اتكأت على الجدار خلفي أنظر بشرود للسقف المليء بالحشرات
هي لابد وأنها دُرر الطفلة تلك ذاتها , نفس العينين واللون الأخضر
الغريب كلون حبة الفستق والبقعة البنية في بياض العين ذاتها حتى
الملامح لا يبدوا لي تغيرت كثيرا عن تلك السن حين كانت هنا في
الخامسة قبل أن تختفي , أنزلت رأسي ونظرت لتفاصيل الغرفة
أمامي وللحبل المعلق في منتصف الجدار حتى الآن والدماء اليابسة
عليه من أكثر من عشرين عام , كل شبر في هذه الغرفة وكل بقعة
دم منتشرة فيها تحكي في ذاكرتي قصة من العذاب والتعذيب , حتى
والدتي لم يتركني أراها منذ مرضت وأصبحت طريحة الفراش
دُرر الشيء الوحيد الذي كان يعني لي الحياة هنا , كانت تحب
أرجوحتها وتعشق أن أدفعها بها بقوة وتصرخ بضحكة
( أواس ادفعني لأطير أكثر حتى ألمس السحاب )
عدت بنظري للأعلى وابتسمت بألم , كانت تشعر بي وتحبني لكنه
حولها لوحش مثله حين طلب منها جلدي مثلما يفعل , رفضتْ وبكت
كثيرا في البداية لكنها رضخت وفعلتها بل وأصبحت تستمتع بفعل
ذلك بي , كانت ضرباتها خفيفة لصغر سنها ولا تؤذي لكنها كانت
على قلبي وجسدي أوجع من ضربه المبرح القوى , وبعدما اختفت
اتهمني بأني اختطفتها واغتصبتها وحتى بأني قتلتها ودفنتها تحت
الأرض وزاد من عذابي وتعذيبي ولم أهرب منه إلا بأعجوبة
كُوني هي , كوني تلك الفتاة في محل بيع الحلويات وستعطينني
فرصة من ذهب لأرد له الصاع صاعين , كوني حفيدة علي رضوان
القاضي العادل رجل العدالة الذي يعذب فتى في الثالثة عشر بلا سبب
مقنع , كوني هي وسأكون أواس الجديد وسيرى حسابه مني وسيأتي
هنا منصاعا , قسما وأنا أواس أن يفعلها من أجلك ووقتها فقط سأفعل
ما ستبرد به هذه النار المتأججة منه بداخلي من عشرين عام , أنزلت
رأسي للأسفل أحرك السلسلة الحديدية بقدمي , غرفة ليس بها سوا
أدوات التعذيب ورائحة العفن والدماء التي لازالت في أنفي رغم كل
هذه السنين , غرفة تعيش في داخلي أكثر مما أعيش في داخلها
أخرجت سيجارة وأشعلتها واتكأت على الجدار أسحب دخانها , عليا
أن أعرف اسمها إن كان دُرر أم لا رغم أن كل شيء فيها يقول أنها