الفصل الأولتمايلت الأشجار بفعل تيارات الرياح الباردة في صباح أحد أيام الشتاء القارس..اختبئت الطيور في أعشاشها.. احتمت بعض القطط من تيارات الرياح الغادرة خلف السيارات..بينما في أحد المباني السكنية في مدينة "القاهرة"
خرج شاب قوي البنيان..مفتول العضلات يبدو و كأنه في منتصف عقده الثالث..يتميز بشعر حريري يتراقص من نسمات الهواء وعيون زرقاء تتفحص كل ما يدور حوله..ملامح رجولية هادئة مصحوبة بجاذبية عالية..
أنحني الشاب بجسده ليمسك برباط حذائه الرياضي ويعيد ربطه من جديد..رفع الشاب جسده من جديد ليظهر طوله الذي ورثه من أبيه..مد شفتيه السفلية بتعجب من قطرات الماء التي تحيط بالشارع قائلا في نفسه "هل أمطر الجو ليلا بينما أنا نائم!! ما هذا الغباء يا فادي !!! قطرات المطر أمامك و أنت تطرح السؤال ؟؟ كفاك غباء يا عقلي"
رفع الشاب "فادي" الكاب الملحق بملابسه الرياضية علي وجهه و توكل علي ربه و اتجه إلي حديقة في أقصي الشارع و بدأ في ممارسة عادته اليومية من الجري ليحافظ علي لياقته..
.....
بدأت أشعة الشمس الذهبية تنطلق رويدا رويدا لتقوم بدورها في نشر بعض الدفئ في ربوع مصر التي غُمرت بمياه الأمطار..بينما في أقصي صعيد مصر..تحديدا في "النوبة" حيث الجمال و الروعة في إبداع الخالق..حيث الدفئ الدائم من ترابط و تواحد أبنائها..حيث البشرة السمراء الساحرة للقلوب و العقول..
تحديدا في بيت أحد اكبر عائلات النوبة "بيت الحاج منير" ارتفع صوت القرآن الكريم بصوت الشيخ "مشاري المعيلقي" النابع من جهاز راديو صغير موجود علي طاولة بنية اللون دائرية الشكل في أقصي بهو المنزل..
ارتفع صوت الأم "ناهد" نسبيا و هي تضع صحون الجبن و العسل مردده:الإفطار جاهز يا حاج
أغلق بعض الأوراق التي أمامه و وضعها في درجه الخاص واحكم إغلاقها بمفتاحه المعلق بسلسلة مفاتيح لا تترك جيب جلبابه..خرج من حجرته و اتجه إلي بهو المنزل ليجد زوجته تضع صحن الخبر علي طاولة الطعام..ألقي عليها السلام و و جلس علي كرسي خشبي و هو يتفحص الجريدة الموضوعة علي الطاولة قائلا:أين ابنتك قمر لما لا أراها ؟؟
تسربت غصة قلق إلي كيان ناهد لترتشع شفتيها قائلة:قمر!! إنها في المزرعة
ما هي إلا ثواني قليلة أو ربما لحظات انكمشت فيها صفحات الجريدة كأنها كرة صغيرة تتدحرج بين أقدام الأطفال ليلقي بها "منير" علي الأرض قائلا بغضب:أعيدي ما قالته شفاهك ثانية !! ألم أحذر مرارا و تكرارا من ذهابها إلي المزرعة
تراجعت "ناهد" خطوتين إلي الخلف لتفادي عاصفة الغضب التي قاربت علي تطيح بها قائلة:أرجوك لا تأخذ الأمر علي محمل الجد أنت تعلم ابنتك كثيرا وتعلم أنها تعشق العمل في المزرعة منذ طفولتها
نظرة غضب ممزوجة بتحذير متوعد انطلقت من عيون "منير" مصوبا إياها إلي "ناهد" قائلا بقوة:أخبري ابنتك إنني إذا علمت بذهابها مرة أخري للمزرعة سأكسر قدميها قبل أن تفكر في الأمر كفاها مراهقة وتصرفات طفولية هي الآن أميرة فتيات قريتنا والأميرة لا تعمل بيدها بل تنتظر أميرها..مفهوم كلامي؟؟
بلعت "ناهد" ريقها بصعوبة قائلة بصوت متهدج من القلق:حاضر
زفر "منير" بغضب و ارتشف بعض قطرات الماء الباردة لعلها تقلل من حرارة كيانه الغاضب..
اقتربت منه "ناهد" بحذر قائلة:إن أمكن الآن أن تنتبه لإفطارك ؟؟
مًد "منير" يده إلي رغيف الخبز في صمت و بدأ في تناول إفطاره في جو يملأه التوتر
....
وقف أمام آلة صناعة القهوة وهو يدندن بعض أبيات أمير الشعراء التي قرئها اليوم لتوه "الحرب في حق لديك شرعية..و من السموم النقاعات دواء"..أمسك بفنجانه وجلس علي كرسيه ومدً قدمه علي مكتبه و بيده كتاب باللغة الأسبانية..مرت ثواني قليلة ليخترق الهدوء الذي يعم علي مكتبه صوت حذاء أنوثي يغزو مكتب "فادي"..
أنزل "فادي" نظرته الطبية لأسفل أنفه ليراها تقف أمام باب مكتبه في هيئتها المثيرة "فستانها الذي يصل إلي ما فوق ركبتها..فتحة الصدر الدائرية..لون أحمر الشفاه الوردي الذي يلائم لون الفستان..عطر "LOVELY" الذي اخترق هواء الحجرة المنعش..
لم يعيرها أي انتباه و رفع نظارته مرة أخري علي أنفه و أعاد نظره للكتاب..لم تشعر باليأس من نظراته الباردة التي تأقلمت عليها و إنما اقتربت منه و وقفت أمام المكتب. هبت تيارات رياح باردة علي خصلات شعرها الحريري ليتناثر حولها بصورة زادت إثارتها أضعاف مضاعفة..أنحنت بجسدها المغري علي مكتبه بينما هو ينظر لها بلامبالاة غير مهتم لحركاتها المغرية ولا لملابسها المثيرة..
ظهرت معالم الضيق علي وجهها الذي يكتسي بكل أنواع مستحضرات التجميل و معالم الدهشة تكسو وجهها من أنه لم يحرك ساكنا لمحاولاتها لإثارته..
نظرت له نظرة تنطق بالرغبة ليقابلها هو بنظرة باردة و ابتسامة سخرية ترتسم تدريجيا علي وجهه..
قام من علي كرسيه ببطء شديد بينما هي ترفع عينيها به بتعجب !!
اكتملت ابتسامته الساخرة و بنبرته الباردة قائلا:كم أنتي غبية !! لملمي شتات نفسك و اعرضيها علي غيري ف أنا رجل لا تتحرك جوامحه لمن مثلك من العاهرات
رفعت حاجبها الأيسر بتعجب بينما اعتدلت في وقفتها غير مستوعبة أنه يرفض عرضها الواضح برغبتها فيه لتقول في دهشة مصحوبة بنبرة غضب:نعم !! ها أنت في وعيك
ابتسم ابتسامة سخرية و رفع فنجان القهوة إلي شفتيه ليرتشف منها قليلا ثم أعاد كلامه قائلا بنبرة بطيئة:في قمة وعيي و الآن أخرجي من مكتبي لا أقبل بوجودك به و تيارات الهواء لا تقبل الاختلاط برائحتك
أعادت شعرها إلي الخلف ليداري كتفها العاري و رمقته بنظرة نارية و خرجت من المكتب..وقف أمام شرفة مكتبه يتابع ارتشاف قهوته ليسمع صوت رجولي يقول:ماذا حدث يا صديقي؟؟ هل جننت "إسراء" أم ماذا إنها تهلوث مع نفسها بكلمات غريبة
التفت فادي بنظره ليجد صديقه "ياسر" يتقدم ناحيته ليقول فادي بلا مبالاة:لا تشغل بالك إنها مجرد فتاة تعرض مفاتن جسدها
ابتسامة خبث مصحوبة بغمزة من عيونه العسلية تمتزج مع صوته الرجولي قائلا "ياسر" بضحك:تعرض مفاتن جسدها !! ما تلك الكلمات القوية؟؟
أكمل "ياسر" بنبرة شيطانية:أخبرني ماذا حدث بالتفصيل؟؟ فكم أعشق تلك التفاصيل يا صديقي
ارتسمت ابتسامة هادئة علي ثغر فادي ليقول:كفاك تفكيرك الشيطاني يا صديقي وهيا بنا نتابع العمل
حزن طفولي ممزوج بنظرة عند رجولية ارتسمت علي وجه ياسر الذي قال:لن يكون عمل إن لم أعلم ماذا حدث
تنهيدة استسلام مصحوبة برشفه بسيطة من فنجان القهوة ليقول "فادي":لا يوجد جديد يا صديقي ما تفعله إسراء كل مرة
ياسر بابتسامة شيطانية:و أنا استمع كل مرة
.......
وضعت يدها في سلتها الخشبية التي تحملها والتقطت بعض حبيبات الطعام و ألقتها حولها ليتسارع الدجاج في الوصول إلي حبيبات الطعام بينما هي تنثر الحبيبات يمينا ويسارا كأنه تمازح الدجاج..وضعت سلتها الخشبية بجانبها وجلست علي كرسي مصنوع من العاج تتابع الدجاج وهو يتسابق علي الطعام..آتت نسمة هواء غادرة أسقطت قطعة القماش السوداء التي كانت تداري وجه الفتاة لتظهر ملامحها الساحرة "عيونها الفيروزية..رموشها الطويلة..حاجبيها المرسومين بإبداع الخالق..بشرتها السمراء الساحرة." داعبت نسمة الهواء وجهها بلطف كأنها تتحس نعومة بشرتها..لتزفر هي بضيق وترفع قطعة من حجابها وتعيد إخفاء وجهها الملائكي..
آتاها صوت رجولي يقول:قمر
التفت بنظرها بضيق لتجد شاب في منتصف عقده الثالث يرتدي جلباب أبيض يلائم لون بشرته السمراء وملامحه الحادة ونظرته التي تخترق "قمر" و ملابسها..زفرت قمر بضيق وأعادت النظر أمامها قائلة:من المؤكد أن والدي في انتظارك من أجل العمل و هنا ليس مكان للعمل يا أستاذ محب
ضحك ضحكة ساخرة كأنه غير مبالي بكلامها قائلا بنبرة استفزازية:كم أعشق عناد الأنثي ولكن يا مدللتي يجب أن تتهيئ أنه لن يدوم طويلا لأنكي ستكوني من أحد ممتلكاتي التي توجد لخدمتي و فقط
التفت له بسرعة ورمقته بنظرة تشع ثورة غضب ممزوجة بطابع احتقار لغرطسته قائلة:أنت يا هذا!! لم أخلق لأكون في خدمة أحد غير خالقي و أبي وأمي لم أخلق لأكون خادمة لمتغطرس مثلك
رمقها بنظرة شهوانية ممزوجة بغضب من حديثها قائلا:ألم أقل لكي أنكي قطة مشاكسة تحتاج للترويض من جديد كي تتعلم عندما تري سيدها يأتي من بعيد تأتي تحت قدمه بدون تفكير
لم يمنحها أي فرصة للرد عليه و إنما رفع يده ملوحا إياها ببرود و اتجه إلي منزل الحاج منير..
بينما قبضت "قمر" علي صخرة من الطوب الأحمر كانت موجودة تحت المقعد التي تجلس عليه..قبضتها بكل قوتها و غضبها الكامن من كلام هذا المتغطرس كأن يدها الصغير تشع نارا قادر علي تفتيت هذا الحجر إلي أجزاء لا تري بالعين المجردة..ألقت "قمر" بالحجر بكل قوتها ليرتطم بإحدي الشجارات ليضيف صوت ضجة خفيف لا يقارن بالثورة المشتعلة في كيان "قمر"
.....
الذكريات كلمة عندما تقال ينفجر ذاكرة الإنسان بذكريات سعيدة وحزينة..ذكريات نتمني أن تعود أو نتمني أنه لم استطاعنا أن نمحوها من داخلنا....ذكرياتنا في طفولتنا كثيرة معظمها عبارة عن صور تلخص أو مرة هبطت قدمنا علي الأرض دون مساعدة أو موقف من شفاه والدينا يحكي أول كلمة تفوهنا بيها..تمر السنين و الأيام و نحن نكبر لتنقسم ذكرياتنا إلي بين الحزن والفرح..فمثلا مرحلة الدراسة تحمل في داخلنا جميعا أجمل الذكريات..إما رحلة مدرسية مع أصدقائنا...أول ضحكتنا المختفية أثناء اليوم الدراسي..أو مواقفنا مع أصدقائنا التي لم تحتاج لسنين لشرحها كلها..ذكري أول حب مراهق نشأ بين جدران المدرسة من نظرات بريئة من زميل الدراسة..هذا الزميل الذي فرقته الأيام و أصبح مجرد ذكري تبتسمين عندما تمري من أمام المدرسة التي أخفت بين جدرانها نظراتنا العاشقة..
مر الأيام و ذكرياتنا تصبح مجرد أسرار تختفي بين خلايا ذاكرتنا خاشيين أن يعلمها أحد..
و لكن!! هل وضعنا في الاعتبار أنه سيأتي اليوم ويتفوه أحد بكلمة واحدة تفجر السر الذي أخفيناه سنين؟؟
هل وضعنا في الاعتبار أنه سيأتي الوقت و يجب أن تظهر ذكرانا للجميع!!..هل وضعنا أمام نصب عينيا أن السر الذي ظننا أن الزمن قد أنسانا إياه حان الوقت لكي يظهر؟؟
ذكرياتنا الأليمة أو بالمعني الأدق أسرارنا المختفية داخل كيانا..تهدد الآن بالظهور للعامة..
هكذا كان حال "حمدي" والد "فادي" بمجرد سماعه كلمات فادي البسيطة عن ذهباه برفقة وفد سياحي في رحلة تدوم أسبوعين لصعيد مصر تحديدا "في أرض النوبة"..قطرات عرق بسيطة عكرت جبين "حمدي" الذي قال: لماذا لا يذهب ياسر برفقتهم؟؟؟ لماذا أنت!!!
فادي بهدوء:يا أبي أنت تعلم أن ياسر مقبل علي زواج و يريد أن ينهي إجراءات الزفاف
مسح "حمدي" جبينه المتعرق قائلا:أعتذر عن تلك المهمة لأي زميل لك
زفر "فادي" بضيق قائلا:كيف يا أبي؟؟؟ هذا عملي و واجبي وليست المرة الأولي التي أسافر فيها مع الوفود السياحية
حمدي بعصبية خفيفة:و لكنك ستسافر إلي النوبة
فادي بنبرة متعجبة ممزوجة بضيق:و ما العجيب في الأمر!!! النوبة بلد كأي بلد ذهبت لها كمرشد سياحي بالعكس أنا تمنيت مرارا و تكرارا أن أزورها و أري بعيني ذلك المكان الذي تغني به الجميع
صمت "حمدي" لبرهة ليخفف من حدته خشية أن يشعر "فادي" بشئ و قال بنبرة مترددة:توكل علي الله يا بني و لكن عدني أن تنتبه علي نفسك
ارتسمت ابتسامة هادئة علي ثغر "فادي" و قال"لا تقلق يا أبي فهذه ليست المرة الأولي التي أسافر فيها
قام "فادي" من موضعه مكملا كلامه قائلا:الآن أعذرني سأذهب لتحضير حقيبتي
خرج "فادي" من حجرة والده ليترك "حمدي" في ذكرياته التي هجمت علي كيانه سارقه من باله الراحة..
........
بعد مرور يومين..
تسرب شعاع ذهبي من النافذة الخشبية المزينة بستارة سماوية اللون..تمللت في فراشها و أدارت ظهرها لضوء الشمس لتسمع صوت هامس يقول:قمر قمر
فتحت "قمر" عينيها بدهشة ممزوجة بصدمة و هبت سريعا من علي فراشها و اتجهت إلي إسدالها وأخفت شعرها سريعا تحت الحجاب..متجه إلي الشرفة الخاصة بغرفتها و فتحتها بتردد ممزوج بشغف لتجد "شاب في منتصف عقده الثاني يخفي وجهه تحت شال أبيض اللون"..شهقت "قمر" بخوف قائلة:ما هذا الجنون يا بسام ؟؟ اذهب أرجوك
التفت "بسام" بنظره يتأكد من أنه لا يوجد أحد قائلا:بعد صلاة العصر سأنتظرك في الإسطبل
قمر بنبرة مرتعشة ممزوجة بخوف:لن أستطيع أبي منعني من الخروج
بسام بجدية:سأنتظرك يا قمر لا تتأخري
هرب "بسام" راكضا من أمام "قمر" تاركا إياها في حيرتها وقلقها..
تنهدت "قمر" بقوة و نظرت حولها بقلق لتتأكد من أنه لا يوجد من رآهم...
...........
وصلت حافلة الركاب إلي أرض قرية "غرب سهيل"..ليمسك "فادي" بالميكروفون الخاص بالحافلة و يقف من موضعه قائلا: Ladies and gentlemen, I ask for your attention for a few minutes
انتبه الجميع ل"فادي" ليقول فادي: At first I would like to inform you that we reached the safety of God to the land of the village of "West Suhail" scheduled to spend our journey and where in the beginning I would like to share with you some information about that village ..
The village was established in 1902 after the construction of the Aswan Reservoir and the village are those of the most important and most spectacular villages in the land of Nubia and the first destination for tourists
The reason for this is due to its location in front of the Island Suhail used by the ancient Egyptians for the extraction of granite and bounded to the west of Deir Anba Hydra and the Mausoleum of the Aga Khan to serve as a model village for eco-tourism
Every Alohawwal..in view of the state of exhaustion that Glaptna all of us are heading to the custom homes for our stay, and at eight o'clock we'll start our tour in the village
"" في البداية أحب أن أبلغكم أننا وصلنا بسلامة الله إلي أرض قرية "غرب سهيل" المقرر تمضية رحلتنا فيها و في بداية الأمر أحب أن أطلعكم عن بعض المعلومات عن تلك القرية..
أنشئت القرية عام ١٩٠٢ بعد بناء خزان اسوان و تعد تلك القرية من اهم و أروع قري ارض النوبة و المقصد الأول للسياح
كما أن سبب تسميتها بهذا الإسم يرجع إلي موقعها المواجه لجزيرة سهيل التى استخدمها قدماء المصريين لاستخراج الجرانيت ويحدها غربا دير الأنبا هيدرا وضريح الأغاخان لتكون بمثابة قرية نموذجية للسياحة البيئية
في كل الأحوال..نظرا لحالة الإرهاق التي غلبتنا جميعا سنتجه إلي المنازل المخصصه لإقامتنا و في تمام الساعة الثامنة سنبدأ جولتنا في القرية""
ما إن أنهي فادي كلامه ارتفع صوت هاتفه المحمول معلنا مكالمة من والده..
أغلق "فادي" الخط و هبط من الحافلة وهو ينظر حوله وكأنه يبحث عن أحد..
وجد "فادي" رجل يبدو عليه الوقار و الاحترام يقترب اتجاهه ومعه مجموعة من الرجال قائلا:أهلا بك يا ولدي
مًد "فادي" يده له مصافحا إياه قائلا:أهلا بك يا عمي
ارتسمت ابتسامة هادئة علي ثغر الرجل مصحوبة بنظرات تعجب تتفحص هيئة "فادي"..
رفع "فادي" حاجبه الأيسر بتعجب قائلا:هل يوجد خطب ما يا عمي؟؟؟
زفر الرجل بقوة محادثا نفسه "يا الله !! أشعر أني رأيته مسبقا..يوجد شبه كبير بينه وبين..."
فاق الرجل من شروده علي صوت "فادي" يعيد سؤاله بتعجب أكثر..
الرجل بنبرة شبه شاردة:عذرا يا ولدي لقد شردت قليلا أعرفك بنفسي أنا الحاج "منير" عمدة القرية
فادي بنبرة شبه جدية:أهلا بك يا عمي..شرفنا بزيارة قريتكم و لكن أعذرني الوفد بأكمله في حالة إرهاق من السفر ونريد أن يرشدنا أحد إلي منازلنا
أشار "الحاج منير" إلي أحد الرجال قائلا:سيرشدكم إلي منازلكم
فادي:إذن ليصعد معانا للحافلة
صعد "فادي و الرجل" إلي الحافلة متجهين إلي المنازل المخصصة لإقامته تحت نظرات "منير" التي تشع دهشة ممزوجة بضيق..
.......
بعد عدة ساعات..أمسكت بإحدي أطراف حجابها و أخفت به وجهها لتداري ملامح الخوف التي تكسو و أوصالها قاربت علي التجمد من القلق الذي تمكن منهم..زفرت بقوة و دخلت إلي الإسطبل تحديدا في المكان المخصص للقائها معه..لتجده يقف في انتظارها وهو يلتفت حول نفسه بقلق..
بمجرد أن لمحها "بسام" زفر براحة قائلا:كل هذا من أجل أن تأتي!!
أنزلت الغطاء عن ملامحها قائلة بصوت مرتعش:ماذا حدث لكل هذا يا بسام؟؟ لماذا لا نتحدث علي الهاتف!!
وضع بسام كومة من القش أمامها قائلا:أجلسي أولا
قمر بضيق:لا يوجد وقت للجلوس لو علم أبي أني هنا ستكون نهايتي
بسام بنبرة جدية ممزوجة بأمر:و إن لم تستمعي لي أيضا ستكون نهايتك
انتفض جسدها الصغير لكلمات "بسام" القاتلة وجلست علي القش في صمت و رفعت نظرها إلي بسام الذي زفر بقوة قائلا:أنتبهي لي جيدا
...
في حجرة هادئة..تتميز بأثاثها الهادئ و ألوانها المتجانسة و كرسيها الخشبي المصنوع من العاج..يتمدد "فادي" علي الفراش وهو يخفي وجهه تحت الوسادة القطنية..صوت موسيقي هادئة ينبع من هاتفه المحمول يتكرر مرارا و تكرارا..تملل "فادي" في الفراش ليمسك بالهاتف الموجود علي الطاولة التي بجواره و أغلق المكالمة دون أن ينظر إلي المتصل وأعاد وضع الوسادة علي رأسه..
ما هي إلا ثواني معدودة و ارتفع صوت الهاتف مرة أخري..ليزفر "فادي" بغضب و يلقي بالوسادة علي الكرسي الخشبي و يمسك بهاتفه ليجد أن المتصل "والده حمدي"
فادي بصوت ناعس:السلام عل...
لم يكمل "فادي" كلامه لتلقيه دفعة هائلة من الأسئلة من والده:أين أنت يا فادي!! لماذا لا ترد علي مكالماتي من الصباح!!هل حدث مكروه ما؟؟ ألم يستقبلوكم في النوبة؟؟؟ما بال صوتك؟؟؟ هل أنت مريض يا بني؟؟؟؟
ارتفع حاجب "فادي" الأيسر تدريجيا و نظره يسقط تدريجيا علي هيئته لشعوره بالقلق من نبرة والده ليقول:ما كل هذا يا أبي!!!انشغلت مع الوفد لا أكثر ولا أقل و بعد أن انتهيت كنت مجهد من السفر فغلبني النعاس
زفر "حمدي" بقوة وتمتم ببعض الكلمات بنبرة لم يسمعها "فادي" وأكمل كلامه قائلا:أعذرني يا بني كنت قلقا عليك
فادي بنبرة متعجبه:لهذه الدرجة!! عموما لا تقلق يا والدي أنا بأفضل حال
حمدي براحة نسبية:حمدلله سأتترك تكمل نومك الآن ولكن لا تنسي محادثتي في المساء
فادي:بإذن الله يا أبي
أغلق "فادي" الهاتف ونظر إلي ستارة الشرفة التي تحجب الرؤية قائلا بنبرة هامسة:الآن حان وقت المرح لتحظي بقليل من المرح يا فادي
قفز "فادي" بخفة من الفراش و اتجه إلي حقيبته و التقط منشفه قطنية و اتجه إلي دورة المياه ليحظي بحمام دافئ.
...
امتزجت رائحة عطرها برائحة التبغ الذي ينبعث من شفتيها الورديتين وهي تضع قدمها اليسري فوق قدمها اليمني وهي تحركها بضيق..آتاها صوت أنوثي يتقدم ناحيتها قائلة:كفي عن التدخين و خزني القليل للمساء
نسمة تبغ باردة امتزجت بابتسامة خبيثة ارتسمت علي ثغرها قائلة:لا تقلقي يا هند
تناولت "هند" كأس زجاجي مملوء لنصفه بالخمر و ارتشفت منه قليلا قائلة:ما بالك؟؟ نبرتك حزينة
تنهدت "إسراء" بقوة ممزوجة بضيق قائلة:لقد سافر فادي
اكتست ملامح "هند" بالضيق قائلة بنبرة جافه:ما بالك يا إسراء!!هذا الرجل سيسلبك عقلك
إسراء بنبرة ضيق ممزوجة بحزن:لا أعلم ماذا أفعل له يا هند؟؟أتدرين ماذا يحدث لي عندما أراه
هند بضجر:ماذا؟؟
إسراء بشرود:أشعر في كل مرة ألقاه فيها أنني في اختبار و النتيجة دائما راسبة بإقتدار في الإيقاع بهذا المتعجرف
وضعت كأس الخمر علي الطاولة بعصبية قائلة:كفي عن هذا الجنون و عودي إلي عقلك كفي عن التفكير في هذا المغرور
اختصار للوقت و لتمنع حضور شبح العصبية..تطابقت شفاه "إسراء" علي سيجارتها ليسود الصمت بين الفتاتين وبداخل كيان كل منهما حرب لا يعلم أي منهما عنها..
...
وضع سماعات الأيفون الخاصه به في أذنه و انطلق في طريقه علي أنغام أغنية عبدالحليم حافظ "قارئة الفنجان" يستكشف أراضي النوبة الذهبية..ما بين ألوان المنازل الزاهية و البشرة السمراء الساحرة و مياه النيل الزرقاء..ما بين شروده في صوت العندليب و انشغاله بإلتقاط صورة لكل جزء في النوبة ..أراد أن يشبع رغبته في استكشاف القرية بأكملها رغم أنه لم يدرسها جيدا..
رفع عدسة الكاميرا الخاصة به علي عينيه ليأخذ صورة لأحد الطيور وهي تطعم صغارها..ليري وشاحها الأبيض يخترق عدسته بحياء يتراقص أمام عينيه..اتسعت عينيه دهشة ممزوجة بضيق لضياع المنظر الذي أراد التقاطه..و قبل أن يتوفه بأي كلمة..أرادت نسمات الهواء أن تلقنه درس بسيط لضجره من وشاحها..لتستأذن نسمات الهواء من وشاحها و تسقطه بخفة ..لتشهق "قمر" بخوف و تتسع عين "فادي" تدريجيا وكأنه يفحص ملامح "قمر" بعناية بالغة..
بشرتها السمراء..عينيها الفيروزية المكحلة برسمة يعجز أمير الشعراء عن وصف جمالها..رموشها التي تتحرك ببطء كأنها تريد أن تجبر نظره أن يتأمل روعتها..معالم الخوف الممزوجة بنظرة طفولية لا تناسب جسدها الأنوثي المثير..
ازداد خوف "قمر" من نظرات "فادي" النارية الممزوجة بطابع خاص لم تستطع تفسيره..تحركت شفتيها المرتعشة قائلة:آسفة
و لأنه هذا المتعجرف..المغرور..المؤمن بأنه لا توجد فتاة من حواء تقدر علي أن تملك ولو نبضة واحدة من قلبه المتحجر..حرك شفتيه السفلي بحركة تدل علي اللامبالاة و رفع رأسه لأعلي رافعا الكاميرا الخاصة به علي عينيه ملتقطا صورة للطيور وهي تسير في سرب منتظم..
رفعت "قمر" وشاحها علي وجهها متنهده بضيق و التفت بجسدها عائدة إلي منزلها بخوف ..ليبتسم "فادي" ابتسامة سرية و ينحني برأسه بسرعة ملتقطا صورة ل "قمر" وهي تسير بخفة و الطيور تتراقص من حولها و نسمات الهواء الدافئة تستأذن أوراق الأشجار في رقصة هادئة..ليلتقط "فادي" صورة لو كان عاش مقدار عمره أضعاف مضاعفه لن يقدر علي أن يري صورة بتلك الروعة..
......
مع تمام الساعة الثامنة مساءا..تجمع "فادي" بالوفد السياحي المسئول عنه و تنقلوا بسعادة ترتسم علي وجهم بين طيات شوارع قرية "غرب سهيل" منشغلين بإلتقاط الصور التذكارية و شراء الهدايا الرمزية و الاستماع إلي معلومات "فادي" عن "النوبة و أهلها"..
مر ما يقارب الساعتين علي الوفد وزيارته الأولي لشوارع القرية بإحساس من الراحة الممزوج بالمتعة..
و كعادة كرم الضيافة الذي يتميز به أهل مصر عامة وأهل النوبة خاصة ..تلقي "فادي" دعوة من الحاج "منير" عمدة القرية لتناول وجبة العشاء في منزله..
تجمع الوفد السياحي في الحديقة الأمامية لمنزل الحاج "منير" منقسمين علي عدة طاولات ..يعلو صوتهم بضحكات استمتاع...معلنه نجاح "فادي" في إمتاع الوفد السياحي في أول جولة لهم..
بين انشغال الحاج "منير" و"بسام" و بعض رجال الحاج "منير" في تلبية كل طلبات الوفد السياحي لإتمام واجب الضيافة..استأذن "فادي" لمحادثة والده و خرج إلي الجانب الخلفي من منزل "الحاج منير"...
بينما في داخل منزل "الحاج منير" تحديدا في المطبخ..وقع فنجان القهوة من يد "قمر" لتشهق "ناهد" بقلق قائلة:ما بالك يا قمر !!! انتبهي قليلا
قمر بشبه شرود:أعذريني يا أمي فا أنا مجهده قليلا
تحسست "ناهد" يد ابنتها المرتعشة قائلة بخوف ممزوج بحنان:ما بك يا صغيرتي!! أتدرين أن أخبر والدك لكي يحضر الطبيب
قمر بسرعة:لا لا تقلقي أبي فهو منشغل مع الوفد السياحي سأذهب لأرتاح قليلا في غرفتي
أجبرت "قمر" قدمها المرتعشة علي السير لتقودها إلي حجرتها..أغلقت "قمر" باب حجرتها و استند عليه كأنها تلقي بهمومها عليه وكلام "بسام" يخترق أوصالها مانعا إياها من الراحة..
بينما علي مسافة أمتار منها...ارتفع صوت ضحكات "فادي" وهو يضغط علي بطنه بقوة قائلا:أرحمني يا ياسر عضلات معدتي تؤلمني
ياسر بنبرة ضاحكة ممزوجة بمرح:و تقولها صريحة هكذا يا صديقي !! أتركك يوم لتقول معدتي تؤلمني؟؟ ماذا حدث لتقول هذا أخبرني
مسح "فادي" علي خصلات شعره بضحك قائلا:كفاك هذا التفكير الشيطاني يا ياسر أريد أن أشعر بأنك ستتحمل مسئولية أسرة بعد أقل من شهر
ياسر بنبرة ثقة:صدقني إذا شعرت أنا بهذا سأخبرك
أعلن "فادي" نهاية المكالمة قائلا:حسنا سأحادثك ليلا سأغلق لأنني تأخرت علي الوفد
ودع "ياسر" صديقه ليغلق فادي هاتفه و التفت بجسده لتتسع عينيه بتعجب..يتبع.....
#نورهان_حسني.....
أنت تقرأ
في أرض النوبة للكاتبه نورهان حسني
Gizem / Gerilimبسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته المقدمة "كرم.. شجاعة.. انتماء" صفات تلخص مشوار هذه المدينة السمراء النوبة ؛ أو كما أطلق عليها عبر التاريخ أطيب المدن وأقدمها.. "مدينة التضحيات" قيل عنها فى حكايات أخرى، وعلى الرغم من تعدد صفات...