الفصل التاسعمر يومين بدون أحداث مهمة تذكر والهدوء يعم حياة جميع أبطالنا عدا "إسراء" التي أصبحت كالهيكل العظمي تتغذي علي بعض اللقيمات من أجل ذاك الوحش الذي يأتي لها كل ليلة ليتغذي عليها..
أعلنت إذاعة القرآن أن الساعة باتت الثانية عشر لمنتصف الليل..لتلتفت "قمر" بجسدها إلي الراديو الموضوع بجوارها لترفع الصوت قليلا وتعيد نظرها إلي جهاز "اللاب توب" الذي يبعث شعاع ضوئي هادئ يخفف من حدة ذاك الظلام الذي يحيط بالحجرة...
حركت "قمر" رقبتها يمينا ويسارا لعل ذاك الألم الذي يتحكم منها يهدأ قليلا بينما ارتفع صوت إشعار بوصول رسالة علي حسابها الخاص علي الفيسبوك..
أخفضت "قمر" نظرها قليلا بلامبالاة لتتسع عينيها بصدمة ممزوجة بتشتت تحكم فجأة من أوصالها..
إشعار برسالة باسم "fady hamdy" جعل "قمر" تشعر وكأن جهازها الخاص يصوب إشعاعات كهربية ينتفض لها جسد "قمر"..إشعاعات كهربية جعلت دقات قلبها تتسارع و كأنها في سباق عدو من أجل قراءة نص الرسالة الذي يحتوي علي بعض المعلومات من أجل رسالة الماجستير الخاصة ب"قمر" ..
و كأي أنثي فضولية تحرك إصبع "قمر" لفتح صفحة "فادي" الخاصة وباتت تتنقل في تلك الصفحة التي تحوي الكثير والكثير من صور "فادي" مع أصدقائه في حفل معين أو مناسبة معينة أو رحلة ما والكثير من المنشورات المرحة بينه وبين أصدقائه..
في النهاية توصلت "قمر" إلي أن تلك الصفحة ما هي إلا صورة مصغرة من "فادي" تعكس غموضه وتعجرفه ومرحه الذي يظهر فقط مع أصدقائه..
ابتسامة لم تستطع "قمر" تفسيرها ارتسمت علي ثغرها وهي تفتح محادثة "فادي" لتكتب حرف وسرعان ما تزيله لتبقي علي هذا الحال قرابة خمس دقائق..لتزفر "قمر" بضيق وتغلق عينيها لمدة ثواني معدودة ومن ثم تفتحها مصوبة إيها للوحة المفاتيح لتكتب:و عليكم السلام أولا..ثانيا شكرا علي تلك المعلومات كثيرا ولمجهودك..ثالثا كيف هي أحوالك ؟!
علي الجانب الآخر..كان "فادي" يمدد جسده علي أريكة وقدمه علي الطاولة وعليا طبق كبير من رقائق البطاطس ..يشاهد فيلم أجنبي بصحبة أبيه الذي يجلس صامتا يتأمل ابنه الوحيد الذي بات يشعر وكأنه غريب عليه..
زفر "حمدي" بحزن ممزوج بضيق وهو يتأمل معالم وجه "فادي" التي توحي بأن تركيزه منصب كليا علي ذاك الفيلم ليقول "حمدي" بنبرة ضيق: فادي!!
التفت "فادي" بنظره قائلا بنبرة تساؤل:نعم يا أبي ؟؟
وضع "حمدي" كوب الشاي الذي كان بيده علي الطاولة قائلا بنبرة ضيق:أعطيني تفسير واحد لتغيرك المفاجئ هذا؟؟
تناول "فادي" إحدى رقائق البطاطس ليقول بنبرة هادئة:لا شئ يا أبي سوي أنني أفكر في أمر ما
تغيرت ملامح "حمدي" إلي الغضب المكتوم ليقول بنبرة شبه مرتفعة:أنا لا ألعب معك لعبة لحل لغز ما..أريد منك توضيح كامل لتصرفاتك تلك
أغمض "فادي" عينيه لثواني معدودة حاول فيها امتصاص غضبه وعدم رفع صوته ليفتح عينيه قائلا بنبرة متأدبة:أبي!! أنا لست طفل مازال في الروضة أنا الآن في عمر 33عام أستطيع بكامل عقلي تدبير أموري والوصول لتفسير لكل ما يجري من حولي ولذلك أرجو منك أن تتركني علي راحتي وبمجرد وصولي لما أبحث عنه سأخبرك يا أبي بالأمر من البداية
زفر "حمدي" بقوة ممزوجة بقلق تمكن من أوصاله علي ابنه الذي مازال يراه طفل صغير يخشي عبور الطرق بمفرده ليقول "حمدي":حسنا يا "فادي" سأتركك أنت وعقلك هذا ولكن تذكر شئ واحد يا بني..أنه إذا لا قدر الله حدث لك مكروه ما بسبب اندفاعك هذا فأنا لن أستطيع المضي في تلك الحياة لأنك سندي في هذا العالم يا بني من بعد والدتك
تنهد "فادي" بخوف ممزوج بفرحة خافتة ليقوم من موضعه مقترب من والده ليطبع قٌبلة حانية علي جبينه قائلا بنبرة أوشكت علي البكاء:أنا لا أسوي شئ في العالم من دونك يا أبي وبدعواتك لي لكانت تلك الحياة حطمتني
مسح "حمدي" علي كتف ابنه بحنان داعيا إياه ومن ثم عاد "فادي"إلي موضعه يتابع ذاك الفيلم ومن حين إلي آخر يسترق النظرات إلي والده وبداخله شعور من الخوف الذي يفجر مليون سؤال و سؤال..
ارتفع صوت التلفاز معلن فاصل تليفزيوني لينظر "فادي" إلي هاتفه بلامبالاة فيجد إشعار برسالة علي تطبيق الفيسبوك..
بدل "فادي" وضع هاتفه من الصامت إلي الإهتزاز ومن ثم يتجه إلي إشعار تلك الرسالة لترتسم ابتسامة خافتة علي ملامحه لتتلاعب أصابعه علي شاشة هاتفه ليرد علي تلك رسالة "قمر"..
ثواني أصبحت دقائق أصبحت ساعات و "فادي" يعبث بهاتفه من حين إلي آخر يرد علي رسائل "قمر" التي تجلس أمام شاشة حاسوبها وابتسامة خافتة تكسو ملامحها..
...
أغلقت "إسراء" حقيبة ملابسها بإحساس من الفرحة يتسلل ببطء لكيانها الهزيل...التفت "إسراء" بنظرها إلي لوحة تضم أيام السنة لتقترب منه ببطء لتتنهد بقوة ممزوجة بغصة ألم وهي تري ذاك الأسبوع الذي قضته مع "محب" يمر أمام عينيها بسرعة لا تقارن مع بطء الأيام التي مرت بين يدي ذاك الوحش الذي انتهك جسدها بدون أي شعور إنساني..
لمسة يده المتخشبة أحاطت يدها المرتعشة ليقترب "محب" من أذنها قائلا بنبرة أمر:أريدك أن تنفذي لي أمر ما وإذا نجحتي في تحقيقه سأعتقك للأبد والفيلم الخاص بك سأحرقه أمام عينيكي
التفت "إسراء" بنظرها بلهفة ممزوجة بفرحة لتقول وكأنها تلهث:ما هي وأنا علي استعداد كامل لتنفيذها
...
كعادتهم منذ أسبوع كامل يتحدثان من الساعة السادسة إلي أجل غير مسمي..سكبت "قمر" قليل من اللبن في كوب الشيكولاتة الساخنة الخاصة بها لتعبث أصابعها بشاشة الهاتف لتكتب:اليوم أجازة أخيرا انتظرتها منذ سنين
علي الجانب الآخر..كان "فادي" منشغل بتجفيف جسده من قطرات المياه الدافئة ليرتفع صوت هاتفه معلن وصول رسالة ليعبث بأصابعه بشاشة الهاتف ليكتب:سنين!!نعم نعم أنا أعلم أن الثانية في القاهرة تمر كالسنة
تمددت "قمر" علي الأريكة وهي تعبث بشاشة هاتفها لتكتب:حسنا ما الحل الآن !!
تتغير طباع الجميع إلا تلك اللامبالاة المسيطرة علي "فادي" ليعبث بشاشة هاتفه ليكتب:استغلي وقتك في النوم
ضربت "قمر" علي جبينها بكفها الصغير لدي رؤيتها لرسالة "فادي" لتقول بنبرة هامسة "سعد زغلول قال إن مفيش فايدة" لتعبث بشاشة هاتفها لتكتب:حسنا سأنام في المباراة
خرج "فادي" من حجرته ليلقي تحية الصباح علي والده وهو يعبث بشاشة هاتفه ليكتب:ستأتي للمباراة
مع "مريم" ؟؟
بينما "قمر" منشغلة بالرد علي رسالة "بسام" آتتها رسالة "فادي" لتعبث بشاشة هاتفها لتكتب:بكل تأكيد
مرت ما تقارب النصف ساعة وذاك المتعجرف وتلك العنيدة يتحدثان إلا أن أنهي "فادي" المحادثة لذهابه إلي المسجد بينما بدأت "قمر" في ترتيب ملابسها من أجل الذهاب إلي المباراة الخاصة ب"فادي و ياسر"
...
شعر "منير" بإهتزاز هاتفه المحمول في جلبابه ليضع كوب الشاب علي الطاولة ويستخلص هاتفه لتبدأ المكالمة بينه وبين مدير حسابات المصنع..
المدير بنبرة شبه ثابتة:عذرا لإزعاجك في هذا الوقت المبكر
منير بنبرة قلقة:لا توجد مشكلة..ولكن هل حدث شئ؟؟
اختفت أصوات أنفاس المدير القلقة لثواني ليقول بنبرة ضجر:أنا أعمل معك منذ إنشاء ذاك المصنع..هل حدث مني غلط ما؟؟!!
منير بنبرة تعجب ممزوجة بفضول:بالطبع لا ولكن ما الذي حدث لكل هذا!!
المدير بنبرة ضيق:إذن أرجو منك أن تعلم أن ما سوف أقوله ما هو إلا لمصلحة المصنع فقط
أكمل المدير بنبرة تردد ممزوجة بضيق:الأستاذ "محب" البارحة سحب من حساب المصنع 750ألف جنية بدون وجه حق وعندما حاولت منعه تعدي عليً لفظيا وجعلني أمر بصرف الشيك بذاك المبلغ
اكتست ملامحه بعصبية كادت أن تفتك بشريانيه التي بانت حدتها من الغضب الذي تملك منه ليصمت "منير" لثواني قائلا:حسنا شكرا للإخباري سأحادثه أنا
بمجرد أن أنهي "منير" المكالمة عبثت أصابعه سريعا بطلب "محب" ليأتيه صوت ذاك السكير وهو يقول:نعم
نبرة ضجر ممزوجة بغضب قارب علي الفتك بحاسة السمع لدي "محب" انطلقت من "منير" الذي قال:بأي حق تسحب 750 ألف جنية من رأس مال المصنع هل جننت أم ماذا..هذا ليس أول كل شهر لتقبض نصيبك من الأرباح أو مبلغ من صفقة ما هذا رأس مال الشركة بأي حق تفعل هذا هل نفذت حصتك من أرباح شهرنا هذا في يومه الثامن
أطلق "محب" نسمة من عود تبغه امتزجت من نسمات الهواء التي ترطب سيارته علي الطريق ليقول "محب" بنبرة باردة:احتجت ذاك المال فأخذته ما المشكلة إذن
نبرة توعد ممزوجة بعصبية انطلقت من "منير" الذي قال:حسنا لن أطلب منك ذاك المال ولكن ضع في حساباتك أنه مخصوم من أرباحك الشهرية
قهقهة خافتة انطلقت من "محب" وهو ينهي المكالمة قائلا:كما تشاء
ألقي "محب" هاتفه علي المقعد المجاور له ليقول بنبرة سخرية:لا تستعجل يا "منير" فكلها أيام باتت معدودة وستصبح ابنتك تحت قدمي وبيدك ستفعل ذلك
...
مجموعتين من الرجال كل مجموعة مكونة بما يقارب الخمسين رجل..المجموعة الأولي تقف و وجوههم ملثمة بوشاح أبيض يلائم تلك الملابس الصعيدية التي تغطي أجسادهم المتألمة من أشعة الشمس الحارقة بينما المجموعة الثانية يبدو علي ملابس رجالها الرفاهية فهذا يرتدي بذلة من ماركة عالمية وذاك يضع بين ثغره عود تبغ يقدر بالآلاف وكهذا لبقية الرجال الواضح من هيئتهم إذا دققنا النظر أنهم أجانب آتوا إلي تلك الصحراء ليسلموا أكبر كمية مخدرات في تاريخ "مصر" كمية مخدرات تعادل رمال صحراء "مصر" وأراضيها..
أنهي الرجال نقل تلك البضاعة القاتلة ليشير لهم زعيمهم بالإتيان بالمال لتبدأ عملية تسليم المال..
لحظات صمت تم فيها نقل أول حقيبتين من المال ليرتفع صوت طلقات النار تدريجيا معلن وقوع هؤلاء المجرمين بين فكي الداخلية لتنهال عليهم دفاعات الرصاص تقتل من تقتل وتصيب من تصيب..ليحاول بعض من الرجال الاحتماء بصخرة ما أو الفرار في كهف لجبل ما..
و لظروف غامضة علي طرفي التسليم والتسلم كان رجال الداخلية في براعة غريبة في التقاطهم كفئران تجوب أركان المنزل وكأنها تعرف أي مخبئ سيفكرون فيه بل زاد الأمر غرابة علي هؤلاء الرجال بعض رجال الشرطة الذين استطاعوا الوصول لهم بسهولة بمجرد احتمائهم بكهف جبل..
قوة رجال مشاة مدربين علي أعلي مستوي مصحوبة بطائرات اجتاحت الجو فجأة بمجرد الإمساك بزمام الأمور وبعض من الأسلحة المخصصة للداخلية كل هذا وتلك العزيمة المسيطرة علي قلوب الضباط ساعدت في تقوية جانب الداخلية المصرية ليكونوا علي مشارف الفتك بهؤلاء الرجال..
بينما علي الجانب الآخر..رجل يعدل وشاحه الأبيض يحتمي خلف جبل ما يصوب سلاحه تجاه مجموعة من الرجال يماثلونه في شكل الجلباب الذي يرتديه طلقة فالثانية فالثالثة استطاع الفتك بثلاثة منهم وبينما هو علي استعداد بالفتك بالرجل الرابع شعر بيد تمسك برقبته في محاولة لقتله..
عراك نشب بين الرجلين دام لدقائق معدودة استطاع فيها ذاك الرجل التمكن ممن يصوب الطلقات لأصدقائه ليجعله هو أرضا وهو فوقه ليحاول نزع ذاك الوشاح عنه ليحاول نزع ذاك الوشاح بعفوية ليزال الوشاح من علي وجهه ذاك الرجل وتزاح معها قطعة جلدية جعلت عيني ذاك الرجل تتسع صدمة ممزوجة بغضب ليقول:من أنت!!
وقبل أن يكمل ذاك الرجل حديثه آتته طلقة نارية اجتاحت رأسه معلنة إنهاء حياة ذاك الرجل ودفن سر ما معه ليعيد الرجل الآخر وشاحه علي وجهه ويرفع سلاحه علي كتفه ليكمل معركته تلك..
وفي غضون ساعتين ونصف الساعة استطاعت الداخلية إنهاء تلك المسألة و الإمساك ببعض الرجال من الجانين وقتل بعضهم وإصابة البعض الآخر
....
في تمام الساعة الخامسة عصرا..أطلق الحكم المسئول معلن نهاية المباراة المقامة بين مجموعة من الأصدقاء بفوز فريق "فادي و ياسر" وباقي أصدقائهم ليقفز مشجيعهم من موضعهم بفرحة مصحوبة ببعض الهتافات المشجعة وبين هؤلاء نجد "مريم و قمر" اللتان ارتفع صوتهما بحماس لفوز ذاك الفريق...
ولأنهم أصدقاء منذ الصغر..لم يهتموا لخسارة من؟؟ أو مكسب من؟؟ لذلك ظل لاعبي الفريقين يجوبان الملعب بفرحة ممزوجة بجنان إلي حد ما..
فرحة عارمة سيطرت علي أنحاء الملعب لمدة نصف ساعة أخري بعد انتهاء المباراة ليتجه كلا من أعضاء الفريقين لاستبدال ملابسهم..ليحيط "ياسر" كتف صديقه وهو في طريقهم للحجرة قائلا بنبرة شبه هامسة:مستواك في تحسن ملحوظ يا صديقي
قهقهة خافتة صدرت من "فادي" الذي مسح حبات عرق تجتاح وجهه:واجبي عليا أن أقول لك ذلك فأنت من أحرزت هدفين ولست أنا بهدفي الوحيد
ما إن أنهي "فادي" جملته حتى وصل الصديقين إلي حجرة تبديل الملابس ليشعر "فادي" بضربة خافتة في رأسه صدرت من "ياسر" الذي قال بنبرة خبث:أنا أقصد "قمر" يا صديقي
رفع "فادي"حاجبه الأيسر ليقول بنبرة متعجبة إلي حد ما: "قمر" !! و ماذا في "قمر"!!
التقطت "ياسر" ملابسه من حقيبته ليقول بنبرة مزاح:صداقة غير موضوعة بالحسبان نشبت بينكم ومجيئها إلي مباراة اليوم
خلع "فادي" تيشرت المباراة ليلتقط منشفته القطنية قائلا بنبرة اكتست بالتعجب كليا:و ما الذي في ذلك ؟؟
اتجه "ياسر" إلي دورة المياه المخصصة لاستحمامه قائلا بنبرة مزاح:تلك علامة يا مارد
ضحكات عالية انطلقت من الصديقين وهم يأخذون حمام دافئ سريعا ليكملوا حديثهم وهم يرتدون ملابسهم..
بينما في حديقة النادي الذي أقيمت فيه المباراة..مسحت "مريم" علي جبينها بإرهاق قائلة بنبرة شبه هامسة:لقد تأخروا كثيرا
نظرت "قمر" إلي ساعة يدها بملل لترتشف قليل من العصير قائلة:كما تقولين دائما لن يكونوا الصديقين المشاكسين بدون مواعيدهم المضطربة
ضحكة خافتة انطلقت من "مريم" التي قالت بنبرة تشتت:أشعر وكأن الصورة تختفي وتعود في ثواني
هبت "قمر" من موضعها بصدمة ممزوجة بخوف لتمسك بيد "مريم" وقبل أن تتفوه بأية حرف..انزلقت رقبة "مريم" علي يمينها معلنة فقدها لوعيها لتشهق "قمر" بخوف وقبل أن تفكر حتى آتاها صوت "ياسر" الضاحك يقول:"مريم" هيا بنا يا حلوتي
التفت "قمر" له بسرعة قائلة بنبرة شبه باكية:بسرعة يا "ياسر" لقد فقدت "مريم" وعيها بسرعة إلي المستشفي
لحظة صمت مرت علي "ياسر" شعر فيها وكأن أطرافه أصابها الشلل لرؤيته زوجته فاقدة لوعيها ليفيق من ذاك الجمود الذي أصاب أطرافه علي ضربة خفيفة في كتفه من "فادي" الذي يقول بسرعة:هيا يا "ياسر" بسرعة أحضرها وأنا سأقود سيارتك بسرعة
وفي ما يقارب الخمسة دقائق..انطلقت سيارة "ياسر" بقيادة "فادي" الجالس في مقعد القيادة وبجانبه "قمر" ودموعها اللؤلؤية تجتاح ملامحها و "ياسر" الجالس في المقعد الخلفي وبين ذراعيه "مريم" الغائبة عن الوعي..
......
صوت صيحته الغاضبة قارب علي أن يكون سبب في اهتزازة أرضية تطيح بمكتبه هذا وهو يستمع لأحد رجاله الذي كان مسئول عن تحديد موعد ومكان التسليم ليقول "محب" بنبرة كادت أن تطيح بهذا الرجل:سأعتبر أنني لم أسمع ما قولته للتو وأخبرني أن البضاعة في المخازن
تدحرجت قطرتين من العرق علي جبين ذاك الرجل ليقول بنبرة شبه مرتعشة:لقد بعث لي "عبدالباسط" قبل هجوم الداخلية بدقائق أننا تسلمنا البضاعة وأنه سيسلم المال وسيأتي لا أعلم ما الذي حدث بعدها مهمتي كانت تحديد المكان والموعد وليس الذهاب معهم
اقترب "محب" من "عبدالباسط" بخطوات نارية ليحكم قبضته علي رقبته قائلا بنبرة تشع غضبا:ومهمتك أيضا أن تؤمن مكان الاستلام وليس الجلوس في المنزل كالمرأة المنتظرة الرجل الذي سيأتي ل..
قبل أن ينهي "محب" حديثه ارتفع صوت طرقات علي باب مكتبه ليأذن "محب" بالدخول بنبرة ضجر ليدخل أحد رجاله المجهولين بالنسبة لنا ليقترب من أذنه ليقول له حديث ما بنبرة هامسة عجز أحد غير "محب" علي سماعها..
ثلاثة دقائق والنصف دقيقة جعلت حال "محب" يتغير 180درجة ليعتق رقبة "عبد الباسط" من بين يده ليقول بنبرة أمر:أغرب عن وجهي يا "عبد الباسط" وأبعث بفاكس إلي المستثمرين الأجانب لتبلغهم بأني سأكون عندهم في ظرف 24ساعة
أنهي "محب" حديثه معلن الإذن لرجاله بالخروج ليتجه "محب" إلي هاتفه باعث برسالة غامضة لأحد ما..
.....
تهللت ملامح وجه "ياسر" صدمة ممزوجة بسعادة ليقول بنبرة تعجب:أعد ما قولته مرة أخري !!
ارتسمت ابتسامة هادئة علي وجه الطبيب الذي طأطأ علي كتف "ياسر" بهدوء قائلا:مبروك يا بني زوجتك حامل ولكنها ستمكث معنا حتى تأتي الطبيبة المتخصصة من أجل إعطائها بعض الفيتامينات لتستكمل قواها
قفز "ياسر" من موضعه فرحة ممزوجة بجنون بعض الشئ ليظل يصيح بفرحة:سأصبح أب
و لأن الجنون في تلك اللحظة يجوز كليا بات "ياسر" يحادث جميع من يمر عليه من أطباء وممرضين وحتى المرضى و أهلهم بات يقول لهم "سأصبح أب"
ما بين ابتسامة خافتة من تلك علي جنونه و تحسر من ذاك علي المسئولية التي باتت علي عاتقه وتعجب من تلك وصل "ياسر" أخيرا إلي حجرة "مريم" ليستبدل باب الحجرة بطبلة شعبية بات يلحن عليها لحن الفرحة..
تركه "فادي و قمر" لجنونه هذا ولكي يحظي هو و"مريم" بلحظة بمفردهم تليق بتلك المناسبة..
دلف "ياسر" إلي الحجرة وهو يقول بحركة مسرحية طفولية:الحلو صار حامل الحلو راج يجيب ليً بنوتة تزيد جنوني به
عينيها تشعان فرحة وقلبها يتراقص من كلمات "ياسر" التي باتت نسمات الأكسجين الخاصة بها..
وليستكمل ذاك الجنون التام..قفزت "مريم" من علي الفراش كالطفلة التي تهرول إلي والدها بمجرد دخوله إلي المنزل..لتستقر "مريم" في عالمها الخاص بين ذراعي "ياسر" لتهمس في أذنه قائلة:بات في أحشائي شئ منك سأحافظ عليها طيلة عمري
أحاط "ياسر" خصر زوجته بحنان ليمنحها صدمة كهربية اجتاحت كيانها وهو يهمس قائلا:أحبك يا حلوتي
بينما "ياسر و مريم" في لحظتهم الفريدة من نوعها..كان علي الجانب الآخر علي طاولة مستديرة في كافيتريا المستشفي..ارتشف "فادي" قليل من العصير الموضوع أمامه وهو يضع هاتفه علي أذنه قائلا:من معي!؟
نبرة شبه باكية ممزوجة بشعور الاحتياج باتت واضحة في نبرة "إسراء" التي قالت:أنا "إسراء"
اكتست ملامح "فادي" بتعجب ممزوج بلامبالاة علي عكس عيني "قٌمر" التي تشع فضولا ممزوج بضجر ليقول"فادي" بنبرة برود:حسنا..ماذا هناك؟؟
أوقفت "إسراء" سيارتها ليرتفع أنين بكائها المصحوب بنبرة صوتها المرتعشة وهي تقول:أنا متعبة جدا يا "فادي" متعبة جدا لا أعلم ما الذي فعلته ليحدث في كل هذا
شعور من الضعف الممزوج باحتياج سيطر علي أوصال "إسراء" جميعها..لم تعلم لمن تشتكي!؟ لم تعلم لمن تظهر ضعفها؟! لم تعلم من سيستمع لشكوها؟!
و بلا وعي منها حادثت "إسراء" من استطاع الاستيلاء كليا علي قلبها لتنهار كليا أمامه..ليرتفع أنين بكائها أضعاف مضاعفة وهي تتفوه بكلمات غامضة بالنسبة ل"فادي" الذي اجتاحه شعور من التعجب الممزوج بالشفقة ليستأذن من "قمر" ذاهبا إلي أحد طرقات المستشفي وهو يقول:ماذا حدث لكل هذا؟! أهدي فقط
بينما كان كيان "إسراء" يشتعل ضعفا ممزوج باحتياج..كان شعور غريب يتسلل خفية إلي أوصال "قمر"..
ذاك الشعور الذي يجعلك تشعر أن من أمامك هو لك فقط..
ذاك الشعور الذي يجعل قلبك يشتعل غضبا من نسمة هواء باردة أصابت من أمامها..
ذاك الشعور الذي يجعلك أنانيا...
ذاك الشعور علي قدر ما به من أضرار إذ زاد عن الحد ولكن في حقيقة الأمر أن مميزاته هي التي تعيد إحياء القلب المتهالك..
ذاك الشعور الملقب ب"الغيرة" ليس غريبا عن العشاق ولكنه غريب علي "قمر" التي باتت تحرك قدمها بضجر ممزوج بعصبية قاربت علي جعلها تقفز من موضعها لتحطم هاتف "فادي" علي رأس التي تحادثه تلك..
بينما علي الجانب الآخر..زفر "فادي" بضيق من بكاء "إسراء" الذي لم ينقطع منذ أن بدأ..
وبدون أية مقدمات قالت "إسراء" وهي تكفف دموعها:شكرا لك علي ما فعلته مع أمي يا "فادي" هذا معروف معلق في رقبتي وأنا أعلم كيف أرد ذاك الجميل ولكنني أريد منك أن تنتبه لي قليلا
نبرة فضول نبعت من شفتي "فادي"الذي قال:حسنا ماذا هناك؟!
مرت ما تقارب العشرة دقائق..ليعود "فادي" إلي الطاولة وكأن شئ لم يكن ليجد "قمر" تنظر إلي هاتفها بلامبالاة ليقول لها:هل سنذهب إلي "مريم"الآن
أغلقت "قمر" هاتفها وبالرغم من الغيرة الممزوجة بالفضول التي قاربت علي الفتك بها قالت بنبرة باردة:حسنا
...
اختلف حال "مريم" علي مدار أسبوعين فباتت الآن جالسة معظم يومها علي فراشها نائمة بسبب ذاك الكسل الذي يجتاح أوصالها بسبب سفر "ياسر" المفاجئ إلي الأقصر بسبب إحدى الرحلات السياحية..
بينما "إسراء" باتت وبدون أي مبالغة كالهيكل العظمي..تأكل بعض اللقيمات لتستطيع زيارة والدتها لا أكثر بينما شعور من الراحة المؤقتة اجتاح كيانها بأكمله لسفر "محب" الذي سيطول لما يقارب الشهر..
أما "منير" فروتينه اليومي وانشغاله بالمصنع والمزارع لم يمنعه هو وزوجته علي الاطمئنان يوميا علي فتاتهم بل وزيارتها لمدة 24ساعة لا أكثر دون المبيت معها في منزلها..
أما عن "بسام" الذي باتت حياته بأجمعها غامضة علي الجميع عدا "قمر" التي باتت تحادثه في اليوم فوق ال6مرات خوفا عليه من جنونه الذي سيهوي به لا محالة...
و "حمدي" كعادته بين انشغاله بعمله وذكريات ماضيه الغامض تمضي الأيام أمام عينيه بدون شعور بها سوي بضع الساعات التي يستمتع بها بسبب ابنه..
أما عن "فادي" و "قمر" فباتت صداقتهم الآن قوية جدا عن السابق..فبالرغم من العند المسيطر علي "قمر" و
التعجرف و البرود المتمكن من "فادي" نشبت صداقة بينهم..لا يعلم أي منهم كيف نشأت؟؟ولا لأين ستقودهم؟؟
...
التقط "بسام" بعض الملفات من "منير" ليقول بنبرة تعجب ممزوجة بفضول:ما كل هذا يا عماه!!
ارتشف "منير" قليل من الشاي ليقول بنبرة جدية:تلك الملفات تخص المناقصة التي ستقام بعد أسبوعين لذلك أريد منك أن تحافظ عليها وأنا سأبعث لك بالمتخصصين لدرستها في منزلك وإياك أن يعلم أحد غيرك بتلك المناقصة
عقد "بسام" حاجبيه بتعجب من نبرة "منير" ليقول بنبرة تساؤل:حسنا ولكن لماذا!! نحن كالعادة نناقش المناقصات في المصنع ما الذي تغير
زفر "منير" بضيق ليقول بنبرة ضجر:في السابق كانت مصلحة المصنع هي الشغل الشاغل للجميع ولكن منذ أن أصبح "محب" شريك فيه بات كالحيوان الذي يتغذي علي الأرباح الشهرية ولن يكون عنده أي مانع إذا باع المناقصة مقابل بعض المال من أي منافس لنا
ابتسم خافتة غزت ملامح "بسام" الذي قال بنبرة مزاح:ماكر أنت يا عماه
قهقهة خفيفة صدرت من "منير" الذي أمسك بأذن "بسام" كأنه طفل يعاقبه ليقول بنبرة جدية:و الآن أخبرني أيها المشاكس..ما سر اختفائك الدائم هذا!!
تصنع "بسام" الألم بطفولة ليقول بنبرة خبث ممزوج بضحك:هل سأتزوج مثلا يا عماه!! أنا في أباشر أعمال المصنع دائما و هكذا
سيطرت الجدية علي ملامح "منير" الذي قال بنبرة تحذيرية: "بسام" أنت ابني ولست ابن أخي فقط ولذلك إذا علمت بأن تهورك هذا قادك إلي الخطر سأكسر قدميك بيدي
نبرة قلق مدفونة بين طيات حديث "بسام" الذي قال:لا تقلق يا عماه أنا أعلم ما الذي أفعله
....
هي المرة الحادية عشر التي تحادث فيها "قمر" "فادي" في أقل من الساعة ولكن يأتيها الرد الدائم من فتاة تقول "عذرا الهاتف الذي تحاول الاتصال به غير متاح"
وضعت "قمر" هاتفها علي طاولة تجاور أريكتها لتقول بنبرة غضب مكتومة:إذا رأيتك أمامي يا أنتي لأجعلك غير متاحة للحياة
بينما علي الجانب الآخر..تحديدا في إحدى الحافلات السياحية..انطلقت الحافلة أخيرا بعد عطل دام لساعة كاملة بسبب المحركات..ولحسن حظ "ياسر" ومن معه في الوفد السياحي أن تلك الساعة لن تؤثر علي موعد طائرة عودتهم إلي القاهرة..
جلس ياسر" علي مقعد مخصص له ليفتح شاشة هاتفه عابث بأصابعه عليها ليبعث رسالة لزوجته علي تطبيق "الواتس أب"... وما بين الرسالة و الأخرى استمر الحديث بين الزوجين لمدة ربع ساعة إلا أن قاربت بطارية هاتف "ياسر" علي تفريغ تمام شحنتها...
ليغلق "ياسر" هاتفه...تارك المجال لعينيه لكي تذوق طعم الراحة ولو لدقائق..وبمجرد أن أطبقت جفون "ياسر" علي عينيه..سمع صوت سيارة تمر من أمام الحافلة كأنها تخشي الاقتراب منها ولكن سرعان فتح "ياسر" عينيه لتتسعان صدمة ممزوجة بتساؤل قارب علي التحول إلي أداة التقاط لتلتقط ذاك السائق الذي انطلق بسيارته بأقصى سرعة كأنه شعر بعيني "ياسر" التي رصدت حركاته الغامضة.....
تلك الحركات الغامضة التي بعثت في روح "ياسر" القلق الممزوج بالتساؤل..إن كانت عينيه خدعته هذه المرة أم أحد آخر خدعه..يتبع......
#نورهان_حسنى
أنت تقرأ
في أرض النوبة للكاتبه نورهان حسني
Gizem / Gerilimبسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته المقدمة "كرم.. شجاعة.. انتماء" صفات تلخص مشوار هذه المدينة السمراء النوبة ؛ أو كما أطلق عليها عبر التاريخ أطيب المدن وأقدمها.. "مدينة التضحيات" قيل عنها فى حكايات أخرى، وعلى الرغم من تعدد صفات...