الفصل الثامن عشرلحظات صمت معدودة مرت علي "فادي" وهو يحاول عقد دراسة سريعة لما سيستفيد منه من ذاك الأمر بينما نظرة عيني "إسراء" التي ترجوه بألا يتركها بمفردها تواجه ذاك المعتوه..جعلت "فادي" يميل بنسبة كبيرة للموافقة ليقول بنبرة حاسمة:حسناً يا "إسراء" سنحاول إيجاد حل و إذا بعث لكي بشئ جديد أخبريني وسنجد حل ولكن لعلمك أيضاً أنا لسن بمفردي لذلك سيكون معي مساعدين..راجعي التفكير في الأمر إن أردتي
نبرة حب نبعت تلقائياً من شفاه "إسراء" التي قالت بلا وعي:المهم أن تكون أنت بجانبي
ارتشف "فادي" قليلاً من القهوة دون أن يبدي أي رد فعل لتدرك "إسراء" فعلتها ليكتسي وجهها حمرة من خجلها قائلة بنبرة أسف:أنا آسفة
نبرة لامبالاة ممزوجة بهدوء نبعت من شفاه "فادي" الذي قال:لا توجد مشكلة
استأذنت "إسراء" من "فادي" بعد أن شكرته علي قبوله بمساعدتها لتعود إلي عملها ويكمل "فادي" أعماله
...
رسالة ماجستير أبهرت الجميع بصياغتها المتمكنة حملتها الرياح في ثواني لتهوي بها إلي الهاوية لتتحطم أحلام تلك الباحثة المجتهدة مع صوت ارتطام الأوراق بالأرض ليتحطم حلم آخر لها بسبب تقاليد عقيمة من والدها الذي حرمها من حق الدفاع عن نفسها ظناً منه بأنه هكذا سيأدبها ولكن في الحقيقة ما زادها هو إلا إصرارً..
دمعة لؤلؤية تدحرجت في عيني "قمر" التي تجلس علي أرضية حجرة التلفاز وأمامها مجموعة كتب من ذكريات الثانوية العامة..
تناولت "قمر" دفتر مذاكرة خاص بمادة اللغة العربية لتلتقطه بشغف لتفتحه من المنتصف...
ارتسمت ابتسامة شوق لتلك الأيام وهي تقرأ الكلمات التي تزين الصفحات باللون الأزرق..باتت "قمر" تتنقل بين الصفحات بشغف لتبعث فيها تلك الذكريات الحنين لتلك الأيام ..
فاقت "قمر" من شرودها علي نبرة غضب ممزوجة بضجر نبعت من شفاه "منير" الذي قال:أنتي مجرد زائرة ليس أقل لا يحق لكي التمتع بالجلوس في المنزل..عودتي إلي حجرتك حتى يأتي زوجك ذاك
أغلقت "قمر" عينيها بألم لتلتقط بعض الدفاتر الخاصة بها لترفع عينيها قائلة بنبرة جمود:حاضر
زفر "منير"بملل ممزوج بضجر قائلا بنبرة أمر:أتركي تلك الدفاتر
قامت "قمر" من موضعها بإصرار لترفع عينيها قائلة بنبرة عند ممزوجة ببرود:تلك الدفاتر تخصني أنا ولن أتركها
خطوتين متتاليتين بثقة تحركت بهم "قمر" في اتجاه حجرتها لتتجمد مكانها من قبضة "منير" الغاضبة قائلا:لن تتحركي بتلك الدفاتر
لم تهتم "قمر" بأمر الدفاتر بقدر اهتمامها بإثبات قوتها أمام والدها لتفلت يدها بضجر قائلة:تلك الدفاتر حقي
ما إن أنهت "قمر" حديثها حتى اتجهت إلي حجرتها لتأتيها نبرة والدها الغاضبة قائلاً:إلي أن يأتي زوجك لا أريد أن أري وجهك خارج حدود حجرتك
تمسكت "قمر" بمقبض باب الحجرة لتلتفت إلي والدها بنبرة عند ممزوجة ببرود:ذاك المعتوه لا يٌعد زوجي..ليس بذنبي أنك تعتبر تلك الجريمة زواج
دلفت "قمر" إلي حجرتها لتهوي بها قدمها أرضاً بعد أن أسعفتها أمام والدها الذي أغلق ألف باب وباب علي قلبه أمام ابنته..
ابنته التي كانت ترجو أن تلمح نظرة عطف بين جفونه لتلتقطها من ذاك المعتوه..ولكن والدها بنظرته الجامدة تلك قضي علي حنين ابنته له..
ابنته التي كانت ترجو ضمة حانية منه تدوم ولو لثانية فقط لعلها تشفي جروحها التي تبعث الألم لجسدها الذي بات محرم عليه الراحة.ولكن والدها بنبرة الغاضبة تلك جعلها تلعن احتياجها له..
تنهيدة طويلة أخذتها "قمر" بألم لتكفكف دموعها بسرعة لترتسم علامات البرود علي ملامحها ولكن بات الآن البرود تجاه والدها الذي قطع يد المساعدة عن ابنته..
عكفت "قمر" علي دفاترها الدراسية تستعيد منها ذكريات الدراسة وأصدقائها وليالي المذاكرة مع "بسام" وكل كلمة كتبتها في صفحة ما للمزاح مع صديقتها أو لطلب معلومة ما..
....
رفع "فادي" ساعة يده في مستوي نظره ليجد أن الساعة باتت الثالثة والنصف عصراً ليرفع "فادي" حقيبته الشخصية علي كتفه متجهاً إلي السرداب حيث توجد دراجته البخارية وهو منشغل بإرسال رسالة إلي "وائل" يخبره بأنه يريد لقائه في الغد..
التقطت عدسة عيني "فادي" صديقه "ياسر" الذي يجلس علي دراجته عاقداً يده أمام صدره ليزفر "فادي" بضجر متجهاً إلي الدراجة قائلا بنبرة ضيق:عن أذنك أريد الذهاب بدراجتي
خلع "ياسر" نظارته الشمسية لتظهر نظرة عينيه التي تنم عن راحة لم تزور عينيه من أيام..عقد "فادي" حاجبيه بتعجب بينما "ياسر" لم يبدي أي إشارات سوي رجفة رموشه التي توحي بأن الأمور ليست علي ما يرام..
صداقة دامت أكثر من 25 عام كانت كفيلة ل"فادي" بفهم نظرة عيني صديقه التي تحوي بأن تلك اللحظة ليست بحاجة لحديث الشفاه بل إنها بحاجة ماسة لضمة بين ذراعي صديقه ليشارك آلامه بين ضلوع صديقه..
علامات من الحزن الممزوج بالحيرة سيطرت علي ملامح "فادي" الذي أحاط كتف صديقه بذراعيه في ضمه هادئة ارتفعت فيها شهقات بكاء "ياسر"..
طالما اعتاد كتف "فادي" علي رأس صديقه التي يدفنها فيه لكتم ضحكاته في مزاح بينهم ولكن ها هي الآن تكوي حزناً علي دموع "ياسر" التي تغزوها بسرعة البرق لتبعث في قلب "فادي" القلق ليحرك يده المرتعشة علي ظهر صديقه لعل تلك اللمسة تخفف عنه ولو 1%.
ثانية تلو الأخرى وشهقات "ياسر" تعاني من ذبذبة ارتفاعها وانخفاضها فجأة لتمر خمسة دقائق بالتمام ليرفع "ياسر" رأسه من علي كتف "فادي" الذي يطلق له نظرة تساؤل ممزوجة بقلق ليأتيه صوت "ياسر" المشتت من البكاء قائلاً:منذ أكثر من شهر وأبي يعاني من سرطان في الكبد ولم يٌعلم أحد سوي والدتي حتى أختي لا تعلم حتى الآن
اتسعت عيني "فادي" صدمة لتأتيه نبرة "ياسر" الذي يكفكف دموعه قائلاً:لم أعلم إلا من أسبوع عندما طلبت مني أمي أن أذهب لهم في المنزل بعد انتهاء دوام العمل وهناك علمت ما حدث وأنه يجب السفر إلي فرنسا لإجراء ملية لاستئصال الورم و أبي لم يكن لديه أية نوايا لإخباري إلا عندما عجز عن تدبير باقي المبلغ لذلك أخبرتني أمي بدون علمه
تنهيدة طويلة أطلقها "ياسر" ليتبعها بنبرته الحزينة قائلاً:لذلك كانت نبرتي حادة في آخر مكالمة بيننا ولكن الحمد لله دبرنا المبلغ وسافر أبي في اليوم التالي لمعرفتي وهو الآن يجري الجراحة لاستئصال الورم و والدي مصمم ألا يعلم أحد إلا عندما ينتهي الأمر بل ورفض سفري معه حتى لا نبعث القلق في نفوس أحد بل اصطحب والدتي لتظهر وكأنها رحلة ترفيهية
وكز "فادي" صديقه في كتفه قائلا بنبرة حزن ممزوجة بعتاب:منذ متى وأنت تحزن بمفردك يا "ياسر"؟!منذ متى و أنا أبعث برسالة لك علي هاتفك ولا ترد ؟!
أكمل "فادي" حديثه بنبرة لوم ممزوجة بحزن قائلاً:هل تأتي بعد أكثر من25عام وتطلب أن تبقي بمفردك في ذاك الموقف !! أتعلم ما الذي أريد فعله؟!
نبرة حزن ممزوجة بتساؤل نبعت من شفاه "ياسر" الذي قال:ماذا؟!!
أحاط "فادي" كتف صديقه بذراعه الأيمن قائلا بنبرة خبث ممزوجة بمزاح:أبرحك ضرباً كما كنا نفعل في الفريق المنافس عندما نخسر مباراة
انفلتت ضحكة خافتة من شفاه "ياسر" ليرتب "فادي" علي كتفه بحنان قائلاً:تعال لنجلس في أي مقهى ريثما تطمئن علي والدك
اتجه الصديقان إلي مقهى بجانب الشركة ليمضيان ساعة ونصف وهما يتسامران بمزاح يخفي في طياته قلق "ياسر" و"فادي" علي والد "ياسر" إلي أن بعثت له والدته برسالة تخبره بأنه الجراحة تمت بنجاح وأن والده سيعود بعد أسبوعين..
استولت الراحة علي كيان الصديقين ليتجه كلاً منهما إلي منزله علي وعد بلقاء غداً يجمعهم ب"وائل وبسام" لدراسة موقف "هاني" ذاك وما يمكن الاستفادة منه
...
أما عن "هاني" فقد أقنعه حديث "محب" بأنه لا يجب عليه المكوث في الجبل نهائياً لأنه بذلك يغلب عيني الداخلية إليه التي ستعبث ورائه للوصول لدليل يفسر غيابه المفاجئ لذلك استمع "هاني" لنصيحة صديقه ومكث معه في استراحة "محب" في الأقصر..ليمضي يومين وهما يبحثان علي أي دليل لإيجاد المتسبب في ذاك الحادث الذي أطاح ببضاعة بملايين عطشوا من أجلها السوق لشهور..
مع دقات الساعة الثانية ظهراً..
احتسي "هاني" الرشفة الأخيرة من كوب عصيره قائلاً بنبرة توديع:حسناً سأنهي أمر التجار اليوم لا تقلق
حرك "محب" رقبته يميناً ويساراً بإرهاق قائلاً بنبرة ماكرة:الأهم ألا تنسي إذا فكر أحد في تهديدنا أقلب عليه الطاولة بالأوراق التي معك تلك
أرتدي "هاني" حلته السوداء قائلاً بنبرة تأكيد ممزوجة بضجر:الأسوء أننا سنوقف نشاطنا لمدة
اكتست ملامح "محب" بعلامات الضيق الممزوج بالتوعد وهو يشعل تبغه قائلاً:الأهم عندي الآن أن نصل لمن يتسبب في كل ذلك ومن ثم سنعود لإحياء نشاطنا لأن العبث مع الداخلية الآن لن يقدم سوي المتاعب لنا
أومأ "هاني"رأسه موافقاً ليحمل سلسلة مفاتيحه ويتجه إلي خارج المنزل بينما بدأ "محب" في تهيئة نفسه للذهاب إلي المخازن ومن ثم قرر في نفسه أن يذهب إلي النوبة لليلة لعله يحظي بما يرجوه من "قمر"..
بينما "محب" منشغل بإعداد مصيدة للإيقاع ب"قمر" آتاه صوت رنين جرس الباب ليتجه لفتحه بضجر..
اتسعت عيني "محب" بصدمة اختفت في نظرته التي تشع لامبالاة بينما قابلها ذاك الشرطي بنظرة توعد ممزوجة بتساؤل ليحرك شفاهه قائلاً:أستاذ "محب".!
علامات من الضيق صاحبت نبرة اللامبالاة النابعة من شفاه "محب" الذي قال:نعم؟!
نبرة ثقة ممزوجة ببرود نبعت من شفاه ذاك الشرطي الذي قال:رئيس المباحث يريدك لإحتساء كوب من القهوة معه
أكمل ذاك الشرطي حديثه بنبرة مرتفعة نسبية قائلاً:الآن
علي الجانب الآخر..تحديداً في قسم الشرطة..
ارتشف "وائل" قطرات العصير الأخيرة قائلا بنبرة توضيح:لا يوجد أمامنا دليل يؤكد حديث ذاك الرجل لذلك كان يجب أن يكون اللقاء المبدئي هنا دون استعداء في القاهرة حتى نستطيع التوصل لحل ما
نبرة قلق ممزوجة بتنبيه نبعت من شفاه "رئيس المباحث" الذي قال:ولكن أحذر من ألاعيب "محب" هذا!! لن يصمت لما ستخبره به
حرك "وائل" رقبته بإرهاق قائلاً بنبرة ضجر ممزوجة بتوعد:أنا أعلم أنا حديث ذاك الرجل لن يكون دليل قاطع ولكنني لن أترك "محب" ينعم بحياته كثيراً
ارتفعت طرقات مستأذنة علي باب المكتب ليأذن "رئيس المباحث" بالدخول..ليدلف إلي الحجرة "محب" في صحبة ذاك الشرطي..
قام "رئيس المباحث" من موضعه قائلاً بنبرة عادية:سأتركك الآن بمفردكم أيها النقيب إن أردت شئ أنا في الحجرة المقابلة
أومأ "وائل" رأسه موافقاً..بينما ارتفعت نبرة "محب" الغاضبة قائلاً:أنا هنا لمقابلتك..هل من الممكن معرفة سبب كل ذلك؟!
لم يظهر "رئيس المباحث" أي رد فعل وإنما دلف خارج الحجرة ليقول "وائل" بنبرة خبث:أجلس فقط ومن ثم سنتحدث
زفر "محب" بملل ممزوج بضجر ليجلس علي المقعد المقابل ل"وائل" قائلاً بغضب:هل لديك توضيح لكل هذا؟!
أسند "وائل" ظهره إلي مسند مقعده قائلا بنبرة باردة:بالتأكيد أنت تتابع الأخبار وتعلم أن الداخلية استطاعت من يومين الفتك بصفقة مخدرات كانت ستدمر شباب بلدنا
لم يظهر "محب" أي رد فعل بالرغم من القلق الممزوج بالفضول الكامن في كيانه ليقول بنبرة لامبالاة:أعانكم الله
ارتسمت ابتسامة ساخرة علي وجه "وائل" الذي قال بنبرة ضجر:الأهم الآن أننا استطاعنا القبض علي بعض الرجال ومنهم رجل يلقب ب"عواد" ذاك الرجل أخبارنا في التحقيقات أنه يعلم لصالحك
أكمل "وائل" حديثه وهو يضع صورة أمام "محب" قائلا بنبرة برود:لذلك أردنا أن يكون اللقاء الأول بيننا ودي ونعلم منك هل تعلم ذاك الرجل
ألقي "محب" نظرة عابرة علي تلك الصورة ليزفر بغضب قائلا بنبرة لامبالاة:ذاك الرجل لا يعمل معي وإن استطاعت إثبات غير ذلك أبعث لي مرة أخري
نبرة عالية نسبية ممزوجة بغضب نبعت من شفاه "وائل" الذي قال:لم أنهي حديثي بعد
زفر "محب" بضجر ممزوج بلامبالاة ليقول بنبرة برود:وأنا أخبرت سيادتك أنني لا أعلم شئ عن ذاك الرجل
حديث دام لنصف ساعة..لم يغير فيهم "محب" كلاماته التي تنفي معرفته بذاك الرجل ليجبر "وائل" علي ترك "محب" بعد تأكده أنه يحصن نفسه بأقصى درجة..
...
ما إن أنهي "محب" ذاك اللقاء مع "وائل" حتى اضطر إلي إلغاء سفره إلي النوبة ومحادثة "هاني" ليخبره بضرورة حضوره بعد إنهاء المقابلات مع التجار لإنهاء مسألة "عواد" نهائياً..
ليمر أسبوع آخر علي أبطالنا والحال لم يتبدل كثيراً..الجميع مدفون في روتين حياته اليومية ذاك الروتين الذي استطاع الفتك براحة البال واستبدالها بالضجر من تلك الأيام التي تمر دون الشعور بها..
ذاك الروتين اليومي المختصر عن البعض من أبطالنا في إيجاد دليل لإثبات قضية ما شائكة..
وعند البعض فروتينهم اليومي يتلخص في الجلوس لساعات وساعات لا يعلمون مدها ولكنهم متأكدين بأنها كافية لتصوير كل لحظة ألم بصورة بطيئة..
في النهاية..وقع جميع أبطالنا ضحية للروتين اليومي وهو يبحثون عن حل لإنهاء مشاكلهم..
...
دلف "فادي" إلي مكتبه لإحضار الأوراق الخاصة بالوفد السياحي الذي سيرافقه في رحلته النيلية اليوم..
زفر "فادي" بغضب وهو يبحث عن ذاك الملف بين ملفات كثيرة يمتلأ بيها مكتبه إلي أن استطاع إيجاد ذاك الملف ليغلق درج المكتب بمفاتيحه وهو أن يقوم من موضعه آتته نبرة "إسراء" المستأذنة لتقول:هل لنا ببضع دقائق
نبرة ضجر ممزوجة بموافقة نبعت من شفاه "فادي" الذي قال:حسناً ولكن بسرعة لأنني ملتزم بموعد مع الوفد
ابتلعت "إسراء" ريقها بصعوبة قائلة بنبرة توضيح:أنت كما تعلم "هاني" بات يحادثني رسائل فقط وليس كثيراً أيضاً ولكنه في صباح اليوم بعث لي برسالة بأنه سيغيب لثلاثة أشهر
عقد "فادي" حاجبيه بتعجب قائلا بنبرة ضيق ممزوجة بتساؤل قائلاً:ثلاثة أشهر!؟لماذا كل هذا؟!!
مدًت "إسراء" شفتيها السفلية بجهل قائلة بنبرة أسف:عندما حاولت معرفة لماذا؟!أخبرني أنه لعقد صفقة ملابس لعلها تداري خسارة صفقتهم التي أحرقت ولكنني لم أقتنع بذلك وهو لم يقول شئ آخر
مرر "فادي" أصابعه بين خصلات شعره بضجر ليقول بنبرة سريعة:حسناً يا "إسراء" أنا سأبلغ "وائل" لمعرفة أبعاد ذاك الموضوع ولكنه إن حادثك في فترة سفرك فحاولي استخلاص معلومة منه
أومأت "إسراء" رأسها موافقة لتقول بنبرة إحراج ممزوجة بطلب:هل لي بكلمة أخرى؟!
التقط "فادي" سلسلة مفاتيحه قائلا بنبرة موافقة:حسناً ولكن فلنكمل حديثنا في وأنا هابط إلي الحافلة لأنني سأتأخر هكذا
قامت "إسراء" من موضعها بإحراج لتسير علي مسافة من "فادي" الذي يعبث بالملف الذي في يده منتظراً حديث "إسراء"..
"الحب من طرف واحد" جملة بالنسبة إلي البعض قاتلة..جملة تصيبهم بصدمة كهربية لأنها تعيدهم إلي ذكريات ماضي قاتلة ..
ولكن؟! لم يتذوق الكثير مننا مرارة "عشق إنسان أنت بذاتك تهيئ له الطريق للإرتباط بغيرك" !!
ذاك الشعور ليس بمرض خبيث يفتك بك..ولا بآلام ستداويها الأيام..ذاك الشعور ما هو إلي نهاية حتمية لقلب بات متيقن أن من يناجي ربه بأن يكون نصيبه بات نصيب شخص آخر..
ذاك الشعور يفقدك الأمل في أن العشق الذي يسري في شرايينك بات محرماً عليك..
ذاك الشعور يفقدك القدرة علي الاستكمال ويحولك من عاشق إلي جسد بلا روح ..
ذاك ما كانت تشعر به "إسراء" في كل لحظة تختلس فيها النظرات إلي "فادي" لتجد نظرات حب بل بالأحق هي عشق ولكن لغيرها..
ولكنها لم تسلم من شيطانها الذي بات يسوس لها بإبلاغ "محب" عما ينوي "فادي" علي فعله ولكن بصحوة غضب من قلبها يلقن عقلها درساً بأن القلب العاشق لا يؤذيه عاشقه حتى ولو كان ذاك الأذي سيجعل عاشقه بين يديه..
كلمات مرتعشة جمعت جملة واحدة تحمل في معانيها أسئلة كثيرة تدور ببال "إسراء" التي قالت:لماذا لم تحبني أنا؟!
لحظات معدودة تجمد فيها "فادي" في موضعه لتستولي علامات الذهول الممزوجة بالتشتت علي ملامحه لتعقد لسانه لثواني معدودة..ليبلع فيها "فادي" ريقه قائلاً بنبرة جمود ممزوجة بتعجرفه المعتادة:"إسراء" لا داعي لذاك الكلام لأنه لن يفيدك في شئ
نبرة أوشكت علي البكاء نبعت من شفاه "إسراء" التي قالت:لا داعي؟! ألا تشعر بما في يحدث لي!! أنا أمهد الطريق لك بأن تكون بجوار حبيبتك وأنا من أحببتك قبلها..أنا من ناجيت ربي مراراً وتكراراً بأن تكون لي أنا
سيطرت علامات الغضب علي ملامح "فادي" الذي بات جاهداً في محاولة السيطرة علي ذاك الغضب ليقول بنبرة حسم:وأنا ناجيت وسأناجي وأناجي ربي في كل سجدة بأن تكون حلالي لأن ليس لقلبي عذراً يقدمه لكي لأنني عشقتها هي بدلاً عنكي
جملة أنهي بها "فادي" حديثه لينطلق إلي الحافلة تاركاً "إسراء" في صدمتها ..صدمتها التي حملت لها حقيقة كانت تحاول جاهدة إخفائها..يتبع.......
#نورهان_حسنى
أنت تقرأ
في أرض النوبة للكاتبه نورهان حسني
Mystery / Thrillerبسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته المقدمة "كرم.. شجاعة.. انتماء" صفات تلخص مشوار هذه المدينة السمراء النوبة ؛ أو كما أطلق عليها عبر التاريخ أطيب المدن وأقدمها.. "مدينة التضحيات" قيل عنها فى حكايات أخرى، وعلى الرغم من تعدد صفات...