقول بنبرة شبه ضاحكة:بتهريبها عن طريق الأنفاق ومن ثم أسافر بها إلي أي بلد عربي ومنه إلي البلد الذي سنزوره لأنه من فترة لأخرى نحاول عرضها علي أكبر قدر من الأطباء لعلها تشفي من ذاك الجنون 
كان "فادي" علي مقربة من معرفة مكان ذاك المخبأ ولكن سرعان ما أعلن "هاني" نهاية مفعول ذاك الترياق بإغلاقه لعينيه لتنتفض "إسراء" من موضعها بصدمة مما استمعت له من دقائق بينما دلف الشباب خارج الحجرة وعلامات الصدمة تجتاح ملامح الجميع..
اقترب "إسراء" من "فادي" بحذر قائلة بنبرة مرتعشة ممزوج بتساؤل:لما لا نعطيه المزيد من الترياق لنعلم مكان ذاك المخبأ 
مرر "فادي" أصابعه بين خصلات شعره بضجر ممزوج بغضب قائلاً بنبرة ضيق:لا بد من وجود فاصل زمني كبير ليأخذ الجرعة الثانية وإلا سيصاب بجلطة في قلبه ويموت ونحن مازلنا بحاجة له 
رفع "بسام و ياسر" إلي حجرة النوم بينما قال "فادي" بنبرة إرهاق:سنضعه في حجرتك ونزيل ملابسه حتى يجد أن الأمور سارت كما يريد عندما يفيق
نبرة قلق ممزوجة بتساؤل نبعت من شفاه "إسراء" التي قالت:ألن يتذكر شئ؟!
حرك "فادي" رأسه نافياً ليقول بنبرة هادئة نسبياً:لا لا أخبريه فقط أن الأمور سارت طبيعية ونحن سنزيل الكاميرات وسنذهب 
لم يمهل "فادي" "إسراء" أية فرصة لاستكمال الحديث وإنما دلف إلي الحجرة ليتأكد أن الأمور سارت كما يريد ومن ثم اتجه لإزالة كاميرا بهو الصالة لينجح "فادي" بجدارة في إظهار الهدوء علي ملامحه بينما داخل كيانه تشتعل ثورة غضب ممزوجة بحيرة وتساؤلات لا يستطيع إيجاد أية إجابات لها إلي الآن..
...
أسبوعين آخرين مروا علي أبطالنا وحالة التوتر الممزوج بالغضب تحيط بعلاقة "فادي" بوالده فمنذ عراكهم الأخير بات الحديث بينهم معدوم بينما "فادي" لم يشغل باله بتلك العلاقة المتوترة بقدر اهتمامه بحل ذاك الغموض الذي يحيط بمذكرات "قمر" وتلك الألغاز التي أضافها "هاني" عن والدة "محب" ومخبأهم الخاص..
بينما علاقة "هاني" و"إسراء" باتت قوية إلي حد ما..فمنذ تلك الليلة التي ارتشف فيها "هاني" الترياق وعدم إدراكه بما أفصح عنه و"إسراء" تحاول جاهدة البحث عن أية معلومة عن ذاك المخبأ بينما "هاني" فبات يشعر بالراحة معها..
أما عن "قمر" فكانت تلك الأيام هي الأكثر راحة لها بسبب سفر "محب" إلي الأقصر لتوزيع صفقة الملابس التي أحضرها "هاني" بعد سفره وبذلك تخلصت "قمر" من ذاك المعتوه وصفعاته المتتالية ومما زاد راحة "قمر" أيضاً أنها لا تحمل أي هواتف محمولة وبذلك تخلصت من نبراته نهائياً لتقضي تلك الأيام في حجرتها بمنزل والدها وهي تكفي عينيها المشتاقة للنوم..
أما عن "بسام" فكان الأكثر إرهاقاً بين الجميع بسبب انشغاله بمصنع "منير" وتلبية طلبات "محب" والعمل علي تلك القضية الشائكة التي سلبت الراحة من عينيه بينما "أسماء" تعمل جاهدة في التخفيف عنه ومحاولة إيجاد أي ثغور في تلك القضية..
....
حادث "محب" "منير" في صباح ذاك اليوم ليطلب منه بأن تعود "قمر" إلي المنزل لأنه سيعود في مساء ذاك اليوم وبنبرة جمود ممزوجة بلامبالاة أخبر "منير" ابنته بضرورة ذهابها لمنزل زوجها وبالرغم من الألم الذي ارتعد له قلب "قمر" أظهرت اللامبالاة الممزوج بالبرود لتبدأ في ترتيب حقيبتها..
لتنتقل من سجن في منزل والدها تنعم فيه بحديث والدتها إلي سجن ذاك المعتوه الملقب بزوجها لتنعم بدفعات العذاب التي تتلقها من حزامه الجلدي..
وبمساعدة ابنة خالتها أنهت "قمر" ترتيب منزلها وهي ترسم اللامبالاة علي ملامحها ليبدأ شعور الإرهاق يتسرب لكيانها فور إنهاء تلك الأعمال المنزلية ورحيل ابنة خالتها لتلتفت بعينيها إلي ساعة الحائط لتجدها صارت السادسة مساءً..
اتجهت "قمر" إلي حجرتها لتدثر جسدها الهزيل بغطائها القطني لتغمض عينيها بإرهاق..
ما يقارب العشرة دقائق مرت علي تلك الفتاة المحتضنة لآلامها بكفيها لتشعر بلمسة يد حانية تمسح علي يدها ببطء..
انتفضت "قمر" من نومها وصيحة خافتة انفلتت من فمها ولكن سرعان ما تحولت صيحتها إلي صدمة اتسعت علي إثرها عينيها لتتسرب صدمة كهربية إلي أوصالها لتزف نبأ الفرحة إلي أوصالها..
ارتعشت شفاه "قمر" وهي تقول بنبرة باكية: "فادي" 
أخفض "فادي" ذاك الكاب الموضوع علي رأسه لترتسم ابتسامة صافية علي ملامحه قائلا بنبرة أسف ممزوجة بشوق:أعذريني يا حلوتي لقد تأخرت عليك كثيراُ
لم تكن "قمر" في حاجة نهائية للحديث وإنما كانت في حاجة ماسة للشعور بلمسة يده لتمسك بيده بكفها المرتعش لتعلنها صريحة بأنها تستمد قوتها من لمسة يده التي أقسمت علي حمايتها..
تنهدت "قمر" براحة وهي تزيد من تمسكها بيد "فادي" قائلة بنبرة خوف ممزوجة ببكاء:خذني معك يا "فادي" لا تتركني هنا أرجوك 
ارتسمت ابتسامة الإصرار الخاصة بذاك المتعجرف وهو يقوم من موضعه بهدوء ليفتح ذراعيه ببطء قائلاً بنبرة شوق ممزوجة بطلب:تعالي معي يا حلوتي تعالي أحميكي بين ذراعي منهم 
اتسعت عيني "قمر" صدمة ممزوجة بفرحة فأخيراً ستحظي بضمة من ذاك المتعجرف..
أخيراً ستحظي تلك المعشوقة المتهالكة من أوجاع الفراق بضمة من عشيقها الذي عاد لاقتلاعها من تلك الوحشية..
أخيراً عرض عليها ذاك المتعجرف الهروب بها إلي عالم موازي تمنته مراراً عالم خيالي يسكن بين ذراعيه..
تلك هي اللحظة التي تمنتها "قمر" مراراً وتكراراً..تلك هي اللحظة التي تحملت من أجلها ما مرت به من آلام..
تلك هي الضمة التي انتظرتها طويلاً لتمحي ما بها من آلام..
ولكن!! هل هذا هو الواقع الحق؟!هل سيبتسم القدر فجأة؟! 
سرعان ما آتت الإجابة ل"قمر" التي انتفضت من حلمها الخيالي ذاك علي لمسة يد شهوانية..
نعم هو حلم!!هو حلو آملاه عقلها الباطل علي قلبها الذي شعر للحظة أن ذاك الحلم سيكون حقيقة..
وأن ذاك القلب المتهالك سيعود إلي موطنه بين ذراعي صاحبه ليلملم جروحه من جديد..
ولكن سرعان ما سلبت لمسة "محب" الشهوانية "قمر" من أحلامها لتنتفض من نومها علي لمسة يده تلك التي تحاول إزالة ملابسها عنها لتصرخ "قمر" بقوة اكتسبتها من ذاك الحلم الخيالي..
لتدفع يده عنها بغضب ممزوجة بألم لتتلقي صفعة نارية من "محب" الذي بدأ في تسديد لكمات متتالية إلي جسدها الصغير وهو يصيح فيها بغضب قائلاً:كفي أفعالك تلك كفي لن يحميكي أحد مني ستخضعين لي 
أغلقت "قمر" عينيها بألم لتعطي ذاكرتها الفرصة بإمدادها بكلمات "فادي" المطمئنة لتنطلق منها صرخة عالية..
صرخة ألم..صرخة غضب..صرخة أنثي ترفض أن يمس أنوثتها سوي من تحببه..صرخة ترفض بأن تخضع لرجل يفرض قوته عليها ليحظي بلحظة متعة..
دامت صرخة "قمر" قرابة الدقيقتين تسرب فيهم شعاع قلق إلي "محب" ليدلف خارج الحجرة قلقاً من أن يسمع أحد بصراخها ليتجه إلي حجرته بغضب ليتمدد علي فراشه وسؤال واحد بات يتردد في عقله إلي أن نام وهو 
" لماذا ترفض الخضوع لي؟! لماذا تتحمل كل ذاك التعذيب؟!" 
بينما علي الجانب الآخر..تجيب "قمر" علي أسئلة "محب" تلك وهي مستلقية علي فراشها بوضع الجنين وكفها يحتضن قلادة "فادي" بينما قلبها يناجي ربها بأن ينهي عذابها..
...
ألفي "فادي" بنظارته الطبية علي فراشه ليسند رأسه إلي الخلف مغمضاً عينيه بإرهاق ممزوجة برجفة قلق علي حبيبته..ليرتفع صدر "فادي" ويهبط رويداً رويداً وشعور القلق يتمكن أكثر من أوصالها إلي أن قفزت كلمة الشيخ "راضي" أمام عقل "فادي" حينما قال:اصبر يا بني اصبر علي ابتلاء ربك فإذا صبرت ستبكي يوماً فرحةً مما رزقك الله به
ارتفع صوت المؤذن بصلاة الفجر ليقتلع "فادي" مما يحيط به ليقوم من موضعه متجهاً إلي خزانة ملابسه ليبدلها سريعاً بعد أن توضأ للصلاة ومن ثم اتجه "فادي" إلي المسجد..
بمجرد أن أنهي "فادي" صلاة الفجر اتجه إلي منزله ليحظي بقيلولة تساعده علي استكمال يومه ليفاجئ ب"حمدي" يجلس في انتظاره بمجرد أن فتح باب المنزل..
علامات من اللامبالاة الممزوجة بنبرة البرود أطلقتها شفاه "فادي" الذي قال:السلام عليكم 
زفر "حمدي" بضجر ليقوم من موضعه قائلاً بنبرة غضب مكتومة:تركتك أسبوعين كاملين لتشفي من جنونك هذا والآن حان الوقت لأعلم من "قمر" تلك وكيف تعرفت عليها 
ألقي "فادي" بسلسلة مفاتيحه علي الطاولة قائلاً بنبرة إرهاق:أبي!!صدقني أنا فعلاً متعب وأحتاج لراحة 
اشتدت علامات الغضب علي ملامح "حمدي" الذي قال بنبرة غضب مرتفعة:كيف تريد أن تنعم بالراحة بعدما ما قولته ؟!!
مرر "فادي" أصابعه بين خصلات شعره بلامبالاة تخفي ثورة الغضب التي تشتعل داخل كيانه ليقول بنبرة هدوء:أبي؟!أخبرتك أنني متعب وأنت تعلم أن لدي مأمورية سفر مع وفد سياحي غداً لذلك لنؤجل المناقشة تلك لاحقاً 
زادت لامبالاة "فادي" غضب والده أضعاف مضاعفة ليصيح بنبرة غضب ممزوجة بلا وعي:أتدري إن كانت والدتك مازالت علي قيد الحياة ستوافق علي ذاك الجنون الذي تريد فعله؟! أتظن أنها ستكون موافقة علي زواجك من..
سرعان ما استدرك "حمدي" ما سيقوله لينقطع عن الحديث في آخر لحظة لترتفع نبرة "فادي" تدريجياً قائلاً:أمي؟! الآن تسأل عن راحة أمي؟! هل أحببتها لتخاف عليها أم إنها كانت مجرد موظفة تقوم بتلبية طلباتك وتحضر لك الطفل الذي تريده 
علي قدر ما كانت كلمات "فادي" غاضبة و واقعية علي قدر ما أشعلت الخوف في أوصال "حمدي" من معرفة ابنه بما حدث في الماضي ليقول بنبرة غضب ممزوجة بقلق:ما هذا الجنون الذي تقوله يا "فادي"؟!انظر لمن تتحدث أنا لست بزميل لك 
قبض "فادي" علي كفيه بغضب قارب علي الفتك بكيانه ليقول بنبرة ألم ممزوجة بغضب:أتدري ما الجنون الحقيقي؟!هو موافقة أمي علي الزواج منك
أكمل "فادي" حديثه بصيحة ألم مرتفعة:الجنون الحقيقي أن تدعي حب أمرآة من أجل طفل 
ما إن أنهي "فادي" حديثه حتى دلف إلي حجرته بأقصى سرعة لديه دون منح "حمدي" أية فرصة لاستكمال حديثهم..
خلع "فادي" معطفه بقوة قاربت علي تمزيقه ليتجه مسرعاً إلي دورة المياه ليدفن رأسه تحت قطرات المياه الباردة التي باتت تندفع بقوة لتخفيف حدة غليان رأس "فادي" المشتعل غضباً..
تعالت صيحات "حمدي" وحاول جاهداً الدخول إلي الحجرة ولكن بلا فائدة ليتجه إلي حجرته وكلمات ابنه مازال صدها يتراقص في عقله ليثبت أركان الخوف الممزوج بالقلق في أوصاله من معرفة ابنه بخبايا حاول كثيراً إخفائها..
أما عن "فادي" فبعد أن تلقي دفعة كافية من المياه الباردة التي قللت من حدة غضبه رفع عينيه ببطء إلي المرآة لترتسم ابتسامة باهتة علي ملامحه ليحرك شفتيه المرتعشتين قائلاً:ليتك كنتي معي يا أمي..ليتك تأتي وتسلبني من ذاك العالم..ليتني أحظي بضمة واحدة منك
...
مرت أربعة أشهر أخرى علي أبطالنا كان فيها الحال كالتالي..
علاقة "حمدي" ب"فادي" باتت متوترة إلي أبعد الحدود وبدأت المناوشات بينهما تزداد بصورة ملحوظة..حاول فيها "فادي" بكل ما به من قدرة علي إنهاء تلك الخلافات ريثما يتأكد مما لديه من معلومات بينما "حمدي" لم يهتم لسماع أية كلمات من "فادي" بقدر اهتمامه بإنهاء فكرة الزواج من فتاة نوبية حتى ولو كانت دعابة من "فادي"..
ليرتدي "حمدي" عباءة كثير من الأهل في أيامنا تلك...ليسيطر شعور غضبه علي شعوره عشقه إلي ابنه وتتحكم فكرة "أنه مازال طفلاً غير واعي علي اتخاذ قرار" من أوصاله..
لتضيف علاقته المتوترة بابنه أوجاع أخرى في كيان ابنه الذي يحاول الصمود أمام الأوجاع التي يتلقها ممن يحيطون به..
أما عن حياة "فادي" الروتينية بات معتاد عليها كما اعتاد علي مناقشاته الحادة مع والده..فبات الآن معتاد علي العمل لساعات وساعات دون أن يمهل عقله الراحة فسرعان ما ينتهي العمل إما يجلس مع صديقه أو يتابع مع "وائل و بسام" آخر مستجدات المعلومات..ومن ثم يتجه إلي "الشيخ راضي" الذي بات جرعة المسكن لآلام "فادي" بحديثه العقلاني والمطمئن له..
ومن ثم يعود إلي حجرته ليبدأ عقله في استرجاع كل ذكري وجع..غضب..حزن..فرحة ..أمام عينيه..
ولكن!! يبقي المتعجرف كما هو..يبقي بقوته صامد أمام صدمات تلك الحياة التي تريد الفتك به ولكن درع التعجرف الممزوج بالقوة والإيمان قضي علي محاولات الحياة لتحطيمه..
أما عن "ياسر" و"مريم" فقد انشغلوا في تلك الأيام باستقبال ابنتهم الأولي وتجهيز كل المتطلبات لاستقبال تلك الطفلة التي سرقت قلوبهم من قبل أن تري نور ذاك العالم..
ليتمكن شعور الحنين لتلك الطفلة فور رؤيتهم لها عبر جهاز السونار..
أما عن "بسام" و"أسماء" فكان ذاك الثنائي هو الأكثر حظاً باللقاء خصيصاً بعد أن كلف "محب" "بسام" بإنهاء بعد الترتيبات في القاهرة وبذلك بات لقائهم يدوم أكثر وبات إصرارهم علي إنهاء تلك المهمة للزواج أكبر..
فهنيئاً لرائد الداخلية الأمهر بإحكامه القبض علي قلب رائدة الداخلية الأذكي ليصدر الحكم علي علاقتهم بالبقاء سوياً مدي الحياة...
أما عن تجارة "محب" بالمخدرات والسلاح وما إلي ذلك..ففي تلك الأيام ألغي نهائياً أية صفقات أو تسليم بضاعة خوفاً من أن تتربص له الداخلية كما في السابق ليلجأ إلي الاهتمام بتجارته العادية ريثما يجد الخائن من رجاله..
وأما عن علاقته ب"قمر" ازدادت سوءً عما سبق..فبات يلعنها كلما رآها أو يتحجج بأن الطعام غير ناضج ليسدد لها دفعة من الصفعات في محاولة منه لإخضاعها...
فذاك المعتوه مازال يظن أنه سيفوز بلحظة معها بالقوة ليضع ضمامة أمام عينيه حتى لا يري أنها لن تسلم له جسدها طالما قلبها لآخر..
أما عن "قمر" فتحولت الآن إلي هيكل عظمي يتغذي علي بضع لقيمات ريثما يعود "فادي" لاقتلاعها مما هي فيه..تحولت نظرة عينيها الساحرة إلي حزن يكسو ملامحها قبل عينيها وتتحول نبرتها المرحة إلي نبرة هي أشبه بالعويل..بينما ظل عندها وإصرارها وقوتها الممزوجين بإيمانها هو ما ثابت فيها بل وزاد لأضعاف الضعف أيضاً..
لتبقي تلك العنيدة كما هي تتصدي لما تلاقه من آلام بدرع القوة الممزوجة بالإيمان..
أما عن "منير" و"ناهد" فوصلت العلاقة بينهم في تلك الأشهر إلي قمة الجفاء والجمود وبالرغم من محاولات "منير" لاستعادة زوجته كسابق عهدها..كانت جفاء "ناهد" هو المتحكم الأول بها لترفض العودة له قبل عودة ابنتها إلي أحضانها..
وبالرغم من مقابلات "إسراء" الدائمة ل"محب" فور وصوله إلي الأقصر لكي تلبي رغبات ذاك المعتوه كانت علاقتها تقوي أكثر ب"هاني" في محاولة منها لمعرفة مكان ذاك المخبأ والمقابل كلمة دلال من شفتيها أو قٌبلة مسروقة في سيارة "هاني" الخاصة ..
بينما لم يستطع "فادي" و"إسراء" إعطاء "هاني" ذاك الترياق ليخبرهم بمكان المخبأ لما قاله صديق "فادي" الأمريكي الصانع لذاك الترياق بأنه إذا تم إعطاء جرعة أخرى إلا في الوقت الذي سيحدده ستكون مجازفة بحياة "هاني"..
....
أشرقت صباح يوم جديد تحمل في أشعتها الذهبية التي تتراقص أمام أعين أبطالنا أن ذاك اليوم لن يمر مر الكرام نهائياً..
فبالنسبة ل"فادي" فبمجرد أن أنهي دوام عمله..اتجه إلي منزله ليحظي بقيلولة لما بداخله من آلام وإرهاق ولكن سرعان ما تفاجئ "فادي" بنبرة والده الحادة تستقبله فور وصوله إلي المنزل...
فبمجرد أن فتح "فادي" باب المنزل ارتفعت نبرة "حمدي" بضجر ممزوج بغضب:وما نهاية كل هذا يا فندم؟! أربعة أشهر كاملة وأنت دائماً ما تنهي نقاشنا بردودك الباردة 
أغلق "فادي" باب المنزل بضيق ليضع حقيبته علي الطاولة قائلاً بنبرة إرهاق:ماذا هناك يا أبي؟! أنا حقاً متعب
لم يبالي "حمدي" للإرهاق الواضح علي عينيه ابنه بقدر اهتمامه بإنهاء تلك المسألة اليوم ليقول بنبرة غضب:هو سؤال واحد فقط ومن ثم سأتركك؟!
أكمل "حمدي" حديثه وهو يقف مباشرة أمام ابنه قائلاً بنبرة غضب متسائلة:من "قمر منير" تلك؟! و إياك أن تقول لي أنني سأعلم عندما يأتي الأوان لأن ذاك هو الموعد لمعرفة من تلك..

#نورهان_حسنى

في أرض النوبة للكاتبه نورهان حسني حيث تعيش القصص. اكتشف الآن