بعد السير مسافة ثلاث ساعات ونصف بالسيارة وصلتُ أخيرا لمنزل والدتي
فلِما حكم قدري وقدرها أن تكون بعيدة عني هكذا ؟ لما عليا أن أكسر ظهري
من الجلوس في السيارة لأصل لها ؟ تنفست بقوة وهمست مستغفرة الله ونظرت
للمنزل الكبير أمامي فهذه المرة الأولى التي أزورها فيها وكل ما أخشاه مقابلة
وتقبّل زوجها لي , نظرت لهاتفي مستغربة من ترجمان التي أغلقت هاتفها على
غير عادتها ولم تتصل بي حتى الآن ولم أفهم هل ستلحق بي أم ستبقى ؟ ولِما
اتصلت وسألتني إن ذهبت أم لا ! جالت فكرة في رأسي أن أتصل بعمها وما
كنت قررت ذلك حتى انفتح باب المنزل وكانت والدتي أمامه بابتسامتها الحنونة
فرميت كل تلك الأفكار وتوجهت نحوها مسرعة وارتميت في حضنها متمسكة
بها بقوة أجاهد دموعي كي لا تنزل ولم تترك هي عبارة ترحيب لم تستقبلني
بها والسعادة والشوق ظاهران في صوتها , ضممتها أكثر وقلت بحزن
" اشتقت لك أمي اشتقت حقا "
قالت بعبرة ماسحة على رأسي " وأنا أكثر منك مشتاقة لك يا ابنتي "
فانهرت حينها باكية وضاعت كل محاولاتي تلك لإمساك دموعي ولم
يوقفني سوا الصوت الرجولي الغليظ الفخم الذي جاء من خلفها قائلا
" مرحبا بك في منزلي يا سراب "
فابتعدت عنها سريعا ومسحت دموعي ناظرة للرجل الذي كان يتقدم نحونا
كان في الخمسين من عمره تقريبا ولا يبدوا كبيرا أبدا وكان ثمة عرج أو
إعاقة في إحدى ساقيه ويتحرك بمساعدة عصى برأس مذهب وكانت ثيابه
فاخرة مرتبة ومشيته ونظرته تدل على هيبته ومركزه , وصل عندنا
فمددت يدي له وصافحته قائلة " سررت بمعرفتك عمي "
صافحني مبتسما واكتفى فقط بقول " وأنا كذلك "
رغم ما سبق وقاله عني وعن شكه بما صرت عليه إلا أني لم أفكر إلا في نسيانه
فهذا الرجل سيبقى حلقة مرتبطة معي ووالدتي وعليا تقبله كي لا احرم منها أو
أحرمه هوا من بقائها بجانبه فأي خلاف بيني وبينه سيكون له معنا واحدا إما أن
تذهب والدتي معي وتتركه أو أخرج أنا من حياتهما وأنسى حتى أن أزورها من
وقت لآخر , دخلنا وجلسنا في صالون الاستقبال وجلس زوجها معنا وهذا مؤشر
جيد فقد توقعت أن يغادر ويتركنا , قال ما أن جلس " كيف حالك وحال