الفصل التاسع عشر

1.2K 52 0
                                    

الفصل التاسع عشر

سيارة أطاحت بابنه وهو في طريق العودة من مدرسته ليفقد الابن القدرة علي السير..
شباب مغيبين عن العالم بسبب جرعة مخدرات زيادة جعلتهم يتحرشون بابنته ...
زيادة مفاجأة في مبلغ الإيجار للمنزل الذي يأوي أسرته..
جميع ما سبق بالإضافة للخوف الذي تمكن من "عواد" لتأكده من أن من يفعل ذلك هو "محب" وأن كل ذلك ما هو إلا إشارة بأنه إذا كرر شهادته تلك ستكون المرة القادمة ليست تحذير فقط وإنما فتك نهائي بأسرته كاملة..
ليقرر "عواد" إنهاء حياته بيده ظناً منه بأنه بذلك سيجعل أسرته في أمان أكثر..وبينما العسكري منشغل بإحكام قبضة السلاسل علي يد "عواد" استغل "عواد" بذلك أن العسكري لم يحكم السلاسل علي يده لينطلق بسرعة اكتسبها من خوفه ليلقي بنفسه من الطابق الخامس الخاص بمبني النيابة العامة ليهوي بجسده علي حاجز حديدي أنهي به حياته نهائياً
لتنتهي حياة "عواد" و معها ينتهي الشاهد الوحيد علي "محب" في قضية المخدرات..
....
بعد مرور نصف ساعة تحديداً في مكتب "وائل"..تعالت نغمة هاتف "وائل" معلنة قدوم اتصال تليفوني ليغلق "وائل" الملف الذي أمامه لتبدأ المحادثة بينه وبين زميله الذي أخبره عما حدث ل"عواد"..
دقائق معدودة مرت بين "وائل" وزميله لم يبدي فيهم "وائل" أي رد فعله لأنه كان علي يقين منذ لقائه مع "محب" أنه لن يجعل "عواد" يلقي بأقواله تلك في النيابة..
قطع شرود "وائل"..نبرة "بسام" المتعجبة وهو يضع أكواب القهوة قائلاً:"وائل"؟! يا بني؟! هل جننت؟! 
فاق "وائل" من شروده بإرهاق قائلا بنبرة تساؤل:ها؟! أعذرني كنت شاردً فقط 
عقد "بسام" حاجبيه بتعجب قائلاً بنبرة تساؤل:ماذا حدث؟! منذ دقائق كنت بخير؟! 
ارتشف "وائل" قليلاً من كوب قهوته قائلاً بنبرة أسف:"عواد" انتحر 
اتسعت عيني "بسام" صدمة دامت لثواني معدودة ليحرك شفاهه قائلاً:يا حول الله!!انتحار؟! 
أعاد "وائل" فتح الملف الذي أمامه قائلا بنبرة اهتمام:الأهم الآن أن ندرس تلك الملفات 
ارتسمت ملامح الجدية علي ملامح "بسام" الذي ارتشف قليلاً من القهوة قائلاً:الآن كما وجدنا في السابق أن قضية والدة "فادي" حٌكم فيها بالإعدام علي "معاطي القط" 
بدأ "وائل" في تدوين ملاحظاتهم في ورق وهو يفرغ ما في الملفات قائلا:وفي محضر القضية أن "معاطي" استعان بشاهدة لتقول بأنه وقت ارتكاب الجريمة كان معها وتلك السيدة حسب شهادة ميلاد "محب" هي أمه 
ارتشف "بسام" قليلاً من قهوته ليستخرج ورقة من أحد الملفات قائلا:وفي محضر الجلسة التالية اتضح أن تلك السيدة كاذبة لأن التحقيقات أثبتت أنها بنفسها لم تكن في ذاك المكان التي أدعت أنها كانت به بصحبة "معاطي" وعندما أصدرت المحكمة حكم ضدها بسبب الشهادة الزور اختفت تماماً ولم تستطع الداخلية القبض عليها 
مسح "وائل" علي جبينه بتفكير قائلاً بنبرة تعجب:إذا فرضنا أن تلك السيدة تزوجت من "سيد" المقيد في شهادة ميلاد "محب" أنها زوجته..كيف لذاك الزوج الذي حررت شقيقته محضر باختفائه قبل 6أشهر من حادثة والدة "فادي"..كيف له بأن يكون والد "محب"؟!
رفع "بسام" حاجبه الأيسر بتعجب ليقول بنبرة توضيح:وبذلك نستطيع القول بأن يقين "فادي" بأن "معاطي القط" هو والد "محب" الحقيقي صحيح
ارتشف "وائل" قليلاً من قهوته قائلا بنبرة تأكيد:بالطبع ومن الممكن أن تكون والدة "محب" هي الأخرى توفيت ولذلك أتي خال "محب" به إلي النوبة 
مسح "بسام" علي جبينه بتفكير ممزوج بإرهاق قائلاً بنبرة ضجر:ولكن الأهم الآن أن نجد تفسير لعلاقة "معاطي القط" ب"منير وحمدي" وبوالدة "فادي" وتلك الأسئلة إجابتها مع "منير وحمدي" فقط!؟
...
دلف "محب" إلي منزله ليستنشق رائحة الطعام التي تتراقص في أركان المنزل لترتسم ابتسامة خبث علي ثغره لتأكده من أن "قمر" وصلت إلي المنزل قبله كما طلب من "منير"...
أغلق "محب" هاتفه علي الرسالة التي هنأته بخبر انتحار "عواد" ليخلع حلته السوداء متجهاً إلي المطبخ..
باتت النوبة الآن بالنسبة ل"قمر" ما هي إلا سجن ولكنه واسع قليلاً..سجن يريد رئيسه الممثل في والدها بالحكم عليها بالشقاء طيلة حياتها ليلقي بها بين يدي شيطان لا يمس للإنسانية بأي صلة كل أحلامه في الحياة هي جمع المال وإرضاء شهوته..
لتتحول النوبة بعد أن كانت منبع الأمل والمرح الذي يضخ الحياة إلي كيان "قمر" أصبحت الآن منبع التعذيب والشقاء لتضخ الآلام إلي كيان "قمر"..
فاقت "قمر" من شرودها علي لمسة يد تحيط بخصرها لتنتفض "قمر" من موضعها لتهوي الأطباق من يدها ليرتفع صوت ارتطامها بالأرض مصاحباً صوت صرخة "قمر" ...
قهقهة خافتة نبعت من شفاه "محب" الذي أحكم القبضة علي خصر "قمر" قائلا" بنبرة خبث هامسة:لا تخافي أنا زوجك
حاولت "قمر" استجماع قوتها الجسدية بكل السبل الممكنة لتشعر بقلادة "فادي" تدحرج علي صدرها باعثة الإرادة الممزوجة بالقوة في كيان "قمر" التي دفعت "محب" عنها وهي تصرخ به قائلة:لست زوجي أفهم لست زوجي 
اتسعت عيني "محب" غضباً ليصوب نظراته القاتلة إلي "قمر" ليقترب منها بسرعة قائلا بصيحة غضب:ألم أحذرك مسبقاً بألا ترفعي صوتك أمامي؟!
ابتلعت "قمر" ريقها بصعوبة وقبل أن تظهر أي رد فعل أمسك "محب" بذراعها ليلقي بها أمام حطام الأطباق قائلا بنبرة غضب ممزوجة بأمر:لملمي شتات الأطباق حالاً
أغلقت "قمر" عينيها بألم ممزوجة بشعور بالكسرة بات يجتاح أوصالها تدريجياً وهي تشعر بأن قلبها بات في حالة احتضار يصرخ بضعف في كيانها أجمع بأنه في حاجه ل"فادي" في حاجه إلي من يدق من أجله..
في حاجه إلي الشعور بالطمأنينة..
بينما علي الجانب الآخر..كان "فادي" منشغل بعرض المعلومات أمام الوفد السياحي عن طبيعة مقصدهم التالي ليشعر بغصة ألم تجتاح قلبه..
غصة ألم تضرب لكيانه بأجمع بأن عشيقته في خطر...
غصة ألم تنقل له صرخات عشيقته المتألمة التي ترجو عودته لحمايتها..
أحكم "فادي" إغلاق عينيه حتى يمنع أي أحد من قراءة علامات الألم الممزوج بالحزن في عينيه..
صرخات نبعت من داخل كيان "فادي" الصامت طالبة من الله تعالي بأن يحيط "قمر" بحفظه..
أما في داخل منزل "محب"..
بدأت "قمر في تجميع شتات الأطباق وهي تتلقي دفعة السباب من "محب" دون إبداء أي رد فعل إلي جرحت أصابعها بلا وعي منها ليتسرب سيل بسيط من دمائها ليختلط بأرضية المطبخ..
نبرة سخرية ممزوجة بأمر نبعت من شفاه "محب" الذي قال:أنهي تلك الفوضي وأحضري لي الطعام 
دلف "محب" خارجاً من المطبخ لتغمض "قمر" عينيها بغضب مكتوم لتبصق علي الموضع الذي كان يقف به..
قامت "قمر" من موضعها بضجر لتبدأ في إعداد الطعام لذاك المعتوه ومن ثم اتجهت به إلي حجرة التلفاز لتضعه علي الطاولة دون أن تحرك شفتيها بكلمة..
ما إن تأكد "محب" من أن الطعام ساكن علي الطاولة حتى تحرك بخفة ليحكم قبضته علي عباءة "قمر" من أعلي الكتف ليجذبها إليه بقوة قائلا بنبرة خبث:ألن تنهي ذاك الجنون الذي يتحكم منك وتطيعي أوامري 
ضغطت "قمر" علي شفتيها بغضب قائلة بنبرة إصرار ممزوجة بعند"مستحيل 
ما إن أنهت "قمر" حديثها حتى حاولت التخلص من قبضة "محب" وبلا تخطيط منها استطاعت التخلص من قبضته ولكن كتف العباءة تقطع تماماً وأصبح كتفها عارياً أمام عيني "محب" التي اتسعت تعجباً ممزوجة بخبث ليقترب منها وهو يتحسس كتفها العاري قائلا:كل الأمور تجري من حولك لتجعلك تعودي إلي رشدك حتى حنة كتفك لم تختفي بعد لتتأكدي أنكي زوجتي أنا 
التفتت "قمر" بجسدها لتصبح في مقابلة "محب" لترتسم ابتسامة برود تدريجياً علي ملامحها قائلة بنبرة عند:أتدري ما المنقوش علي كتفي؟!
أكملت "قمر" حديثها بنبرة مستهزئة بعد أن رأت علامات التعجب تسيطر علي ملامح "محب" لتقول بنبرة باردة:تلك الجملة باللغة اللاتينية..طلبت من الحنانة أن تكتبها لي..طلبت منها كتابة "أنا في ذمة عاشق يدعي فادي" في نفس الليلة التي كنت تحلم بها بليلة أقضيها معك علي فراشك 
ازداد غضب "محب" أضعاف مضاعفة ليحرك يده التي باتت عروقها تغلي غضباً ليضعها علي حزامه ومن ثم يهوي به علي جسد "قمر" مفجراً غضبه في إعطائها جرعة تعذيب من حزامه الجلدي الذي يرتعد غضباً من أوصاله التي قاربت علي الانفجار..
بالرغم من قوة الصفعات المصوبة تجاه جسدها الهزيل..أبت كرامة "قمر" بأن تجعل جسدها يهوي أمام "محب" لتظل كما هي واقفة صامدة و"محب" يفرغ غضبه في صفعات حزامه الجلدي ودفعة السباب التي يلقنها إياها..
سدد "محب" صفعة نارية إلي جسد "قمر" التي أغلقت عينيها بألم لتأتيها نبرته الغاضبة وهو يقول:لماذا كل هذا؟! كلمة واحدة وسأجعلك تتذوقين النعيم؟! لماذا ؟!
فتحت "قمر" عينيها بألم ممزوجة بقوة اكتسبتها من قلادة "فادي" التي ارتطمت بصدرها من إثر تلك الصفعة لتقول بنبرة قوة ممزوجة بإصرار:لأنني في ذمة عاشق 
ما إن أنهت "قمر" حديثها حتى هرولت إلي حجرتها بسرعة قصوى لتغلق باب حجرتها قبل أن يصل "محب" إليها..
حاول "محب" مراراً وتكراراً تحطيم ذاك الباب ولكن بلا جدوي والسبب بالنسبة له مجهول ولكن بالنسبة ل"قمر" هي متأكدة أنها رعاية الله لها..
شعور من اليأس الممزوج بالإرهاق اجتاح كيان "محب" الذي ابتعد عن باب الحجرة بغضب متجهاً إلي حجرته..
ارتسمت ابتسامة طمأنينة علي ملامح "قمر" التي احتضنت قلادة "فادي" بكفيها لتهمس بها قائلة بفرحة:لا تقلق يا "فادي" فالله يحفظني لأجلك 
....
ثلاثة أشهر بالتمام مرت علي أبطالنا...لتخفي في طيات أيامها..صيحات "قمر" المكتومة في كل مرة يحاول فيها "محب" الاعتداء عليها فيجد إصرارها وقوتها تمنعه فيتجه إلي صفعاها بحزامه الجلدي أو بقوته الجسدية التي لا عادت ذات قيمة أمام قوة إيمان "قمر"..
لتظل قوة إيمان العاشقة وإصرارها هما درع حمايتها من ذاك المعتوه..
بينما قضت تلك الشهور علي أمال "محب" في التجارة ولو بجرام واحد من المخدرات في ظل صحوة الداخلية التي تحبط أية محاولات منه..
لتقضي علي أمال ذاك الشيطان بسبب نظرة عيني تأبي أن يصوب لهبه تجاه بشر آخرين..
أما عن "هاني" فلم ينقطع في فترة سفره عن الحديث مع "إسراء" التي لم تستطع نهائياً معرفة الجزء المجهول في رحلته تلك..
وبجانب دلال "إسراء" علي "هاني" للوصول إلي معلومة واشمئزازها من "محب" الذي لم يمل منها حتى الآن بل زاد دفعات مقابلاتهم السرية ليطفئ فيها نار غضبه التي أشعلته "قمر"..كانت "إسراء" هي العاشقة السرية لذاك الزوج الخائن وذاك الصديق الخائن ومن بينهما كانت تفقد قوتها رويداً رويداً لتتبدل ملامحها الساحرة إلي ملامح كسرة و تستبدل ضحكتها بدموعها التي لم تتوقف و لو للحظة واحدة..
ولكن إن دققنا النظر نجد أن تلك الفتاة ما فقدت حيويتها إلا بفقدنها الأمل في الفوز بقلب عكفت ليالي تناجي ربها للفوز به ..
أما عن "ياسر" فسرعان ما عاد إلي طبيعته بمجرد عودة والده من المستشفي ولكن باتت حياته هو و"مريم" الآن أكثر جنوناً بسبب تلك الصغيرة التي بدأت في التكوين في معدة "مريم" رويداً رويداً مسببة انتفاخ كروي بسيط في معدتها ليبث ذاك الانتفاخ الكروي إحساس المسئولية الأكبر الممزوجة بالسعادة في كيان "ياسر"..
بينما كان ذاك الانتفاخ الكروي هو منبع الأمومة لفتاة طالما مرحت بدمي صغيرة منذ طفولتها وها هي الآن تحوي بداخلها جزء منها ومن زوجها...
أما عن "فادي" فكان هو الأكثر صمتً وتحملً في أبطالنا..ليغمر روحه بالعمل والبحث عن أية تفسيرات لتلك القضية الغامضة والجلوس من حين إلي آخر مع الشيخ "راضي"..
كان "فادي" يظن بـأنه بذلك سيشغل قلبه المشتاق ويلهيه بمتطلبات الحياة عن ذاك الشوق الممزوجة بالألم ولكن كانت حسبة "فادي" في تلك المرة خاطئة فبالرغم من محاولات الانشغال المستميتة منه كان غصة الشوق في قلبه تزداد بسرعة ملحوظة..
ليتأكد "فادي" من أن العاشق المصاب بلعنة الفراق لن تهدأ ضربات الشوق في قلبه إلا بعودة لمعشوقته ..
مرت الثلاثة أشهر بكل ما تحويه من آلام ممزوجة ببصيص من الأمل..و ابتسامة خافتة باتت ترتسم علي الشفاه لتتحدي الوجع كأنها تصرخ به بأنه ما عاد يؤلم النفس كما كان بل باتت النفس معتادة علي الوجع..
...
في تمام الساعة العاشرة لصباح يوم العطلة الخاص ب"فادي"..
فتح "فادي" عينيه بإرهاق لتقابل قطرات المياه الدافئة التي تتطاير من حوله ليغلق "فادي" صنبور المياه متجهاً إلي المرآة المقابلة له..
أحاط "فادي" خصره بمنشفته القطنية ليخفف بيده آثار الدخان الذي يزين المرآة لترتسم ابتسامة باهتة علي ملامحه وهو يتأمل لحيته بهدوء..
"سبحان من زين الرجال باللحية" جملة مشهورة يتداولها الكثير من شاب أو نساء اليوم لتعبر عن مدي إبداع الخالق في تلك اللحية التي بحق هي من علامات الجمال لدي الرجال..
ولكن في حالة "فادي" فالأمر مختلف!!فبالرغم من أن لحيته هي بالفعل من إحدى رموز جماله إلا أنها باتت الآن رمزً لآلامه وأوجاع التي يخفيها في نظرة لامبالاة باتت مرسومة علي عينيه دائماً..
ولكن الحقيقة!! أن تلك اللحية ما عادت رمزً لجمالك أيها المتعجرف بل باتت رمزً لشقائك..
فاق "فادي" من شروده علي قطرة مياه دافئة تتساقط من خصلات شعره لترتطم بصدره العاري ليمسح بكفيه علي وجهه بضيق قارب علي تمزيق ضلوعه..
ثواني معدودة مرت علي "فادي" وهو يخفي ملامحه بين كفيه وكأنه يريد فرصة للبعد عن ذاك العالم..ليزيل "فادي" كفيه ببطء لتقع عينيه علي تلك اللوحة لمنظر طبيعي علي مرمي بصره من جهته اليمني..
عقد "فادي" حاجبيه بتعجب وهو يتذكر رفض والده القاطع بتغير موضع تلك اللوحة لترتسم علامات من الفضول علي ملامح "فادي" الذي اقترب من اللوحة ليزيلها من موضعها بهدوء متحسسً جهتها الخلفية ليجد أنه لا وجود لأي شئ..
مرر "فادي" أصابعه بين خصلات شعره وهو يحرك اللوحة يميناً ويساراَ بضجر ليقفز أمام خياله موضعها الغير مستوي نهائياً..
رفع "فادي" حاجبه الأيسر بتعجب ممزوج بفضول ليتحسس موضع تلك اللوحة ليتأكد من أن هناك شئ خلف ذاك البلاط بسبب ذاك الفارق الذي يرتفع لميلمترات ...
لحظات صمت يتخللها طرقات من أداة حديدية لدي "فادي" للإزالة ذاك البلاط لعله يصل إلي مراده..
"البعض يهرب من واقعه بكلمات يدونها في مذكراته بلا وعي لعلها تكون ذكري يبتسم عندما يقرأها من جديد عندما يتحقق ذاك الحلم الذي ظنه مستحيل "
جملة افتتاحية قابلت "فادي" عندما أنهي إزالة ذاك البلاط ليجد أن هناك كيس بلاستيكي مدفون بداخله كتيب صغير ومظروف..
بدأ "فادي" بذاك الكتيب لتقابله تلك الجملة لتزف له أنه سوف يتلقي حقائق وصدمات متتالية بعد ثوان معدودة..
صديقين كانت العلاقة بينهم متماسكة لأبعد الحدود ولتقوية تلك الصداقة تزوج أحدهم من أخت الأخر لتقوي صلة القرابة بينهم ولكن سرعان ما بدأت صداقتهم في التفتت..
فذاك الزوج أخذ العروس إلي بلدته في القاهرة تاركاً أخوها مع والديه في النوبة لينبت يقين داخل ذاك الأخ بأن صديقه سلبه أخته..
وكانت تلك الأخت والزوجة هي المتضررة الأولي بينهم لعدم قدرتها علي موازنة الأمور بين أخيها و زوجها ولكن سرعان ما تبدلت حياتها السعيدة مع زوجها بعد ثلاث سنوات من الزواج ولم يحدث لها حمل بعد فلذلك قررت التأكد بنفسها علي نفسها لتجد بأنها مصابة بسرطان خبيث في الرحم يقضي نهائياً علي فرصة حملها ولذلك قررت تلك الفتاة أن تزوج زوجها بأخرى لعلها تمنحه الطفل الذي يتمناه من ذاك العالم..
أغلق "فادي" الكتيب بسرعة ليفتح المظروف بحظر ليجد أوراق تحاليل طبية تثبت كلام تلك السيدة أو كما تلقب "قمر" أخت "منير" و وعمة "قمر"..
تلك هي الحقيقة التي استطاع "فادي" الوصول لها بعد فترة معدودة من اختلاسه لتلك الصورة التي تجمع والده بسيدتين ليستعين ب"وائل" الذي أثبت أن والدته تم قتلها علي يد "معاطي القط" وبأن والده كانت تربطه علاقة قرابة وصداقة ب"منير"..
أسند "فادي" برأسه علي الحائط وهو يشعر بأن ذاك الحائط بات يتسرب له ألسنة اللهب التي تشتعل في رأسه..
لحظات ألم ممزوجة بضيق مرت علي "فادي" وهو يتصور الحياة التي كانت بها والدته وأنها كانت مجرد رحم يحمل طفل يرجوه والده وحرمت منه زوجة والده الأولي..بات يتصور كم المعاناة التي عاشتها وأوجاعها!! 
بدأت قطرات المياه تتساقط من شعر "فادي" مصوبة إلي صدره الذي يغلي غضباً علي والدته..
بدأ "فادي" يستعيد قوته رويداً رويداً ليعيد ذاك البلاط إلي موضعه وهو يغلفه بقليل من الأسمنت الموضوع في دورة مياه ليتجه إلي حجرته ليعكف علي ذاك الكتيب منتقلاً بين صفحة وأخرى..
طالما انتظر "فادي" تلك اللحظة التي تنكشف الحقيقة أمام عينيه ولكنه لم يتوقع أن تزيده تلك الحقائق تعجباً وتضيف تساؤلات وتساؤلات...
ولكن يبقي السؤال الأهم لدي "فادي" هو..لماذا قٌتلت والدتي؟! 
فاق "فادي" من شروده علي صوت رنين هاتفه معلنً قدوم اتصال من "ياسر" يخبره بأنه منتظره أسفل المنزل..
أرتدي "فادي" ملابسه بسرعة ومن ثم اتجه لإخفاء ذاك الكتيب والمظروف ليدلف خارج حجرته..
أنحني "فادي" لربط حذائه الرياضي لتأتيه نبرة "حمدي" المتسائلة قائلاً:أين تذهب في يوم العطلة؟! 
ضغط "فادي" علي رباط حذائه كأنه يفرغ طاقته الغاضبة ليرفع عينيه بلامبالاته المعتادة قائلاً:ذاهب مع "ياسر" ل"وائل" بسبب الحادث الذي تعرض له 
نبرة تساؤل ممزوجة بضجر نبعت من شفاه "حمدي" الذي قال:ألم يأتي موعد معرفتي بتلك التي تريد الزواج بها؟!
لحظات صمت معدودة مرت علي "فادي" الذي قام من موضعه بثباته المعتاد لترتسم ابتسامة ماكرة علي ملامحه قائلاً بنبرة باردة:بالطبع ..إنها فتاة من النوبة تدعي "قمر منير" 
طالما انتظر "حمدي" تلك اللحظة التي يعلم فيها من التي استولت علي قلب ابنه ولكن الحقيقة باتت قاتلة الآن..
تلك الحقيقة التي ستفتح أبواب العذاب علي ابنه تلك الأبواب التي طالما حاول إبعاده عنها منذ صغره..
اتسعت عيني "حمدي" صدمة ممزوجة بغضب ليصيح في "فادي" قائلا:هل أنت مجنون؟!ابنة من؟! أعد علي مسامعي ذلك؟! من المستحيل أن تتزوجها يا "فادي"؟!
أسعف "فادي" تعجرفه ولامبالاته في تلك اللحظات ليقول بنبرة باردة:ولماذا؟! هل تعرف والدها؟!
بدأ "حمدي" في تمالك أعصابه ليدب القلق في أوصاله من أن يصرح بالماضي في لحظة غضب ليقول بنبرة غضب مكتوم:ذاك مستحيل أفهم يا "فادي" مستحيل 
اتجه "فادي" إلي باب المنزل قائلا بنبرة إصرار:المستحيل كان أن أحب يا أبي ولكن باتت الحقيقة الآن أنني عاشق في حضرتها..
بمجرد أن أنهي "فادي" حديثه دلف خارج المنزل ليترك "حمدي" في صدمته الممزوجة بغضبه ليحادث صديقه الوحيد الذي يعلم بخبايا ماضيه الغامض ذاك والذي نصحه بألا يتحدث مع "فادي" في ذاك الموضوع ريثما يتأكد من أن ما يقوله حقيقة وبأن "قمر" تلك ليست ابنة صديقه القديم..
بينما علي الجانب الآخر..سادت علامات الصدمة علي ملامح "ياسر" وهو يستمع إلي ما يقصه عليه صديقه لينهي "فادي" حديثه قائلاً بنبرة إصرار:فليفعل ما يفعل فلن يكون ببشاعة ما حدث ل"قمر" ولكنني لن أهدأ حتى أعلم الحقيقة كاملة 
أوقف "ياسر" السيارة أمام بوابة المستشفي قائلاً بنبرة تأكيد ممزوجة بهدوء:لن أتركك يا صديقي إلا عندما تظهر لك الحقيقة وإلي حينها لا تتصرف بجنونك المعتاد ودعنا نذهب إلي "وائل"
...
بعد مرور نصف ساعة من اجتماع الشباب بحجرة "وائل" بالمستشفي حتى تعالت ضحكاتهم المرحة في أركان المستشفي بأجمعها لتبعث تلك الضحكات الصاخبة السكينة في روحهم المتهالكة..
انتبه "فادي" إلي ساعة يده ليقول بنبرة هادئة من بين ضحكاته الصاخبة:أنا ذاهب الآن لإحضار الترياق وسأنتظركم أمام المنزل 
رفع "وائل" حاجبه بتعجب قائلاً بنبرة تساؤل:أي ترياق؟!
وضع "بسام" يده علي جبين "وائل" قائلا بنبرة تحسر ممزوجة بمزاح:من الواضح أن الرصاصة التي تلقيتها أثرت علي مراكز المخ 
نبرة توضيح ممزوجة بضحكاته صاخبة نبعت من شفاه "ياسر" الذي قال:الترياق الذي قال أنه سيجعل أحد أصدقائه يحضره له الذي سيساعدنا في معرفة الحقيقة 
أومأ "وائل" رأسه بتذكر ليكمل حديثه المرح مع "بسام و ياسر" بينما اتجه "فادي" لإحضار ذاك الترياق من صديقه الأمريكي..
...
تدحرجت دمعة دافئة علي خدي "قمر" وهي تسكب المياه المغلية في كوب الشاي الخاص ب"محب" لتتسل تلك الدمعة من عينيها اللذان باتا موضع الألم الممزوج ببصيص الأمل في الخالق القادر علي تدمير ذاك الوحش البشري..
وضعت "قمر" إبريق الشاي في مكانه لتتجه إلي حجرة "محب" الخاصة لتستمع إلي ضحكاته الصاخبة وهو يتغزل في فتاة ما ويعدها بمقابلته لها فور وصوله إلي الأقصر..
ارتسمت ابتسامة اشمئزاز علي ملامح "قمر" التي حادثت نفسها بضجر قائلة"ألا يكفيه أعماله الشيطانية تلك بل و زاني أيضاً فليرحمنا الله من أمثالك يا معتوه" 
لم تهتم "قمر" كثيراً بكلمات "محب" فكيف لها أن تشعر بالغيرة علي رجل أجبرت علي الزواج منه؟! 
طرقات خافتة تنم علي اشمئزاز أحدثتها "قمر" علي باب حجرة "محب" الذي أذن لها بالدخول لتضع "قمر" كوب الشاي ومن ثم تتجه إلي باب الحجرة لتوقفها نبرة الضجر الممزوجة بالضيق النابعة من شفاه "محب" الذي قال:ألن تكفي عن ارتداء ذاك الحجاب ورسم تلك العلامات التي تبعث الضيق إلي صدري عند رؤيتك 
نبرة لامبالاة اكتسبتها من حبيبها ممزوجة بقوة نبعت من شفاه "قمر" التي التفت برأسها قائلة:لا لن أكف 
صيحة غضب ممزوجة بضجر نبعت من شفاه "محب" الذي قال:هل تظنين نفسك جميلة أم ماذا؟! إذا أمر "محب" فقط تجدين أجمل نساء العالم تحت قدمه 
ارتسمت ابتسامة ساخرة علي ملامح "قمر" التي قالت ببرود ممزوج بعند:أخبرتني أمي في ليلة ما أنني أجمل نساء العالم ولكنني لن أكون لشيطان مثلك 
ما إن أنهت "قمر" حديثها حتى شعرت بأنفاس "محب" الغاضبة وهو يصوب لها صفعة نارية نزف علي إثرها أنفها لتأتيها نبرة "محب" النارية وهو يصيح:لا أريد رؤيتك حتى أسافر غداً إلي الأقصر 
تحاملت "قمر" علي قدمها التي تأبي أن تخونها أمام ذاك الشيطان لتتجه إلي حجرتها وكفها المرتعش يحتضن قلادة "فادي"..
..
في تمام الساعة الثامنة مساءً...تحديداً في منزل "إسراء"..
أغلقت "إسراء" هاتفها بقلق لتبتلع ريقها بصعوبة وهي متجه إلي "فادي" الواقف علي أمام طاولة زجاجات الفودكا لتقول بنبرة خوف:إنه في الطريق 
أغلق "فادي" زجاجة الفودكا قائلا بنبرة تهدأ ممزوجة بتنبيه:تذكري جيداً ألا ترتشفي قطرة من تلك الزجاجة 
أومأ "إسراء" رأسها بفهم لتقول بنبرة قلق ممزوجة بخوف:هل أنت متأكد يا "فادي" من مفعول ذاك الترياق
وضع "فادي" زجاجة الترياق في جيب معطفه ليقول بنبرة واثقة:لا تقلقي لا "إسراء" من أعدد لنا ذاك الترياق عبقري ولكن تذكري جيداً أن مفعوله يدوم لنصف ساعة ومن ثم سيغمي عليه 
ما إن أنهي "فادي" حديثه حتى آتته نبرة "بسام" الهادئة وهو يقول:الكاميرات المخصصة للحجرة والسماعات أنهيتها 
ابتلعت "إسراء" ريقها بصعوبة تنم عن خوفها بينما ارتفعت نبرة "فادي"المتسائلة قليلاً ليقول:"ياسر" هل انتهيت ؟!
هبط "ياسر" من علي سلم خشبي موضوع في بهو الصالة قائلاً بنبرة تأكيد:بالطبع 
نبرة تنبيه ممزوجة بطمأنينة نبعت من شفاه "فادي" الذي قال:تذكري جيداً أن يكون حواركم في بهو الصالة أو في حجرتك إن التزم الأمر
أومأت "إسراء" رأسها موافقة لتتجه للجلوس علي مقعد في بهو الصالة بينما اتجه الشباب إلي حجرة في أقضي يسار المنزل حيث أعد "فادي" شاشة لمراقبة تلك الكاميرات..
وما وضع "فادي" سماعات الأذن الخاصة بجهاز التصنت حتى ارتفع رنين جرس الباب لترتسم ابتسامة ماكرة علي شفاه "فادي" وهو يقول بنبرة تعجرفه المعتاد:ها قد بدأ المرح........

يتبع.....
#نورهان_حسنى

في أرض النوبة للكاتبه نورهان حسني حيث تعيش القصص. اكتشف الآن