الفصل السابع والثلاثون
أطلق "منير" تنهيدة غضب امتزجت بنظرات الضجر النابعة من عينيه ومصوبة تجاه "فادي" الحامل لطفله بين ذراعيه ومداعباً إياها لتتحرك شفاه "منير" بنبرة غضب شبه مرتفعة قائلاً:هي أرادت رؤيتها هي فقط إذن لماذا أتي هذا وذاك؟!
ارتسمت ابتسامة ساخرة علي شفاه "فادي" لسماعه لحديث "منير" هذا ليتابع مزاحه مع "شاهد" الغير مبالي لنظرات "منير" تلك..بينما حرك "بسام" شفاهه بنبرة ضجر قائلاً:كيف سيتركها!!وبالإضافة كيف سيتركون طفلهم!!
تابع "بسام" حديثه بنظرة عتاب منطلقة من عينيه ل"منير" وممتزجة بنبرته الثابتة ليقول:عمي!!ألم تفكر ولو للحظة في تلك الابتسامة التي رأيتها علي ملامح "قمر"!!ألم تكن تعتقد أن ابتسامتها لن تعود لمحياها بعد زواجها من "محب"!!ألم تستطع التخلي عن قسوتك تلك وتأمل ملامح حفيدك هذا الوارث لعيني "قمر" بالمثل تلك العيني التي طالما كنت تتغني بها في طفولتها
أطلق "بسام" تنهيدة حزن امتزجت بوقوفه عن موضعه بضيق تناسب مع نبرة الملل التي حرك بها شفاهه قائلاً:من رأيي أن تعيد التفكير وتنقذ ما تبقي داخل "قمر" من حنين لك وتكف عن نظرة عينيك الملتهمة لمعدتها المنتفخة تلك لأنها ما حوت إلا طفلة رغماً عن الجميع سيطلق عليها أنها حفيدتك
ما إن أنهي "بسام" حديثه حتى تحرك بقدمه متجهاً ناحية "فادي" لمشاركته المزاح مع "شاهد" الذي ما انقطع ولو لثوانٍ عن الضحك..
علي الجانب الآخر..
تحديداً في حجرة "ناهد" التي مازالت محتضنة ل"قمر" بين ذراعيها منذ رؤيتها لها فور دخولها عليها وكأنها تعيد إحياء روحها المتهالكة تلك من الفراق وها هي الآن تدوي جروح الفراق بضمتها القوية لابنتها تلك التي ما استطاعت الكف عن ذرف الدمعة تلو الأخرى..
ها هي تلك الابنة التي طالما مرت بأوقات عصيبة ما احتاجت فيها لأحد سوي والدتها وعندما كان عقلها يصوب لها صدمات نارية بأنها باتت يتيمة الأم تضاعف تلك الصعوبات إلي أضعاف الضعف..
ها هي الآن ترتجع كؤوس الحنان واحدً تلو الآخر دون انقطاع من ضمة والدتها الممسكة بها بقوة ممتزجة برجفة أناملها المرتعشة خوفاً من فقدانها مرة أخرى..
تحسست "ناهد" معدة ابنتها المنتفخة بأناملها المرتجفة بفرحة لتقول بنبرة غير مستوعبة:هل أنتي حامل؟!
اعتدلت "قمر" في جلستها بهدوء لتدفن وجهها بين ضلوع والدتها بينما تحركت شفاهه بنبرة فرح مرتعشة من البكاء لتقول:نعم يا أمي ذاك الانتفاخ الكروي زين كياني من جديد..ذاك الانتفاخ الكروي في معدتي ما هو إلا نتيجة لحب من عاشق أنا متيمة به
عقدت "ناهد" حاجبيها بتعجب امتزج بنبرة شفاهها المصدومة بفرحة لتقول:هل كنتٍ حامل قبل هذا الحمل
أومأت "قمر" رقبتها بإيجاب امتزج بنبرة شفاهها الفرحة لتقول:نعم يا أمي لدي "شاهد"
أطلقت "ناهد" تنهيدة طمأنينة امتزجت بملامحها المتهللة بسعادة من أجل طفلتها لتقول بنبرة تساؤل:ولكن أين هو؟!
أطبقت رموش "قمر" علي عينيها ببطء امتزج بنبرة الطمأنينة النسبية التي حركت بها شفاهها لتقول:إنه بالخارج مع "فادي" ولا تقلقي نهائياً ف"بسام" معه وريثما ينتهي حديثنا سأحضره لكٍ
شبح الابتسامة يغزو ملامح "ناهد" من مداعبة فتاتها لتقول بعاطفة أمومة محبوسة بداخلها سنوات:المهم يا ابنتي كيف هو حالك مع زوجك؟؟!!
صعقة كهربية داعبت قلبها الصغير ليرتجف لها جسدها كله لتشعر"ناهد"بيد فتاتها ترتعش بين يدها ليغزو شبح القلق كيانها قائلة:ماذا هناك يا ابنتي؟؟ هل الأمور علي ما يرام أم ماذا؟؟
أغمضت عينيها بإحساس من الخجل ممزوج بنبضة عشق تعزف علي أوتار قلبها..لتشعر و كأنها في السادسة عشر من عمرها وتجلس أمام والدتها مرتبكة مترددة قلقة ولكنها سعيدة..تجلس أمام والدتها لتخبرها عن حبيبها المجهول..تقص عليها نظرته السريعة التي يلقيها عليها وهو بين أصدقائه..تقص عليها معالم الغضب الظاهرة علي وجهه عندما سمع صوت ضحكتها عالية..تخبرها كم ظلت في فصلها الدراسي تائهة في ملكوت عشيقها..
لتفيق "قمر" من أحلامها علي قبضة من يد والدتها تقول:ماذا هناك؟؟ تكلمي!!صمتك يزيد قلقي
احتضنت "قمر" خاتم الزواج الذي يزين يدها قائلة بصوت هادئ:كل كلمة منه..كل حركة منه..كل قبضة غضب قبضها علي يده من تصرف طفولي مني..كل ليلة قضيتها بين أحضانه أتابع أنفاسه الصاعدة والهابطة..كل لحظة ألم و وجع وضيق وغضب مرت بيننا..كل محاولة من الظروف القاتلة أن تفرقنا
تنهدت "قمر" بهدوء قائلة:كل هذا يا أمي وأنا أشعر بحريتي بين أحضانه فقط..برغم كل ما يمتلكه من أقصي درجات الغضب والضجر من أي شئ ولكن لا أراها سوي طوق نجاة لي أعاد شعور الراحة والإطمئنان لدي بعد أن سٌلب مني غصب
رفعت "قمر" عينيها ببطء لتقابل عيني "ناهد"لتقول بنبرة هادئة ممتزجة برعشة عاشقة:نظرة الفخر في عينيه عندما حصلت علي الدكتوراة تشفع أمام كل لحظة غضب منه عندما يأتي من عمله غاضبا..كل لمسة من يده تمسح دموعي في كل ليلة اشتاق لكي فيها تغفر لكل كلمة أو فعل قاله وقت غضبه أو ضجره..كل ليلة بات فيها بجانبي في آلامي ليعوض ما فقدته في بٌعدك يا أمي تضرب بعرض الحائط كل لحظة شعرت فيها بانشغاله عني
احتضنت "قمر" خاتم زواجها قائلة:نعم هو غاضب طوال عمره..نعم هو متعجرف قليلا ومغرور ومتكبر..نعم هو يجعل العقل يشتعل غضبا من صمته الدائم..نعم نظرة عينيه يتحطم لها الحجر خوفا ولكني أحببته ..لدرجة تشعرني بالخوف عليه من حبي له..ولكن في النهاية يا أمي أنا أتنفسه عشقاً
مسحت "ناهد" بأناملها علي كتف "قمر" بحنان امتزج بتلألأ عينيها فرحاً من أجل فتاتها تلك لتحرك "ناهد" شفاهها بنبرة راحة لتقول:ما ظننت يوماً أن تعشقي أحداً لتلك الدرجة ولكن حمداً لله أنه طمأن قلبي عليكي الآن
تمسكت أنامل "قمر" بملابس والدتها ببطء امتزج بشبح ابتسامة الفرحة الخجلة الزائر لملامحها بهدوء لتحرك شفاهه بنبرة هادئة لتقول:ذاك قليلاً جداً علي "فادي" يا أمي ولكن الأهم الآن أن اطمئن علي حالك
ساعة إلا الربع كانت المدة المحددة التي لم تنطبق فيها شفاه "قمر" كانت أم "ناهد" عن الحديث والاطمئنان علي أحوال بعضهما إلي أن علمت "قمر" بأن المرض الخبيث هو من أصاب جسد والدتها الهزيل لتنفجر "قمر" في تلك اللحظة باكية ومحتضنة لوالدتها بقوة طفلة صغيرة تخشي من فقدان والدتها ولو لثوانٍ معدودة..
ولقدرة "ناهد" علي التحكم في دموع فتاتها وبفضل لمسة يدها الحانية استطاعت احتواء انهيار "قمر" هذا بل وتحويله إلي مزاح ومن ثم طلبت "ناهد" من فتاتها أن تحضر لها "شاهد" لرؤيته..
ولكن!!بفضل ذاك العند الذي اكتسبه "شاهد" عن والدته وذاك التعجرف الوارث إياه من والده بالتمام رفض الدخول غلي ذاك المنزل نهائياً ولرفض "فادي" القاطع لدخوله هو الآخر إلي المنزل ازداد تصميم "شاهد" علي عدم الدخول إلي ذاك المنزل..
لتتحامل "ناهد" علي مرفق ابنتها وتدلف خارج باب المنزل لتتسع عيني "منير" بصدمة امتزجت بنبرة شفاهه الغاضبة ليقول:"ناهد"!!ألم يخبرك الطبيب بأن ترك فراشك ممنوع!!ما ذاك الجنون؟!
أطلقت "ناهد" تنهيدة فرحة تسربت لأوصالها ممتزجة بنظرات عينيها المتفحصة لملامح "شاهد" الساكن علي ذراع والده لتتحرك شفاه "ناهد" بنبرة عتاب لتقول:الجنون الحق أن أري حفيدي من ابنتي أمام عيني ولا أهرول لاحتضانه
ما إن أنهت "ناهد" حديثها هذا حتى تحركت قدمها لتكملة طريقها الذي بدأته مع "قمر" التي استطاعت بأعجوبة التماسك أمام والدها هذا..لتقف "ناهد" مباشرة أمام "فادي" لتتلألأ عينيها بفرحة لاقترابها من "شاهد" الساكن بين ذراعي "فادي" بقلق لتتحرك شفاهها بنبرة حنين شبه باكية لتقول:هل أنت خائف مني؟!
وبالفطرة التفرقة بين من يريد بي خير كان أم شر..تلك الفطرة التي يتمتع بها الأطفال دون أي ترتيب استطاع "شاهد" التماس شعاع من الحنان يتراقص من حوله من حديث "ناهد" الناظرة تجاهه برجاء في ألا يخشي منها..
لذلك!!حرك "شاهد" عينيه إلي "فادي" الذي سرعان ما رسم ابتسامة مطمئنة علي ثغره لتزيد من اطمئنان "شاهد" وبفضل أنامل "قمر" المحيطة ليد "ناهد" زادت طمأنينة "شاهد" إلي الضعف ليرسم ابتسامته الساحرة علي ملامحه محركاً شفاهه بنبر طفولية قائلاً:لا
أطلقت "ناهد" تنهيدة راحة نسبية بينما بعثت نظرات عيني "فادي" الطمأنينة إلي عيني "قمر" المتراقصة بفرحة لتتحرك أنامل "ناهد" ببطء لالتقاط "شاهد" من علي ذراع "فادي" الذي لم يبدي أي اعتراض نهائياً..
سكن "شاهد" بين ضلوع "ناهد" التي باتت ترتعد بقوة إثر صدمتها مما يحدث الآن..
ها هي تحتضن حفيدها الأول!! ها هي تستمع لدقات قلبه العازفة للحن شاهد علي أن ابنتها ما ارتشفت إلي الفرح في منزل ذاك المتعجرف!!
تلألأت عيني "قمر" بسعادة امتزجت بتنهيدة الراحة النسبية التي أطلقتها هي و "فادي" الذي سرعان ما رسم ابتسامته تعجرفه مصوباً إياها إلي "منير" المشتعل غضباً من أفعال زوجته تلك ولولا أنها مريضة ما كان ليسمح لها نهائياً بتحسس ذاك الطفل الملقب باسم عائلة "الاسيوطى"
ولكن!!!وبالرغم من تلك القسوة المسيطرة علي أوصال "منير" والممتزجة بنظرات عينيه النارية إلا أن عينيه خانته لالتقاط صورة ليد "شاهد" الطفولية وهي تمسح علي كتف "ناهد" بفطرة طفولية حانية..ليرتعد "منير" من ذاك المشهد ويشعر وكأن كيانه بأكمله يصرخ به طالباً منه التخلي عن قسوته تلك والفوز بضمة من ذاك الصغير الحامل لكثير وكثير من خصال "قمر" عندما كانت في مثل عمره...
كفكفت "ناهد" دموع عينيها المتأرجحة علي خديها لتتحسس ملامح "شاهد" بأناملها المرتعشة لتقول بنبرة فرحة راجية:أتعلم يا بني!!ضمتك تلك هي الدواء الحقيقي لأي ألم مهما كانت قوته
ارتسمت علامات الحيرة علي ملامح "شاهد" المحرك لشفاهه بنبرة تساؤل قائلاً:ولكن من أنتي؟!
خيم الصمت علي شفاه الجميع لثوانٍ معدودة قطعتها نبرة شفاه "فادي" الهادئة ليقول:إنها والدة "قمر" يا حبيبي بمعني أنها جدتك
رفع "شاهد" حاجبه الأيسر بحركة ورثها عن "فادي" لتتحرك شفاهه بنبرة تعجب قائلاً:ولكن أين والدتك يا أبي!! أليس من المفترض أن يكون لدي جدتين!!
وما إن انهي "شاهد" حديثه هذا الذي سرعان ما أشعل بركان الألم الخامد بين ضلوع "فادي" المحرك لرموشه بسرعة لمنع أية دموع من التكون حتى بينما أطلقت "قمر" تنهيدة حزينة امتزجت بأناملها التي حركتها في اتجاه "فادي" لإحكام قبضتها علي يده وكأنها تريد مساندته في محاولاته تلك لمنع دموع..
بينما استشعرت "ناهد" ذاك الألم الذي بدأ في الثوران داخل كيان "فادي" لتحرك شفاهها بنبرة حانية وتقول:أنا أياً كوالدة أباك يا "شاهد" وإنه لمثل أبنائي
لم يظهر "فادي" أي رد فعل وإنما حرك شفاهه بنبرة حزم قائلاً:هيا يا "قمر"
وبمجرد أن انتهي حديث "فادي" هذا حتى قفز "شاهد" من بين ذراعي "ناهد" منطلقاً إلي "فادي" بخفة طفولية امتزجت بنبرته المرحة ليقول:ولكنني من سأقود السيارة يا أبي
ما استطاع "فادي" رسم علامات الجمود علي ملامحه مقابلةً بملامح "شاهد" الطفولية تلك ليرسم ابتسامة خافتة علي ثغره ويحرك شفاهه بنبرة إيجاب قائلاً:حسناً يا بني
أبت "قمر" ترك يد "فادي" حتى ولو لثوانٍ وإنما حركت شفاهها بنبرة مودعة لتقول:مع السلامة يا أمي
استندت "ناهد" بيدها علي يد "بسام" لتقترب بخطوات معدودة من "قمر" لاحتضانها بين ضلوعها لثوانٍ معدودة ومن ثم اتجهت "ناهد" بعينيها لمقابلة عيني "فادي" لتحرك شفاهها بنبرة شاكرة وتقول:شكراً لك يا بني علي ما فعلته من أجلها
ارتسمت ابتسامة خافتة علي ملامح "فادي" الذي حرك شفاهه بنبرة هادئة بينما نظرات عينيه النارية مصوبة تجاه "منير" ليقول:هي عائلتي كيف لي ألا أسعدها!!
ودعت "ناهد" فتاتها وحفيدها بابتسامتها الخافتة بينما تحركت شفاه "بسام" لتوديعهم علي وعد بلقاء عندما يعود للقاهرة ليستقل "فادي" السيارة بعدما تأكد من دخول "قمر" و"شاهد" إليها..
باختلاف تام عن أجواء القلق المحيطة بالسيارة في الذهاب كانت العودة تتميز بأجواء مرحة منبعها "شاهد" الذي لم يكف عن المزاح إلي أن غلبه النوم علي كتف "فادي" ليبدأ تسامر "فادي" و"قمر" حول تلك الزيارة وما حدث فيها وطلباً من "قمر" بتكرار تلك الزيارة ليقابله "فادي" بتردد في الموافقة ليطلب منها أن تترك ذاك الأمر إلي حينه..
لينتهي ذاك اليوم بإطباق "فادي" و"قمر" علي عينيهم فور تلامس رأسهم بالوسادة وفي منتصف "شاهد"..
...
في عصر اليوم التالي..
كان الاتفاق منعقداً بين "فادي" و"ياسر" لزيارته في منزله..لينطلق "فادي" بعائلته إلي منزل "ياسر" لتبدأ ساعات تحمل صخب ضحكاتهم ولهو "شاهد" و"تميمة" وتسامر "قمر" و"مريم" والحديث المطول بين "ياسر" و"فادي"..ساعات ما انتبه أحداً فيهم لقياس مداها وإنما انشغلوا باسترجاع ذكرياتهم سوياً وإشباع أشواقهم لبعضهم..
ليقطع صخب ضحكاتهم الممتزجة تلك طرقات جرس الباب ليتجه "ياسر" لفتح باب المنزل معلنً قدوم أحد الضيوف الذي سرعان ما اكتست ملامح "فادي" تجاهه بالضجر لتتحرك شفاه "ياسر" بترحاب قائلاً:أهلاً يا عمي تفضل
دلفت قدم "حمدي" إلي المنزل بينما عينيه تتابع رد فعل "فادي" الذي سرعان ما أدار عينيه عنه باصطناع الانشغال ب"تميمة" ليطلق "حمدي" تنهيدة حزن لتأكده من أن ذاك اللقاء لن يمر كما كان يخطط..
بينما استأذنت "قمر" و"مريم" سريعاً متجهات إلي حجرة "تميمة" بعدها اصطحبوها هي و"شاهد" معهم بينما حرك "ياسر" شفاهه بنبرة مستأذنة في الدخول إلا أن نبرة الثبات من شفاه "فادي" منعته من الدخول عندما قال "فادي":لا داعي لدخولك يا صديقي فأنت الأكثر قدرة علي شرح ما حدث له
أطلقت عيني "حمدي" نظرات حزن صوبها تجاه "ياسر" الذي أطلق بدوره تنهيدة حيرة مما سيقوله لتأكده بكمية الألم الذي ارتشفها "فادي" بسبب افتراقه عن والده..
تحركت شفاه "حمدي" بنبرة تؤمن بوجوب الاعتذار ليقول:"فادي"!!أنا أعلم جيداً ما مررت به ولكني أطلب منك مسامحتي للمرة الثانية من فضلك
""ألم "فادي" إذا تحول لقسوة فلن تستطيع أية قوة علي الأرض مواجهته مهما كانت""
تلك الجملة هي الحقيقة الراسخة في أذهان "ياسر" الذي حرك شفاهه في محاولة للضغط علي "فادي" للتخلي عن قسوته تلك ليقول:كما قولت يا صديقي لا أحد يعلم ما مررت به بقدري ولكن!!لطالما سامحنا يا "فادي" وهذا والدك وليس بأحد من أصدقائنا
ارتسمت ابتسامة ساخرة علي ملامح "فادي" المحرك لشفاهه بنبرة لامبالاته المعتادة ليقول:أصدقائنا مهما كانت الخصومة الناشبة بيننا يا "ياسر" لم يتخلوا عني في أوقات حاجتي لهم
هبط جسد "حمدي" بإرهاق علي الأريكة لتتحرك شفاهه بنبرة شبه هادئة قائلاً:وماذا كنت تريديني أن أفعل و أنا أعلم أنك تتزوج ابنة الرجل المتسبب في وفاة والدتك؟!هل أردت مني تقبله كجد لأحفادك وهو بنفسه من وضعك في حجرة جليدية ولولا حفظ الله لك لما كنت أمامي الآن
تلألأت عيني "حمدي" بدموع تتأرجح بين جفونه ليتابع حديثه بنبرة ألم مرتفعة إلي حد ما ليقول:أنت مازالت ذاك الطفل الذي لطالما هرب من العالم بأكمله ليختبئ بين أحضاني ولكنك الآن كبرت وصرت رجل وفضلت أحضان غيري عني أنا.. ورثت اللامبالاة والعند مني أنا وتعلم جيداً كيف هي طباعي ولكنك مكثت فوق الثلاثين عاماً معي ولم تستطع معرفة أنك الوحيد من أتنفس لأجله وفي نهاية المطاف عندما طلبت منك المغادرة نفذتها فوراً بدون أن تتفوه بكلمة واحدة حتى..إن كنت تظن نفسك أسست عائلة فأنت لي العالم بأكمله بما به من هواء وماء لا يستغني الجسد البشري عنه
ما إن أنهي "حمدي" حديثه حتى أطلق تنهيدة ألم طويلة لمنع دموع من الهبوط بينما رمق "ياسر" "فادي" الصامت والمتابع لملامح والده بهدوء يخفي في طياته ألم قارب علي الفتك ب"فادي" لتأتيه نظرة عيني "ياسر" المشجعة له..
ليتخلي "فادي" عن تعجرفه في تلك اللحظة ويهب من موضعه متجهاً إلي مقعد والده ويجثو علي ركبتيه لتتحرك شفاهه بنبرة اعتذار مرتعشة ليقول:أنا آسف يا أبي أنا آسف سامحني ولكنك كما تعلمني لا أستطيع التحكم في خصالي الغير مبالية ولا في التعجرف
ارتسمت علامات الراحة علي ملامح "حمدي" ليلتقط "فادي" بعناية واضعاً إياه بين ضلوعه مطلقاً تنهيدة طويلة كأنه كان كالجسد الميت وها هي الروح تغزر في كيانه من جديد..
لتتحرك شفاه "حمدي" بنبرة هادئة ممتزجة مع لمسات يده علي ظهر ابنه ليقول:ليس عليً يا طفلي لا تكررها مرة أخرى
أومأ "فادي" رأسه بإيجاب ليرفع رأسه من بين ضلوع والده ويحرك شفاهه لطبع قُبلة متأسفة علي جبينه ومن ثم علي يده بينما استرق "فادي" النظر إلي "ياسر" ليطلق الصديقين تنهيدة راحة امتزجت بحركة عينيهما الغامزة لبعضهما ..
وما هي إلا دقائق معدودة حتى أصبح "شاهد" بين ذراعي "حمدي" الذي لم يصمت ولو لثوانٍ عن تدليله هو و"تميمة" بعدما رحب "حمدي" أشد ترحيب ب"قمر" ولقبها ب"ابنتي"..
لتعلن تلك الكلمة تمام عائلة "فادي" الراسم لعلامات الراحة علي ملامحه..
...
مر يومين كاملين علي أبطالنا..انشغل فيهم "فادي" و"قمر" بزيارة قبر "الشيخ\راضي"و "ثرية" ومن ثم الاتجاه لزيارة ابنهم الأكبر وبينما كان "شاهد" منشغلاً باللهو مع "تميمة" والخروج مع "حمدي" في بعض الأحيان..
أما عن "ناهد" فبعد زيارة "قمر" تحسنت أوضاعها النفسية إلي حد كبير ظهر بجدية في إقبالها علي العلاج بصدر رحب ورغبة في الشفاء من أجل فتاتها وحفيدها..
أما عن "منير" فبالرغم من حالة الغضب المتملكة له من لحظة زيارة ابنته و"فادي" لمنزله إلا أن تسللت إلي أوصاله بسرعة فائقة فور سماعه لكلمات "ناهد" التي تتضمن طلبها بزيارة "قمر" و"شاهد" مرة أخرى..
بقدر ما حاول "منير" إظهار الضجر من تلك الزيارة إلا أن كيانه كان يتراقص داخلياً لرؤيته ل"شاهد" مرة أخرى بعدما تمكنت منه عاطفة الحنين فور التقاطه لضحكات "شاهد" الطفولية التي أعادت إحياء إنسانيته من جديد..
أما عن "فادي" ففور إبلاغ "بسام" له بطلب "ناهد" لرؤية "قمر" لم يستطع الرفض مطلقاً لأنه من المستحيل أن يكون السبب في منع أم عن لقاء ابنتها!! ولكن..الضجر المتمكن من أوصاله لرؤيته ل"منير" من جديد هو ما رسم معالم الضيق علي ملامحه طيلة الطريق إلي النوبة..إلا أن "شاهد" حاول بفطرته المرحة محو القلق هذا وإبداله بضحكات "فادي" التي طالما طمأنت ذاك الصغير..
وللأسف فبسبب غشاء القسوة الذي مازال متمكن من أوصال "منير" بالرغم مما يتسلل إلي خواطره من اشتياق لرؤية ذاك الصغير إلا أنه استطاع ببراعة إطلاق نظرات نارية تجاه "فادي" و"قمر" فور ارتجالهم من السيارة..
وبالرغم من محاولاته لإطلاق تلك النظرات إلي "شاهد" هو الآخر إلي أنه ما استطاع ذلك نهائياً..ولكن!! بالرغم من ذاك العجز أمام "شاهد" إلا أن عيني ذاك الطفل استطاعت التقاط نظرات الغضب تجاه والديه لتلتف أنامله حول أحد أصابع "فادي" محركاً شفاهه بنبرة قلق:أبي!!أنا لا أريد الدخول إلي هذا المنزل
ابتلعت "قمر" ريقها بصعوبة إثر ألم معدتها الغير مفارق لها نهائياً من الصباح لتتحرك شفاهها بنبرة متسائلة لتقول:ولماذا!! جدتك بالداخل يا "شاهد" وتريد رؤيتك وأنت أخبرتني أنك تريد رؤيتها مرة أخرى
ازدادت أنامل "شاهد" تمسكاً بوالده لتتحرك شفاهه بنبرة ضجر ليقول:لا أريد دخول ذاك المنزل طالما ذاك الرجل أمامه..أنا سأظل مع أبي
انحني "فادي" في مستوي "شاهد" بهدوء مسيطر علي ملامحه لتتحرك شفاهه بنبرة مطمئنة ليقول:حسناً اهدأ الآن ونحن سنذهب لاستكشاف تلك القرية ما رأيك ؟!
أومأ "شاهد" رقبته بإيجاب لتمتزج تلك الحركة بحركة جسده الهاوي بين ضلوع "فادي" الذي رفع جسده ببطء وهو يحمل ابنه ليحرك شفاهه بنبرة تساؤل قائلاً:ماذا بكٍ يا "قمر"؟!يبدو عليكي الإجهاد!!
ارتسمت علامات الألم علي ملامح "قمر" التي حركت شفاهها بنبرة هادئة نسبياً لتقول:من السفر لا أكثر سأدلف لرؤية ولن نتأخر بإذن الله
أطلق "فادي" تنهيدة قلق امتزجت بنظرات عينيه المتفحصة لهيئة "قمر" تلك لتتحرك شفاهه بنبرة ضجر قائلاً:ألا تشعرين بحالتك!! ملامحك تكتسي بالإرهاق بالإضافة إلي رعشة جفونك تلك
تحسست أنامل "قمر" معدتها المنتفخة تلك لترتسم ابتسامة خافتة علي ملامحها لتمتزج بنبرة شفاهها المرحة لتقول:كل ما في الأمر أن ابنتك تريد مداعبتي لا أكثر
زم "فادي" علي شفتيه بضيق امتزج بنبرة شفاهه المحذرة ليقول:حسناً أنا سأذهب بعيداً عن ذاك المنزل لأجل "شاهد" وإن شعرتي بأي ألم حادثيني سريعاً وضعي في حسبانك أننا لن نتأخر مهما كان الأمر
أومأت "قمر" رقبتها بإيجاب امتزج بابتسامتها المودعة ل"فادي" و"شاهد" لتدلف داخل المنزل دون إلقاء أية نظرات علي "منير" الذي رمقها بنظرة غضب ومن ثم تحركت عينيه بنظرات غضب تجاه "فادي" الذي لم يبالي كثيراً بها وإنما انطلق ب"شاهد" إلي أول مكان جمعهم ب"قمر"..
أتتذكرون؟!
ذاك المكان الذي يعتبره "فادي" قطعة من الجنة لما يمتلكه من سحر الطبيعة الخلابة التي سرعان ما تأسر القلوب قبل العينين..
ذاك المكان الجامع لأول مقابلة بين "فادي" و"قمر" عندما تراقص وشاحها بخفة أمام عدة الكاميرا الخاصة ب"فادي"..
ارتسمت ابتسامة خافتة علي ملامح "فادي" فور تذكره لذاك اللقاء وتفاصيل ملامح "قمر" في تلك اللحظات ليطلق تنهيدة سعادة تتراقص داخل كيانه بينما عينيه تتابع "شاهد" الذي سرعان ما قفز من بين ذراعيه ليبدأ في تفحص ذاك المكان بمرح مرتسم علي ملامحه..
أما عن "قمر" فكان وقتها إلي حد ما هادئ بفضل حديثها الشيق مع والدتها وبالرغم من تلك الآلام التي بدأت في التزايد إلا أن "قمر" حاولت التماسك إلي آخر لحظة..
مر ما يقارب الثلث من الساعة و"منير" مازال يتآكل من براكين غضبه المشتعلة في أوصاله لتلتقطه صرخة ألم ارتعد لها المنزل بأكمله........يتبع.........
#نورهان_حسنى
أنت تقرأ
في أرض النوبة للكاتبه نورهان حسني
Gizem / Gerilimبسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته المقدمة "كرم.. شجاعة.. انتماء" صفات تلخص مشوار هذه المدينة السمراء النوبة ؛ أو كما أطلق عليها عبر التاريخ أطيب المدن وأقدمها.. "مدينة التضحيات" قيل عنها فى حكايات أخرى، وعلى الرغم من تعدد صفات...