الخامس والثلاثون

1.3K 35 0
                                    


الفصل الخامس والثلاثون

مر أسبوع بالكامل والحديث بين "فادي" و"قمر" شبه منقطع تماماً عدا فقط تحية اليلام المتعارف عليها لا غير..
فباتت أيام "فادي" تتلخص في استيقاظه صباحً لممارسة رياضته اليومية ومن ثم يُحضر لحاله كوب من النسكافيه ومن ثم علي عمله ليقضي فيه النهار بأكمله وجزء من الليل وعند العودة يهوي بجسده علي فراشه فقط..
فبالرغم من الألم الذي تمكن من ملامح "فادي" محولاً إياها لملامح باهتة لا تمت بصلة نهائية بابتسامة الفرحة التي طالما زينت ملامحه منذ ليلة زواجه ب"قمر" إلا أن خصال "فادي" المتعجرفة وطبعه الغير مبالي استطاع التحكم في زمام الأمور ورفض فكرة بداية خطوة التصالح مع "قمر"..
"قمر" التي باتت مقيمة في حجرة الأطفال طيلة يومها الذي تقضي معظمه في الجامعة والباقي تنشغل فيه بالتجهيز لرسالتها الخاصة بعد أن تمكنت خصلة العند التي تتميز بها من أوصالها مجبراً إياها علي عدم تكرار اعتذارها مهما كان آلمها فما فعله "فادي" بتركها في تلك الليلة التي خيمت دموعها علي ملامحها فيها جعل عقلها العنيد يتمسك بزمام الأمور رافضً التفكير في الاعتذار بعد الألم الذي اجترعته في تلك الليلة..
وبذلك!!مضت أيام ذاك الأسبوع في أجواء كهربية تحيط بجدران المنزل التي باتت شاهدة علي مقابلة العند للتعجرف..تلك المقابلة التي أودت بعشق القلوب وحولته إلي غضب..
أما عن "ناهد" فبالرغم من المحاولات المستميتة التي زادت من حدتها في ذاك الأسبوع لاستخلاص موافقة "منير" علي الذهاب ل"بسام" إلا أن عقلية "منير" التي باتت منبع للقسوة الممتزجة من براكين الغضب المشتعلة داخل قلبه أودت به إلي الرفض القاطع في جميع تلك المحاولات إلي الرفض الذي أحياناً ما تحول إلي نبرة صوت مرتفعة بغضب تنهر "ناهد" بكل السبل الممكنة لترسيخ فكرة أنه بات من المستحيل لقاء "بسام" كان أم "قمر"..
...
أعلنت دقات xxxxب الساعة تمامها للثانية صباحً لتحرك "قمر" رقبتها يميناً ويساراً بإرهاق مرتسم علي ملامحها وممتزج بنظرات عينيها المتناعسة لتبعث أنامل "قمر" بالتقاط الكتب المبعثرة من حولها وإغلاق الحاسوب المحمول وإعادة ترتيب الحجرة بسرعة لتدلف إلي فراشها متكورة في وضع الجنين في رحم أمه الذي اعتادت عليه منذ خصامها هي و"فادي"..
لحظات معدودة لا تعلم "قمر" كم كان عددها لانشغالها بتحريك محبس "فادي" في إصبعها بحركة دائرية وابتسامة التحسر تهيمن علي ثغرها الذي أطلق تنهيدة ألم نابعة من مركزي الرئة التي باتت تشتاق لاستنشاق أنفاس "فادي" لتطبق "قمر" علي عينيها الغارقة بالدموع برموشها التي ترتعش بألم..
بعد تفكير دام لأسبوع كامل ومحاولات مستميتة من القلب العاشق للتغلب علي الطبع المتعجرف..أعلن "فادي" قراره النهائي بمحاولة مصالحة "قمر" فهو اشتاق لها كثيراً..فــ شوق العشاق لا علاج له سوي ضمة عتاب..
لمسة أنامل يد عاشقة تحيط بخصرها رويداً رويداً..أنفاس تستمد منها أكسجين رئتيها باتت تتراقص من حولها بأسف..حركة شفاهه ساحرة تطبع ببطء قُبلة ندم علي كتفها ليطلق صدمة شوق كهربية في أوصالها بأكملها..
أطلقت "قمر" تنهيدة حزن لتأكدها من أن تلك القُبلة لا تنبع إلا من عاشق فريد من نوعه لترتسم علامات العبوس علي ملامحها وتحاول التخلص من قبضة "فادي" المحيطة بخصرها بينما تلألأ عينيها بالدموع بات يزداد تدريجياً فور محاولة تخلصها من قبضة "فادي" الذي لم يبدي أي رد فعل سوي زيادة تمسكه ب"قمر" التي حسمت أمرها بعند لتحرك يدها لتحرير قبضة "فادي"..
ولكن!!لم تضع "قمر" في حسبانها أن يديها ما هي إلا جزء من كيان عاشقة مشتاقة تطوق للمسة يدي عاشقها لترتعد يدي "قمر" بشوق ممتزجة برجفة عتاب فور ملامستها ليد "فادي" الذي لم يمنحها أية فرصة للفرار بلمسة يديها الطفولية..ليحتضن كفيها المرتعدين عتابً بكفيه المرتعدين شوقً..
ليقترب "فادي" من أذن "قمر" بهدوء ارتفع فيه أصوات أنفاسه التي يلهثها بصعوبة ليحرك شفاهه بنبرة أسف هامسة:أنا آسف
ليضاف ذاك الأسف إلي عجائب الدنيا محولاً إياها إلي ثمانٍ عجائب بسبب اعتذار "فادي" ولن نكن نبالغ إن قولنا أنها المرة الأولي في حياة "فادي" التي يعتذر فيها بل والمرة الأولي التي تتحول فيه نبرته إلي ندم ممتزج بأسف..
وبقدر ما كان ذهول "قمر" من اعتذار "فادي" الذي تأخر كثيراً بقدر ما كان حزنها هو المحرك الأول لشفاهها لتقول بنبرة عتاب:بعد ماذا يا "فادي"؟!بعدما تركتني أسبوع بالكامل !!
أطلق "فادي" تنهيدة ندم تناسب مع نظرات عينيه المتفحصة لملامح "قمر" التي استطاع التقاطها لتمتزج بنبرة شفاهه الأسف ليقول:أنا آسف يا "قمر" ولكنكٍ تعلمين ما هي طباعي وأن غيرتي عليكي قوية ولم يكن بإرادتي أن تتحول لغضب 
استنشق "فادي" نسمات رائحة الورد النابعة من خصلات شعر "قمر" لتطبع شفاهه قُبلة أسف علي جبين "قمر" لتتحرك شفاهه بنبرته العاشقة قائلاً:ولكنني أعشقك يا "قمر" 
لحظات معدودة مرت علي "قمر" التي صارت كالمشتتة إثر محاصرة أنفاس "فادي" لكيانها بأكمله لتحرك أناملها المرتعشة بتحسس يد "فادي" المحتضنة لها بعتاب لتستغرق ما يقارب الثانية لإدارة جسدها ومقابلة ملامح "فادي" بابتسامة عينيها المشتاقة وعلامات العتاب المرتسمة علي ملامحها لتحرك شفاهها بنبرة حزن مرتعشة قائلة:لا تفعل ذلك مرة أخرى فأنت تعلم أنني اخشي الظلام بمفردي بالإضافة إلي أنني اشتقت لك أيها المتعجرف
ارتسمت ابتسامة فرحة علي ثغر "فادي" الذي دفن بأنامله وجه "قمر" بين ضلوعه ليتزود قلبه من أنفاسها المصوبة تجاهه بلا هوادة ليحرك "فادي" شفاهه بنبرة راحة قائلاً:وعد مني ألا تتكرر نهائياً مهما كان الأمر 
عبثت أنامل "قمر" المرتعشة بالتمسك ب"فادي" لتطلق تنهيدة طمأنينة شعرت بها أخيراً فور سماعها لضربات قلب "فادي" المتسابقة في الوصول إلي مسامعها لتحرك شفاهها بنبرة فرحة قائلة:أعشقك يا "فادي" بحق أعشقك
مادام حديث العشاق طويلاً لما يتملكهم من إرهاق علي مدار الأسبوع بسبب خصامهم لذلك قرر العشاق تأجيل حديث العتاب قليلاً والتمتع بقيلولة فرحة بين ضلوع بعضهما ليتحطم ذاك الخصام أمام قوة تلك الضمة وتنعم قلوبهم بالراحة..
...
بعد مرور ثمانية أشهر..تحديداً في منزل "بسام"..
ارتفع صخب بكاء "سما" تلك الطفلة التي تمت لتوها الشهر الأول علي ولادتها لتتحول إلي النبتة الحب الأولي بين "بسام" و"أسماء" الذين قاموا مفزوعين من نومهم إثر سماعهم لذاك البكاء لتهرول "أسماء" تجاه طفلتها ملتقطة إياها بين ذراعيها بحنان امتزج بنظرات عينيها المتكاسلة لتتحسس أنامل "أسماء" خدي "سما" محركة شفاهها بنبرة نعاس قائلة:حرارتك طبيعية..لماذا البكاء الآن؟!تريدين فقط إزعاجنا..صحيح!!
حركت تلك الرضيعة عينيها ببطء يرسم علامات البراءة علي ملامحها ليحرك "بسام" شفاهه بنبرة عاشقة ليقول:بتلك الملامح الساحرة!!لكٍ كل الحق تماماً في إيقاظنا 
وكزت "أسماء" يد "بسام" بخفة ممتزجة بنبرة شفاهها المتكاسلة لتقول:حقاً!!حسناً أمكث أنت معها ليلتك 
ارتفع صخب ضحكات "بسام" الخافتة ليعبث بأنامله لتحسس ملامح ابنته قائلاً بنبرة مرح:حسناً أنا موافق ولكن!! إن أرادت الرضاعة كيف أفعلها أنا!!
قهقهة ضاحكة نبعت من شفاه "أسماء" لتمتزج هدهدتها لتلك الرضيعة لتحرك شفاهها بنبرة مزاح قائلة:لا تقلق أنا أقوم بعمل نظام غذائي لها حتى تصبح من يومها الأولي عنوان للرشاقة 
رفع "بسام" حاجبه الأيسر بتعجب تناسب مع تنهيدة التحسر علي ذاك الجنون محركاً شفاهه بنبرة هدوء قائلاً:هل ترين تلك الشرفة؟!أتركي لي "سما" ومن ثم اتجهي لها وأغمضي عينيكي و الأقي بجسدك من الشرفة سترتاحي كثيراً 
استندت "أسماء" برأسها علي كتف "بسام" ليمتزج صخب ضحكاتها بضحكات "بسام" لتحرك شفاهها بنبرة عتاب مصطنعة قائلة:هكذا تكون النهاية يا "بسام"؟! رائدة تشهد لها الداخلية بمهارتها وتكون نهايتها هكذا 
لهث "بسام" أنفاسه بهدوء إثر قوة ضحكاته ليحرك شفاهه بنبرة مرح قائلاً:إن استمر ذاك النظام الغذائي أنا من سأخطو بأناملي اسمك في قائمة الشهداء في الوزارة 
...
سنة الزواج الأولي تعد الفترة التي تتجانس فيها أفكار طرفي الزواج من أجل نسج قواعد أساسية تبني علي إثرهم حياتهم الأبدية..وبقدر ما تحمل تلك السنة من صعوبات يظن الطرفين أنها ستكون أقوى منهم إلا أنها تظهر لهم الكثير من خبايا تفكير بعضهم ليساعد ذلك في تشكيل البنية الأساسية لمنزل إذ لم يقام علي أسس وقواعد إسلامية قبل أن تكون فكرية بلا شك ستهوي بذاك المنزل إلي التطاير مع نسمات الهواء من قبل أن يكتمل البناء..
أما في حالة "فادي" و"قمر" فبالرغم مما مروا به من أوقات ضجر أحياناً وما استولي من أوصالهم من غضب إلا أن الاحترام الناشب بين قلبيهما قبل العشق هو ما دفعهم علي بناء منزلهم ذاك علي أسس تعجز أي قوة مهما كانت عن تدميرها..
وها هي "قمر" الآن تعد ذاك المنزل الذي طالما حمل ليالي سعادتها قبل حزنها لاستقبال ذكري زواجها الأولي من "فادي" الذي اضطر للذهاب إلي العمل بعد أن طلبته الشركة في نهار ذاك اليوم...
وبالرغم من ضجر "قمر" من ذاك العمل المنتزع "فادي" من بين ضلوعها إلا أن فرحتها لبدء تزيين المنزل لاستقبال تلك الذكري بات أقوى..لتشمر "قمر" عن ساعد الحيوية لتبدأ في تغير بعض ديكورات المنزل وتبديل مواضع بعض من الأثاث وإضافة لمسة جمالية علي حجرات المنزل الأساسية بالإضافة إلي حجرة نومها المشتركة بينها هي و"فادي" التي باتت مجهزة علي أعلي تقنية وكأنها أعدت لاستقبال عروسين في بداية حياتهم فبراعة "قمر" استطاعت إضافة لمسات أنثوية علي تلك الحجرة بدون المساس بهيئتها الأساسية نظراً لأن تلك الحجرة خصيصاً لا يجوز نهائياً المساس بقدسيتها..
وبعد الانتهاء من ترتيب الحجرة لاستقبال ذكري الزواج الأولي..اتجهت "قمر" إلي حجرة المطبخ لإعداد بعض الحلوى بمناسبة تلك الذكري..
لتمر ساعات النهار بهدوء يخيم علي أجواء المنزل ليمتزج مع ابتسامة السعادة التي تزين ملامح "قمر" قبل ثغرها..
وأخيراً وبعد ساعات من الانتظار..وقفت سيارة الأجرة أمام منزل "فادي" لتلمحها "قمر" من خلف زجاج المنزل وتتحرك سريعاً لوضع اللمسة الأخيرة علي مفاجأة تلك السهرة..
رفع "فادي" لياقة قميصه الأزرق المتناسق تماماً مع درجة اللون الرمادي الخاص بحلة "فادي" الممسك ببوكيه ورد مصمم خصيصاً لتلك الذكري وبيده الأخرى تجود حقيبة صغيرة تحوي هدية السهرة ل"قمر"..
لحظات معدودة استغرقها "فادي" للدخول إلي المنزل لتستقبله إضاءة خافتة منتشرة في أركان بهو الصالة لترتسم ابتسامة خافتة علي ملامح "فادي" الذي حرك شفاهه بنبرة هامسة قائلاً:مازالت تخشي من الظلام تلك المجنونة 
طرقات من كعب حذاء عالي امتزجت بنبرة أنوثية ساحرة نبعت من شفاه "قمر" التي التقطت "فادي" قائلة:أنا مجنونة؟!حسناً تلك هي الحقيقة التي لابد من أن تتأكد منها بأنني مجنونة بك يا "فادي" 
"كعادتها تلك الطفلة العنيدة عندما تتألق تتحول إلي أنثي تعجز كلمات لغات العالم عن وصف أنوثتها" 
كهذا كان حال عقل "فادي" الذي حرك عينيه بنظرات متفحصة لكل جزء من كيان "قمر" من بداية خصلات شعرها المتطايرة من حولها مروراً بأحمر شفاه امتزج بكحل للعينين أضاف لمسة ساحرة علي ملامحها وصولاً إلي جسدها الأنوثي المتراقص بين طيات فستانها المصمم لإبراز معالم أنوثتها..
مرر "فادي" أنامله ببطء بين خصلات شعره لترتسم ابتسامة خافتة علي ثغره وتمتزج بحركة شفاهه بنبرة ماكرة قائلاً:يبدو بأن تلك الليلة ستحمل الكثير والكثير من تحول "فادي" 
أخفت "قمر" ابتسامة الخجل المرتسمة علي شفاهها بأنامل يدها اليسري لتتحرك شفاهها بنبرة مرحة قائلة:عذراً ولكنني ما عادت لدي قدرة للتحمل 
ما إن انتهت شفاه "قمر" عن الحديث حتى عبث أناملها لخلع حذائها ذو الكعب العالي وإلقائه علي يمينها لترتسم ابتسامة طفولية علي ملامحها وتحرك شفاهها بنبرة مزاح هامسة لتقول:بأعجوبة استطعت السير من الحجرة إلي هنا..هذا سر بيني وبينك أنا لا استطيع ارتداء الكعب العالي ولكن لا تخبر أحد 
ازدادت حدة صخب ضحكات "فادي" بسرعة عجيبة لتخيم صيحات ضحكاته تلك علي أجواء المنزل ممتزجة بالابتسامة الطفولية المرتسمة علي شفاه "قمر" التي عبثت بأناملها لمداعبة إحدى خصلات شعرها..
ثوانٍ معدودة كانت كافية لإعداد عمل رئتي "فادي" بحالة طبيعية بعدما كان يلهث أنفاسه ليحيط بذراعه خصر "قمر" بينما بذراعه الآخر يقدم لها بوكيه الورد قائلاً بنبرة مزاح:ذاك الورد مختلف تماماً عن أي ورد من الممكن أن تشاهديه 
عقدت "قمر" حاجبيها بتعجب فور التقاطها لذاك الورد لتحرك شفاهها بنبرة تساؤل قائلة:إن كان فيه متفجرات فأنت معي في المنزل لن تستطيع الهرب 
أومأ "فادي" رأسه نافياً بينما اتسعت ابتسامة ثغره لتتابع عينيه رد فعل "قمر" فور لمستها لذاك الورد الذي يبدو من هيئته أنه ورد طبيعي ولكن!!الحقيقة التي اكتشفتها "قمر" أن ذاك الورد ما هو إلا جسم مصنع من مادة جهلت عن معرفتها ولكن ذاك الجسم يشبه في خصائصه الصندوق الخشبي لاستطاعت "قمر" فتحه لتفاجئ بأوراق مطوية بعناية..
تلألأت عيني "قمر" فرحةً فور لقراءتها للورقة الأولي والتي تحوي سبب من أسباب عشق "فادي" ل"قمر" والذي استطاع حصر بعض منها في تلك الأوراق..
أطلقت "قمر" تنهيدة فرحة امتزجت بدمعة لؤلؤية تدحرجت علي خديها لتضع ذاك الورد علي الطاولة بعناية وتتجه إلي "فادي" طابعة قُبلة عاشقة أسفل شفاهه كما هي معتادة لتتحرك شفاهها هي قائلة بنبرة فرحة:حفظك الله لي يا "فادي" وأعانني علي إسعادك يا الله.."فادي"!! أنا أحبك 
عبثت أنامل "فادي" لمداعبة خصلات شعر "قمر" لتتحرك شفاهه بنبرة هادئة ليقول:أنا أيضاً أحبك أيتها المجنونة..تلك كانت هدية ل"قمر" العاشقة 
التقط "فادي" الحقيبة الحاملة للمفاجأة علي الأرض ليتابع حديثه قائلاً:أما تلك فهدية ل"قمر" الباحثة في دراستها 
أسند "فادي" تلك الحقيبة علي حافة الطاولة بينما عقدة حاجبي "قمر" الواقفة بجواره تزداد اتساعً..
حملت تلك الحقيبة ثلاثة صناديق متحدة الألوان ومزينة بشريط حريري..ليضع "فادي" الصندوق الأولي بين كفي "قمر" قائلاً بنبرة هادئة:اكتشفي ما بداخله 
أزالت "قمر" ذاك الشريط بفضول امتزج برجفة اجتاحت أوصالها فور قراءتها لمحتوي الورقة الموضوعة بذاك الصندوق والتي تؤكد أنه تم قبول "قمر" للتوظيف في أكبر مؤسسات ترجمة الكتب والروايات وما إلي ذلك..
ابتلعت "قمر" ريقها بصعوبة امتزجت بنظرات عينيها الغير مستوعبة بعد ونبرة شفاهها المتسائلة لتقول:كيف؟! كيف؟! 
ارتسمت ابتسامة خافتة علي ملامح "فادي" الذي حرك شفاهه قائلاً بنبرة توضيح:أتتذكرين عندما طلبت جميع أوراق دراستك وما يصل إليك من خطابات تقدير من دكاترة الجامعة بكل هذا بالإضافة إلي أجزاء من رسالة الماجستير قدمتها لتلك الشركة مستعيناً ببعض الأوراق بخط يد المشرفين علي رسالة الماجستير والدكتوراة ببراعتك وبذلك تمت الموافقة بنجاح..ولكنهم!!بالرغم من قبول توظيفك إلا أن من أساسيات تلك الشركة عمل اختبارات عامة للموظفين الجدد والمعلومات عن تلك الاختبارات وكيف ستكون طبيعتها موجود بالصندوق الثاني
قفزت "قمر" من موضعها بفرحة طفولية امتزجت بصيحة المرح التي أطلقتها شفاهها لتهوي بجسدها بين ذراعي "فادي" قائلة بنبرة امتنان:لا أعلم كيف أشكرك!! لا أعلم كيفية وصف ما أشعر به الآن!!لا أصدق ما أمر به الآن يا "فادي" أشعر وكأنني في عالم خيالي 
داعب "فادي" خدي "قمر" بلمسة مرحة بأنامله لتتحرك شفاهه بنبرة مزاح قائلاً:عالم خيالي؟!كعالم أفلام الكرتون التي تدمنيها!!
دفنت "قمر" ملامح وجهها بين ضلوع "فادي" لترتفع ضحكاتها المرحة نحو قلب "فادي" المتراقص بسعادة لرسم ابتسامة الفرحة علي ملامح "قمر"...
بعد فتح الصندوق الثالث والذي يحوي أسورة من الذهب قدمها "فادي" ل"قمر"..اتجه العاشقين إلي حجرة الطعام لتناول طعام العشاء سريعاً وبعد تقديم "قمر" لهدية "فادي" الأولي من ساعة يد تعد من أغلي الماركات بالإضافة ببعض الروايات بلغات متعددة لمجموعة من الكتاب المفضلين لديه ومن ثم طلبت "قمر" من"فادي" إخفاء عينيه بضمامة حريرية للتجهيز للمفاجأة الأخيرة والأقوى..
تشابكت أنامل "قمر" بأنامل "فادي" لتتجه به إلي حجرة نومهم الساحرة بهيئتها تلك لتقف "قمر" بجوار الحائط الأيمن لفراشهم وتحرك شفاهها بنبرة طلب من "فادي" لخلع الضمامة من أعلي عينيه..
عقد "فادي" حاجبيه بتعجب امتزج بنظرات عينيه المتفحصة لذاك الستار المتراقص علي ذاك الحائط لتأتيه نبرة "قمر" الموضحة لتقول:ذاك المنزل بات شاهداً علي كثير مما مررنا به من بداية زواجنا إلي يومنا هذا وعندما فكرت لعمل شئ مختلف لتلك الذكري وجدت أنه من الطبيعي أن نحفر ذكرياتنا في جزء من ذاك المنزل لذلك!! فعلت هذا 
ما إن أنهت "قمر" حديثها حتى تحرك أناملها لإزالة ذاك الستار المخفي لذاك الحائط الذي تحول إلي لقطات من فيلم تسجيلي يحوي من بدايته إلي ما يقارب الثلث منه صور تجمع "فادي" و"قمر" من بداية الخطوبة مروراً بعقد القران والعرس الهندي وليالي إقامتهم بالمملكة العربية السعودية وهولندا ولياليهم المرحة في كندا وليلة حصول "قمر" علي الماجستير وترقية "فادي" في عمله..
جميع تلك الصور كانت مرسومة بالرصاص ومكتوب أسفلها تاريخ تلك الذكري..
اتسعت ابتسامة السعادة المرتسمة علي ثغر "فادي" المصوب بعينيه نظرات عاشقة إلي "قمر" إلي أن التقطت عينيه الصورة الأخيرة الموضوعة علي ذاك الحائط وليست بمرسومة ليحرك شفاهه بنبرة تساؤل قائلاً:ما تلك الصورة؟!
ارتسمت ابتسامة ساحرة علي ملامح "قمر" التي حركت شفاهها قائلة بنبرة هدوء:اقترب لتري 
رفع "فادي" حاجبه بتعجب ممتزج بحركة قدمه الفضولية تجاه تلك الصورة إلي أن وقف أمامها مباشرة لتتضح لها الإضاءة لتتسارع نبضات قلبه بقوة قاربت علي الفتك بضلوعه لتتحرك شفاه "فادي" بنبرة مرتعشة ليقول:"قمر"!!أنتي..
ما استطاع "فادي" تكملة تلك الجملة وإنما عبث بأنامله لتحسس تلك الصورة التي توضح رحم "قمر" الحاضن لنبتة عشقهم الأولي ليجثو "فادي" علي ركبتيه لتحسس تلك الصورة بعناية أكبر بينما تلألأت عينيه بدموع سعادة لتلك اللحظة في محاولة منه لكل لمسة لتلك الصورة للتأكد من أنها حقيقية..
جثت "قمر" علي ركبتيها لتصبح في مستوي "فادي" لتحتضن بكفها أنامله المرتعشة المتحسسة لتلك الصورة لتحرك شفاهها بنبرة فرحة قائلة:أنا حامل يا "فادي" بداخل أحشاء جزء منك ومني سيصبح بأمر الله رجل يماثلك تماماً 
أطلق "فادي" تنهيدة راحة امتزجت بابتسامة الرضا المرتسمة علي شفاهه ومن ثم التفت بجسده لحمل "قمر" عن الأرض واضعاً إياها علي الفراش لتتحرك شفاهه بنبرة فرحة مشتتة قائلاً:من الآن ممنوع أن ترهقي نفسك ولكيف لكٍ أن تفعلي ما فعلتيه اليوم وأنتي حامل كيف؟!
تحسست "قمر" خدي "فادي" بأناملها المرتعشة فرحً لترتسم ابتسامة خافتة علي ملامحها لتتحرك شفاهها بنبرة فرحة قائلة:لا تقلق يا حبيبي..الطبيبة أكدت لي أن الوضع بأحسن حال الحمدلله وأنه بعد ثمانية أشهر سأحمل بين ذراعيي ابن لي منك أنت يا "فادي"
أمسك "فادي" بيد "قمر" تلك بلمسة حانية مرتعشة ليطبق علي يدها قُبلة عاشقة قائلاً بنبرة فرحة:بإذن الله سيكون ولد سنطلق عليه "شاهد" ليكون هو الشاهد الوحيد أمام العالم بأسره أن عشقي لكٍ ما كان يسعي لشئ سوي الاجتماع بكٍ في الحلال 
أطلقت "قمر" تنهيدة طمأنينة ممتزجة بنظرات عينيها العاشقة لتحرك شفاهها بنبرة طفولية قائلة:ولكن إياك أن تهملني و تحضر له لعبة ما أو شيكولاته بدون أن تحضر لي 
سحب "فادي" كيان "قمر" بهدوء بين ضلوعه بينما أنامله تعبث بحنان لخصلات شعر "قمر" لتتحرك شفاه "فادي" بنبرة فرحة قائلاً:أنتي فرحة قلبي الأولي..كيف أهملك إذن؟!
..
وما بين ابتسامة فرحة ولمسة مشتاقة ونظرة عيني عاشقة..مرت ذكري زواج "فادي" و"قمر" بسلام لتبدأ المرحلة الأصعب في حياتهم..
فبسبب ضعف مناعة "قمر" كانت أشهر حملها الأولي تحمل الكثير والكثير من المحاليل الطبية المصوبة إلي شرايينها والكثير و الكثير من حبات الأدوية المتدافعة إلي معدتها....
وبالرغم من الألم الناتج من ضعف المناعة إلا أن "قمر" استطاعت بعد محاولات مستميتة إقناع "فادي" بأن تبدأ عملها في تلك الشركة خصيصاً بأن تلك الفرصة لن تتكرر كثيراً ولإرضاء "فادي" اضطرت "قمر" للموافقة علي طلبه بتأجيل رسالة الدكتوراة ريثما تنتهي شهور الحمل تلك..
يوم عن يوم و"قمر" تتعافي بشكل ملحوظ يتناسب مع معدتها التي باتت تتخذ الانتفاخ الكروي لتبدأ الشهور التي حملت أكثر لحظات تحولت فيها "قمر" من غضب إلي ضحك إلي بكاء إلي مرح إلي ضجر..
وبالرغم من أن تلك اللحظات لطالما كانت تأتي علي "فادي" الذي بات يري "قمر" بأحاسيس مختلفة في الساعة الواحدة إلا أنه حاول علي قدر ما استطاع علي احتواء "قمر" في تلك الفترة خصيصاً..نظراً لما تحمله تلك الفترة من تغيرات في شكل المرأة قد تؤدي لشعورها بالاكتئاب إلي أن "فادي" كان بارعً في السيطرة علي تلك اللحظات بل وتحويل "قمر" إلي فتاة متألقة كأنها ملكة جمال..
وكيف لا تكون ملكة جمال وهي تحمل في أحشائها جزء من ذاك المتعجرف؟!
أما عن لحظات البكاء التي استولت علي النسبة الأكبر من أيام "قمر"..إلا أن "فادي" حاول جاهد السيطرة علي تلك الدموع التي قارب علي تحويل المنزل إلي مجري مائي...
وعن لحظات الجنون كانت تلك هي ما ينتظره "فادي" لرؤيته معشوقته تتحول إلي حالتها المعتادة من المرح والجنون ومبادلته أطراف الحديث بمزاحها المعتاد..
وبحلول الليل تعود "قمر" إلي عالمها الخاص بين ضلوع "فادي" لتنعم هي وطفلها بقيلولة هادئة علي أنغام نبضات قلب "فادي"..
ولكن!!وبالرغم من انشغال "فادي" الدائم مع "قمر" إلا أنه استطاع الموازنة بين ذلك وبين عمله الذي حقق فيه نجاح أبهر به الجميع لقدرته علي تحقيقه في ظل ما يمر به مع زوجته..
ولكن ما العجيب في ذلك؟!وذاك النجاح علي شرف الشاهد الأول علي عشق متبادل بين متعجرف وعنيدة..
...
منشفة قطنية استخدمتها "قمر" لتجفيف قطرات العرق المسيطرة علي جبينها لتنطلق تنهيدة إرهاق من رئتيها ومن ثم اتجهت "قمر" للجلوس علي أريكة المنزل في انتظار "فادي" بينما أناملها تتحسس ذاك الانتفاخ الكروي المتوسط لمعدتها لترتسم ابتسامة ألم علي ثغرها لتتحرك شفاهها بنبرة هامسة قائلة:ألن تهدأ ركلاتك تلك يا صغيري؟! أم إنك تنتظر قدوم والدك ليتحسس معدتي ليطمئنك 
تابعت "قمر" حديثها بنبرة متوجعة ممتزجة برجفة أناملها لتقول:أتعلم!!أنا أيضاً أشعر بالطمأنينة لوجوده بجواري ولكن هل لي بطلب من صغيري؟!أنا متألمة جداً من تلك الركلات أرجوك اهدأ 
دام تألم "قمر" لدقائق كتمت فيها أوجاعها بإطباقها لثغرها بأسنانها بينما تحول قطرات العرق إلي عاصفات متتالية تجوب ملامح وجهها بأكمله..
لحظات معدودة مرت علي "قمر" وهي تحاول قدر المستطاع أن تكتم أوجاعها تلك إلا أن تحركت قدمي طفلها بقوة لطرق غشاء رحمها معلنً بداية ركلات باتت تصوب بلا انقطاع لتطلق "قمر" صيحة ألم مرتفعة قاربت من قوتها علي الفتك باحبالها الصوتية ..
وبتزايد حدة صراخ "قمر" التي تحاول الاتجاه لموضع الهاتف لمحادثة "فادي"..كان "فادي" بنفسه يدلف إلي المنزل بقلق يتراقص علي ملامحه إثر سماعه لصيحات الصراخ تلك ..
وبدون أن تترك "قمر" أي مجال له للحديث حركت شفاهها بنبرة توجع شبه صارخة لتقول:"فادي"؟!من الواضح إنها الولادة أرجوك خلصني من ذاك الألم 
ما إن أنهت "قمر" حديثها بأعجوبة حتى ارتفعت صيحة صراخ أقوى لتكتسي ملامح "فادي" بتشتت عطل مراكز التفكير في عقله ليتجمد في موضعه لثوانٍ بينما شفاهه تتحرك بنبرة همس مرتعشة قائلاً:الولادة؟! سأرزق بطفل؟! سأصبح أب؟!
ما إن أنهي "فادي" حديثه الهامس ذاك حتى التقطته صيحة الألم الثانية من "قمر" ليبدأ في استعادة مراكز تفكيره ليدلف إلي حجرتهم لإحضار حقيبة الطفل وعباءة ل"قمر" بحجابها ليساعدها في ارتدائهم في ثوانٍ معدودة ومن ثم وبمساعدة أحد جيرانه الذي حادثه بأن سيقوم بإيصاله إلي مكان ما يريد ..انطلق "فادي" بصحبة "قمر" التي لم تستطع الانقطاع علي الصراخ إلي المستشفي بينما "فادي" بعث برسالة إلي الطبيبة لاستقبالهم في المستشفي..
وبمجرد أن دلفت "قمر" إلي المستشفي حتى اتجهت بصحبة الممرضات إلي حجرة الولادة بينما شفاهها ما انقطعت لحظة عن النداء باسم "فادي" حتى تم تخديرها لبدء عملية الولادة..
وفي ظل حالة القلق التي تمكنت من كيان "فادي" بأكمله طيلة ساعات الولادة إلا أن شفاهه ما توقفت عن رجاء الله بحفظه لزوجته وطفله..لترتفع صرخات الطفل الباكية معلنة تحقيق الرجاء الأول ل"فادي" الذي شعر بتصلب كيانه بأكمله في وضعه ذاك وبات يتذكر كل لحظة انتظر فيها قدوم ذاك الطفل..كل لمسة من أنامله تحسسته من خلف جدار معدة زوجته..كل دعوة في صلاته بأن يحضره الله له سالماً غانماً لا سوء به..تذكر كل صيحة جنون انطلقت من شفاه "قمر" فور شعورها بركلة مرح من أقدامه..
لتلألأ عيني "فادي" بدمعة فرحة امتزجت بتنهيدة الطمأنينة التي أطلقتها رئتاه..ليخطو "فادي" بأقدامه سريعاً تجاه الطبيبة للسؤال عن حالة "قمر" والتي أكدت الطبيبة أن حالتها طبيعية ومستقرة وأنها في مساء الغد تستطيع الذهاب..
أما عن تلك الليلة فكانت الأروع في حياة "فادي" و"قمر" فبعد قدوم ذاك النسخة المصغرة من "فادي" والملقبة ب"شاهد" باتت ليلتهم الآن أكثر روعة..فبفضل لمسة يده التي تسري صدمة فرحة كهربية لأوصال "قمر" التي باتت تشعر أن جرح تلك العملية لا قيمة له أمام تلك اللمسة وتلك العيون التي ورث رسمتها منها هي أما عن باقي الملامح فمن الواضح قطعاً أنها استنساخ من "فادي" الذي تحول إلي مجنون إثر فرحته العارمة بحركة رموش طفله وملامحه التي بعثت في أوصاله الراحة..
وبينما "فادي" و"قمر" منشغلين بليلتهم الأولي بصحبة "فادي"..كان انشغال "ياسر" بشكل آخر تماماً فبعد علمه بولادة "قمر" من رسالة "فادي" له..أسرع لمحادثة "الشيخ\راضي" و"بسام" المتفقين علي أنه لابد من زيارتهم قطعاً لذلك مكث "ياسر" ليلتهم في إيجاد حجز علي أقرب طائرة مسافرة إلي كندا لينطلقوا مع فجر اليوم إلي كندا لتحضير مفاجأة ل"فادي" كان أم ل"قمر"..
وبفضل مساعدة الجيران المحيطين بالمنزل في تزيين الطريق الخاص بذاك الشارع وتزيين الوجه الأمامية لمنزل "فادي" استطاع "ياسر" و"بسام" و"مريم"و"أسماء"و "الشيخ\راضي"و"ثرية في تحضير تلك المفاجأة علي أعلي قدر من السحر..
وبالإضافة إلي ذاك السحر الذي أعده الجميع من أجل قدوم ذاك الـ"شاهد" ومع جمال ضمة فرحة اللقاء خيمت علامات السعادة علي أجواء ذاك الحي الذي شهد ليلة من ليالي الروايات الخيالية بفضل هؤلاء الأصدقاء المصرين علي مشاركة "فادي" و"قمر" لفرحتهم ب"شاهد"...
...
كانت تلك اللحظات الفريدة من نوعها بسبب السعادة الكامنة في أوصال جميع أبطالنا لتجمعهم بمناسبة قوت بنيان ترابط "فادي" و"قمر"..تلك اللحظات كانت الأخيرة من نوعها أيضاً فبعد مرور ما يقارب السنتين علي تلك الليلة أمر الله تعالي ملك الموت باقتلاع الأمانة المكنونة بين ضلوع "الشيخ\راضي" ذاك الرجل الذي تسلل لحياة أبطالنا فجأة دون سابق إنذار ليطغو عليها بطمأنينة نابعة من نبرات شفاهه لتخيم أجواء الألم علي الجميع خصيصاً "فادي" و"قمر" اللذان حاولا جاهدين العودة إلي مصر لحضور عزاء ذاك الرجل الذي كان سبب بعد المولي عز وجل في تجميعهم بالحلال ولكن!!إثر تحذيرات "ياسر" وتنبيهات "بسام" بأن ذاك الأمر قد يسبب لهم ضرر خصيصاً وبعد حضور "حمدي" لذاك العزاء..ليضطر "فادي" ولأول مرة في حياته للمكوث في منزله لاجتراع كؤوس الألم واحدً تلو الآخر لتصبه الضربة الصادمة الأقوى بوفاة "ثرية" لتلحق ب"الشيخ\راضي" بعد يومين من وفاته لتقوي شوكة الألم في نفوس أبطالنا الذين عانوا كثيراً وكثيراً من أجل الإفاقة من تلك الصدمات القاتلة..
بعد اجتهاد مستميت من "فادي" استطاع الإفاقة من تلك الصدمات بل ومساندة "قمر" التي أجلت رسالة الدكتوراة الخاصة بها لتبدأ في استكمالها من جديد..
لتمر ثلاث سنوات كاملة علي أبطالنا..مروا فيها بالكثير والكثير من الصعوبات ولكن بإرادة الله أولً وعزيمتهم ثانياً التي صارت معتادة علي مقابلة مثل تلك الأمور بل تهيأت تماماً لمقابلة شتي الصعوبات والتغلب عليها بمشيئة الله..
وها هي "مريم" و"ياسر" الآن ينتظرون مولدهم الثاني فبفضل الله باتت "مريم" في شهور حملها الأخيرة في ولد بالأرجح سيكون مشابهً لشقيقته "تميمة" التي اعتادت علي محادثته عن طريق ذاك الانتفاخ الكروي المهيمن علي معدة "مريم" الذي تحول إلي حوار للمزاح المتبادل بين "تميمة"و "ياسر" علي "مريم" التي صارت معتادة علي مثل ذاك الجنون من زوجها وابنتها..
ولكن!!إحقاقاً للحق الجنون في مثل تلك الأمور هو جوهر السعادة الأوحد..
وبالرغم من الصعوبات المهيمنة علي طبيعة عمل "بسام" و"أسماء" إلا أنهم ما استطاعوا التخلي عنه ولو للحظات بل بات مصدر قوة تنعم بها أوصالهم وإرادة علي تحقيق المزيد والمزيد من النجاح لرسم ابتسامة سعادة علي ثغر ابنتهم "سما" التي تحولت إلي نسخة مصغرة من والدتها في طباعها المرحة و ورثت بالتمام عشق والدها للأعمال البوليسية..ليتضح أمام الجميع أن تلك الطفلة ستكون امتداد لعائلة بوليسية بحتة..
صبي يدعي "محمد" كان هو الرزق الثاني الذي أمر الله تعالي بمكافئة "إسراء" به من بعد زواجها من "كارم" الذي كان نعم الزوج بحق لتجد "إسراء" في ضمة ذراعيه الدواء الحق والطمأنينة بعدما عانت في حياتها الماضية..لتنسج حياتها تلك بمساندة "كارم" الذي كان سبب في حصولها علي نصف روحها الآخر "محمد" الذي تحول إلي منبع سعادة ل"إسراء" إثر ابتسامته المرحة تلك..
أما عن "حمدي" فها هو كعادته وحيد حتى بين أصدقائه العاجزين عن التقاطه من أحزانه تلك ولا إيجاد "فادي" الذي اتضح ل"حمدي" في الفترة الماضية بأنه ما يريد شئ سوي استرجاعه بين ضلوعه..
فأخيراً تحطم غشاء القسوة المحيط بقلبه لتتبدل إلي نبضات حنين إلي ابنه..ودموع شوق لرؤية طيف ابتسامته من جديد..
ولكن!!في النهاية جاءت تلك الإفاقة متأخرة جداً جداً عن موعدها...جاءت تلك الإفاقة بعد أن تم بناء ألف سور و سور بين الأب وابنه..جاءت تلك الإفاقة بعد أن تحول قلب الابن إلي كتلة صخر تجع بالقسوة إثر ما ارتشفه من قسوة من والده الذي تخلي عنه في أصعب فترات حياته..
وبعكس "حمدي" تماماً كان غشاء القسوة المحيط بأوصال "منير" يزداد كل يوم صلابة وقوة لتستولي فكرة وفاة أطفاله علي كيانه بأكمله دون إعطاء فرصة لزعزعة تلك الفكرة وبالرغم من ذبول "ناهد" المتزايد يوماً عن يوم إلا أن "منير" رفض رفضاً قاطعاً التخلي عن تلك الفكرة مهما كلفه الأمر.
وبفضل أصغر "شاهد" في تاريخ البشرية ارتسمت حياة "فادي" و"قمر" بصخب ضحكاته الذي ورثه عن "فادي" وتهدمت كل حصون الضيق النابعة من ضغوط العمل اليومية أمام نظرة عينيه الطفولية التي ورثها عن "قمر"..وبامتزاج بين عنيدة ومتعجرف تشكلت خصال "شاهد" الأولية التي حملت الكثير والكثير من الصفات الموروثة عن والديه وأغلبية الصفات كانت من ذاك المتعجرف الذي سرعان ما حول "شاهد" إلي نسخة طبق الأصل من "فادي" الغير مبالي بشئ..لتواجه "قمر" ذاك الغير مبالي لشئ وابنه بمفردها وبقدر ما كانت تلك المواجهة غير متكافئة إلا أن صخب الضحكات المرحة التي طالما ارتفعت فور اجتماع تلك العائلة الصغيرة كانت حصون تلك المواجهة تتفكك بسرعة تماثل سرعة انطلاق تلك الضحكات..
أما عن الحياة العملية فبفضل المولي عز وجل ومساندة "فادي" ل"قمر" استطاعت الحصول علي رسالة الماجستير بدرجة امتياز لتبدأ "قمر" في الانشغال بحياتها العملية في تلك الشركة..
وبالنسبة ل"فادي" فكعادة ذاك المتعجرف الذي طالما أشعلنا من بروده غيظاً ها هو يشعلنا انبهارً لما حققه من إنجازات في تلك الشركة السياحية التي باتت تتفاخر بوجود رجل مثله بين صفوفها ليتصاعد سيط "فادي" بسرعة ملحوظة في تلك الشركة..
وبالطبع فإن ذاك الإنجاز إن كان ل"فادي" أم "قمر" فكان أحد أسبابه عبث أنامل الصغير "شاهد" الذي طالما ألقي بأوراق تلك العنيدة ودهس أوراق ذاك المتعجرف وحول القواميس اللغوية والكتب التاريخية إلي كرات للعب كرة القدم أو لوسادة للصعود إلي قمة أريكة أو للعبث بالتلفاز..
وغالباً ما يتم إنقاذ تلك المستندات في نهاية المطاف إن استطاع أحد أو إن لم تنقذ ما كان أمام ذاك المتعجرف كان أم تلك العنيدة سوي بتوديع مستنداتهم تلك بنظرات متحسرة...
..
وبالطبع فإن ذاك الزمان كما حمل لأبطالنا الكثير من لحظات السعادة وخيم صخب الضحكات علي أوقاتهم..حان الآن اجتراع لحظات الألم دفعة واحدة علي هيئة مستندات طبية تحمل الكثير من الصدمات المفاجئة التي ربما ما تغير مجري الأحداث..
أغلق الطبيب ملف الفحوصات الطبية لترتسم علامات الحزن علي ملامحه وتتحرك شفاهه بنبرة أسف قائلاً:للأسف فحضرتك يا مدام مصابة بالسرطان في الكبد ولتطور الأمر فقد انتقل الورم أيضاً إلي الكبد........

يتبع.......
#نورهان_حسنى.........

في أرض النوبة للكاتبه نورهان حسني حيث تعيش القصص. اكتشف الآن