الفصل الحادي والعشرونتنهيدة تردد طويلة نبعت من رئتي "فادي" الذي بات يشعر بضربات قلبه تتسارع بغضب ممزوج بإصرار ليغلق "فادي" جفونه لثواني معدودة ومن ثم يفتحها وعلامات الثقة الممزوجة بالبرود تشق الطريق إلي عينيه ليقول بنبرة غضب مكتوم:"قمر منير" هي فتاة أنوبية و وحدها من استطاعت إيقاعي بحبها
حرك "فادي" رأسه يميناً قليلاً ليقول بصيحة غضب عالية:هي ابنة صديق عمرك السابق وعمتها تكون زوجتك الأولي
اتسعت عيني "حمدي" صدمة ممزوجة بعدم تصديق ليشعر بأن أنامله ستتجمد فجأة من ذاك الغضب النابع من عيني "فادي" المصوبة له بتحدي..
طالما حاول "حمدي" جاهدً منع ذكريات الماضي من الوصول إلي ابنه خوفاً من تلك المواجهة..طالما حاول جعل قلب ابنه بارد لا يتأثر بما يدور من حوله من أجل تلك اللحظة ولكنه بات يعرف الآن أن محاولاته الآن كانت نتائجها الفشل تماماً لما يراه من غضب في عيني "فادي"..
أما عن "فادي" فقد حاول بكل الطرق الممكنة التقليل من حدة غضبه ليغلق عينيه لثواني ومن ثم يفتحها بنظرة ضجر ممزوجة باشمئزاز قائلاً:كيف!!كيف استطعت سنين عمرك تمثيل دور الأب الذي تخلي عن شبابه من أجل تربية ابنه وأنت تفعل ذلك كله من أجل زوجتك الأولي؟! كيف أوهمتني بأن والدتي ماتت فجأة وأنت تعلم جيداً أنها قتلت غدر بسببك أنت وبسبب ما فعلته
ضرب "فادي" مقعد خشبي بقدمه ليصيح بنبرة غضب بات يتحكم من أوصاله:أليست هذه الحقيقة ألم تتزوج أمي لكي تنجب لك ولزوجتك الأولي ابناً فقط؟! أليست الحقيقة أنك تزوجت شقيقة صديق عمرك الذي بات يكرهك منذ وفاة شقيقته؟! أليست الحقيقة أن أمي قتلت بسببك أنت؟!
بقدر ما كانت صدمة "حمدي" من حديث ابنه بقدر ما كان يشعر بالعجز عن الرد ولكن سرعان ما تحامل عن صدمته ليلملم شتات نفسه فقط ليقول بنبرة تشتت ممزوجة بلا وعي:اسمعني فقط يا "فادي" اسمع
لم يتلقي "حمدي" أية إجابة من ابنه الذي يقف أمامه وعينيه تشع غضباً ليقول "حمدي" بنبرة توضيح وهو يجلس علي مقعد خشبي:"منير" نعم كان صديق عمري ونشبت علاقة حب بيني وبين شقيقته "قمر" و سرعان ما تم الزفاف بيننا ولكن حال "منير" تبدل نهائياً معي فقد ظن أنني أسلب شقيقته منه ولكن بعد مرور ثلاث سنوات من زواجنا لم يحدث حمل نهائياً ولكن وصلت لي مأمورية عمل في أمريكا لذلك اصطحبت "قمر" معي وبمجرد عودتنا إلي القاهرة طلبت مني الزواج بأخرى لكي تنجب لي الطفل الذي أتمناه
ارتسمت ابتسامة سخرية علي ملامح "فادي" ليحرك شفتيه بضجر قائلاً:كم أقشعر جسدي من التضحية!!
مسح "حمدي" علي جبينه بألم بدأ يجتاح أوصاله لاستعادته ذكريات الماضي ليكمل حديثه قائلاً:وكانت لدي زميلة في العمل كانت يتيمة لا أخوة لها ولا أعمام ليس لديها سوي خال هو من كان مسئول عنها ولذلك تقدمت إلي خطبتها و وافقت وتزوجنا سريعاً بدون إعداد زفاف أو ما شابه ولأنه لم يكن لدي المال الذي يكفي لشراء منزل آخر سكنت زوجتي الثانية مع الأولي وفي تلك الفترة بدأت المناقشات الحادة تزداد بيني وبين "منير" لأنه بات يراني لا أستحق شقيقته وما إلي ذلك وطالما طلب من "قمر" أن تطلب الطلاق مني ولكنها رفضت تماماً
ابتلع "حمدي" ريقه بصعوبة ممزوجة بقلق من رد فعل "فادي" عما سيقوله ليقول بنبرة ألم ممزوجة بحزن:ومن كل ذلك كانت "نسمة" والدتك هي الأكثر تعرضاُ للظلم مني فبالرغم من أنها حاولت جاهدة إرضائي بكل السبل إلا أنني وبعد أسبوع من الزواج صرت أبات في حجرة "قمر" و في الأسبوع أظل عندها مرة واحدة وبالرغم من ذلك لم تبدي ضجر أو حزن بالعكس كانت تتألق في تلك الليلة التي آتي لزيارتها إلا أن زفت لي خبر حملها وهي عائدة من العمل وبقدر فرحتي بذاك الخبر رأيت لمعة حزن في عيني "قمر" لأقرر قضاء تلك الليلة معها أيضاً وفي تلك اللحظة رأيت نظرة انكسار في عيني "نسمة" لن أنساها طالما حييت
التفت "حمدي" بنظرة إلي حجرته الخاصة ليقول بنبرة أوشكت علي البكاء:ولكن بالرغم من ذلك عندما عدت لها في الليلة التالية رأيت في عينيها لمعة فرحة لطفل رأي والده ومن ذاك اليوم بدأت في رعايتها إلي حد ما نظراً لأنها توقفت علي العمل بسبب آلام الحمل وفي تلك الفترة نشبت الصداقة بينها هي و"قمر"ولكن معا تمام شهرها الخامس من حملك
توقف "حمدي" عن الكلام لثواني ليتيح الفرصة لدموعه الدافئة بالهبوط ليكمل حديثه قائلاً:في ليلة ما اشتد الألم ب"قمر" ولم نكن نعلم ما السبب ودام الحال لأسبوع فقط و"قمر" رافضة الذهاب لأية طبيب مهما حاولنا وبالرغم من غضب والدها عليها بسبب ذلك لم توافق أيضاً ومن كل ذلك كان "منير" يسدد لي الكلمات القاتلة كلما رآني وهو يتهمني بأنني السبب فيما حدث لأخته إلي أن توفت "قمر" ورحلت روحها إلي خالقها ومعها رحلت كل ملامح السعادة في عالمي..مكثت شهور بمفردي في حجرتها رافضاً الحديث مع "نسمة" وغير مهتم بآلام حملها الذي قاربت علي الفتك بها بينما لحق والد "قمر" بها سريعاً لتنشب الخصومة بيني وبين "منير" الذي اتهمني بأنني من سلبته شقيقته و والده وبينما أنا جالس في حجرة "قمر" في ليلة ما سمعت صراخ والدتك معلنة بداية علامات الولادة
كفكف "حمدي" دموعه وهو يقول بنبرة فرحة يكسوها ألم:في تلك الليلة رزقني الله بك..كنت نسخة مصغرة من "نسمة" في كل شئ وكانت فرحتها بك لا توصف كانت تخشي عليك من أن أحملك حتى وإن مرضت في يوم كانت لا تتوقف عن لوم نفسها أنها من قصرت بحقك وكانت تجلس بالساعات تتأملك وأنت نائم وفي تلك الفترة انقطعت تماماً عني وبات حديثها معي نادراً
أكمل "حمدي" حديثه بتنهيدة ألم قائلاً:وعندما حاولت فهم ما يجري من أمور انهارت "نسمة" كلياً أمامي وباتت تبوح بما فعلته تجاهها من لامبالاة وجمود منذ زواجنا وإلي ما شابه ذلك..وللأسف كان لديها الحق في كل ما قالته ولكنني لم أستطع تعويضها فسرعان ما قتلت "نسمة" في الليلة التابعة لتلك الليلة
انقطع "حمدي" عن الحديث ليرتفع صوت نحيبه عالياً كأنه طفل يبحث عن ذراعي والدته لتلتقطه من ذاك العالم..
ارتفعت أصوات بكائه ومعها قفزت ذكرياته القليلة جداً مع "نسمة" أمام عينيه ليقول بنبرة ألم:تركتني بمفردي قبل أن تمنحني الفرصة لتصليح أخطائي ولكن "منير" هو السبب في فقداني لها هو خطط لكل هذا
التفت "حمدي" بعينيه إلي "فادي" ليجده يقف كما هو كأنه متجمد لتتسع عيني "حمدي" صدمة لرؤية دموع لؤلؤية تدحرج في عيني "فادي" ليقول بنبرة ذهول ممزوجة بألم: "فادي" دعني أكمل حديثي
لحظات الألم تلك التي مرت علي "حمدي" وهو يستعيد ذكرياته لا تضاهي إحساس "فادي" في تلك اللحظات..
ذاك الألم الذي كان في قلب"حمدي" لا يصل إلي 1% مما تفجر في كيان "فادي" ...
"فادي" الذي ظل ثابت مكانه يستمع إلي حديث والده وهو يتصوره أمام عينيه..يتصور كل لحظة ألم عانتها والدته..يتصور كم ليلة باتت ودمعتها تزين وسادتها..يتصور كم مرة تألمت ولم تجد أحد يخفف عنها تلك الآلام ..
يتصور كم مرة كانت تشعر بالخوف ولم تجد من يطمئنها..
رفع "فادي" عينيه إلي "حمدي" بإحساس من الغضب الممزوج بالكره والاشمئزاز ليصيح به قائلاً:لا أريد سماع شئ كفي كفي...حق أمي لن أتركه لن أتركه وإن كان من والد الفتاة التي أحببتها ومن اليوم أنسي نهائياً أن لديك ابن اسمه "فادي"
قفز "حمدي" من موضعه بصدمة ممزوجة بخوف ليهرول خلف "فادي" الذي اتجه إلي حجرته قائلاً:
ستسمعني.."منير" هو من طلب من "معاطي" قتل والدتك للانتقام مني واستأجر "معاطي" لأنه كان يريد الزواج من "قمر" في البداية ولكن والدها رفض ولذلك كرهني "معاطي" وكان يريد الانتقام مني
لم يكن حديث "حمدي" مهمً لدي "فادي" الذي بات يجوب في حجرته يميناً ويساراً وهو يلقي بمتعلقاته في حقائب وهو لا يري أمام عينيه ابتسامة والدته التي لم يراها إلا في الصور..
محاولات مستميتة من "حمدي" لجعل "فادي" يستمع له ولكن بدون فائدة..
فكيف لابن أن يستمع إلي من جعل والدته تتألم؟!
أغلق "فادي" حقيبته الثانية ليصيح بنبرة غضب قاربت علي الفتك بكل ما بالحجرة قائلاً:كفي !!
ارتعد قلب "حمدي" قلقاً من صيحة ابنه تلك التي قاربت علي الفتك بكيان ابنه الذي يشتعل غضباً ليقول "حمدي" بنبرة طلب:لا تتركني يا "فادي" لا تتركني أنت ما يتبقي لي من "نسمة"
حمل "فادي" حقيبتيه ليدلف خارج الحجرة ويرفع حقيبة عمله علي كتفه دون المبالاة ل"حمدي" الذي يترجاه في المكوث معه ليقف "فادي" أمام باب المنزل قائلاً بنبرة قوة:لا مكان لي في منزل كانت تتألم أمي من مالكه
ما إن أنهي "فادي" حديثه حتى دلف خارج المنزل دون المبالاة لدموع "حمدي" التي تسيل علي خديه ولا لنبرته الطامعة في مكوث "فادي" معه ...
أما عن "فادي" فقد تحامل علي عينيه وآلام إلي أن وقفت سيارة الأجرة أمام فندق سكني ليطلب "فادي" حجرة خاصة به ومن ثم وبمجرد دخوله إليها وإغلاق بابها حتى هوت قدماه أرضاً ليسقط "فادي" أرضاً وتسقط معها قوته وتعجرفه وبروده وللامبالاته ويحل محلها آلامه وأوجاعه لترتفع صيحة المتألمة وهو يصرخ بتوجع قائلاً:أمي
كرر "فادي" النداء علي والدته وهو يدفن وجهه بين كفيه المبتلين من دموعه التي تسيل كسيول الشتاء القارص..
ولأول مرة يتمكن شعور اليتم من أوصال "فادي" لتظل صيحته بوالدته ما يردده ثغره..
لتهبط دموع مدفونة في عيني من سنين ذاك المتعجرف ...
...
مهما بعدت المسافات يظل قلب العاشقة يشعر بما يقابل عاشقها من ألم كان أو فرح...
ذاك ما حدث تماماً مع "قمر" التي كانت جالسة أمام التلفاز وسرعان ما شعرت بغصة ألم تجتاح ضربات قلبها تنذرها بأن "فادي" ليس علي ما يرام..تنذرها بأن "فادي" يتألم...
ارتعد جسد "قمر" برجفة خوف لتتحرك شفاه "قمر" مرتعشة قائلة: "فادي"
كانت نبرة "قمر" كافية تماماً ل"محب" الذي سمعها بمجرد دخوله إلي الحجرة فسرعان ما ارتسمت معالم الغضب علي وجهه ليتجه إلي "قمر" التي ترتعش خوفاً مرددة اسم "فادي" ليحكم "محب" القبضة علي رقبتها وهو يصيح بغضب قائلاً: إن كررتي ما تفوهتي به مرة مرة سأقتلك
لم تبالي "قمر" ما ستتعرض له بقدر اهتمامها بالاطمئنان علي "فادي"..
لأن أي ألم ستتعرض له لن يضاهي ألم قلبها القلق علي مصدر قوتها..
لذلك لم تبالي "قمر" كثيراً وإنما شعرت بأن ألم قلبها بدأ يتحكم من زمام الأمور لتسيل دمعة لؤلؤية علي خديها قائلة بنبرة قاربت علي الاختناق:أرجوك أريد أن اطمئن عليه أرجوك
بقدر ما كان غضب "محب" بقدر ما كانت قوته الجسدية ليرفع "قمر" من رقبتها ومن ثم يهوي بها أرضاً لتصرخ "قمر" من ذاك الألم الذي قارب علي الفتك بفقرات ظهرها..
ليتحول ذاك المعتوه إلي وحش ينقض علي فريسته مدمراً إياها ليبدأ "محب" في تسديد دفعات نارية من الصفعات في كل جزء من كيان "قمر" الذي يصرخ تألماً علي "فادي" وآلامه التي تشعر بها..
أما عن "محب" الذي تحول كلياً إلي شيطان يريد التخلص من روح "قمر" تلك التي باتت متمسكة ب"فادي" بالرغم مما تتعرض له يومياَ..
بدأت جروح "قمر" تنزف دماً بينما "محب" غير مبالي لها بقدر مبالاته بتلقينها درساً لعدم نطق اسم "فادي" مرة أخرى ليزداد من حرارة صفعاته كلما تذكر رفضه التام لها ..
رفع "محب" رأس "قمر" بحجابها بقبضة يده ليصرخ بها قائلاً بنبرة غضب:أنتي ملك لي أنا أنتي زوجتي أنا والآن سأخذ حقوقي منك كأي زوج
جملة نارية انطلقت من شفاه "محب" الذي أسقط "قمر" أرضاً وهو يخلع عنه ملابسه وبقدر ما كانت جملته تهدد "قمر" بقدر ما استمدت منها "قمر" قوتها لتعيد لملمت شتات نفسها من جديد لتحاول الوقوف علي قدمها من جديد ليفاجئها "محب" بلكمة قوية في معدتها صرخت "قمر" علي إثرها صرخة ارتعد لها أركان المنزل..
ليبدأ "محب" في تسديد دفعة أخري من اللكمات الموجهة لمعدتها وبالرغم من ارتفاع صرخات "قمر" لم يبالي "محب" نهائياً فنظرة عينيه النارية وملامحه وجهه التي قاربت علي الاشتعال من الغضب أعمت أذنه عن سماع طرقات بعض الجيران علي المنزل..
قرابة الخمس دقائق مرت وطرقات الجيران تزداد علي باب المنزل وصيحات الغضب من "محب" تشحنه لتسديد لكمات أقوي ل"قمر" ليصاب "محب" بالعمي عن رؤية الدماء تسيل من كيان "قمر" بأجمعه ليلتقط بيده زهرية ورد ويهوي بها علي رأس "قمر" التي أطلقت صيحتها الأخيرة..
انقطعت صرخات "قمر" المستنجدة نهائياً وسيطر الذهول علي ملامح "محب" وهو يشعر بدماء "قمر" تشق الطريق إلي الأرض من حوله وبدون أية مقدمات دفع الجيران باب المنزل متجهين بخوف إلي حجرة التلفاز ليجدوا "محب" محاط بدماء "قمر" الساقط جسدها علي الأرض ورأسها المغطي بحطام الزهرية والدماء..
ليشهد الجميع علي بشاعة ما تعرضت له "قمر" ليشهد الجميع علي أن دمائها سالت علي يد من صافحت يد والدها واعدة إياه بالمحافظة عليها..
و ها هو الآن يقف ودمائها تحوم من حوله كأنها تعقد له محاكمة عاجلة أساسها الانتقام وليس العدل..
لأنه إن كان هناك وجود للعدل ما سالت دماء فتاة لأنها رفضت الخضوع لتقاليد مجتمع عقيم..
....
ألقي "ياسر" بهاتفه المحمول علي الطاولة المقابلة له وعلامات الضيق الممزوج بالقلق ترتسم علي شفاهه لتدلف "مريم" إلي الحجرة وعلامات الإرهاق تكسو ملامح وجهها بينما معدتها الكروية تسبقها بمسافة سنتيمترات تزف نبأ قدومها ل"ياسر" الذي رغماً عنه ارتسمت ابتسامة خافتة علي ملامح وهو يري زوجته باتت أشبه بالكرة بمعدتها المنتفخة تلك..
اكتست ملامح "مريم" بحزن طفولي وهي تجلس بجوار "ياسر" قائلة بنبرة طفولية:أتبتسم سخرية علي كرتي تلك!! أليست تلك الكرة تحمل ابنتك !!
وبلا تخطيط من "مريم" استطاعت محو وساوس "ياسر" القلقة ليُصدر قهقهة خفيفة وهو يحيط بكتفها بذراعه قائلاً بنبرة مزاح:أنا لا أسخر من تلك الكرة أبداً يا حبيبتي ولكن أعذريني فكيف لي لا ابتسم علي قصر قامة ممزوج بانتفاخ كروي في منتصفها ؟!
ابتسامة خافتة ارتسمت علي ملامح "مريم" التي سارعت بوكز "ياسر" في كتفه بدلال لتكمل حديثها بنبرتها الطفولية تلك قائلة:حقاً!!حسناً حسناً عندما تأتي ابنتنا سأخبرها أن أباها كان يكون عنها كرة
امتزجت ضحكات "ياسر" الصاخبة بضحكات "مريم" التي سرعان ما التقطت هاتفها لتصوير بعض لحظاتها الممتعة مع "ياسر" علي طريقة الصور "السيلفي"..
ترك "ياسر" زوجته للاستكمال جلسة التصوير الجنونية تلك ليتجه إلي المطبخ لإعداد كوب شاي له..
ثواني معدودة مرت بهدوء علي "ياسر" ليقطعها صرخة "مريم" باسمه ليهرول "ياسر" إليها..
دلف "ياسر" إلي الحجرة ليري مياه حول "مريم" التي باتت أصوات صرخاتها تزداد في الثانية الواحدة..
لا يعلم "ياسر" من كيف استطاع الوصول إلي حجرتهم ليحضر لها إسدالها ومن ثم اتجه لحملها بين ذراعيه منطلقاً بها إلي المستشفي..
لحظات جنونية مرت علي "ياسر" في سيارته كان سيلقي فيهم حوادث لا حصر لها بسبب قلقه الممزوج بخوفه من صرخات "مريم" ومن أن تلد بدايات شهرها التاسع..
ولكن بالرغم من القلق الذي سيطر علي أوصاله كانت ضربات قلبه تعزف لحن سعادة لأن شوقه المدفون بين ضلوعه منذ شهور سينتهي وسيحمل ابنته بين ذراعيه..
ساعتين بالتمام مروا علي "ياسر" الواقف في بداية رواق حجرة الولادة بجبينه الذي باتت مساحته غير كافية لاستيعاب قطرات العرق تلك بينما أهل "مريم" و"ياسر" انضموا إليه بمجرد أن دلفت "مريم" إلي حجرة الولادة لتسود علامات التوتر علي أجواء ذاك الرواق..
دلفت الطبيبة خارج الحجرة وابتسامة هادئة ترتسم علي شفتيها لتزف خبر ولادة "مريم" لابنتها الأولي علي خير..
ليفوز "ياسر" بلقب "أبو تميمة " بينما "تميمة" تلك الطفلة التي لم يتعدي طولها طول يد "ياسر" فازت بقلب "ياسر" بمجرد أن حملها بين ذراعيه..ليتطاير عقله فرحاً لحمله لجزء منه ومن حبيبة عمره..
...
في المستشفي السابقة كانت أجواء السعادة تسيطر علي قلوب الجميع قبل ملامحهم..ولكن إذا دققنا النظر في تلك المستشفي في صعيد مصر..
نجد ملامح ذهول ممزوج بقلق ترتسم علي وجه "محب" الجالس علي أحد مقاعد المستشفي أمام حجرة العمليات.
يجلس بمفرده مسنداً رأسه إلي الخلف بعد أن استولي غضبه علي عقله ليصرخ في جيرانه من أهل القرية ليمنع أي فرد منهم من المكوث معه في المستشفي..
ليبدأ "محب" في إيجاد مبررات يعرضها أمام الجميع لفعلته المشينة تلك لترتسم ابتسامة خبث علي ثغر مصحوبة بتنهيدة اللامبالاة الخاصة به دون التفكير ولو لثواني في فتاة بين الحياة والموت بسببه..
لتبقي أفكاره الشيطانية هي المسيطرة علي عقل شخص لا يكترث إلا للمال..
لتأتيه نبرة "منير" الغاضبة لتقتلعه من تفكيره تلك وهو يصيح به قائلاً:أنت يا معتوه تفعل ذلك بابنتي؟! أنت تضربها بيدك تلك
قام "محب" من موضعه بملل وهو يدفن عود تبغه بين شفاهه لينطلق منها دخان يتراقص حول "محب" الذي قال بنبرة شيطانيه ممزوجة بسخرية:ألم تزوجها لي بتلك الطريقة؟! ألم تلقنها "علقة موت"!! تأتي لي الآن لتحاسبني علي كيفية صفعي لابنتك التي ألقيت بها تحت قدمي !! أتطلب مني المحافظة علي ابنتك التي لم تحافظ أنت عليها؟!
بالرغم من السخرية الواضحة في حديث "محب" إلا وكان حديثه هو الحقيقة..
الحقيقة التي حاول "منير" إخفائها مراراً وتكراراً..الحقيقة بأنه السبب فيما حدث لتلك الفتاة القاطنة بحجرة عمليات بسبب ضرب تلقته من رجل أجبرت علي الزواج به بسبب أب لم يأبي لها بقدر اهتمامه بتنفيذ معتقداته العقيمة..
نبرة أشبه بالعويل انطلقت من شفاه "ناهد" التي حركت شفاهها المرتعشة قلق قائلة:لا وقت للعراك الآن..أنا أريد ابنتي..أين هي؟! ماذا فعلت بها؟!
بمجرد أن أنهت "ناهد" حديثها حتى دلف الطبيب خارج الحجرة وعلامات الحزن الممزوج بالذهول تكسو وجهه ليقول بنبرة تساؤل مرهقة:أين أهل تلك الفتاة؟!
وكأن حديث ذاك الطبيب ما كان إلا صدمة خوف كهربية صوبت إلي قلب والدي "قمر" لتمنحه "ناهد" الإجابة سريعة:أنا والدتها ..ماذا حدث لابنتي؟!
نظرات صوبت من الطبيب تجاه "منير" الذي بات يفهم أن تلك النظرات ما هي نظرات احتقار من رجل متعجب من أب يلقي بابنته بين ذراعي الشيطان لرجل فاز بلقب أب دفن براءة ابنته بإجبارها علي الزواج..
نبرة توضيح ممزوجة بحزن نبعت من شفاه "الطبيب" الذي قال:من الواضح أنها تعرضت لضرب مبرح وعلي فترات متواصلة لأن جسدها يحتوي علي كدمات من فترة طويلة أما عما حدث فمن الواضح أن جسدها ما عادت لديه القدرة علي تحمل الضرب لذلك أصيب طحالها بالتهتك واضطررنا إلي استئصاله ولحسن حظها أن فصيلة دمها النادرة كانت موجودة في بنك الدم لذلك استطاعنا تعويضه ولكنها الآن في حالة متهالكة بسبب الضربة التي تلقتها علي رأسها لذلك ممنوع عنها أية زيارات ريثما تريد هي
ما إن انهي "الطبيب" حديثه حتى ابتعد عن أنظار الجميع بإشمئزاز بينما ارتفعت يد "منير" لتحكم القبضة علي رقبة "محب" قائلاً بنبرة غضب:ماذا فعلت بابنتي؟! سأقتلك يا "محب" سأقتلك
احتفظ "محب" بنظراته الشيطانية ليخلص رقبته من يد "منير" قائلاً بنبرة سخرية:ابنتك لم تكن عذراء ولي الحق أن ألقن تلك العاهرة درسً
شعور بالعجز سيطر علي أوصال "منير" الذي شعر بشلل يصيب لسانه ويمنعه من الحديث بهيئة توحي بأنه يصدق ما قاله "محب" ولكن سرعان ما فاق من صدمته تلك علي صفعة صوبتها "ناهد" إلي "محب" وهي تقول بنبرة غضب ممزوجة بتوعد:ابنتي أشرف من عائلتك بـأكملها..ما فعلته بها ما كان إلا رد فعل من معتوه مثلك لأنها لم ولن تحبك وبقدر فرحتي بها ليلة إن ولدت إن اقتربت من ابنتي مرة أخرى سألتهم أحشائك
حالة من الصدمة سيطرت علي "منير" قبل "محب" بسبب تلك القوة التي امتلكتها "ناهد" وصوبتها تجاه "محب" دون خوف..
تلك القوة النابعة من قلب أم يتألم لجروح ابنتها..
اشتعل كيان "محب" غضباً ليلقي بعود تبغه تحت قدمه قائلاً بنبرة توعد:لولا أنكي سيدة كبيرة أصابها الجنون بسبب سنها الكبيرة لكنت لقنتك درسً كما لقنت ابنتك التي ستعود خادمة تحت قدمي
ما إن أنهي "محب" حديثه حتى سار خارج المستشفي بسرعة البرق بينما هوت "ناهد" بجسدها علي أحد المقاعد قائلة بنبرة جمود:إن كنت ستصدق حديثه فمن الأحسن أن تذهب لمباشرة أعمالك
...
حل الليل سريعاً علي أبطالنا..
فحال "قمر" كما هو لم تفق بعد من أثر المسكنات التي حقنت في جروحها لتعزلها قليلاً عن ذاك العالم العابث..
أما عن "حمدي" فمازال ماكثاً في حجرته حيث كانت "نسمة" تشاركه به...
بينما كانت "مريم و ياسر" هم الأكثر سعادة من بين الجميع فبحمد الله كانت ولادة "مريم" متيسرة إلي حد ما ولأن حالة الأم والطفلة ممتازة أذنت الطبيبة لهن بالخروج لتنطلق سيارة "ياسر" ب"مريم" إلي منزل والديها..
ولعدم رد "فادي" علي مكالمات صديقه..بعث له "ياسر" نصية مكونة من ثلاث حروف وهي
"شقيقك أصبح أب"
مع دقات الساعة العاشرة مساءً..
تحسست "مريم" بإصبعها بشرة وجه "تميمة" لتحرك شفاهها بنبرة فرحة ممزوجة بعدم تصديق:كم هي جميلة يا "ياسر" !! انظر كيف تحرك جفونها؟!
وقعت عيني "ياسر" علي أصابع ابنته التي تلتف حول إصبعه كأنها تريد إخباره بأنه من اليوم صارت جزء من قلبه..وصار هو مسئول عن حمايتها وإدخال الطمأنينة إلي قلبها..
لترتسم ابتسامة فرحة علي ملامح "ياسر" الذي انخفض بشفتيه ليطبع قٌبلة علي جبين ابنته ومن ثم قال بنبرة مزاح:ولكن هي صغيرة جداً علي حجم الكرة التي كنتي منتفخة بها
قهقهة خافتة نبعت من "مريم" التي تألمت من آثار جرحها قائلة بنبرة عتاب طفولي:حقاً!!أتسمعين يا "تميمة" لحديث والدك..إنه يسخر من ذاك الانتفاخ الكروي حيث كان مسكنك
قهقهة شبه صاخبة نبعت من "ياسر" الذي قال بنبرة مزاح ممزوجة بفرحة:لا تسمعي لها يا ابنتي إنها كرة منتفخة استمعي لي أنا فقط..
قطع ذاك الحديث المرح..صوت طرقات علي باب حجرة "مريم" من والدتها وهي تقول: "فادي" في الخارج يا ابنتي
وضع "ياسر" طفلته في فراشها بينما أسرعت "مريم" بارتداء حجابها ومن ثم دلف "فادي" إلي الحجرة وابتسامة فرحة ترتسم علي ملامحه...
قدم "فادي" هدية الطفلة إلي والدتها والتي كانت عبارة عن قلادة ذهبية وصندوق خشبي باللون البمبي يحوي بعض الملابس والألعاب الصغيرة وما شابه ذلك..
من كل ذاك التمثيل الذي ابتدعه "فادي" كان أدائه ذلك مكشوف أمام صديق عمره الذي شعر برجفة عيني "فادي" الحزينة واللون الأحمر الذي يكسيها ونبرته السعيدة التي تخفي في حقيقتها آلام..
نبرة طلب ممزوجة بفرحة انطلقت من شفاه "فادي" الذي قال:هل لي بحملها؟؟!
اقتلعت نبرة "فادي" الهادئة "ياسر" من شروده ليقول بنبرة موافقة:بالطبع
حمل "ياسر" ابنته بحذر ومن ثم ناولها ل"فادي" الذي التقطها بهدوء ممزوج بفرحة وشفاهه تهمس باسم الله..
تلك الصغيرة التي لم تكمل لتوها ساعات معدودة استطاعت بملامحها أن تقتلع "فادي" من آلامه كلها بل وتبدلها بفرحة لترتسم ابتسامة خافتة علي ملامحه ليقترب من أذن "ياسر" هامساً:سأخبرك بكل شئ ولكن دعنا في تلك الفرحة التي غزت قلوب الجميع
ما يقارب النصف ساعة..قضاها "فادي" وهو يحمل طفلة صديقه وجو من الهدوء النسبي يسود الحجرة إلا أن بدأت "تميمة" في البكاء ليدلف "فادي و ياسر" خارج الحجرة تاركين ل"مريم" الفرصة لإطعام ابنتها..
اتجه "ياسر" بصديقه إلي شرفة المنزل ليجلسوا علي مقاعدها البلاستيكية ليبدأ "فادي" في سرد ما دار بينه وبين والده محتفظاً ببعض تفاصيل حياة والدته إلي نفسه لينهي حديثه قائلاً:لذلك لم أستطع الرد علي مكالماتك لأنني نمت قليلاً بعد جرعة البكاء التي نزفتها
مرر "ياسر" أصابعه بين خصلات شعره بذهول مصحوب بتنهيدة حزن في محاولة لاستيعاب حديث صديقه واستيعاب فكرة أن "فادي" سمح أخيراً لدموعه بالهبوط..
أكمل "فادي" حديثه بنبرة لامبالاة ممزوجة بندم:أتعلم؟!كنت مخطئاً جداً عندما ظننت أن حبس دموعي قوة ولكنني لم أكن أعلم أنها جرعة تشفي آلامك لتساعدك علي تجديد قوتك
نبرة ضجر ممزوجة بألم نبعت من شفاه "ياسر" الذي قال:وهل ستظل في ذاك الفندق؟!
ارتشف "فادي" قليلاً من كوب العصير قائلاً بنبرة لامبالاة:من الواضح أنه سيكون كذلك ريثما أجد حجرة لي وأحادث "بسام" الذي يغلق هاتفه من الصباح
نبرة حزم ممزوجة ببرود نبعت من شفاه "ياسر" الذي قال:أتدري إن علم والدي بأنك تمكث في فندق ماذا سيفعل بك وبي؟!!أتدري؟!!
ارتسمت علامات الضيق علي ملامح "فادي" الذي قال بجدية:ما تفكر به لن يحدث
ارتشف "ياسر" القطرات الأخيرة من مشروبه ليقول بنبرة عند:أنا من الأساس سأذهب معهم ريثما تتعافي "مريم" وأعود إلي منزلي وإلي أن ننهي مسألة "محب" ستمكث في ذاك المنزل حيث كنا نمضي ساعات وساعات
...
عقدت حاجبيها بتعجب لتحرك شفتيها بعدم فهم قائلة:ما تلك الأسطوانة؟!
ارتشف "هاني" القطرات الأولي من كأس الفودكا قائلاً بنبرة مهنئة:ذاك هو الفيلم الذي يهددك به "محب"
خيل ل"إسراء" أن عقلها الباطل هو من صاغ تلك الكلمات لتعيد السؤال علي "هاني" وتتلقي نفس الإجابة لتصوب صدمة فرحة كهربية إلي أوصالها لتتسع عينيها فرحة ممزوجة بذهول قائلة بنبرة عدم تصديق ممزوجة بخوف:أنا حقاً لا أعلم كيف أشكرك!!حقاً لا أستطيع تجميع الكلمات!!ولكن إذا شعر "محب" بضياع تلك الأسطوانة؟!
أشعل "هاني" تبغه بلامبالاة ليحيط دخانه به و ب"إسراء" التي بات يشعر برجفة جسدها ليقول بنبرة ثقة :لن يشعر بغيابه من الأساس لا تقلقي
أعاد "هاني" إطلاق دخان تبغه حول "إسراء" بحركة ماكرة ليقول بنبرة خبث:ألم يحن الوقت الآن لعمل بروفة تمثيلية لذاك الفيلم في الداخل
"تحررني من مخالب معتوه لتضعني بين فكي شيطان" ذاك ما حادثت به "إسراء" نفسها وهي تراقب عيني "هاني" التي باتت تلتقط صورة توضيحية لكل تفصيلة في جسدها لتطلق "إسراء" تنهيدة ضجر ومن ثم ترسم ابتسامة دلال مزيفة لتقول بنبرة أسف ممزوجة بإحراج:أعذرني تلك الأيام فقط يا حبيبي لأن لدي عذر
ارتشف "هاني" قطرات إضافية من الفودكا قائلاً بنبرة فهم مستوعبة:حسناً ليست هناك مشكلة
....
اضطر "فادي" للمكوث في منزل أهل "ياسر" اللذين رحبوا به بأقصى درجة كأنه أحد أطفالهم ولحسن الحظ أن "ياسر" كان بجانب صديقه في المساء عندما علم "فادي" بما فعله "محب" ب"قمر" عن طريق رسالة "بسام" التوضيحية وبأعجوبة استطاع "ياسر" محو فكرة "فادي" الجنونية بالذهاب إلي النوبة..
ليمر يومين علي أبطالنا..
تحادث فيهم "بسام" مع "منير" لمرتين كان الغضب هو السائد فيهم فقد استطاع "بسام" بكلماته القوية تضعيف إحساس الندم في وجدان "منير"
بينما لسوء حظ "إسراء " أنها كانت في إجازة وبذلك لم تستطع مقابلة "فادي" الذي لم يرد نهائياُ علي مكالماتها طيلة اليومين لتبعث له برسالة تشرح فيه ما حدث من "هاني"..
أما عن "محب" فوجد في مكوثه في الأقصر فرصة لتنقية ذهنه لوضع خطة شيطانية ل"قمر"..
"قمر" التي رفضت نهائياً مقابلة أي فرد من أسرتها حتى "بسام" لتطلب منهم فرصة لتركها بمفردة..
فرصة لتلملم شتات نفسها التي بعثرها والدها وذاك المعتوه..
أما عن "فادي" فبالرغم من محاولات "ياسر" لعقد الهدنة في نفسه إلا أنه بات يعبث لإيجاد طريقة يعلم بها مكان ذاك المخبأ وإيجاد طريقة للاطمئنان علي "قمر" ريثما يستطيع "بسام" الجلوس معها بمفرده..يتبع......
#نورهان_حسنى
أنت تقرأ
في أرض النوبة للكاتبه نورهان حسني
Mystery / Thrillerبسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته المقدمة "كرم.. شجاعة.. انتماء" صفات تلخص مشوار هذه المدينة السمراء النوبة ؛ أو كما أطلق عليها عبر التاريخ أطيب المدن وأقدمها.. "مدينة التضحيات" قيل عنها فى حكايات أخرى، وعلى الرغم من تعدد صفات...