38. قبري أو طريق جديد.

1.2K 146 23
                                    

سباستيان.

"كان ذلك أبي."

لم تبدُ على ملامحه الصدمة، كان يرمقني وكأنه ينتظر سماع باقي القصة حتى يدلي برأيه، وشرعت بالحديث متجنبًا الاصطدام بنظراته في نوع من الرهبة. إن حكايتك ليست المشكلة الأكبر..بل ذاك الذي يستمع.

"قبل أن أفر من بلاد الجوع كان أبي وعمي يديران عملًا مشبوهًا ما، لم أعرف ما هو وكنت أكثر جبنًا من أن اسأل..شعرت بأن كل شيء حولي سيتلاشى ما أن أدرك الحقيقة. في ليلة ما ذهبت لكوخ رفيقي، الحق أنني لا أذكر اسمه حتى..كان السواد قد طلى عيناي بالفعل ما أن طرقت الباب."

هيدال ينصت في تركيز، هيدال ينسى لايدا ونمره ويهز حاجبيه في حزن تارة وفي ترقب تارة، هيدال يراقبني بينما أبلع ريقي وأدعو بداخلي ألا أجزع بعدما أردف بكلامي التالي.

"كان أبي يتاجر بالبشر، وكان رفيقي وعائلته من ضمن 'بضاعته' كما سماها..كانوا أمًا وطفلين إثنين. أخبرني صديقي أنه كان يمتلك ثلاثة أخوة آخرين قد ماتوا جياعًا كما أخبرني بأنه كان يعيش في قصر فخم يجهل مكانه قبل أن ينتقل لهنا. لكن ذلك كان صعب التصديق. المشكلة كانت أن أمرًا سري قد وصل لأبي وعمي ينص على أن يتخلصا من تلك العائلة تمامًا. حين اقتحمت الكوخ بحكم صدقاتي القوية مع رفيقي وجدت جثثهم منبطحة كأنها مواشٍ بلا ثمن، بل أنني لم أرَ قط مواشٍ تقتل بذاك الشكل. أصابني الهلع، صرخت، تقيأت، وحين رفعت عيناي بصعوبة كان أبي يقف أمامي برفقة عمي الذي لوح بخنجره في الهواء غير آبهًا بوجود طفل مثلي أمامه."

هيدال مازال يستمع، أعرف أنه يريد مواساتي لكنه مازال ينتظر تلك اللحظة التي أنهي فيها القصة.

"أردت أن أنسَ كل ما رأيت فهرعت للخارج وركضت مبتعدًا قدر استطاعتي، تبعني أبي مناديًا لي مرارًا. كان يلفظ بمبرر رديء بعد كل مرة يذكر بها اسمي، 'لقد كان يجب أن أفعل ذلك'، 'انت لن تفهم أهمية هذا الآن'، 'ما أفعله هو دائمًا الأفضل لك' ، كنت في حال سيئ لا أقدر على التفكير به. تلك اللحظة التي كنت أحاول تجنبها بدت وكأنها تحاصرني باستماتة وتأبى أن تتركني على جهلي...الذي لم يكن بالضبط جهلًا. كنت أعرف منذ عدة أسابيع أن أبي يتاجر بالبشر كما كنت أعرف بعلاقة عائلة صديقي بأبي، لكنني تجنبت الأمر، هربت منه كأنه لم يكن ثم هربت من أبي كأن الركض سينجيني."

رفعت عيناي نحوه وراقبت الدموع متكدسة في مقلتيه، اختلط علي الأمر فلم أعد أفهم إن كان يبكي لأجلي أم أنها دموعه القديمة تأبى أن تجف.

"في لحظة ما ضاق صدري وتوالت على قلبي النبضات، رفعت جذعًا خشبيًا ثقيلًا لا أعرف كيف تحملت وزنه وإنتظرت أبي حتى عثر علي. كان مايزال يلفظ بأعذاره الدنيئة. فجأة لم يعد يبدو كأبي..بالرغم من أنه لم يبدُ كذلك من قبل، لكن الأمور صارت مختلفة في تلك اللحظة. شيء ما بداخلي كان يخبرني أن أنتقم لصديقي وعائلته، أن أنتقم لنفسي ولكل شيء تلاشى فور أن رأيت الحقيقة..أن أتخلص من هذا الوحش الذي يأخذ خطواته نحوي في تردد وكأنه يرى نواياي مكتوبة في عيني."

أليماندرا- | الطريق لك |حيث تعيش القصص. اكتشف الآن