الثانى والثلاثون

1.2K 41 2
                                    


الفصل الثاني والثلاثون 

مع دقات الساعة معلنة أنها باتت التاسعة صباحاً..كانت "قمر" بصحبة "فادي" متجهين إلي المطار وهم بملابس الإحرام لأداء مناسك العمرة..
وبمجرد أن أنهي "فادي" إجراءات ختم جوازات السفر وما شابه ذلك حتى جلس بجوار "قمر" قائلاً:باقي ساعة علي موعد الطائرة 
أطلقت "قمر" تنهيدة طمأنينة امتزجت بنبرته شفاهها الفرحة لتقول:أشعر وكأنني في حلم!! لا أصدق أنني بعد ساعات سأكون أمام الكعبة!!
أسندت "قمر" رأسها علي كتف "فادي" لتتابع حديثها بنبرة الفرحة تلك وتقول:أتعلم!!أول شئ سأفعله سأظل أدعو إلي الله بكل ما أريد إلا أن يجف ريقي وسأظل أشكر الله علي أنه استجاب لدعائي وجمعني بك ومن ثم سأحاول الوصول إلي الكعبة لأحاول لمسها بأناملي وإن كان ومن ثم سأرتشف الكثير والكثير من مياه زمزم 
تلألأت دمعة دافئة في عيني "قمر" التي تابعت حديثها قائلة بنبرة فرحة مرتعشة:ولكنني أخشي!!أن يكون كل ذلك حلم ..ولكن وإن كان حلم سأظل أدعو الله ألا أفوق منه وألا يفرقك عني مجدداً 
أطلق "فادي" تنهيدة راحة امتزجت بنبرة شفاهه الفرحة التي تتناسب مع ملامحه الهادئة ليقول:لا تقلقي يا "قمر" ذاك حقيقة و واقع..أخيراً جمعني الله بك يا مجنونة 
رفعت "قمر" عينيها إلي مستوي عيني "فادي" لتحرك شفاهها بنبرة مزاح قائلة:بعيداً عن مجنونة تلك ولكنني أريد طعام
ضرب "فادي" جبينه بخفة امتزجت بنبرة شفاهه المتحسرة قائلاً:أتعلمين أول شئ سأدعو الله به؟! أن تقل شهيتك للطعام تلك لأنني بذلك سأفقد ما ظل معي من نقود
استمر الحديث المرح بين "فادي" و"قمر" إلا أن حان موعد إقلاع الطائرة ليتجهوا إلي الممر الخاص بهم لتبدأ رحلتهم في زيارة البيت الحرام..
...
أما عن باقي أبطالنا..فبمجرد أن دلف "الشيخ\راضي" إلي المنزل بصحبة زوجته حتى شعروا بأن نسمات الحزن باتت مسيطرة علي أجواء المنزل " الذي طالما ارتفعت فيه صيحات مزاح "قمر" مع "ثرية" والحديث في أمور حيوية لإزالة الملل مع "الشيخ\راضي"..
ساعة ونصف من الساعة..مكثها "الشيخ\راضي" بصحبة زوجته في استعادة تلك الذكريات التي باتت محفورة في ذاكرته..وكأن إرادة الله أبت أن يخيم الحزن علي ذاك المنزل الذي احتضن بجدرانه فتاة وصانها حتى سلمها لزوجها...
لذلك!! وبينما الحديث يسير بشكل هادئ بين الشيخ وزوجته..ارتفع صدي طرقات مرحة علي باب المنزل ممتزجة بصوت جرس الباب..ليعقد "الشيخ\راضي" حاجبيه بتعجب لتمتزج باتساع عيني "ثرية" تساؤل من ذاك الطارق المجهول الهوية..ولكن!!سرعان ما أتتهم الإجابة فبمجرد اتجاه "الشيخ\راضي" لفتح باب المنزل حتى ظهر له أولاده بأحفاده..في مفاجأة صنعها أولاد "الشيخ\راضي" الأربعة لتعويضهم عن غيابهم عنهم في شهر رمضان..
لتعلن صيحات الأبناء المرحة الممتزجة بصخب ضحكات أطفالهم..فتح صفحة جديدة في كتيب السعادة في منزل "الشيخ\راضي"..
...
صداقة "فادي" مع "ياسر" لم تكن كتلك الصداقات المتعارف عليها في حياتنا اليومية بل كانت صداقة فريدة من نوعها في كل جزء نسج تلك الصداقة التي عجز كثير ممن يحيطون بهم بتفسير سر قوتها تلك...
إن قلنا أنها كانت صداقة ممتزجة بأخوة متبادلة بين "فادي" و"ياسر" سنكون بذلك نعبر عن 50% فقط من قوة علاقتهم وترابطهم..
فبالرغم من أن العلاقة تلك كانت صداقة ممتزجة بشعور الأخوة المتبادل إلا أن شعور "فادي" كان أم "ياسر" بالأبوة تجاه الطرف المقابل وكأنه جزء من قلبه يخشي عليه من أي شخص مهما كان..
فبذلك الشعور نستطيع تفسير أن قوة تلك العلاقة ما كانت بفضل الصداقة والأخوة فقط ولكن!!بفضل أن الطرفين تعامل مع الآخر علي إنه أباه وهو ابنه يخشي عليه من شياطين نفسه ويحميه من مواجهة العالم بمفرده..
وبذلك!!فإننا نستطيع تفسير سر ملامح "ياسر" التي لم تتخطي حزنها طيلة طريق العودة ونستطيع معرفة سبب دموعه المتحجرة في عينيه..
فالمسافات لم تفقده صديق أم أخ فقط بل أفقدته ابن يعد جزء من قلبه..
ولكن!!وبالرغم مما يمر ب"ياسر" وسيمر به في تلك الفترة إلا كانت عيني "مريم" المنتفخة من البكاء هي الدافع الأول في لجعله يكفكف دموعه ويغلق علي أحزانه بين نبضات قلبه ليغير تجاه سيارته الخاصة منطلقً إلي شرم الشيخ للفوز بعطلة له ولزوجته ول"تميمة"..
...
انتهت إجراءات ختم جوازات السفر في المملكة العربية السعودية بهدوء تام تبعه اتجاه "قمر" بصحبة "فادي" لوضع متعلقاتهم الشخصية في فندق الإقامة الخاص بهم ومن ثم انطلقوا في الطريق إلي البيت الحرام..
ولتخطيط "فادي" لذاك الزحام الذي يعتبر أحد أشهر مميزات الطرق المؤدية للبيت الحرام..فكان اختيار فندق قريب جداً من البيت الحرام هو الأمثل وبذلك قلت حدة معاناة الزحام وتفرغ كلاً من "فادي" و"قمر" لترديد آيات من القرآن الكريم في رحلتهم القصيرة إلي البيت الحرام..
ولكن!!سرعان ما تحولت الخطوات الثابتة إلي رجفة صلبت الأقدام وارتعشت الأوصال الممسكة بالمصحف الكريم وتحولت الشفاه المتحركة ببطء إلي إحدى أصلب قطع الجليد في القطب الشمالي وبدلاً من ضخ القلب لباقي الجسم ساهمت ضرباتهم المسرعة في تحويل ذاك الدم إلي صدمات كهربية ارتعد لها الجسد بأكمله..
وباتت العينين علي أقصى اتساع ليها في محاولة جاهدة منها لاستيعاب أن ما تراه "الكعبة المشرفة"..
تطاير كل الحديث الذي طالما جهز له "فادي" و"قمر" وتحول إلي شتات يتطاير مع نسمات الهواء التي تبعث طمأنينة يرتعد لها كيانهم بأكمله..
مهما حاولنا البحث عن كلمات وجاهدنا في إيجاد أية تعبيرات في قواميس أي لغة لن نجد ولو جملة واحدة تصف الشعور الذي يسري إلي كيان المسلم فور رؤيته ل"الكعبة المشرفة"..
لحظات لا يعلم أيً من "فادي" كان أم "قمر" كم مداها ولكنها كانت كافية إلي حد ما لتقليل حدة الشوق في عينيهم للنظر إلي "الكعبة المشرفة" والتزود من نسمات الهواء الهادئة التي تبعث السكينة إلي أوصالهم..
حرك "فادي" شفاهه بنبرة يعجز بشر عن سماعها وإنما كانت موجهة إلي أعالي السماء محادثاً ربه بدعوته الأولي في البيت الحرام راجياً من الله أن يتقبلها منه..
ومن ثم التفت "فادي" برقبته إلي "قمر" التي تحرك عينيها المتعسة بعناية لحفر كل تفصيلة من "الكعبة المشرفة" في أذهانها لتقتلعها نبرة "فادي" الهادئة ليقول:هيا يا "قمري" لنبدأ شعائر العمرة ومن ثم سنمكث وقتنا أمام الكعبة لا تقلقي
أطبقت "قمر" برموشها علي عينيها بهدوء امتزج باتساع رئتيها للتزود من نسمات الهواء المحيطة بها لتحرك شفاهها ببطء بدعوة ترجو من الله تعالي أن يستجيب لها ومن ثم ارتسمت ابتسامة فرحة لي ملامحها فور فتحها لعينيها من جديد قائلة بنبرة سكينة:هيا يا "فادي"
وكما هو متعارف في شعائر العمرة لدي المسلمين أن البداية تكون بالطواف سبعة أشواط حول الكعبة المشرفة وأن كل شوط يبدأ بالإشارة للحجر الأسود بيدنا اليمني إن لم نستطع لمسه من الزحام..
وبفضل الله تعالي أولاً ومن ثم العزيمة المنطلقة من ضربات قلب "فادي" كان أم "قمر" والممتزجة بعلامات الفرحة المستولية علي ملامحهم..استطاعوا إنهاء الأشواط السبعة في وقت قياسي لم تستكين شفاههم فيه ولو للحظة للكف عن الدعاء...
"إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم"
كهذا افتتح "فادي" و"قمر" سعيهم بالصفا والمروة بتردديهم للآية 37 من سورة "إبراهيم" ليبدؤوا رحلة سعيهم سبعة مرات بالصفا والمروة وشعور السكينة يزداد تحكماً من أوصالهم..
وبانتهاء السعي بين الصفا والمروة انتهت شعائر العمرة لتتجه "قمر" إلي إحدى السيدات الجالسات علي إحدى الصخور المتحجرة من بقايا جبل الصفا لتستأذنها "قمر" في مساعدتها للتحلل من إحرامها لتقابل السيدة طلبها بالموافقة بترحيب وتقص بعض الأطراف من نهاية شعر "قمر" بينما كان أحد الرجال يساعد "فادي" في التحلل من إحرامه..
وبعدما تم التحلل من الإحرام بسلام..اتجه كلاً من "فادي" و"قمر" للجلوس أمام الكعبة المشرفة لما يقارب الساعة صامتين عن محادثة بعضهم لانشغالهم بمناجية ربهم بالدعاء..
إلي أن حان وقت الرحيل ليتجهوا سوياً إلي فندق الإقامة للفوز بقسط من الراحة يساعدهم علي استكمال وقتهم المحدود في مكة المكرمة..
...
في عصر اليوم التالي..
طرقات خافتة علي باب المنزل..لفتت انتباه "منير" المنشغل بمتابعة أخبار المصنع الخاص به ليزفر بملل سرعان ما تحول إلي غضب فور فتحه لباب المنزل بمغرفته أن "بسام" هو الطارق..
عقد "منير" حاجبيه بتعجب امتزج بنبرة الغضب المكتوم النابع من شفاهه ليقول:ماذا جاء بك إلي هنا؟!
ارتسمت ابتسامة ساخرة علي ملامح "بسام" الذي لوح بمظروف بيده قائلاً بنبرة برود:هذا أكبر دليل علي أنك ما استطعت منعهم
ألقي "بسام" بذاك المظروف في يد "منير" ليتابع حديثه قائلاً:مشاهدة ممتعة 
ما إن أنهي "بسام" حديثه حتى اتجه إلي سيارته منطلقاً بها من أمام عيني "منير" التي تشع غضباً ممتزج بنظرات التعجب التي تصوبها عينيه إلي ذاك المظروف ليدلف إلي منزله طارقً الباب بغضب..
وقبل أن يبدي "منير" أي تصرف تجاه ذاك المظروف..أتته نبرة "ناهد" المتسائلة لتقول:من طرق الباب؟!!
فتح "منير" المظروف بشغف امتزج بنبرة شفاهه الغير مبالية ليقول:"بسام"
اتسعت عيني "ناهد" صدمة امتزجت بنبرة الفرحة التي حركت بها شفاهها قائلة:"بسام" أين هو؟!!!
التقط "منير" الورقة المرفقة بشريط الفيديو الموجود بالمظروف ليقول بنبرة ضجر:عاد من حيث أتي..دعينا نري ماذا جلب لنا سيادة الرائد؟!!
عقد "ناهد" حاجبيها بتعجب امتزج مع نبرة شفاهها المتسائلة لتقول:ما ذاك الشريط وتلك الورقة؟! ارفع نبرة صوتك وأنت تقرئها
أومأ "منير" رأسه بإيجاب امتزج بنبرة شفاهها الغير مبالية ليبدأ في قراءة تلك الورقة..
"لا أجد ما ألقب به سيادتك بعد ما فعلته معي!! بعدما اتهمتني أنني دنست عرضك ولم أصن الحرية التي منحتني إياها..بعدما سلمتني بيدك إلي "محب" وأنت تعلم تمام العلم حقيقة "محب" الوحشية..سمعت بأذنك عويلي ليالي التحضير لتلك الجريمة الملقبة بعرس ولم تحرك ساكناً لإنسانيتك التي دمرتها بما فعلته بي في القاهرة أمام أعين الجميع..تابعت بعينيك كل ليلة أتي إلي المنزل لسفر "محب" وكنت تتفحص ملامح وجهي المختفية بكدمات بسبب ذاك المعتوه ولم تحركك عاطفة الأبوة حتى!!!! وبدلاً من أن تضمني تحت جناحك بعد ما فعله "محب" بس في آخر دفعة عذاب!! اتجهت لتصديق أكاذيبه بأن ما فعله كان لتربيتي لأنني لم عذراء عندما تزوجني..
لا أعلم ماذا أقول لك!!أو بالأحق لا أجد تفسير علي وحشيتك تلك التي واجهت بها ضعفي واحتياجي لك؟!!
لا أجد تفسير لما حادثتني به ليلة أن علمت أنني طلبت الخلع من "محب"؟!!!لا أجد تفسير لتصبح بتلك الوحشية والقسوة تجاهي أنا؟!!
من المفترض أنني كنت جزء منك..أنا من كانت تجعل رأسك مرفوعة في القرية بعلمها وأخلاقها..أنا من كانت تصطنع الخوف في المساء للنوم بين أحضانك..لأجلي أنا كنت تغضب علي أمي أحياناً لأنها طلبت مني تنظيف شئ بالمنزل وتكاسلت كنت تخبرها بأنني خٌلقت للدلال وفقط!!
إن كان ما فعلته بي هو الدلال !!! فكيف تكون الوحشية؟!!! فكيف تكون القسوة؟!!!
حاولت مراراً وتكراراً إيجاد عذر واحد لما فعلته بي ولكن للأسف لم أجد أدنى عذر يشفع لك علي ما حدث لي..
لم أجد عذر لأب سلب من ابنته الأمان في منزله وبات يشعرها أنها تعيش مع رجل خلع ثوب إنسانيته واستبدلها بالوحشية..
في النهاية..أتمني عندما تشاهد ذاك الفيديو أن تعلم جيداً أنني لم ارتكبت جريمة ولكنني عشقت رجل جعلني زوجته أمام العالم بأكمله..
أنا متأكدة أنه لن يؤثر في إنسانيتك لأن الرمال دفنتها ولكنني ما أردت شئ من رؤيتك لذاك الفيديو سوي جعلك متيقن من أن السعادة التي سلبتها مني استعدتها بزواجي من "فادي حمدي الأسيوطي"..
ملحوظة!!
لا تحاول البحث عنا لإشباع وحشيتك التي سترغب في الانتقام لأنك لن تستطيع المساس ببشر يحتمون بالمولي عز وجل"
اختفت نبرة "منير" الغير مستوعبة لما قاله بعد لتحل مكانها نظرات عينيه النارية التي قاربت علي تسديد ألسنة لهب تحرق تلك الورقة بما فيها بينما "ناهد" بالرغم من ملامحها التي باتت مختفية تحت سيول دموعها إلا أن ابتسامة طمأنينة رٌسمت علي ثغرها لتأكدها أن ابنتها باتت بأمان الآن..
حول "منير" تلك الورقة إلي كرة صغيرة دهسها بقدمه التي باتت تشع ناراً كباقي أوصاله ليتجه إلي مشغل شرائط الفيديو الموضوع أسفل التلفاز مشعلاً ذاك الفيديو بشغف ممتزج ببراكين غضبه...
أسندت "ناهد" رأسها علي جدار الحجرة لتبدأ في متابعة ذاك الشريط الذي يبدأ بصورة تجمع "فادي" ب"قمر" ليلة خطوبتهم ومن ثم ليلة عقد القران ومن ثم بداية مراسم العرس الهندي..
لم يكمل "منير" الخطوة الأولي في تلك المراسم وإنما هوي علي مشغل الفيديو ليلتقط منه ذاك الشريط ويبدأ في صب براكين غضبه عليه ليتحول إلي فتات تعجز العين البشرية عن رؤيتها..
ارتفع عويل "ناهد" ليطغو علي غضب "منير" لتحرك شفاهها بنبرة ألم قائلة:كفي!!كفي!! ألم تهدأ بعد ما حرمتني من ابنتي!!ألم تعود إلي رشدك بعدما رأيت ابتسامتها تلك التي محوتها بأفعالك!! ألم تكف عن إشباع قسوتك بل ودمرت الشريط الوحيد الذي يحمل ذكري سعيدة لابنتي بدلاً من ذاك المنزل الذي ما عاد يذكرني إلا بليالي بكائها !!
نظرات نارية نبعت من عيني "منير" التي باتت مختفية بسبب براكين الغضب المشتعلة في ملامحه بل وكيانه بأكمله ليحرك شفاهه بنبرة تهديد قائلاً:اذهبي إلي حجرتك وإلا بعثتك إلي جهنم 
....
لم يختلف الحال كثيراً في منزل "حمدي" الذي سرعان ما تحول إلي جمرة من نار فور خروج "صالح" بعدما جلب له مظروف من "فادي"..ذاك المظروف الذي لم يحتوي علي اختلاف كبير بينه وبين مظروف "منير" سوي أن "فادي" لم يلحقه بأية كلمات إلي والده وإنما اكتفي بشريط الفيديو الذي حول "حمدي" إلي جمرة من النار تتآكل في نفسها بل استطاعت صورة عقد القران فقط تحويل "حمدي" إلي أشبه بمجنون بات يدهس بقدمه أية صور ل"فادي" كانت معلقة بالمنزل محولاً إياها إلي شتات يتطاير من صيحة الغضب النابعة من شفاهه..
...
وبينما كانت نيران الغضب تتمكن من كيان "حمدي" كان أم "منير" محرزة انتصارً جديد علي أبويتهم التي سرعان ما دُفنت تحت ألسنة الغضب الأعمى..
كان الحال مختلف تمامً في المملكة العربية xxxxxxxxxx.أي تحديداً في المسجد الحرام..حيث يجلس "فادي" بجوار "قمر" بعد أن أنهوا طواف تحية البيت الحرام ليبدؤوا في قراءة بعض آيات من القرآن بينما عينيهم تحاول إشباع شوقها من النظر إلي الكعبة المشرفة خصيصاً لأن في فجر ذاك اليوم سيتجه "فادي" برفقة "قمر" إلي المدينة المنورة لقضاء ليلة واحدة فيها ومن ثم سيتجهون إلي كندا..
أغلق "فادي" مصحفه بهدوء ليطلق تنهيدة سكينة امتزجت بابتسامته الفرحة التي سرعان ما ارتسمت علي ثغره فور تدقيقه النظر في الكعبة المشرفة..
وما هي إلا دقائق معدودة حتى التقطته نبرة "قمر" الهادئة قائلة:يا ليتنا نمكث هنا إلي الأبد 
التفت "فادي" برقبته إلي "قمر" ليحرك شفاهه بنبرة وعد قائلاً:كلما أمدني الله بالمال الكافي سأجلبك إلي هنا بإذن الله 
ارتسمت ابتسامة فرحة علي ثغر "قمر" لتمتزج مع ملامحها المطمئنة لتحرك شفاهها بنبرة هدوء قائلة:فليحفظك الله لي يارب 
تابعت "قمر" حديثها ملتقطة هاتفها المحمول لتحرك شفاهها بنبرة مرح قائلة:دعنا نلتقط صور تذكارية خصيصاً بعدما حلقت خصلات شعرك يا الله كم مظهرك جميل ولكنه عجيب إلي حد ما 
ضرب "فادي" علي جبينه بخفة امتزجت بنبرة شفاهه المتحسرة ليقول:ألن يهدأ جنونك ذاك أبداً
وضعت "قمر" الكاميرا الخاصة بهم بين يدي "فادي" لتحرك شفاهها بنبرة مرح قائلة:إن لم يكن الجنون موجود في كياني أتحرق 
وبأعجوبة غريبة استطاع "فادي" كتم ضحكاته ليبدأ في التقاط عدة صور بصحبة "قمر" ومن ثم عادوا إلي قراءة القرآن بعد فاصل المرح ذاك..
...
تسلل شعاع ذهبي علي جسد تلك الفتاة التي تكفي ملامح وجهها بوسادتها لترفض عيني تلك الفتاة استقبال ذاك اليوم وإنما عادت للغوص في قيلولتها الهادئة..
ولكن!! سرعان ما كان ل"تميمة" رأي آخر في قرار "مريم" هذا..لترتفع صيحات بكائها معلنة أن ذاك اليوم بدأ لا محالة..
أزالت "مريم" الوسادة من علي وجهها بكسل لتتجه إلي وشاحها الحريري لتخفي به كتفها العاري ومن ثم تحرك شفاهها بتثاوب وهي متجهة إلي فراش صغيرتها قائلة بنبرة نعاس:ماذا يا "تميمة"!!
سرعان ما اختفت صيحات بكاء "تميمة" متحولاً إلي نظرات عينيها البريئة..لتحرك "مريم" شفاهها قائلة بنفس نبرة النعاس:ها ماذا هناك؟! أنا انتظر سماع ما أيقظتني من نومي لأجله!!
رفعت "تميمة" قدمها لأعلي بحركة طفولية بحتة امتزجت بابتسامتها المرحة التي رسمتها علي ثغرها..
تثاوبت "مريم" بنعاس من جديد لتحرك شفاهها بنبرة عدم تركيز قائلة:أيقظتني من أجل عرض تمارين الصباح ذاك!!
ما إن أنهت "مريم" حديثها حتى دلف "ياسر" إلي الحجرة محركً شفاهه بنبرة تعجب:ماذا تفعلين يا "مريم"!!
أسندت "مريم" رأسها علي حافة فراش "تميمة" لتحرك شفاهها بنبرة نعاس قائلة:أتابع عرض تمارين الصباح الخاص بابنتك 
ارتفع صخب ضحكات "ياسر" الذي اقترب من "مريم" مسنداً إياها إلي الفراش قائلاً بنبرة ضحك:حسناً حسناً أكملي نومك وأنا سأخرج بصحبة "تميمة" 
وفي أقل من الثانية بالأحرى في لحظات لم ينتبه "ياسر" لها..كانت "مريم" متجهة إلي حجرة المياه الملحقة بالحجرة وهي تقول:دقائق وسأبدل ملابسي للخروج معكم
ما بين صيحات "ياسر" الضاحكة وحركات "تميمة" الطفولية كانت "مريم" منشغلة بتبديل ثيابها بسرعة للحاق بتلك النزهة التي لا يجب تفويتها نهائياً..
...
بالنسبة ل"إسراء" فبقدر ما كان حديثها الأخير مع "فادي" قادرً فيه علي تحطيم خيوط أملها الأخير في الاجتماع 
بذاك المتعجرف..بقدر ما كان حديثه كعطر تراقص حول عزيمة "إسراء" التي أخفتها نهائياً وأبدلتها بأفكار المشتتة بأن الحياة ستتوقف علي "فادي"..
فبالرغم فعلاً بأن "إسراء" ما تمنت شئ في حياتها سوي الفوز ب"فادي" إلا أن حديثه معها أعاد إحيائها إرادتها علي صنع حياة جديدة لنفسها بعيداً عن جنونها الذي أودي بها في جحر "محب"..
ولذلك!!فبعد أن منحت "إسراء" عقلها فرصة للتفكير في مشروع تبدأ به حياتها الجديدة وإمهال قلبها الفترة للإفاقة من هوسه ب"فادي"..وبفضل المال الذي تركته والدتها لها بالإضافة إلي مال "إسراء" الخاص استطاعت شراء مبني في أحد أحياء القاهرة والبدء في عمليات تجديده لتحويله إلي "دار أيتام"..
بقدر ما وسوس شيطان "إسراء" لها بأن تلك الفكرة ستعيد إلي قلبها الحنين إلي "فادي" والرغبة في الحصول علي طفل منه..بقدر ما حاولت "إسراء" جاهدة محو تلك الأفكار والبدء نسج عالمها الخاص..
...
كفكفت "قمر" دمعة لؤلؤية تدحرجت علي خديها لتحرك شفاهها بنبرة حنين قائلة:لا أعلم كيف استطعت الخروج من زيارة الرسول "عليه أفضل الصلاة والسلام"؟!! يا ليت موعد السيدات يطول عن ذلك لعلني استطعت البوح بما مر بي من آلامي في حضرته عليه السلام..لعل الكلمات كانت أسعفتني لأخبره بما كافئني الله به بعدما صبرت..لعلني استطعت إخباره بأن الطمأنينة التي شعرت بها فور دخولي لحضرته ما شعرت بها نهائياً..
دفنت "قمر" ملامحها في كتف "فادي" لتتابع حديثها بنبرة شبه باكية قائلة: لعلني استطعت تجميع الكلمات وإخباره عليه السلام بأنني ما عشقت أحدً مثله..لعلني استطعت إخباره بأنني أشتاق لشربة ماء من يده الكريمة.. 
أطلق "فادي" تنهيدة حنين لزيارة الرسول بالرغم من زيارته له عليه السلام في الصباح..ليمسح بيده علي رأس "قمر" محركاً شفاهه بنبرة هدوء قائلاً:لا تبكي يا "قمري" بالعكس أفرحي..أنتي من دقائق كنتٍ في حضرة رسول الله عليه السلام وصحابته الكرام و أخبرتيه عليه السلام بما بداخلك وإن كان 1% فقط بما بداخلك ولكن عليه السلام بالتأكيد تحسس ما تريدٍ الحديث عنه..بدلاً من أن تبكي صلي عليه وحادثي ربك بأن يكتب لنا زيارته مرة أخرى وأن يشركنا صحابته في الفردوس 
أطلقت "قمر" تنهيدة راحة نسبية امتزجت بنبرة شفاهها المرتعشة من البكاء لتقول:عليه أفضل الصلاة والسلام.. إن شاء الله يرزقنا زيارته مرة أخرى يارب 
ارتسمت ابتسامة خافتة علي ملامح "فادي" لتمتزج بنبرة شفاهه المناجية ليقول:يارب..هيا بنا الآن لأن الساعة باتت العاشرة مساءً ولدينا موعد طائرة 
ألقت "قمر" النظرة الأخيرة علي المسجد النبوي لتطلق تنهيدة سكينة امتزجت بابتسامة الفرحة التي ارتسمت علي ملامحها بهدوء لتتناسب مع عينيها المتلألأة بالدموع..لتحرك "قمر" أصابعها المرتعشة و تحتضن بها يد "فادي" قائلة:هيا يا "فادي" 
عادت "قمر" بصحبة "فادي" إلي فندق إقامتهم الذي استضافهم أقل من الساعة منذ فجر البارحة ليتجه "فادي" إلي إنهاء إجراءات الخروج بينما تأكدت "قمر" من متعلقاتهم وأنها لم تسهو علي شئ ما..
ومن ثم حضرت سيارة الأجرة لنقل "فادي" و"قمر" إلي مطار المدينة المنورة ليتجهوا لإنهاء إجراءات السفر إلي هولندا..
وبعد مرور ما يقارب الساعة والنصف من الساعة...
أسندت "قمر" رأسها علي كتف "فادي" بينما يديها تحتضن ذراعه لتحرك شفاهه بنبرة راحة قائلة:"فادي"!!هل لي بسؤال 
أومأ "فادي" رأسه بإيجاب بينما التفت بعينيه إلي "قمر" التي حركت شفاهها بنبرة تساؤل قائلة:لماذا لا تقول لي "أحبك"؟؟!!!
حرر "فادي" يده من قبضة "قمر" ليحيط بها كتفها بينما تحركت شفاهه بنبرة هدوء قائلاً:مبدئياً كلمة "أحبك" برأيي لا تعتبر حقيقة إذ قولتها مراراً وتكراراً بل تصير حقيقة عندما أنفذ معانيها..ولماذا تقولي أنني لا أحادثك بها؟!! حسناً 
غير "فادي" مجري شفاهه لطبع قٌبلة سريعة بين عيني "قمر" ليتابع حديثه قائلاً:عندما كنت أجاهد للوصول إلي حل ليفتك بذاك المعتوه..ألم أكن أفعل ذلك لأنني أحبك وأريد تخليصك منه؟!
عندما ذهبت إلي النوبة لتلقين "محب" هذا درسً علي ما فعله بك وكدت علي قتله لأنني ما أردت أن أتركك بمفردك..ألم أكن أحبك؟!
عندما رجف جسدي بين ذراعيك في أول ضمة جمعتنا..ألم تخبرك تلك الرجفة أنني أحبك؟! 
عندما كنت أجاهد لتدبير أمور سفرنا للابتعاد عن تلك الحياة بالرغم ما كنا نمتلك من أصدقاء إلا أنني أردت صنع عالمنا الخاص بنا نحن فقط..ألم أكن أحبك؟!
عندما ذهبنا لأداء العمرة وما كانت شفاهي تردد سوي أنني أطلب من الله ألا يبعدك عني..ألم أكن أحبك؟!
"قمر"!!أنتي تعلمين جيداً أنا أحبك بل أعشقك ولكنني ما تعودت أن أردد الكلمات بل أثبتها..أنتي بتركك لأهلك وأصدقائك وحياتك لأجلي أنا..بفعلتك تلك جعلتي عشقي لكٍ أضعاف مضاعفة وإن كانت لا أحادثك ب"أحبك" كثيراً فأعدك أن أثبت لكٍ حقيقتها بأفعالي فقط 
أطلقت "قمر" تنهيدة فرحة امتزجت بابتسامة العشق المرتسمة علي ملامحها لتحرك شفاهها بنبرة طمأنينة قائلة:أنا محتمية بك من ذاك العالم فإياك أن تتركني مهما حدث يا "فادي"..ولأجلي أنا أرجوك ألا تقسو عليً 
أسند "فادي" رأسه إلي مقعده ليحرك شفاهه بنبرة وعد قائلاً:من المستحيل أن أفعل ذلك..أنتي أصبحتني جزء من كياني بل ودقات قلبي باتت من أجلك كيف لي أن أتركك؟! 
استكمل "فادي" و "قمر" باقي رحلتهم في الحديث فترة وأخذ قيلولة سريعة فترة لتمر ساعات سفرهم إلي "هولندا" بسلام..
...
في ظهر اليوم التالي..
دلف "منير" إلي حجرته بضجر ممتزج بنبرة شفاهه المتسائلة ليقول:إلي متى سيستمر ذاك الانقطاع عن الحديث بيننا؟!!
رفعت "ناهد" عينيها عن مصحفها لتظهر جفونها المنتفخة من البكاء لتحرك شفاهها بنبرة ألم قائلة:إلي أن تعود ابنتي..وإلي حينها أنا لست سوي مقيمة في منزلك ليس إلا
أطلق "منير" تنهيدة ضجر امتزجت بنبرة شفاهه الغاضبة ليقول:كل هذا!! كل هذا من أجل تلك العاه...
قامت "ناهد" من موضعها بسرعة امتزجت بنبرتها شفاهها الغاضبة لتمنع "منير" عن استكمال حديثه لتقول هي: برحمة والدي يا "منير" إذ استكملت كلمتك تلك عن ابنتي فلن استمر معك في ذاك المنزل ولو للحظة..أنت تراها متوفاة حسناً كما تريد ولكن أملي في رؤيتها من جديد هو ما يجعلني أتنفس إلي حيننا هذا
ما إن أنهت "ناهد" حديثها حتى ارتفع صخب هاتف "منير" معلنً قدوم اتصال طالما انتظره من فترة ليست بكبيرة..
رمق "منير" زوجته بنظرة هي الأشبه بألسنة اللهب التي تريد التهامها ليحرك شفاهه بنبرة غضب قائلاً:حديثنا لم ينتهي بعد يا "ناهد" بمجرد أن أنهي عملي سيكون لنا حديث آخر لإيجاد حل في ذاك الجنون الذي أصابك 
ابتلعت "ناهد" ريقها بصعوبة امتزجت بمعالم الألم المستولية علي ملامحها لتحرك شفاهها بنبرة شبه باكية لتقول:الجنون هو ما فعلته يا "منير" ..الجنون هو تخليك عن ابنتك..الجنون أن تفرق بيني وبينها 
....
بمجرد أن أنهي "فادي" إجراءات تأكيد الحجز في أحد أشهر فنادق امستردام حتى طلب من "قمر" الصعود إلي الحجرة ريثما يحضر هو أحد خطوط الهاتف لمحادثة "ياسر"..
وبعد ما يقارب العشر دقائق..اطمئن فيهم "فادي" علي حال "ياسر" وطفلته وتأكد من تمام أحوال "الشيخ\راضي"..اتجه "فادي" إلي حجرته ليفاجئ بأنها خاوية تمامً لا يوجد سوي الحقائب الخاصة به تستقبله في بداية الحجرة..ليرفع "فادي" نبرته قائلاً:"قمر" أين أنتي!! "قمر"!!
مرت ثوانٍ معدودة ولم تأت "فادي" أي إجابة ليتجه إلي دورة المياه الخاصة بالحجرة ويطرق الباب بحذر قائلاً بنبرة تعجب: "قمر" هل أنتي بالداخل؟!!
نبرة مرتعشة أو بالأحق هي نبرة بالكاد سمعها "فادي" نبعت من شفاه "قمر" التي قالت:نعم ثوانٍ وسأخرج 
ازداد تعجب "فادي" أضعاف مضاعفة ليتحول إلي قلق سيطر علي أوصاله..وسرعان ما تحول ذاك القلق إلي حقيقة مؤكدة فور خروج "قمر" من دورة المياه وتحول ملامحها التي كانت من دقائق تمازحه إلي ملامح شاحبة أشبه بمريض خرج لتوه من حجرة العناية المركزة..
عقد "فادي" حاجبيه بتعجب امتزج بنبرة شفاهه القلقة ليقول:ماذا حدث!!ملامحك شاحبة جداً!!هل حدث مكروه ما؟!!
ابتلعت "قمر" ريقها بصعوبة امتزجت بملامحها المرهقة لتحرك شفاهها بنبرة إذن مرتعشة لتقول:لا فقط من مجهود السفر..ولكن هل لي بالخروج لدقائق فقط ؟!!
اقترب "فادي" من "قمر" بقلق امتزج بنظرات عينيه المتفحصة لملامحها الشاحبة وشفاهها المرتعشة ليحرك شفاهه قائلاً بنبرة تعجب:"قمر"!!!ماذا بكٍ؟! وأي خروج هذا وأنتي بتلك الهيئة؟!!
نبرة هي الأشبه بالبكاء نبعت من شفاه "قمر" التي تحولت ملامحها إلي الرجاء لتقول:أرجوك يا "فادي" أريد شراء شئ الأمر ضروري
رفع "فادي" حاجبه الأيسر بتعجب ليدوم الصمت للحظات معدودة تفحص فيها "فادي" كيان "قمر" بعناية بالغة ليحرك شفاهه بنبرة فهم قائلاً:حسناً حسناً فهمت سأذهب أنا لجلب ما تريدين 
اتسعت عيني "قمر" صدمة ممتزجة برجفة الخجل التي سرعان ما استولت علي كيانها لتحرك شفاهها بنبرة إحراج مرتعشة قائلة:فهمت!!
اقترب "فادي" من "قمر" بهدوء ممتزج بنظرات عينيه المطمئنة ليحرك مسار شفاه بين عينيها بقُبلة زادت من رجفة كيان "قمر" بل وقاربت علي تحويله إلي إغماء..
ليحرك "فادي" شفاهه بنبرة مزاح امتزجت بحركة إصبعه الدائرية علي ذقن "قمر" ليقول:لا تقلقي يا "قمر" مبدئياً الإعلانات في العالم بأكمله لم تتكاسل في ذاك الموضوع بالإضافة إلي أن زوجك ليس كما تظنين مطلقاً 
وكأن حديث "فادي" تحول إلي جرعة من جليد القطب الشمالي الذي تم سكبه علي جمرة خجل من نار..
كهذا كان حال "قمر" التي لم تستطع تحريك شفاهها مطلقاً في حضرة "فادي" ولكن سرعان ما دلف "فادي" خارج الحجرة وعلي ملامحه ابتسامة خافتة من هيئة "قمر" المرتعشة تلك..
بينما أطلقت "قمر" تنهيدة هدوء نسبي فور خروج "فادي" لتحرك شفاهها بنبرة غيظ مرتفعة قائلة: قليل الأدب 
ما كان بحسبان "قمر" نهائياً أن "فادي" مازال واقفً خلف باب الحجرة ليفتحه بسرعة ويحرك شفاهه بنبرة خبث قائلاً:من الأفضل أن يتأجل موعد كلمتك تلك ريثما نذهب إلي كندا لأنني في حينها سأريك كيف يتحول "فادي" إلي "قليل الأدب" 
ما إن أنهي "فادي" حديثه حتى أعاد إغلاق باب الحجرة والتوجه إلي صيدلية مقابلة للفندق بين صخب ضحكاته يتراقص من حوله علي "قمر" التي قاربت علي الفتك به بنظرات الخجل الممتزجة بالغضب النابعة من عينيها..
أما عن "قمر" فبمجرد استيعابها لما قاله "فادي" وإفاقتها من حالة الخجل تلك التي استولت عليها بسبب ذاك المتعجرف لتحول ذاك الخجل إلي راحة نسبية حيث أنه لا وجود لمشكلة طالما أنه زوجها وبالتأكيد كان سيعلم منعاً لأي مضاجعة بينهم في تلك الفترة..
لتخلع "قمر" حجابها بسرعة وتتجه إلي تفريق حقيبة ملابسهم في فترة إقامتهم في "هولندا" إلي أن أتي "فادي" بما كانت تحتاجه..
...
غالباً ما تصبح كلمات أحد ممن تكرههم هي سريان الفضول الكهربي الذي يسري في كيانك بالتدريج لتندمج شعيرات الشك مع شعيرات كيانك الدموية..لتنسج تلك الكلمات حاجز يحيط بكيانك بشكل عام وبعقلك بشكل خاص لتشعل نار لن تخمد إلا إذ استطعت تفسير كلمات ذاك الشخص..
هكذا كان حال "منير" فمنذ لقائهم الأخير ب"فادي" في المبني التجاري وكلماته عن شقيقته بات كنسمات هواء تتراقص من حوله باعثة في أوصاله الشك..ولذلك فمنذ عودة "منير" إلي النوبة حينها وهو في انتظار عودة "صفاء" صديقة "قمر" أو بالأحق تؤام "قمر" الروحي كما كان يطلقوا عليهم في القرية..
ففور تلقي "منير" المكالمة بأنها عادت إلي منزلها بعد فترة سفر قضاتها في الكويت بصحبة ابنها..كان "منير" هو الزائر الأول لها في منزلها..
بدأت أطراف الحديث تنعقد بهدوء نسبي يحيط ب"منير" و"صفاء" وابنها..إلي أن طلب "منير" من ابنها تركهم بمفردهم لدقائق معدودة..
تردد ذاك الابن في البداية ولكن لمعرفته جيداً بقوة العلاقة التي طالما ربطت والدته ب"قمر" قرر الانسحاب بهدوء..
وبمجرد أن دلف ذاك الابن خارج الحجرة حتى تحركت شفاه "منير" بثبات قائلاً:"حاجة\صفاء" أنا أعلم جيداً مدي قوة علاقتك بشقيقتي "قمر" لذلك أريد منك الإجابة علي أسئلتي وبالله عليك ألا تخفي عني شئ
عقدت "صفاء" حاجبيها بتعجب امتزجت بنبرة شفاهها القلقة لتقول:حسناً ولكن ماذا حدث لأجل حديثك ذاك؟!!
أطلقت عيني "منير" نظرات ترقب توحي ببدء تجميعه لخيوط الماضي لتمتزج بنبرة شفاهه المتسائلة ليقول:ماذا حدث في فترة سفر "قمر" مع "حمدي"؟! ولماذا طلبت منه الزواج بأخرى؟!
لحظات صمت معدودة خيمت علي أركان الحجرة تخللها همسات أنفاس "صفاء" التي بدأت بالتقاطها بصعوبة نسبية لتمتزج مع رعشة رموشها التي حركتها ببطء تناسب مع نبرة شفاهها الشبه ثابتة لتقول:ما حدث كان ماضي يا "منير" ولا داعي للعبث فيه 
زم "منير" علي شفاهه بضيق امتزج بنبرة الضجر التي حرك بها شفاهه قائلاً:بعض ذاك الماضي مجهول بالنسبة لي وأنا أريد اكتشافه وليس أمامي سواكي لمساعدتي علي معرفته لذلك من أجل "قمر" أخبريني لماذا فعلت ذاك؟!
أطلقت "صفاء" تنهيدة عزم امتزجت بنبرة شفاهها الموضحة لتقول:حسناً يا "منير" سأخبرك.."قمر" في فترة سفرها مع "حمدي" قررت التوجه إلي أحد الأطباء لمعرفة سبب تأخر حملها وللأسف أن بعد إجراء التحاليل والأشعة التي أثبتت أن "قمر" مصابة بورم خبيث في الرحم يمنعها من الحمل
اتسعت عيني "منير" صدمة امتزجت ببرود بدأت تجتاح أوصاله بالتدريج لينتبه إلي حديث "صفاء" التي قالت:وبحديث الأطباء أن الحمل في حالتها مستحيل مهما حاولنا بالأدوية بالإضافة إلي أن الورم بات في أقصى حالات نشاطه وحينها لم يكن هناك علاج متوفر لإيقافه لذلك طلبت "قمر" من "حمدي" الزواج من أخرى لتأكدها بأنها لن تستمر معه ولن تستطيع إنجاب ذاك الطفل الذي يتمناه 
ابتلعت "صفاء" ريقها بصعوبة ناتجة من الدموع المتلألأة في عينيها ومانحة الفرصة ل"منير" الذي تحول إلي إحدى أصلب قطع الجليد في القطب الشمالي..
ومن ثم وبعد ثوانٍ معدودة أعادت "صفاء" استكمال حديثها قائلة:بعد زواج "حمدي" وبالرغم من معاملته التي لم تتغير نهائياً معها بل زادت حناناً إلا أن الورم بات يغزو كيانها بأكمله والمسكنات ما عادت تفيد نهائياً حتى حدث ما حدث وتوفت "قمر"
ما إن أنهت "صفاء" حديثها حتى أخفت ثغرها بأصابعها المرتعشة إثر الدموع التي باتت تتأرجح علي ملامحها بينما بات "منير" في صدمته تلك لثوانٍ لم يعلم مداها ولكنها كانت كافية تمامً لإصابة كل خلية بكيانه بالصدمة لما سمعه للتوه..
وبأعجوبة ما تصور "منير" أن تحدث..قام من موضعه بثقل ممتزج بملامحه الجامدة التي تخفي في طياتها محاولات جاهدة منه للسيطرة علي دموعه..ليدلف "منير" خارج المنزل ويعود في طريقه إلي منزله وهو يري أمام عينيه تفاصيل حياة شقيقته "قمر"..من بداية ولادتها مرورً بطفولتها وصولاً بمراهقتها حتى زواجها ومن ثم الذبول الذي بدأ يتحكم من ملامحها في أيامها الأخيرة..
ليفوق "منير" من ذكرياته تلك فور وصوله إلي منزله لينطلق إلي حجرة "ناهد" ويجدها كما هي تقرأ القرآن الكريم ليتحرك تجاهها بخطي مرتعشة تناسبت مع نبرة شفاهه الشبه باكية ليقول:أريد أن أفقد ذاكرتي..أريد أن ارتاح 
عقدت "ناهد" حاجبيها بتعجب من نبرة "منير" ليزداد ذاك التعجب إلي ضعف الضعف فور شعورها برأس "منير" التي تتكئ علي قدمها ليحرك "منير" شفاهه بنبرة هامسة قائلاً:لا تتركيني 
وبمجرد أن أنهي "منير" حديثه الذي أشعل نيران القلق داخل "ناهد" حتى أغلق عينيه بهدوء ليهرب من واقعه إلي قيلولة هادئة تابعتها عيني "ناهد" المتعجبة..

يتبع.......
#نورهان_حسنى

في أرض النوبة للكاتبه نورهان حسني حيث تعيش القصص. اكتشف الآن