الفصل (38)
ظلت ساكنة مكانها تعلم انه في الأول والأخر زوجها وله حقوق عليها .. تلعنها الملائكة ان عارضته ولكن قد يغفر لها الظروف التي تزوجا فيها .. فـ عقد الزواج الطبيعي لا يكن مشروطاً ببند معين وانما قلبان تلاقيا وقررا ان يكملا ما تبقي من العمر سويا ..
اما في علاقتهما فالوضع يختلف تماما .. تركت لدموعها السبيل لتعبر عن الصخب والضجيج القابع داخلها ...
روح ممزقة لا تعرف كيف الخلاص من الماضي والعودة للبداية مرة اخري..
-مالك يا الينا انتي كويسه؟ أدم نزل متعصب ليه كدا ؟
كانت تلك "دانه" التي أتتها كزورق النجاة ظهر من العدم لينقذها من زوبعة المحيط الهائج .. رفعت رأسها لتشهق الأخري فور رؤيتهما محمرتين وجفنيها منتفخين و في حالة لا يرث لها ..تحركت بكرسيها نحوها بلهفة قائلة: مالك يا الينا ، في ايه يا حبيبتي؟
اخذت شهقاتها تعلو دون ان تنطق بحرف واحد ...
جذبتها "دانه" من رأسها لتركزها علي قدماها ممسدة علي شعرها برفق : اهدي يا حبيبتي اهدي .. أيا كان اللي مزعلك فهو مايستهلش دمعة وحده من عيونك.. انا زي اختك وجمبك مش هسيبك غير لما تهدي وتحكي لي..
امتزجت شهقاتها بصرخات متألمة جعلت "دانه" تقلق عليها خشية ان تعاني انهيار عصبي مثلها.. لذا رأت ولا بد ان تخرجها مما هي فيه فقالت : كنت عاوزه اقولك علي فكرة ان ادم اعترف لي انه حبك و..
توقفت عن ثرثرتها حين علت شهقات الأخري زيادة فعلمت ان "أدم" السبب وراء بكائها فأثرت ان تحكي لها قصة قصيرة كالاطفال : طيب انا هحكي لك حكاية طفل صغير عاش دايما يراقب الطيارات في السما و هي بطير و كان يسأل نفسه دائما ... هي ماشيه في السما كدا ازاي ، ومش بتقع علينا ..؟! فضل متحير لحد ما سأل مامته وقالت له ان في طيار بيسوق الطيارات دي في السما .. الاجابة مكنتش كافه لاشباع فضوله الرهيب فقرر انه يذاكر كويس رغم انه كان بيكره المذاكرة عشان لما يكبر يبقي طيار .. بس حياته اتبرجلت فجأة و بين يوم وليلة لقي نفسه واقف في بياخد العزاء في مامته ...
كانت محور حياته كلها ماتت قدام عنيه و سابته هو واخته يتما لا لهم ضهر ولا سند.. اعتمد علي نفسه لما شاف اخته الصغيرة بتصرخ من الجوع ومش معاه يجيب لها تاكل .. راح واشتغل شغل صعب وبقي يشتال طوب علي ضهره و يطلع بيه ادوار عاليه لحد ما فـ مرة اتأخر في شغله و اخته من قلقها عليه وجوعها خرجت تروح له وهي ماشية شبشبها اتقطع في نص الطريق ووقفت تصلحه عشان تكمل طريقها و مخدتش بالها من العربية اللي جايه عليها .. (سالت دمعة من عينيها علي وجنتيها وهي تكمل سردها ) .. و كانت السبب في انها ماتمشيش تاني علي رجليها .. ولا تتنطط زي كل البنات اللي في سنها .. زاد الحمل علي اخوها الكبير عنها في العمر والصغير في نظر المجتمع والناس ..
رفعت "الينا " رأسها لتكفكف دموعها بظهر يدها منصبة بتركيزها علي ما تريده لها ، اعتقدت "دانه" انها قد ملت فسألتها: هي الحدوته ملتوته .. ههه؟
ابتسمت "الينا" ابتسامة صغيرة نافية: لا بالعكس كملي و بعدين..
اكملت قائلة: وبعدين دي أدم يكملها لك بنفسه هو كمان عارف الحكاية دي..
اسبلت عيناها ببلاهة قائلة : بس احنا متخاصمين.. (شردت فيها قليلا) ثم قالت : هي الحكاية دي تبقي انتي و أد..
أومأت لها بالايجاب قبل أن تكمل حديثها قائلة: حاولي تستوعبي ادم يا الينا .. أدم جواه طفل عاش مرار الدنيا بدري و مكنش بايده الاختيار.. أدم قالي انك تبقي بنت مهران السيوفي و هو نفسه اللي أمي كانت بتحبه زمان قبل ما تتجوز بابا.. و برغم ان والدك كان السبب في موت أمي زي ما عمتي قالت لنا .. الا اني حبيتك من غير ما اعرف اصلك ايه .. و شفت حبك في عيون أدم وهو بيكلمني عنك ..
نظرت للأرض في خجل و قررت ان تفصح لها عن تلك الفوضي التي بداخلها و تحكي لها عن علاقتها بـ عدي و الاتفاق الذي وضعه اخيها شرطا لانتقامه..: انا هقولك علي كل حاجه من البداية.
- وانا مستعدة اسمعك للنهاية.
...............
في تلكم الأثناء في المشفي الخاص في قسم العناية المركزة و الساعة أوشكت علي منتصف الليل كان يقف أمامه متجهما ، بملامح مبهمة حزينة يائسة .. لا يعلم أمن المفترض ان يتقطع قلبه عليه أم أن يتشفي فيه ..
- بص لحالتك وصلت نفسك لفين بأنانيتك .. ؟ الفلوس نفعتك بحاجة دلوقتي؟ شللك ملوش علاج .. حسيت بعجز بنتك الوحيدة وهي قضت عمرها كلها علي كرسي متحرك ... عشان مكنش معايا فلوس اعملها عمليه وهي صغيرة والحقها.... انا مش عارف اقولك ايه بصراحة ....ما سبتش ليا اي فرصة تشفعلك جوايا .. قلبي حجر ناحيتك .. اللي فيك دا عدل ربنا وجب التنفيذ و انا بشوفه قدام عنيا..
كان وجهه مجعدا بكسرات الحزن والأسي شفاه السفلية متجانفة ترتجف بهمهمات غير مفهومة لعدم قدرة لسانه علي التحرك بسبب تلف معظم الاعصاب ، يده مكورة ببعضها كالملتصقة لا يقوي علي تفريق أصابعه عن بعضها .. لم يجد غير الدموع سبيلا في التعبير عن ندمه..
مما جعل الحجر الراكد داخل صدر "أدم" ينصهر و يسلك طريق العودة الى الرقة مرة أخري.. لكن لا .. لن يري دموعه ابدا.. نهض مغادرا قبل أن يراه ..
حاول ان يتخطي زوجة أبيه "ديانا" ولكنها استوقفته حين امسكته من ذراعه قائلة :انتظر.
وقف مواليا ظهره لها مكفكفا دموعه قبل ان تراها..
نظرت لها بحزن علي حالته حين وقفت أمامه ثم قالت بانجليزيتها المعهودة : اعلم انك لن تضعني يوما في مقام والدتك.. علي عكسي فأنا فخورة لكونك شقيق ابني .. و مكانتك اضحت مثله في قلبي منذ قابلتك .. سأخبرك بما أعرفه عن ماضي والدك .. أنت تشبه في تسرعك بالحكم على الأمور أيضاً ..التسرع هو من أوقع والدك في كل ما هو فيه .. و لكي تنسي الماضي لابد ان تحله من جذوره اولا .. كن قويا فقد يكون أقرب الناس إليك هو من غرس السكين في منتصف ظهرك..
ربتت علي كتفه برفق ثم استدارت لترحل و لكنها نظرت اليه مرة اخري و قالت : احنا مسلمين و اللي جوا دا والدك مهما عمل ....وله حقوق عليك .. و اخوك كمان ... اطمن عليه لانه معتقد انه السبب في اللي حصله مع انه عمله عشان يرضيك انت .. و تتقبل وجوده في حياتك لانه مش عاوز يرجع يبقي وحيد تاني.
كل تلك العبارات كانت بمثابة دلو بارد سكب فجأة علي رأسه ليقظه من ضياعه و هوجاويته ..
نظر لغرفة العناية مرة اخري ليلمح والده من خلف الزجاج مازال يبكي.. ما رأه جعله يعيد حساباته في دقيقة .. و يتخذ عدة قرارات ستكون نقطة تحول في حياته..
.............
قضت ساعتين تحكي لها عن كل ما حدث معها منذ خسارة والدها و مجيئ "ماهر" إليه ليخبرهم بموضع الثأر و حتي تلك اللحظة ...
أدلت بكل شئ ماعدا ما سمعته من عمتها فهي لم تتأكد بعد..
- تقصدي ان الدكتور عدي دا جاي يعالجني عشان يبقي جمبك و قريب منك و يقدر يتواصل معاكي ..
لم تجيبها بل اكتفت بالنظر اليها في حيرة من أمرها .. فهي لا تعرف نواياه..
شردت "دانه" قليلاً ثم مدت يدها اليها تحثها علي النهوض قائلة : متقلقيش يا حبيبتي .. قومي نام وان شاء الله الموضوع دا هـ يتحل ..
كان الارهاق قد تملكها بالفعل لذا انصاعت كالمغيبة عن الوعي و ذهبت لتنام في فراشها لتغادر "دانه" الي غرفتها و تلتقط هاتفها و ترسل بـ رسالة الي طبيبها الجديد : انا دانه الشرقاوي .. حبيت افكر حضرتك ان اول جلسة للعلاج الفيزياء بكره هجي أنا المستشفى في الميعاد اللي حددته عشان تيجي لي فيه ...
قالت ذلك ثم وضعت هاتفها جانبا لتصدر عنه اهتزازة تدل علي وصول رسالة اليها .. التقطته لتجده قد رد عليها قائلا : " فاكر .. و علي ميعادنا بكره في انتظارك "
لوت فمها بابتسامة متهكمة من رده الذي جعلها تقول : انتظر قضاك..
...........................
نهاية الفصل..
جاري اعادة كتابة باقي الفصول ارجوكم ماتستعجلوش و صبر علي لو سمحتم .. مش عاوزه اضيع اسلوب الرواية في الاخر.. شكرا من القلب لكل تعليقاتكم علي الفصل اللي فات انا مش لحقه ارد عليها غصب عني اعذروني بس قراتها كلها بلا استثناء و هرد عليها بعد ما انتهي من نشر الرواية باذن الله.
أنت تقرأ
"سَيِّدَةُ العِشقُ" (ثنائية من جزئين)
Romanceلا أحلل نقل او الاقتباس نهائيا بدون موافقتي ******* كانت تتمني ان يخلقها الله فتى لتصبح سندا لوالدها.. ورغم تصرفاتها الصبيانيه الا انها اضحت في ليلة سيدة للعشق.. ليهبط هو بطائرته علي مطار حياتها ويسرقها لتصبح كبش فداء لثأر لا ذنب لها فيه .. فهل...